الموت ثقافة حياة لا تنقطع

الموت ثقافة حياة لا تنقطع

صحيح أن هذا العالم يضج بالحياة، لكنها حياة مليئة بالألم والخوف والفقر، إن عالمنا هذا لهو عالم الحروب، والبحث عن السيطرة، والنزاعات التي لا تنتهي. قد يقول قائل أن هذه السوداوية لا مبرر لها، فالحياة فيها الفرح، واللعب، وشعور النصر والافتخار، وفيها نشوة المكيدة ونزع الكرامات. وهذا صحيح إلا أنّ الغصص هي ثمرة ما بعد كل ذلك؛ غصة المرض وغصة الموت الذي لا بد منه لكل حي – شقيًا أو سعيدًا، فقيرًا أو غنيًا، امرأةً أو رجلًا، بل كبيرًا أو صغيرًا – وكما تلحظون هنا لم أتحدث حول الحياة التي فيها الصدقة والعبادة  بما هي ممر للآخرة، ولم أتحدث عن هذه الأرض بما هي متنزل الرسالات ومثوى الأنبياء والرسل والصالحين، بل أتحدث عن فلسفة الإسلام باعتبار الدنيا مزرعة الآخرة، لأن كل ذلك يحتسبه أصحاب “ثقافة الحياة” أنه من “ثقافة الموت”. وبفهمنا أن ذلك كله من عبادة وغيرها ميزتها أنها لا تنقطع ولا تنتهي لأنها ترتبط برؤية ترى في الموت استمرار الحياة.

          أما النظرة التي تنظر للحياة على أنها تنقطع بالموت، فهي المرتهنة بالموت الانقطاعي. وبالتالي كل رؤية تنظر للحياة على أنها الفرصة الوحيدة وأن ما بعدها، لا حياة، هي نظرة سوداوية، مقفلة بخاتم الموت حتى ولو أسماها أصحابها “ثقافة حياة”.

          من هنا من حقنا أن نسأل هؤلاء، ما هي الحياة عندكم؟! هل هي هذا الصخب من إثارة الشهوات، وتكديس المال والمظالم، وفرض الحروب، دون أي إحساس برقيب عادل؟!

          لأنه بفهمنا هذه ثقافة: اللهو واللعب، والحديد، والنار…

          أما فهمنا للحياة، فهي أنّ الإنسان وُلد ليحيا عزيزًا وليتحدى كل الابتلاءات. بما فيها الحروب بالجهاد، والفتنة بالتدبير، والفقر بالصبر، والكدح بالتضامن، والألم بالاحتساب…

          إنّ ثقافة الحياة عندنا لا تتبلور إلا بأن نعتاد مواجهة الموت، وأهم مفصل في ذلك أن يمثل الموت فرصة حياة أعلى.. فهذا ما عندنا، هاتوا ما عندكم.. نعم لن تعوا نعمة الحياة، إلا إن فهمتم أنّ ثقافة الموت تعني استمرار حياة لا تنقطع..

الشيخ شفيق جرادي

الشيخ شفيق جرادي

الاسم: الشيخ شفيق جرادي (لبنان) - خريج حوزة قُمّ المقدّسة وأستاذ بالفلسفة والعلوم العقلية والعرفان في الحوزة العلميّة. - مدير معهد المعارف الحكميّة (للدراسات الدّينيّة والفلسفيّة). - المشرف العام على مجلّة المحجة ومجلة العتبة. - شارك في العديد من المؤتمرات الفكريّة والعلميّة في لبنان والخارج. - بالإضافة إلى اهتمامه بالحوار الإسلامي –المسيحي. - له العديد من المساهمات البحثيّة المكتوبة والدراسات والمقالات في المجلّات الثقافيّة والعلميّة. - له العديد من المؤلّفات: * مقاربات منهجيّة في فلسفة الدين. * رشحات ولائيّة. * الإمام الخميني ونهج الاقتدار. * الشعائر الحسينيّة من المظلوميّة إلى النهوض. * إلهيات المعرفة: القيم التبادلية في معارف الإسلام والمسيحية. * الناحية المقدّسة. * العرفان (ألم استنارة ويقظة موت). * عرش الروح وإنسان الدهر. * مدخل إلى علم الأخلاق. * وعي المقاومة وقيمها. * الإسلام في مواجهة التكفيرية. * ابن الطين ومنافذ المصير. * مقولات في فلسفة الدين على ضوء الهيات المعرفة. * المعاد الجسماني إنسان ما بعد الموت.  تُرجمت بعض أعماله إلى اللغة الفرنسيّة والفارسيّة، كما شارك في إعداد كتاب الأونيسكو حول الاحتفالات والأعياد الدينيّة في لبنان.


الكلمات المفتاحيّة لهذا المقال:
الموتالثقافةالحياةللحديث صلةالإنسانشفيق جرادي

لا يوجد تعليقات

أكتب تعليقًا
لا يوجد تعليقات! تستطيع أن تكون الأوّل في التعليق على هذا المقال!

أكتب تعليقًا

<