الإمام المهدي (عج) وارث الأنبياء

الإمام المهدي (عج) وارث الأنبياء

أحببت أن أراك فسألت عنك في التكايا والحكايا والأحلام المنسيّة. أرشدوني سُبُلاً متفرّقة، دخلت ساحات المساجد، بعثت إليك رسائل أشواقي عبر مجاري الأنهار وآبار المياه القديمة. فتّشت الكتب القديمة، والتحقت بركب البكّائين الندّاءين الملهوفين إليك بشجن الكلمات.

تُهتُ هناك في غاباتٍ باسقاتٍ أروّض النفس عيش العزلة والصبر على مرارة الانتظار. تركت الأهل والأحبّة عساني أخلو بك، مسحت كل أدمع العين وهجرت البسمات عساني أخلص لك.

سيدي ما وجدتك..  اعتراني خوف ما قبل اليأس، اجتاحني قلق إرهاص الشكّ. التفتّ إلى يمين أمري، إلى الناس الذين يلهجون باسمك أملًا صادقًا. إلى قلوب أحبّت كل القلوب وعاشت عندها. إلى الذين ما فارقوا الحضور وما أخلوا ضجيج  الساحات. هناك أحسست حضورًا فاق كلّ الحضور. هناك حيث دفء الفقر يستطيل بعزّ الرضا فخرًا. هناك حيث يربو البرّ فوق البرّ شهادة حقّ يستحيل فيها الجسد روحًا والنفس خلودًا. هناك حيث سنابك الخيل تقارع العين حراب الظلم. هناك حيث يوجّه الانتظار رؤى المصير. وجدتك هناك سنّة رجاء في تاريخ  المسحوقين، وجدتك هناك حبًّا بعد أن كنت أبحث عنك خلاص.

يا حبّ القلب عرشك في القلب لا في الساحات النائيات. بيوتنا نحن الفقراء معابد قداستك. سهولنا حيث النزال محاريب صلاتك. أنت هناك عند هدهدات الأمّهات مقصد الكلمات. أنت فينا المواويل ووجع الفرح المؤذّن بميلاد جديد. أنت فجر حقولنا وسقف البيوت وحبّة القمح المنفطرة سنابل حقول. أنت نحن التي افتقدناها عند السؤال، عندما نسينا أن الحياة إذا تجاوزت فارقت. عندما بحثنا عنك في الأمكنة والأشياء والكلمات، وغفلنا أن السؤال عن الروح فضول كلام؛ إذ إن الروح من أمر ربي وأنت أنت أمر ربي تحيي وتغني وتعزّ وتهب دون انقطاع، والستر فيك هو عين كشف الستر عنك. فمن لم يغب لا يُسعى إليه في متاهات الغياب. ومتى غبت وأنت وارث الأنبياء؟ متى غبت وأنت نجوى نوحٍ عندما التنّور فار؟ متى غبت يا برد سلام إبراهيم عندما الأتون سُجّر؟ متى غبت يا موهن كيد السحرة وفالق البحر لموسى؟ متى غبت يا بُرء المرضى في مسحة عيسى، يا راية الحمد في راح محمّد؟ متى غبت عنّا يا كل تاريخنا، يا ريحان المصير القادم، يا روح عزٍّ ما برح الوجود؟

عذرًا عذرًا سيدي، دروبهم هي التي توّهتني عنك. قالت معالمهم إنك تطلع عند الزلازل وانحجاب الشمس. عندما الظلم يمسي سيد المكان. ونسوا أنك خضرة الأرض وزهو الأزهار فيها الماحي حمم براكينهم، وأنك وجه الشمس المبدّد غبار حروبهم الرمادية السوداء. نسوا أنك من سيجعل الذئب أسير الحمل، نسوا أنك أمان الأطفال في انطلاق ضحكاتهم، نسوا أنك أنت هو أنت عندما جهلوا معنى الحبّ إذا انتصر على الهزيمة.

عذرًا سيدي، انتظرتك خلاصًا واليوم أستفيق على حقيقة أنك الحب الواصل بين الأرض والسماء وأني الغريب الذي تاه بين الأرض والسماء، أني الذي لم يذق بعدُ طعمَ الوطن. أنت الوطن.. فيا ملاذ المستجيرين أجرني. يا كهف المحبّين أقلني. وبعدها ليكن ما يكون إذ أنت الحب وفي الحب يكمن كل خلاص.

يا منّة ربّي إذ قال : ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ[1]

[1] سورة القصص، الآية 5.

الشيخ شفيق جرادي

الشيخ شفيق جرادي

الاسم: الشيخ شفيق جرادي (لبنان) - خريج حوزة قُمّ المقدّسة وأستاذ بالفلسفة والعلوم العقلية والعرفان في الحوزة العلميّة. - مدير معهد المعارف الحكميّة (للدراسات الدّينيّة والفلسفيّة). - المشرف العام على مجلّة المحجة ومجلة العتبة. - شارك في العديد من المؤتمرات الفكريّة والعلميّة في لبنان والخارج. - بالإضافة إلى اهتمامه بالحوار الإسلامي –المسيحي. - له العديد من المساهمات البحثيّة المكتوبة والدراسات والمقالات في المجلّات الثقافيّة والعلميّة. - له العديد من المؤلّفات: * مقاربات منهجيّة في فلسفة الدين. * رشحات ولائيّة. * الإمام الخميني ونهج الاقتدار. * الشعائر الحسينيّة من المظلوميّة إلى النهوض. * إلهيات المعرفة: القيم التبادلية في معارف الإسلام والمسيحية. * الناحية المقدّسة. * العرفان (ألم استنارة ويقظة موت). * عرش الروح وإنسان الدهر. * مدخل إلى علم الأخلاق. * وعي المقاومة وقيمها. * الإسلام في مواجهة التكفيرية. * ابن الطين ومنافذ المصير. * مقولات في فلسفة الدين على ضوء الهيات المعرفة. * المعاد الجسماني إنسان ما بعد الموت.  تُرجمت بعض أعماله إلى اللغة الفرنسيّة والفارسيّة، كما شارك في إعداد كتاب الأونيسكو حول الاحتفالات والأعياد الدينيّة في لبنان.



المقالات المرتبطة

الإسلام وثلاثي: المقاومة، الإرهاب، السياسة

لا يمكن الحديث عن إسلام سياسي، وآخر عبادي. فالإسلام منظومة مترابطة من الاهتمام بالشأن الفردي والسياسي العام في حياة الإنسان والمجتمع.

قصيدة نزار قباني عن الإمام الحسين (ع)

القصيدة من بحر الكامل والقافية الباء الساكنة، وهي عبارة عن حوار دار بين أحد الروافض ومخالف له، وتقع في سبعة عشر بيتًا.

ظهور الحداثة بوصفها جوهرًا ناقصًا

توخى هذه المقالة بلورة مقتضيات التأسيس لمنهج معرفيّ نقدي يتاخم المبادئ المؤسِّسة للنظام الأنطولوجيّ والثقافيّ للحداثة. وانطلاقًا من هذه الغاية، تبدو المباني التي افترضناها أصولًا جوهريّة للحضارة الغربية المعاصرة

لا يوجد تعليقات

أكتب تعليقًا
لا يوجد تعليقات! تستطيع أن تكون الأوّل في التعليق على هذا المقال!

أكتب تعليقًا

<