حدّثنا الثمالي
جاء في دعاء أبي حمزة الثمالي “إلهي لا تؤدبني بعقوبتك“. فما معنى أن أخاطب الله بأن لا تؤدبني بعقوبتك؟
فالعقوبة هي العقاب القاسي والأسلوب الصعب على الإنسان كوسيلة من وسائل التأديب والتربية وإعادة تصويب المسار. وحينما نتوجه إلى الله عز وجل في مطلع دعاء أبي حمزة الثمالي نطلب منه عز وجل أن لا يوقعنا في شر أنفسنا، وأن لا يعاقبنا على ما فعلناه واكتسبناه بأيدينا.
لذا نقول له: يا رب لا تؤدبني، ولا نقول: لا توقع عليّ عقابك؛ لأنّني أعرف ولديّ الإيمان أنّه تأديب من الله إذا عاقبني بالقساوة. رغم ذلك أقول له: يا رب لا تؤدبني بعقوبتك بل برحمتك يا أرحم الراحمين.
فهل تريد أن تعرف الله؟ هل تريد أن ترى الله سبحانه وتعالى بحقائق الإيمان بقلبك كما ورد عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)؟ هل حاولت وفتشت جيدًا لترى كيف السبيل إلى معرفته، وكيف السبيل إلى رؤية رحمته وآثاره ووجوه معرفته؟
يقول لك دعاء أبو حمزة الثمالي وأنت تناجي ربك “بك عرفتك”. إذن، توجه إلى كتاب الله لتعرف الله. وتوجه إلى الأدعية “وأنت دللتني عليك”، ففي الأدعية، والآيات القرآنية، والروايات يوضح الله لنا كيف السبيل إلى معرفته. وانظر جيدًا إلى الأسماء والصفات الحسنى فإنّها كل معالم معرفة الباري، وتدبّر فيها واقرأها جيدًا فستصل حتمًا.
ابحث دومًا عن مصدر ووسيلة وطريق الخير، وعن الأداة التي يمكن لك إذا انتهجتها أن تستفيد منها من أجل أن تحصّل الخيرات. إذًا، من أين يمكن لي أن أحصّل الخير كلّه؟ ومن أين يمكن لي أن أنهج نهج الخير كله؟ ومن أين لي أن أصل إلى ثمار الخير كله؟ إن كنت تريد فعلًا أن تحصل على كل ذلك فإنّ طريقك ودربك وصراطك واضح محدد ولا ثاني له، إنّه كما يقول دعاء أبو حمزة الثمالي: “من أين لي الخير يا رب ولا يوجد إلا من عندك، ومن أين لي النجاة ولا تُستطاع إلا بك”.
ومن جملة ما ورد في دعاء أبي حمزة الثمالي: “الحمد لله الذي أدعوه فيجيبني وإن كنت بطيئًا حين يدعوني”؛ هذه هي طبيعة العلاقة بيننا وبين الله عز وجل التي نحن لا نراها. ونحن نظن في أغلب الأوقات، بل في كل أوقاتنا بأننا نحن الذين نتودد إلى الله عز وجل والله لا يستجيب لنا. هذه هي القاعدة التي حكمتنا، والسبب أنّ قلوبنا لا تبصر بأنّنا بمجرد أن ندعو الله يجيبنا، ويخبئ لنا الإجابة علمًا أنّ الله عز وجل لطالما دعانا إلى أمور يجب أن نكون فيها وتركناها، فابحث أين تركت دعوة الله، ابحث أين لم تستجب لنداء ربك لتعرف تقصيرك ولتعرف عظمة استجابة الله لدعائك.
ما الذي ينبغي أن نشكر الله عليه؟ حقيقة لا نعرف. فهل ينبغي أن نشكر الله على محامده التي أعطانا إياها؟ هل ينبغي أن نشكر الله سبحانه وتعالى على أنّنا رغم كل أخطائنا ومعاصينا وجرأتنا عليه -والعياذ بالله- قد ستر علينا وعفا عنّا؟
حدثنا الثمالي فقال: “إلهي تبدئ بالإحسان نعمًا وتعفو عن الذنب كرمًا، فما ندري ما نشكر؟ أجميل ما تنشر أم قبيح ما تستر، أم عظيم ما أبليت وأوليت أم كثير ما منه نجّيت وعافيت يا حبيب من تحبب إليك”.
أخبرنا الثمالي وعلّمنا، عن إمامه الإمام زين العابدين أنّ للمتوجّهين إلى الله كبوات وكبوات. من تلك الكبوات قوله: “أللهم إنّي كلما قلت قد تهيّأت وتعبّأت وقمت للصلاة بين يديك وناجيتك ألقيت عليّ نعاسًا إذا أنا صليت”.
فهل مرّ معك أنّك حينما أردت أن تصلي شعرت بالخمول، وشعرت بالتعب، وبعدم القدرة على التوجه إلى الله عز وجل؟ يشير أبو حمزة الثمالي في الدعاء أنّ عليك أن تلتفت وأن تحصّن نفسك وتتوجه إلى ربك بحيث تتوجه إليه بكل نفسٍ مقبلة، وبكل ذهن حاضر.
فنعوذ بالله عز وجل من أعمالنا، ونعوذ بالله من أن يقايسنا سبحانه بأعمالنا، ويتخلى عنا من حيث الفضل الذي يمنّ به علينا.
لذلك حدّثنا الثمالي أن نخاطب الله لنقول له: “وأنا عائذٌ بفضلك هارب منك إليك مُتنجِّزٌ ما وعدت من الصفح عمّن أحسن بك ظنًا”.
فأنا يا رب رغم كل تقصيري وذنوبي وغفلتي، ثقتي ورجائي بك، وتعليق الرجاء بعظمتك ورحمتك ومنّك هو الذي يجعلني دومًا أتوجه إليك، ولا أيأس من نفسي حينما أتوجه إليك؛ لأنّ اليأس يعني عدم الثقة بك. وأنا يا رب أثق بك وأنت أرحم الراحمين فاستنقذني من نفسي يا رب العالمين.
المقالات المرتبطة
النخب الإنسانية … بين الملأ البشري والملأ الملائكي
نسمع دائمًا الحديث عن النخبة والنخب، وخاصة النخب الثقافية، في إشارة لتميز تلك النخب على باقي الشعب بالعلم الغزير والثقافة الواسعة…
نهاية تاريخ ونهاية أيديولوجيات
إن أول ما يثير الإنتباه في حوارنا هذا مع داعية نهاية التاريخ، البروفسور فرنسيس فوكوياما، هو ظاهر التحلل من الموقف التمامي الذي رافق أطروحتين شغلتا العالم،
الأمّة الواحدة في رحاب البيت الحرام
إنّ مكافحة الفتن الطائفيّة، والسعي إلى التقريب، والتفاهم، والتضامن، والتعاون بين المسلمين، من ثوابتنا السياسيّة والحضاريّة والاقتصاديّة