تاريخ التكفير وجغرافيا السياسة

تاريخ التكفير وجغرافيا السياسة

دراسة: حول خطر التكفير على الأمة والعالم، وارتباط التكفير بالسياسة الاستعمارية

مقدمة
الشعرة التي بين الإيمان والتعصب.

إذا كان للتكفير ماضي، هو تاريخه الممتد عبر الزمن، فلا بد من أن يكون له أرض أو جغرافيا تستقبل دعوات التكفير، مثلما تستقبل دعوات السماء، وهنا يرتبط التاريخ بالأرض، وبالسلطة السياسية فوق تلك الأرض، ومن هنا نبدأ بحثنا حول تاريخ التكفير وجغرافيا السياسة.

إن الحديث عن التكفير يحتاج من الباحث العودة لأصول الفكر التي تروج لتكفير الغير؛ لأن التكفير لو ظل قاصرًا على الاتهام وحده لهان الأمر، ولكن التكفير يقود لقتل المخالف في الرأي، أو المذهب، أو الدين، وهنا تكمن المشكلة، فبداية التكفير تبدأ بالتعصب والعنصرية، ثم تنتهي بالتكفير الدموي، ولقد عرفت كل الأديان جماعات التكفير، ففي اليهودية وجد الفريسيون، وهم الذين حاولوا صلب المسيح (ع)، وهم الذين قالوا لبيلاطس الوالي الروماني في فلسطين: “اقتله، دمه علينا وعلى أبنائنا… ليمت رجل وتحيا الأمة”[1]، وفي المسيحية وجدت جماعات تكفيرية تطالب بذبح كل اليهود لأنهم صلبوا المسيح كما اتهموهم، وبسبب هذا الاتهامات ظلت أوروبا تواجه حروبًا دينية بين المسيحيين بعضهم البعض، وإقامة مذابح لليهود طوال ثلاثة قرون سابقة على الثورة الفرنسية عام 1789 م، وفي التاريخ الإسلامي، وهو ما يعنينا في هذا البحث، فمنذ بدء الدعوة الإسلامية على يد الرسول الكريم (ص)، وُجِدَ التكفير عند فئة هي الخوارج. يقول ويل ديورانت، المؤرخ الأمريكي صاحب موسوعة “قصة الحضارة”: العقائد الفاسدة هي التي يموت في سبيلها البعض أشرف ميتة[2]. كتب ديورانت هذه العبارة بعد أن رصد تاريخ الأديان والشعوب، وبعد أن اعتبر الحروب التي اشتعلت في أركان الدنيا كان سببها فهم الدين، أو رؤية رجال الدين للنص المقدس الذي يفسروه، وهي الرؤية التي جعلت البابا أوربان الثاني يقول عام 1095: “الرب يريد هذه الحرب”؛ (أي الحروب الصليبية)، ولم يطلب منه المؤمنون الطيبون أي دليل على أن الله يريد الحرب. ورد على من سأله بأنه يوجد مسيحيون في بيت المقدس قد يُقتلون، فقال بكل الإيمان التقي المتعصب: “اقتلوهم وسوف يميز الرب عباده”. وهي نفس الرؤية أو الفتوى التي قالها الشيخ ابن تيميه عندما طلب منه بعض المسلمين الطيبين أن يفتيهم: هل يقتلون أسرى المسلمين الذين يتحصّن بهم الأعداء أو يتمترسون من خلفهم؟ فقال: “اقتلوهم وسوف يحاسب الله الناس على نياتهم”. نفس الموقف، وإن اختلف الدين، والطبيب اليهودي موردخاي جولدشتاين الذي  قتل المسلمين الفلسطينيين في الحرم الإبراهيمي وهم يؤدون صلاة الفجر عام 1994 كان يؤمن أنه يتقرب إلى الله بهذه  الدماء المراقة، ثم اعتبره اليهود بطلًا، وجعلوا من قبره مزارًا مقدّسًا. ولنقس ذلك على الحروب الكبرى في التاريخ القديم والحديث نجدها دائمًا تقترب من الدين أو استخدام الدين من أجل إشعال الحماس في الحروب، أو تكريس الاستبداد[3]. ومن هنا نتساءل: لماذا يزداد التعصب عندما يزداد الإيمان؟ وهل طلبت الأديان السماوية من المؤمنين بها أن يتعصبوا للدين فيرفضوا الآخر أو يقتلوه أو يسجنوه؟ وإذا لم تطلب الأديان ذلك فمن ربط التعصب بالإيمان؟ ولماذا لا يشن الحروب سوى  المؤمنون المتعصبين حتى صبغت الأرض بالدماء عبر قرون من التاريخ الدامي، ووصل الأمر بالملحدين للقول بأن الأديان تفرّق، والإلحاد يجمع؟ إن الإيمان الغالب هو الإيمان المتعصب، الإيمان الخاطئ الذي يرى أنه يمتلك الحق المطلق، وأن كل ما عداه باطل يجب محاربته، وهؤلاء المؤمنون لا يرون أنهم متعصبون، لأنهم لا يرون الشعرة التي تقرن بين الإيمان والتعصب، إن كل ما يعيش عليه المؤمن المعاصر مستمد من تراث ديني قديم، أو فهم للدين، كما يراه رجال الدين، وليس كما جاء في الدين نفسه، وكلما يريد الباحث أن يصل إلى نتيجة تسعفه في تحليل ظاهرة إيمانية متعصبة لا بدّ أن يعود لذلك التراث، والأمر يطول، ولذا نقصر بحثنا عن الإيمان المتعصب عند المسلمين، لسببين:

السبب الأول: هو أننا نكتب من روح الإسلام، ديننا الذي نفتخر به.

 والسبب االثاني: هو أن الحالة الإيمانية المتعصبة الإسلامية اليوم موجهة للمسلمين أنفسهم قبل غيرهم.

 فكل القتلى من المسلمين تم بناءً على فتاوى إيمانية متعصبة، فالذين قتلوا المواطنين والسياح في مصر والجزائر والمغرب وإندونيسيا وغيرها من بلاد العالم أخذوا فتاوى الدين من شيوخ مؤمنين متعصبين لا يرون شعرة التعصب، وهؤلاء أخذوها عن إيمان متعصب قاتل عن كتب تراث لا ترقى لفهم الدين كما جاء به رسول الله (ص)، لأن الإيمان المتعصب الإسلامي يقوم على كتب تفسر النص المقدس تفسيرًا خاطئًا، أو تتخذ من حديث نبوي موضوع دليلًا مقدّسًا يبيح القتل، مثلًا هناك حديث يتخذه هؤلاء المتعصبون يقول: “بُعثت بالسيف بين يديّ الساعة، وجُعل رزقي تحت ظلال سيفي، وجُعل الذلة والصغار على من خالف أمري”، أو حديث آخر موضوع “نُصرت بالرعب”، فهل النبي يقول عن نفسه ذلك القول المرعب؟ لا يمكن، أو القول بأن الله جل شأنه نسخ كل الآيات القرآنية التي تدل على سماحة الإسلام مثل ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾[4]، ومثل ﴿وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ﴾[5]، ثم الإدعاء بأن الآية ﴿قَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً﴾[6] نسخت باقي الآيات التي تقول بسماحة الإسلام، وكل ذلك نشر حالة من الإيمان المتعصب القاتل، والغريب أن له أنصاره وعلماؤه وإعلامه، فنشر الجهل بالإيمان الحقيقي، وعمّم الإيمان القاتل الذي لا يبقي ولا يذر.

إن العالم بأسره يعيش عصرًا يمكن تسميته عصر الإرهاب، وللأسف فإن هذا الإرهاب يقوم به من يسمون أنفسهم مسلمين، فمن داعش إلى أنصار بيت المقدس، ومن بوكو حرام إلى جبهة النصرة، والإرهاب يقع في مصر وسوريا والعراق ونيجيريا وباكستان، كما يقع في فرنسا وأمريكا وألمانيا، فلا توجد دولة اليوم في منأى عن الإرهاب، في هذا الإطار نجد لزامًا علينا أن نحاول محاربة هذا الإرهاب، ولا تكن محاربته فاعلة إلا بعد رصد الأطر الفكرية- الدينية التي يقوم عليها، ثم محاربته بتجفيف منابعه الفكرية قبل محاربته بالسلاح.

إن الحديث عن الخطر التكفيري على الأمة الإسلامية، وعلى العالم بأسره يستلزم الحديث عن الفكر، أو الحاضنة الفكرية لهذا الفكر نفسه، لأنه هو الذي يقود شباب التكفير إلى القتل، بناء على فتاوى شيوخ، حيث إن أي فعل لا بد أن يسبقه فكر، والفكرة كالثمرة تنمو إذا وجدت من يرعاها، وفكر التطرف هو المنظّر الأول لفعل التطرّف أو الإرهاب، فالفكر الإرهابي قد يكون في صورة فتوى، أو رأي يأخذه من يقوم بالفعل كغطاء ديني، أو تنظير سياسي.

والحقيقة أنه عند البحث عن مصدر فكر التطرف والسعي للتغيير باليد، نجده بعيدًا كل البعد عن أي دين، خاصة دين الإسلام الذي شعاره لا إكراه في الدين، ولكن من يقومون بالفعل يتأولون الآيات والأحاديث بما يخدم فكرهم.

وفي كل الأحوال نحاول في هذا البحث أن نعود بفكر التطرف عند المسلمين، وليس عند الإسلام بطبيعة الحال، فأول ما نجد أن كلمة “إرهاب” مشتقة من الفعل (أرهب)؛ ويقال أرهب فلانًا: أي خوّفه وفزعه[7]، وفي القرآن الكريم جاءت الكلمة للتخويف والتهديد لردع العدو مثل: ﴿لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ﴾[8]، ﴿وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ﴾[9]، ﴿تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾[10]. ومن خلال قراءة تلك الآيات نجد أن القرآن الكريم خاليًا من المصطلح الإرهابي بالمعنى الاصطلاحي الحديث الذي يعني ترويع الناس بالقتل لأنهم مخالفون في الرأي أو العقيدة أو المذهب، والآية الوحيدة من سورة الأنفال ﴿تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾ تشير إلى إخافة العدو لكي لا يواصل اعتداءه، لأن إخافة العدو تجعله يفكر قبل أن يبدأ أي محاولة للاعتداء على القوم، فهو معنى دفاعي وليس هجوميًّا، ومن ثم علينا التأكيد على أن القرآن الكريم وسيرة النبي المصطفي الأكرم (ص)، والأئمة (ع)، وباقي أئمة المسلمين علماء كل المذاهب تخلو تمامًا من كل ما يسيء للإنسان في نفسه وبدنه وضميره، وهنا يأتي السؤال الملح: إذا كان الإسلام كذلك في تسامحه وعدله الذي يشمل الجميع يحرم إيذاء النفس فضلًا عن قتلها، كما يجعل الدفاع عن الأوطان مثل الدفاع عن الدين. فمن أين أتى التكفيريون بأفكارهم التي تكفر المجتمع وتقوم بالعمليات المتطرفة؟ ولو تأملنا فكرهم نجده يعود لأصل واحد هو الفهم الخاطئ والتأويل المتعسف لآيات القرآن الكريم، والتي تذهب لغير المعاني التي يجب فهمها على حقيقتها القرآنية، فالعنف الذي يمارسه التكفيريون إنما هو إفراز لفلسفة الإرهاب التي تتبناها، وثمرة لفقه خاص وضحل الثقافة، وله وجهته ومفاهيمه وأدلته التي تستند إليها هذه الفئة من الناس. ومن نظر إلى جماعات العنف القائمة اليوم في عالمنا العربي والإسلامي مثلًا، وجد لها فلسفتها ووجهة نظرها وشيوخها وعلماءها وفقهها الذي تدعيه لنفسها وتسنده بالأدلة من القرآن والسنة، فتعتمد على المتشابهات وتدع المحكمات، وتستند إلى الجزئيات وتهمل الكليات، وتتمسك بالظواهر وتغفل المقاصد، كما تغفل ما يعارض هذه الظواهر من نصوص وقواعد، وكثيرًا ما تضع الأدلة في غير موضعها، وتخرجها عن سياقها وإطارها، فهي  لها فقه يبرر العنف، ويروج لدى بعض الشباب والسطحيين من الناس الذين يقفون عند السطوح ولا يغوصون في الأعماق، وأساسه فقه الخوارج قديمًا الذين كانوا يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم، ومن خلاله كانوا يبررون إرهابهم وتطرفهم وقتلهم لغيرهم المخالفين لهم في الرأي، وأما عن إرهاب الفكر السياسي، فهو فقه التكفير، الذي هو قديم قدم الزمن، ولا يقتصر على الرسالة الإسلامية وحدها؛ والإسلام لم ينج من هذه الرؤيا التكفيرية؛ وعرف بعض المتشدّدين في الدين حتى في عصر النبوة؛ فبعد غزوة حنين وبينما كان النبي الكريم يوزع الغنائم جاء رجل إليه يسمّى حرقوص بن زهير التميمي فقال للنبي (ص): هذه قسمة ما أريد بها وجه الله؛ اعدل يا رسول الله فإنك لم تعدل؛ فقال له النبي: ويحك ومن يعدل إذا لم أعدل؛ وحاول بعض الصحابة إيذاءه؛ فردهم النبي وقال لهم: دعوه؛ فإنه يخرج من ضوضئه قوم يتعمقون في الدين حتى يخرجون منه كما يخرج السهم من الرمية. الرجل كان يعتقد أنه على صواب حتى مع وجود صاحب الرسالة؛ وكان حرقوص من أول الخارجين على الإمام على بن أبي طالب (ع) وهو الذي قال: الحكم لله وليس لك يا علي[11]؛ وحارب الإمام علي الخوارج في النهروان بعد أن ناقشهم وحاججهم فلم يسمعوا له؛ وقُتل حرقوص في المعركة؛ وعندما قال أحد أتباع الإمام له: الحمد لله يا أمير المؤمنين لأن نصرك الله عليهم (يقصد الخوارج) فقال له الإمام: “كلا إنهم في أصلاب الرجال وأرحام النساء”[12]؛ أي أنه كان يعلم أن هذا الفكر لا يعدم أناسًا يتبنونه ويعملون على نشره.                                                             

إن فكر التكفير ظهر منذ البداية، ولا نستغرب وجود هذا الفكر في العصر الذي نعيش فيه؛ ونحن لا نؤرخ لفكر الخوارج القدامى إلا فيما يتعلق بمن أخذ منهم وروج له في الوقت الراهن.

وفي هذه الدراسة التي نتحدث فيها عن التكفير، نتحدث عن حاضنة التكفير، وهي الدعوة الوهابية، التي هي دعوة للجاهلية والتعصب، وهي خطر على الأمة والعالم بأسره، لا بد أن نقرأ موقف الإسلام من التعصب والتطرف فضلًا عن الإرهاب، وعن علاقة الوهابية فكريًّا بالخوارج القدامى، وعن علاقة الاستعمار بالتكفير المعاصر، أي تاريخ التكفير وجغرافيا السياسة، ثم ننبّه على ذلك الخطر على الإسلام والعالم بأسره، في ثلاثة محاور وخاتمة كما سنرى.

المحور الأول: بداية التعصب والإرهاب وموقف الإسلام

انطلقت الدعوة الإسلامية في مجتمع كان يسوده التعصب الأعمى للقبيلة، وتجمع أفراده مشاعر الولاء للأهل والأقارب تحت شعار (انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا)، وتمثّلت مظاهر هذه العصبية في الغزو والثأر، والتعصب للعشيرة والعادات والتقاليد الموروثة عن الآباء والأجداد. وقد استطاعت الدعوة الإسلامية في عهد الرسول (ص)، إخراج الناس من حماة هذه العصبية ومساوئها إلى سماحة الإسلام ورحمته، حيث حلت رابطة العقيدة والإيمان محل رابطة العصبية الضيقة، وأصبح الإيمان والعمل الصالح أساس التفاضل بين الناس.

أولًا:  التعصّب.

يقوم التعصب على تحيّز الشخص إلى طائفة أو مذهب أو قوم أو فكر، فيدفعه ذلك إلى الاعتقاد بأن ما يحمله أو ينتمي إليه هو الصواب الذي لا يحتمل الخطأ، وما عداه هو الباطل المرفوض.

ثانيًا: موقف الإسلام من التعصب.

حذر الإسلام من التعصب الأعمى، لما له من آثار سيئة مدمرة كإثارة الفتن، وغرس مشاعر الحقد والكراهية، وسفك الدماء بين الناس، ومنع الآخرين من ممارسة حقوقهم المشروعة، كحق التعبير عن الرأي. وقد أرسى الإسلام من خلال مبادئه الإنسانية السامية، أحكامًا وقواعد للتعامل بين الناس والتعارف بينهم، تقوم على العدل في المساواة في الحقوق والواجبات، وأكد الإسلام أن أصل الإنسان واحد، وأن الناس متساوون في الحقوق العامة، قال الرسول (ص): “يا أيها الناس ألا ربكم واحد وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي ولا أعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى”[13]. إن ولاء المسلم لعقيدته، لا يتعارض مع مشاعره الفطرية في الميل إلى الأهل والعشيرة والوطن وغير ذلك، ويدل على ذلك قول الرسول (ص) عندما نظر إلى مكة مودعًا حينما أخرجه قومه منها قائلًا: “والله إنك لخير أرض الله إلى الله، ولولا أني أُخرجت منك ما خرجتُ”[14].

وعندما سئل (ص) أَمِنَ العصبية أن يحب الرجل قومه؟ قال: لا ولكن العصبية أن يعين الرجل قومه على الظلم، وليس من التعصب المذموم أن ينتصر المسلم للحق ويعمل على رفع الظلم عن إخوانه المسلمين، ويعمل على تحقيق الخير والمنفعة لهم، بل هو من الأمور الواجبة على المسلم.

ثالثًا: صور التعصب

تتعدّد صور التعصب حسب منشئها النفسي أو المعرفي، فقد ينشأ التعصب في مجتمع إذا وجد بيئة مناسبة له، من حالات نفسية كالغضب والحقد، أو دوافع فكرية تؤثر في العمل والسلوك، قائمة على الجهل وسوء الفهم أو سوء الظن، ومن صور التعصب:

1 . التعصب للقوم.

كان لتقسيم الاستعمار للعالم الإسلامي إلى دول قطرية، وبفصلها عن بعضها البعض عبر حدود مصطنعة، آثار سلبية على وحدته، وهذا لا ينسجم مع دعوة الإسلام إلى وحدة الأمة الإسلامية، وتوحيد الصف والتعاون والتكافل والتضامن فيما بينهم، إن التعصب القومي يعني الانتماء الأعمى لدولة من الدول القطرية التي أقيمت على أساس قومي، والتميز ضد الدول والشعوب الأخرى، وبصورة تؤدي إلى الاحتكاك بين هذه الدول، بسبب النظرة الفوقية، والنزاع على المصالح دون مراعاة للعدل في توزيع الثروات، والذي أدّى تاريخيًّا إلى نشوب حروب مدمرة.

2 . التعصب للرأي.

ويقصد به أن يتعصب الإنسان لأخيه، ويتمسك به، ويعتقد أنه صحيح لا يحتمل الخطأ. بينما يرى رأي غيره خطأ لا يحتمل الصحة، وبالتالي فإنه يرفض آراء الآخرين ويعاديها، حتى ولو كانت صحيحة دون نظر أو تمحيص، وهذا يعني إلغاء الآخر، وعدم الاعتراف بحقوقه وحريته في إبداء الرأي. وأمثال هؤلاء يرفضون الحوار والنقاش ويميلون في الجدل العقيم والجمود. وقد نهى الإسلام عن هذا السلوك، وشرع الشورى التي تحمي الإنسان من التعصب للرأي، وعدم تقبل رأي الآخرين، أو الدخول معهم في حوار هادف بنّاء للتوصل إلى أفضل الآراء وأقوامها. ولقد ضرب لنا الرسول (ص) مثالًا رائعًا في الشورى، فالبرغم من تأييده بالوحي، كان يستشير أصحابه ومن حوله ويأخذ برأيهم إذا كان في ذلك الحق. ومن صور التعصب للرأي ما نراه من تعصب لدى الأفراد والجماعات لحزب أو مذهب أو فكرة مما يدفع إلى النظر إلى الآخرين بازدراء واحتقار وجفاء، ويصل الأمر أحيانًا إلى الخصوم والعداء. وسيرة السلف الصالح من هذه الأمة، تدل على رفضهم لمبدأ التعصب للرأي أو المذهب، حيث كانوا يتقبلون آراء الآخرين، حتى ولو كانت مخالفة لآرائهم. قال تعالى: ﴿وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾[15].

خطورة التعصب الديني.

إن التعصب الديني أخطر أنواع التعصب وأشدها خطرًا على الإنسان وعلى المجتمع، وذلك لسببين:

السبب الأول: إن الدين له عمق في نفس الإنسان، وله تأثير كبير على شخصية الإنسان المتدين، فإذا ارتبط التعصب بالتدين، أصبح التعصب هو الآخر عميق، وأصبح شديدًا، وأصبح يدفع صاحبه إلى أسوأ الأفعال والأعمال.

السبب الثاني: إن التعصب الديني جريمة مزدوجة لأنه يتضمن نوعًا من النسبة إلى الله سبحانه وتعالى، لأن الإنسان الذي يتعصب دينيًّا، يمارس أشياء ومواقف، ويعتقد بأن الله تعالى أراد منه هذا الشيء، وأنه يتقرب إلى الله بهذا الشيء، فتكون الجريمة مزدوجة، لأنه فيها افتراء على الله، لأن المتعصب دينيًّا يمارس تعصبه، وهو يدّعي ويزعم بأن هذه حالة دينية يرضاها ويباركها الله، فالإنسان الذي يمارس التعصب باسم الدين، ينسبه إلى الله، وهذا افتراء على الله، وآيات كثيرة في القرآن الكريم تتحدث حول جريمة الافتراء على الله ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِباً﴾[16]، وفي آية أخرى ﴿آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ﴾[17]

المحور الثاني: تاريخ التكفير

ما يمكن أن نسميه بظاهرة الخوارج تحمل من الامتدادات المعاصرة ما يدعو إلى الوقوف حيالها، ورصد بقايا حفرياتها في التزمّت وتكفير الآخر بانتقاء الحكم الحرفي من النص المقدّس، وما يترتب عليه من فعل إجرائي بجز الرؤوس، وبقر البطون، والسادية في استخدام العنف، كما يروي لنا في ذلك أهل السير والأخبار في مقتل الصحابي عبد الله بن خباب وزوجته وجنينه، والخوارج كبقية المتطرّفين، يعمدون إلى استقطاب الشباب واستثمار نزقهم، فهذا أبو حمزة الشاري عندما خطب في المدينة المنورة سنة 130 هجرية بعد معركة القديد فقال: (يا أهل المدينة…. بلغني أنكم تنتقصون أصحابي: قلتم شبابًا أحداثًا.. شباب والله مكتهلون في شبابهم.. قد باعوا الله عز وجل أنفسًا تموت بأنفس لا تموت)[18].

والغريب في الأمر أن هذه الخطبة لا زالت ضمن بعض المناهج الأكاديمية رغم ما تحمله في تلافيفها من دعوة صارخة للعنف والإرهاب مؤطرة بأسلوب بلاغي غاية في الروعة والإغواء، مثل أي  خطاب تطرفي يستميل النفس، فالثقافة الشفهية قليلة العناء سهلة التلقي، ومن نافلة القول: إن ظهور الخوارج قد ارتبط عند المؤرخين بما عرف بالفتنة الكبرى التي أسفر عنها مقتل أمير المؤمنين (ع)، كذلك ارتبط أيضًا بقضية التحكيم المعروفة أثناء معارك صفين حين رفعت المصاحف بمكيدة سياسية انطلت على الكثير من محاربي الجيشين، فقد كان ظهور الخوارج تعبيرًا عن تناقضات سياسية واقتصادية وسياسية تسربلت بلبوس ديني، إذ لا يمكن التصديق أن هذه التنظيمات الجبارة التي أقلقت الحكومات لعقود متواصلة هي وليدة ساعة التحكيم، أو مقتل عثمان بن عفان، بل الأقرب للتصديق أن تكون هذه الأحداث نتائج وليست مقدمات كما يقول أهل المنطق. فمن قوّاد الخوارج من كان الرسول(ص) قد استخدمه في حروبه مثل حرقوص بن زهير التميمي الذي اشترك أيضًا في فتوحات عمر بن الخطاب، وكان له مقام متقدم بين ثوار البصرة على عثمان، واستمر مقاتلًا في صفوف الإمام علي(ع،) ثم خرج عليه في التحكيم حتى قتل وهو قائد كبير في معركة النهروان. وفي تتبّع لانتماءاتهم القبلية نجد أن معظمهم من بدو تميم الذين سكنوا ما بين البصرة والكوفة بعد الفتوحات الأولى، فمن قوّادهم التميميون فضلًا عن حرقوص بن زهير نجد الكثير من تميم ومن ألقابهم الأخرى (الحرورية)، وهذا لقب جغرافي منسوب إلى منطقة حروراء، وكذلك من ألقابهم (المُحكّمة) لأنهم طالبوا بتحكيم كتاب الله، فكانوا المارقة أي الخارجين عن الدين، وهذا اللقب مأخوذ من(حديث الرمية)…. ومن تتبّع الفقه الوهابي لوجدهم هم الخوارج القدامى، فهم من تميم، وهي قبيلة الخوارج القدامى، ويعتقد الوهابية مثل الخوارج أنهم وحدهم أهل التوحيد الخالص، وأما سائر المسلمين، فهم مشركون لا حرمة لدمائهم وذراريهم وأموالهم، ودارهم دار حرب وشرك!!، كما قال عبد الله بن وهب الراسبي وغيره من قادة الخوارج القدامى، ويعتقدون أن المسلم لا تنفعه شهادة أن (لا إله إلا اللّه محمد رسول اللّه)[19] ما دام يعتقد بالتبرك بمسجد الرسول – مثلًا – ويقصد زيارته ويطلب الشفاعة منه، ويقولون إن المسلم الذي يعتقد بهذه الأمور فهو مشرك، وشركه أشد من شرك أهل الجاهلية من عبدة الأوثان والكواكب! ففي رسالة (كشف الشبهات) أطلق محمد بن عبد الوهاب لفظ الشرك والمشركين على عامة المسلمين عدا أتباعه في نحو 24 موضعًا، وأطلق عليهم لفظ: الكفار، وعبّاد الأصنام، والمرتدين، وجاحدي التوحيد، وأعداء التوحيد، وأعداء اللّه، ومدّعي الإسلام في نحو 20 موضعًا. وعلى هذا النحو سار أتباعه في سائر كتبهم[20]. لقد جاؤوا بعقيدتهم هذه من فكر الخوارج، ويدّعون أنهم ينتمون للسلف الصالح، ولكن السلف الصالح لم يقل بالتكفير أبدًا إلا الخوارج، ولقد نقل ابن حزم الأصل القائل: (إنه لا يكفر ولا يفسق مسلم بقول قاله في اعتقاد أو فتيا)[21]، ثم عدّد قائمة السلف القائلين به، إلى أن قال: (وهذا هو قول كل من عرفنا له قولًا في هذه المسألة من الصحابة، ولا نعلم فيه خلافًا)[22].  

إذن، للوهابية سلف يقتدون بهم في بدعتهم هذه، وهم الخوارج، ومما يثير الدهشة كثرة أوجه الشبه بين الوهابية والخوارج في ما شذّوا به عن المسلمين، حتى إنه ليخيل للدارس أن هؤلاء من أولئك وإن تباعد الزمن، ومن أوجه الشبه والتوافق بين الطائفتين:

أ‌.        شذوذ الخوارج عن جميع المسلمين فقالوا: إن مرتكب الكبيرة كافر… وشذّ الوهابية فكفّروا المسلمين على ما عدوه من الذنوب.

ب‌.   حكم الخوارج على دار الإسلام إذا ظهرت فيها الكبائر أنها دار حرب، وحلّ منها ما كان يحل لرسول اللّه (ص) من دار الحرب، أي تهدر دماؤهم وأموالهم. وهكذا حكم الوهابية على دار الإسلام، وإن كان أهلها من أعبد الناس للّه تعالى وأكثرهم صلاحًا، إذا كانوا يعتقدون جواز السفر لزيارة قبر النبي ومشاهد الصالحين، ويطلبون منهم الشفاعة. ويلاحظ في النقطتين معًا أن الوهابية أشرّ من الخوارج، فالخوارج نظروا إلى أمور أجمع المسلمون على أنها كبائر، بينما ركز الوهابية على أعمال ليست هي من الذنوب أصلًا، بل هي من المستحبات التي عمل بها السلف الصالح من الصحابه والتابعين ومن بعدهم بلا خلاف.

ج .  تشابه الوهابية والخوارج في التشدّد في الدين والجمود في فهمه. فالخوارج لما قرأوا قوله تعالى: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلاَ للهِ﴾[23]، قالوا من أجاز التحكيم فقد أشرك باللّه تعالى، واتخذوا شعارهم (لا حكم إلا للّه)، وهي كلمة حق يراد بها باطل، فقولهم هذا جمود وجهل كبير، فالتحكيم في الخصومات ثابت في القرآن الكريم، وفى بداهة العقول وفى السنة النبوية وسيرة الرسول والصحابة والتابعين. وكذلك الوهابية لما قرأوا قوله تعالى: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾[24]، وقوله تعالى: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَ بِإِذْنِهِ﴾[25]، ﴿وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَ لِمَنِ ارْتَضَى﴾[26]، قالوا: إن من قال بجواز طلب الشفاعة من النبي والصالحين فقد أشرك باللّه، ومن قصد زيارة النبي، وسأله الشفاعة فقد عبده واتخذه إلهًا من دون اللّه، فكان شعارهم (لا معبود إلا اللّه) و(لا شفاعة إلا للّه)، وهى كلمة حق يراد بها باطل، وهى جمود أيضًا وجهل كبير، وجواز هذه الأمور ثابت في سيره الصحابة والتابعين كما تقدّم.

د . قال ابن تيميه منظّر التكفير الأول: (الخوارج أول بدعة ظهرت في الإسلام فكفّر أهلها المسلمين واستحلّوا دماءهم)[27]. وهكذا كانت بدعة الوهابية، وهى آخر بدعة ظهرت في الإسلام، وشهادة ابن تيميه تدينه وتدين الوهابية، كما أن الأحاديث الشريفة التي صحّت في الخوارج ومروقهم من الدين، انطبق بعضها على الوهابية أيضًا… ففي الصحيح عنه (ص) قال: (يخرج أناس من قبل المشرق يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، سيماهم التحليق)[28]، قال القسطلانى في شرح هذا الحديث: (من قبل المشرق أي من جهة شرق المدينة كنجد وما بعدها). الأمور إذن واضحة وكاشفة، وأن أصل الوهابية هم الخوارج، كما عاث الخوارج فسادًا في الأرض، يعيث الوهابيون فسادًا في الأرض، ولكن الخوارج لم يتعاملوا مع أعداء الأمة كما تعامل ويتعامل الوهابيون مع أعداء الأمة.

المحور الثالث: جغرافيا السياسة والخطر التكفيري على المسلمين والعالم

نقصد بجغرافيا السياسة، هو وجود فكر استبدادي داخلي، أو فكر استعماري خارجي، يتحالف مع التكفير، ولو بصورة ضمنية أو بعيدة مستترة، وهو ما نراه في العصر الحديث، عندما تقوم المخابرات العالمية من صهيونية واستعمارية من دعم الجماعات التكفيرية لخدمة مصالحها التي تفتت الأرض والشعوب، وتشعل الفتن والحروب، وجغرافيا أو أرض التكفير الأولى في نجد، ثم تدخّل البريطانيين ليحدّدوا مسار التفرقة بين المسلمين بفتنة التكفير، والحال حتى اليوم، تاريخ دامي، وجغرافيا متمحورة تحدّد الوطن المراد تفتيته، كانت بريطانيا، ثم صارت أمريكا، وفي كلتا الحالتين معهم الصهيونية العالمية، وخدّام الاستعمار في المنطقة، تبدأ بقتل المسلمين، ولا تنتهي بهم، كما نرى هذه الأيام… 

وكما قلنا: إن الخوارج لم يؤثر عنهم أنهم تعاملوا مع أعداء الأمة، قاموا بالقتل العشوائي، ولكنهم لم يتعاملوا مع الأعداء، ولكن الوهابيين تعاملوا ويتعاملون مع الأعداء منذ قيام دولتهم الأولى وحتى اليوم، وذلك مما يلفت الانتباه، فكيف يجتمع النقيضان في وقت واحد؟ ولكنه حدث وما زال يحدث، وهو الأمر الذي يجعلنا نحذر من الخطر الوهابي على الأمة الإسلامية، ومن ثم نقول: إن على شعوب العالم الإسلامي وفي مقدّمتهم العرب التنبّه للألغام التي تزرع في داخل مجتمعاتهم على شكل فتن داخلية دينية، مذهبية أو عرقية قومية، فإن تلك الفتن هي سلاح لإشغال تلك المجتمعات بحروب بين بعضها البعض تؤدّي لانهيار المجتمع وانحدار الفرد إلى أسفل سافلين، بينما ثروات ومقدّرات البلاد تستنزف من قبل الغزاة، ولن يكون مصير العرب وبقية شعوب منطقة الشرق الأوسط بأحسن من مصير الهنود الحمر في الأمريكيتين إن هم لم يستيقظوا من تأثير السموم المخدرة المتمثلة بالكراهية للآخر، وعدم التسامح في قبول الفكر المختلف، وانغماسهم في أوحال الجهل والابتعاد عن الموضوعية والتمسك بالخزعبلات، والابتعاد عن المستجدات  والتطورات العلمية.

لقد تميّز الفكر الوهابي، منذ ظهوره في المنتصف الثاني للقرن الثامن عشر على يد محمد بن عبد الوهاب في بلاد نجد في وسط الجزيرة العربية، بميوله للعدوانية وتكفير المدارس الإسلامية المختلفة عنه، لدرجة أثارت حساسية أقرب المقربين للشيخ ابن عبد الوهاب وهم والده الشيخ عبد الوهاب وأخيه الأكبر الشيخ سليمان بن عبد الوهاب، وأدّى ذلك إلى خلاف شديد انتهى بطرد الشيخ محمد بن عبد الوهاب من قريته الأم حريملاء ليشدّ الرحال لقرى أخرى في الجوار النجدي. وكان التكفير يحمل مسمّى الإصلاح في الدين ومحاربة البدع، ومن خالف تعاليم الشيخ فهو كافر مستباح الدم، فكانت له أخطر الآثار على مجتمع الجزيرة العربية البسيط الذي وجد نفسه يخوض حروبًا طاحنة بين مختلف قبائله كل يكفّر الآخر. ولم يكن التكفير هو السمة الوحيدة للفكر الوهابي، بل كانت هناك سمة أخرى لا تقل خطورة عن التكفير، وهو الفكر الرجعي الداعي للرجوع بالحياة الاجتماعية المادية لقرون عديدة والعيش، كما كان يعيش الرسول (ص) والصحابة دون السماح بالأخذ بأساليب التكنولوجيا الحديثة، أو الانفتاح على المجتمعات البشرية والأخذ بما أنتجته من فكر وعلم، وكان هذا الفكر الرجعي يسوق تحت مسمى التمسك بالكتاب والسنة، ومن خالف ذلك فقد خرج عن العقيدة الصحيحة.

ركز الفكر الوهابي على محاربة الطرق الصوفية السنية التي كانت الإمبراطورية العثمانية تمارسها وتشجعها في كل البلدان التي تحكمها، وأيضًا محاربة التشيّع، ولم تكن الحركة الوهابية هي الحركة الوحيدة التي زرعها البريطانيون في وسط العالم الإسلامي، بل قاموا بزرع حركات أخرى بطابع مختلف تمامًا عن الطابع الرجعي المميّز للفكر الوهابي، ولكنها تصب في خدمة الإمبراطورية البريطانية.

إن هذه الخلفية التاريخية للوهابية توضح بأن الحركة كانت سياسية الهدف بطابع ديني ممكن عن طريقة تطويع المجتمعات الإسلامية، وبأن جذور الحركة خلقت من خارج الإطار الإسلامي لأهداف تخدم الإمبراطورية البريطانية قبل قرنين من الزمن، وحتى لو حدث بعض التصادم مع الحركة نتيجة لسطحية الفكر الوهابي، فهذا لا يعني الاستغناء عنها؛ إذ إنها خدمت أهدافًا استراتيجية للإمبراطورية، وخلاصة القول ولبيان خطر الوهابية على المسلمين نرصد ما يلي:

1 . الفتاوى القاتلة وفكرة التحصّن بالمساجد.

عندما نحاول فهم ومعرفة الدوافع التي تدفع الوهابيين للقتل، نجد أنفسنا مدفوعين للبحث عن الذي منح هؤلاء القتلة فتوى القتل، فالقاتل العقائدي لا يقتل هكذا، ولكنه يعتمد على خلفية ثقافية وفتوى دينية تبيح له القتل، وتضمن له الجنة إذا قُتل أو أُعدم، فمثلًا الذين أشعلوا الإرهاب في أرض الجزائر، وقتلوا ما يقرب من مئتي ألف نفس على مدار عشر سنوات، والذين يقتلون في العراق وباكستان وأفغانستان والمغرب واليمن، الجميع لهم فتوى تجيز القتل وتبيح إراقة الدماء، وعندما نبحث عن تلك الفتوى، نجدها عند الخوارج القدامى، الذين كانوا يقتلون المسلمين، وهم يردّدون الآية الكريمة ﴿وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى﴾[29]؛ أي أنه كان يسابق الزمان والمكان من أجل الإسراع في القتل لكي يرضي الرب !!!، هكذا، ولكن ليس فكر الخوارج القدامى وحدهم، فهناك فقه الخوارج المحدثين، الذين يحرصون على فتوى قتل المسلم قبل المسيحي، وعمومًا نجد أن الشرطة في أية دولة لم تقبض على أحد من القتلة، إلا ووجدت لديه ثلاثة أو أربعة كتب لا غير هي: التوسل والوسيلة لابن تيميه، والتوحيد الذي هو حق الله على العبيد وشروحه لابن عبد الوهاب، والعقيدة الطحاوية للطحاوي (هل هناك عقيدة طحاوية ؟!)[30]، والولاء والبراء لابن باز وغيره، ويمكن بعض الكتب التي تدور حولها تفسيرًا وشرحًا وحواشي وفتاوى وغيرها، وهي الكتب التي يعتمد عليها من يقتل النفس التي حرّم الله إلا بالحق، وللعلم أيضًا هي نفس الكتب المعتمدة لدى ابن لادن والظواهري، وقد استوحى الظواهري كتابه “فرسان تحت راية النبي” من نفس الكتب، وهي أيضًا نفس الكتب التي يقتنيها مقصرو الثياب من الرجال والمنقّبات من النساء، وراجت تلك الكتب التي توزع مجانًا وينفق عليها الملايين من الدولارات، فكل علمهم نابع من تلك الكتب دون غيرها، وبالطبع لا ننسى شيوخ الفضائيات الذين يستقون علمهم من نفس الكتب، وإن كانوا يأخذون من كتب غيرها تتماشى مع فكرهم، ومن خلالها يتهمون غيرهم من المسلمين من المتصوفة، أو الشيعة، أو الأشاعرة، أو علماء الأزهر الشريف، إما بالشرك أو الكفر، كما يتهمون غير المسلمين بالكفر والشرك أيضًا، ويستحلّون قتل الجميع، ولو أردنا تحديد الفكر لوجدناه الفكر السلفي الوهابي، أو الخارجي القديم، فلديهم فتوى إذلال غير المسلم، مثل التضييق عليه في الشارع والمسكن، ووضع علامة تمييز له في الملبس، ولهم فتوى عدم دفن الصوفي أو الشيعي في مقابر المسلمين، ولديهم كذلك فتوى حرمة زيارة قبر النبي الكريم (ص)، واعتبار كل من يزور قبره الشريف مشركًا لا تجوز الصلاة عليه، ذلك هو الأصل في قتل الغير، والشيء الثاني: أن أكثر التآمر يحدث في المسجد، ولو عدنا للمصدر الذي يبيح التحصّن أو التآمر في المسجد، نجد أن عبد الله بن الزبير أول من تحصّن في المسجد الحرام ضد بني أمية، وكانت النتيجة أن ذُبح ابن الزبير وهُدمت الكعبة المشرفة[31]، وهو منهج مخالف لما قام به الإمام الحسين بن علي(ع)، فقد قال وقت خروجه من مكة إلى الكوفة: “لأن أُقتل خارج الحرم بشبر خير من أُقتل في داخله، ولأن أقتل خارج مكة بشبر خير من أن أُقتل داخلها”[32]؛ أي أنه لم يحاول استغلال حرمة المكان من أجل حماية نفسه أو فكره، ولكن ظل تحصن ابن الزبير هو الأصل الفقهي الذي يتحصّن من خلاله كل المتطرّفين في الدين، وهو النهج الذي تحصن به الإسلاميون في المسجد الأحمر في باكستان، وقامت الشرطة باقتحام المسجد وهدمه وقتل المتحصنين فيه، أما التآمر على القتل في المساجد، فإن أول من تآمر في مسجد، كان من رجال الخوارج الثلاثة عبد الرحمن بن ملجم، والبرك بن عبد الله، وعمرو بن بكر، الذين تآمروا على قتل ابن أبي طالب، ومعاوية وعمرو بن العاص، تآمروا بالبيت الحرام بمكة المكرمة[33]، وقاموا بعمليتهم التي راح ضحيتها علي وحده ونجا معاوية وعمرو.

2 . الخطر الوهابي- التكفيري على المسلمين.

ومن أهم أخطار الوهابية التكفيرية في أنه[34]:

أوّلًا: لا يملك أي مشروع سياسي داخلي أو خارجي مطالب بعدالة اجتماعية أو استقلال وطني، بل هو أقرب إلى طرح مشروع قائم على تفاهات وسفاهات من شأنها تشتيت الوحدة وتمزيق النسيج الاجتماعي لا غير، وتصنيف أي شعب وأمة ووطن من الداخل إلى مشرك وموحّد، سواء كانت هذه الأمة تنوع طائفي وديني، أو أمة من مذهب ونسق مذهبي واحد، فأيضًا سيمفونية المشرك والموحّد عاملة أيضًا في عرف هذا التيار !.

ثانيًا: هذا التيار ليس مهيئًا على الإطلاق في العيش في كنف الحضارة والتطور واستخدام آلات العصر وتطوراتها التكنولوجية، وذلك متأتّي من عقيدته السلفية التي ترى في الماضي والعيش بحياة البدائية والبداوة والبساطة أثمن ما تهبه الطبيعة من اطمئنانات روحية ونفسية، ولهذا يعتمد كليًّا هذا التيار السلفي على فكرة الإعداد للجهاد فحسب، والابتعاد والعزوف عن التفكير أصلًا بتطوير الحياة وبناء المستقبل، وتشييد حضارة وغير ذلك.

ثالثًا: أنه في نفس الوقت التيار الذي يرى من عقيدته موالاة السلطان وحرمة الخروج على الحاكم حتى وإن كان فاسدًا، لكنه سرعان ما يجد نفسه في تناقض مع الواقع الذي يعيش فيه في كنف ذلك الحاكم والسلطان الفاسد، لينتقل فيما بعد السلفي التكفيري الوهابي من ظلمة القبول بالحاكم إلى قلق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد وإقامة شرع الله…. وهكذا إلى أن يصل إلى حالة فصام نكد وتضارب نفسي وفكري يعبّر عن ذاته بانفجارات هنا وهناك على الحكومة والدولة والحاكم والمجتمع أيضًا، ولكن بفترات متقطّعة وليست مستمرة. وإن ما فات وربما سيفوت الكثيرين من أصحاب الشأن الإسلامي عامة، التفكير بهذه التيارات المصبوغة دينيًّا. إنّ مثل هذه التيارات السلفية التكفيرية، وخصوصًا منها صاحبة المنهج المذكور وهابيًّا اليوم أنها من أكثر التيارات والحركات الدينية خطرًا على استقرار المجتمعات، وتطور الشعوب والأمم، وكذا هي خطرة جدًّا على نظام الحكم السياسي أيضًا، ولكن في مرحلة من المراحل وليس على طول الخط الماشي مستقيمًا، والتاريخ يحدّثنا وحتى اليوم أن هذه التيارات تعيش أكثر من حالة خطاب داخلية وخارجية، بحيث إنها تبدأ بما ذكرناه من مبادئ: عدم تعرض للحاكم، وفراغ فكري لرؤية وبرنامج سياسي، وعزوف عن الحياة وتطويرها والبناء فيها باسم الزهد والتقوى والتفرغ للعبادة، ولكنّ سرعان ما أن نفس هذه التيارات التكفيرية عندما تشعر أن فكرتها القائمة على تقسيم المجتمع الإسلامي، أي مجتمع إسلامي، سواء كان مجتمعًا متنوعًا، أو مجتمعًا متحد الطائفة والمذهب والدين قد أتت أكلها وأصبحت لها شوكة وأنصار، فسرعان ما تنقلب هذه الحركات والتيارات التكفيرية نفسها على مبادئها هي ليطاح بمبدأ طاعة أولي الأمر السلفي التكفيري الوهابي بمبدأ تحكيم الشريعة، ولا حكم إلا لله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ليجد الحاكم نفسه ومجتمعه مكفّرًا من قبل هذه التيارات، ويحارب على أساس أنه كافر، وليس ظالمًا أو فاسدًا!.

وكذلك هذه التيارات السلفية التكفيرية عندما تجد نفسها أكثر من أربعين إنسان مستعدين للموت أو الشهادة حسب معتقدهم، فإنها ستطالب أولًا بالانعزال عن المجتمع من منطلق الانعزال عن مفاسد المجتمع، ثم بعد ذلك ستتحول إلى تشييد وبناء معسكرات داخل المجتمع منعزلة، وما هي إلا خطوة واحدة لتعلن هذه التيارات التكفيرية السلفية عن نفسها بأنها يجب أن تطبق الشريعة على ما تحت يدها من مساحات وبالقوّة والنار.

أما خطر هذه التيارات على المجتمع فهو لا يقل فظاعة عن خطرها السياسي أو الفكري، بل إن الخطر الغير مرئي والبعيد الغايات لهذا التيارات التكفيرية السلفية هو يبدأ أول ما يبدأ في عملية تمزيق وحدة أي مجتمع، من منطلق أن الفكرة السلفية التكفيرية وخاصة الوهابية قائمة على ضبط المجتمع من خلال إرهابه بالتكفير، أي أن التكفيرية ترى في آلية التكفير أحد أهم عواملها في بناء وحدة مجتمعها السلفي الموحد، ولهذا ترى السلفي لا يخشى القانون أو النظام الاجتماعي العام بقدر خشيته من دخول الكفر على حياته، أو الشرك على هذه الحياة من خلال ممارسته لهذا العمل أو ذاك. ومن هنا نقول: إن السلفية خطر حقيقي إلا أنه غير مرئي يظهر للعيان بعد أن يكّون مجتمعًا منعزلًا غريًبا داخل أطر المجتمع العام، وليعبر فيما بعد عن نفسه بانفجارات مدمّرة تكفر المجتمع وتدعوهم للدخول في مجتمع السلفية بالقوّة والإرهاب، وهذا هو ما يسبب الفوضى الاجتماعية من خلال هذه الحركات والتيارات السلفية والتكفيرية الخطرة في داخل المجتمع، كما أنه نفس السبب والمعنى الذي يفسّر لنا: لماذا كلما وجدت السلفية التكفيرية في مجتمع، وجدته ممزقًا ضعيفًا غير قادر على الدفاع عن نفسه، وغير منتج للحضارة، ولا هو في وارد بناء الحياة والتعايش مع الحضارة.

خطر التكفير على العالم.

إن خطر الوهابية لا يقتصر على الشيعة فقط أو الصوفية أو الأشاعرة، ولا هو خطر على سوريا والعراق واليمن وباكستان وغيرها من دول المسلمين، وبالرغم من أن الشيعة هم  المتضرر الأول من الوهابية، وأنهم أكبر ضحاياها منذ نشوئها قبل أكثر من قرنين وحتى الآن، بسبب عدائها لمدرسة أهل بيت النبوة والرسالة، وإنما يتعدّى ذلك إلى البشرية جمعاء بغض النظر عن الدين أو المذهب أو الاتجاه الفكري، فمثل خطرها كمثل الخطر العالمي الذي كانت تمثله النازية والفاشية منتصف القرن الماضي، أو كمثل الشيوعية خلال القرن الماضي بأكمله تقريبًا.

إنها فكر شمولي خطير يعتمد التطرّف والعنف والكراهية وإلغاء الآخر، والحقد والتكفير لتصفية الخصم، فهي خطر على الشيعة كما أنها خطر على السنّة، وخطر على الإسلام كما أنها خطر على المسيحية، ويخطئ من يظن أنها في خدمة هذا المذهب أو ذاك الآخر من المذاهب الإسلامية، إنها في نهاية المطاف فكر هدّام يسعى لتدمير الإسلام من خلال تصويره وكأنه دين القتل والتدمير والعنف والذبح، أو كأنه دين لا يعترف بأحد ما لم يسلم أمره إليهم جملة وتفصيلًا وبلا نقاش أو حوار، أو أنه دين متخلف لا يعترف بالآخر ولا يعتمد الحوار والمنطق والدليل العقلي، ولا يعترف بالأديان السماوية الأخرى، أو أنه دين لا يعتقد بالتعايش بين بني البشر، الذين قال عنهم الإمام علي (ع): “الناس صنفان، إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق”[35]، أو أنه دين لا يعترف بالتعدد والتنوع الذي خلقه الله تعالى من أجل خير وصلاح البشرية، من خلال التعارف والتواصل وتاليًا التكامل.  

خاتمة: كيفية التصدي للخطر التكفيري.

بعد عرض تاريخ التكفير وجغرافيا السياسة، يتضح الخطورة الفائقة للتكفير على كل شعوب العالم، شعوب إسلامية وغير إسلامية، فالجميع يعاني، ومن هنا ندرك خطورة هذا الفكر التدميري، ولكن أيضًا نعي جيدًا أن جغرافيا السياسة الصهيونية الاستعمارية لها دور في نشر الخطر التدميري الوهابي-التكفيري، ولمجابهة خطر التكفير، لا بدّ من مجابهة خطر الاستعمار، وخطر الصهيونية سواء بسواء…

وهنا يبدأ دور عقلاء الأمة على أن يقوموا بواجبهم، لحل مشكلات شعوبهم قبل التصدّي للاستعمار والتكفير في وقت واحد، لا بد لقادة الدول الإسلامية أن تصالح شعوبها قبل أي شيء، ثم عندها يمكن اتخاذ خطوات، ونحدد تفاصيل مشروع عمل للقضاء على الفكر التكفيري:

أوّلًا: على المسلمين بمختلف مذاهبهم، أن يميزوا أنفسهم عن الوهابية، وأن يتبرأوا منها، كما أن عليهم أن يوضحوا للعالم بأن الوهابية لا تمثّل الإسلام، وأن فقهاءها وعلماءها فئة ضالة تحاول تسخير الدين لخدمة أغراضها الدنيوية الدنيئة، وإنهم يتلفعون بالدين والدين منهم براء، كما فعل المسلمون من أهل السنة والجماعة وعلى رأسهم الأزهر الشريف في مؤتمر جروزني بالشيشان في سبتمبر / أيلول 2016 عندما اعتبروا الوهابية ليست من أهل السنة والجماعة.

ثانيًا: التحرك على هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي من أجل إصدار قرار دولي يجرم الوهابية، باعتبارها فكر شمولي تدميري لا إنساني يشكل خطرًا على البشرية، خاصة أنه صُدر قرار لاعتبار داعش حركة إرهابية، ولكن يجب إصدار قرار دولي لاعتبار الوهابية حاضنة للإرهاب، وذلك من أجل تشكيل قناعة دولية بهذا الصدد، يلزم تذكير المجتمع الدولي ببعض الحقائق الدامغة التي تؤكد هذه الحقيقة التي نذهب إليها، منها، على سبيل المثال لا الحصر، أن تنظيم القاعدة الوهابي التكفيري وتنظيم داعش الدموي تمكّنا حتى الآن من تجنيد عناصر إلى صفوفه ينتمون إلى أكثر من (57) دولة، ما يعني أنهما نجحا في تجنيد رعايا دول أوروبية، كذلك بالإضافة إلى رعايا الدول العربية والإسلامية، وتجنيد مواطنين من القارة الأميركية وأستراليا وكل دول العالم، فعلى المجتمع الدولي أن يتحمل مسؤوليته الأخلاقية في التصدّي لخطر هذا الحزب المتخلف.

ثالثًا: التحرك على مستوى الهيئات الدولية والعالمية لإدراج زعماء وفقهاء التكفير في القائمة السوداء، لحرمانهم من المال وحرية الحركة والاتصال بالعالم، لمحاصرتهم وتحديد خطرهم، وتاليًا للقضاء عليهم نهائيًّا، وكلنا يعرف جيدًا ما للفتوى الدينية من أثر كبير على عملية غسيل الدماغ التي يتعرّض لها المغفلون من الشباب في مختلف دول العالم، والتي من خلالها نجح الإرهابيون التكفيريون في تجنيدهم إلى صفوفهم، وتحويلهم إلى كتل ناسفة وملتهبة تدمّر الإنسان والحضارة، وتهدّد البشرية بمخاطر جمة.

رابعًا: تنظيم ملفات موثقة وعلمية ودقيقة وبكل اللغات العالمية الحية وغير الحية بجرائم الحزب الوهابي منذ تأسيسه وتمكينه وانتشاره وإلى الآن، بالأسماء والتواريخ والصور والأماكن، ليطلع الرأي العام على وسائله التدميرية التي سخّرها لبسط نفوذه، وكيف أنه أصدر فتاوى القتل والتدمير، وليتعرّف الرأي العام على حجم الخطر الذي يشكّله هذا الحزب الخطير بأفكاره ووسائله، من خلال التعرّف على مساحة ضحاياه الجغرافية.

خامسًا: تنظيم حملة إعلامية وسياسية ودبلوماسية منظمة ومستمرة لفضح هذا النهج الدموي التدميري المتخلّف، وتحذير الرأي العام العربي والإسلامي والعالمي من خطره، ليس على العرب والمسلمين فحسب، وإنما على البشرية جمعاء.

تلك بعض الأفكار حول التصدّي للخطر التكفيري، هو طريق خطيرة، ولكن لا بدّ من السير فيه، والتعامل معه فكريًّا وسياسيًّا وأمنيًّا، من منطلق التاريخ وواقع الجغرافيا…

 

[1] إنجيل متى: إصحاح 27، نسخة إلكترونية، والفريسيون يشبهون في نواحي متعددة الوهابيين، وذلك في تعصبهم ودمويتهم، حتى في ملابسهم.

[2] ويل ديورانت، قصة الحضارة، المجلد 7، عصر الإيمان، (القاهرة: مكتبة الأسرة، 2001)، الصفحة 211.

[3] علي أبو الخير، الشعرة التي بين الإيمان والتعصب، مقال منشور في جريدة المصري اليوم القاهرية، 16 /8/2010.

[4] سورة البقرة، الآية 256.

[5] سورة الحج، الآية 24.

[6] سورة التوبة، الآية 36.

[7] معجم لسان العرب ومختار الصحّاح، نسخة من شبكة المعلومات الدولية الإنترنت، باب الراء والهاء والباء.

[8] سورة الأعراف، الآية 154.

[9] سورة البقرة، الآية 40.

[10] سورة الأنفال، الآية 60.

[11] الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد، (بيروت: دار الفكر الإسلامي، 2001)، الجزء 8، الصفحة 275.

[12] المصدر السابق، ومصادر أخرى في كتب التاريخ الإسلامي مثل البداية والنهاية لابن كثير، وتاريخ الطبري، وغيره.

[13] الإمام  أحمد بن حنبل، المسند، مسند الأنصار، (بيروت: دار العلم للملايين، 1992)، حديث رقم22391.

[14] الترمذي، السنن، كتاب المناقب، (القاهرة: دار الريان، 1987)، حديث رقم 2860.



[15] سورة العنكبوت، الآية 46.

[16] سورة الأنعام، الآية 21.

[17] سورة يونس، الآية 59.

[18] ابن جرير الطبري، تاريخ الأمم والملوك، (القاهرة: مكتبة الفجالة، 1966)، الجزء 7، الصفحة 396.

[19] هذه الكلمة هي كلمة حق أريد بها الباطل كما قال أمير المؤمنين(ع).

[20] للمزيد، يستحسن قراءة كتب التوحيد لابن عبد الوهاب، والتوسل والوسيلة لابن تيميه.

[21] صائب عبد الحميد، الوهابية في صورتها الحقيقية، نسخة إلكترونية ببعض تصرف في عدة صفحات، من الصفحة 37 إلى الصفحة 45.

[22] المصدر السابق.

[23] سورة يوسف، الآيتان 40 و 67، وسورة الأنعام، الآية 57.

[24] سورة الفاتحة، الآية 5.

[25] سورة البقرة، الآية 255.

[26] سورة الأنبياء، الآية 28.

[27] ابن تيميه، الفتاوى الكبرى، (مكتبة السلف الصالح، 1389 هـ)، الجزء 2، الصفحة 476.

[28]  صحيح  مسلم في كتاب الزكاة، باب الخوارج شر الخلق والخليقة (1067(،  (القاهرة: المكتبة السلفية، 1988)، وفي صحيح أبى داوود (4765).

[29] سورة طه، الآية 84.

[30] كتاب العقيدة الطحاوية هو تكرار ما ورد في كتاب التوحيد لابن عبد الوهاب، وقد طُبع طبعات كثيرة جدًّا، ومنها طبعة دار ابن الجوزي، الدمام، عام 1388 هـ.

[31] للمزيد يُقرأ  تاريخ ابن كثير، البداية والنهاية، (بيروت: دار العلم، 1999)، الجزء 7،  الصفحة 246، وما بعدها.

[32] المصدر السابق، الصفحة 377.

[33] قصة المؤامرة على الإمام علي (ع)، في الحرم المكي مشهورة، ووردت في كافة كتب التاريخ مثل الطبري وابن الأثير وابن كثير وغيرهم.

[34] حميد شاكر، الخطر الوهابي، مقالة منشورة على  الموقع الإلكتروني: 

ar-ar.facebook.com/RiskOfWahhabi

[35] من ضمن عهد الإمام علي (ع) لمالك الأشتر عندما ولاه مصر، نهج البلاغة، مجمع أهل البيت (ع) في طهران، 2004، عهد الأشتر.


الكلمات المفتاحيّة لهذا المقال:
المسيحالسياسةالكفرالتكفيرالخوارجالتعصبالإيمان

المقالات المرتبطة

العلم اللّدنيّ في التّصوف: النشأة والدّلالة

في عصرٍ بات تحصيل العلمِ سهلٌ يسير حيث يتلقّف المرء المعارف من كل حدبٍ وصوب، طُرح سؤال حول نوع وقيمة العلم الحديث وحاجتنا لعلم مقدّس (محاولة حسين نصر)…

التأويل السياسي للتنزيل الديني، قراءة في أنماط وثقافة الحركات التكفيرية المعاصرة

البحث يدور حول أنماط فكر وثقافة جماعات الإسلام السياسي، وكيف استخدموا التنزيل الديني لخدمة الغرض السياسي، وكيف تلقفت الدوائر المخابراتية العالمية تلك الجماعات لتفكيك البلاد، خاصة بعد الحراك الشعبي في الدول العربية،

حضور صدر الدين الشيرازي في الدراسات الفلسفية العربية- المرحلة الثانية

الأجواء التي برزت على مستوى الدراسات الفلسفية، هيّأت الأرضية لبروز “مدرسة الحكمة المتعالية” كفلسفة متميزة، وترافق هذا الأمر بالحراك الثوري في إيران

لا يوجد تعليقات

أكتب تعليقًا
لا يوجد تعليقات! تستطيع أن تكون الأوّل في التعليق على هذا المقال!

أكتب تعليقًا

<