في فلسفة الحكم عند الإمام عليّ (ع)
تقوم فلسفة الحكم على وجود حكم، والحكم يقوم على هياكل ومهمّات، فلا تمارس المهمّات دون هياكل أو أجهزة. والإسلام مارس الحكم وقد اعتمد أجهزة تقوم بالوظائف السطويّة. غير أنّ الآراء تتضارب بشأن الحكم في الإسلام، ويرى جلّها أن الإسلام لم يكن لديه نظام للحكم، رغم إقامته حكمًا، بدءًا من عهد النبيّ (ص). فهل أقامه على غير نظام؟
يستشهد عليّ (ع) بالقرآن فيقول: “هل أنزل الله سبحانه دينًا ناقصًا، أم أنزل سبحانه دينًا تامًّا فقصر الرسول عن تبليغه وأدائه، والله سبحانه يقول: ﴿مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ۚ﴾ (الأنعام/38)[1]. فهل الحكم لا شيء حتى يتجاهله الله تعالى؟
ويوضح عليّ الأمر بقوله: “إن الله لم يخلقكم عبثًا، ولم يترككم سدًى، ولم يدعكم في جهالة ولا عمى… وأنزل ﴿عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ﴾(النحل/89)، وعمّر فيكم نبيّه أزمانًا، حتّى أكمل له ولكم فيما أنزل من كتابه، دينه الذي رضي لنفسه، وأنهى إليكم على لسانه محابّه من الأعمال ومكارهه ونواهيه وأوامره”[2]. إذ يقول تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي﴾ (المائدة/3). فهل الدين الكامل لا يتناول مسألة الحكم والمصالح؟( كنز العمال 6/391).
إنّ الحكم أمر من أخطر الأمور بالنسبة إلى الإنسانيّة، كما يعرفه جميع الناس، فهل يمكن أن يتركه الله للأهواء.
صحيح أنّ الرسول (ص) لم يرسم بالقول هيكليّة للحكم، وإن كان أوصى الحاكم بواجبات عليه القيام بها، غير أنّ عدم طرحه ما تستخلص منه نظريّة في الحكم لا يعني أنّه لم يكن لديه نظام للحكم، حتّى لو كان مقتبسًا من البيزنطيّين أو غيرهم. فنحن ملزمون لا بالسُنّة القوليّة وحسب، بل وبالسنّة الفعليّة والممضاة، فيكون النظام الذي سار عليه الرسول (ص) هو نظام الحكم في الإسلام لجهة الهياكل ولجهة المضمون.
كان الحكم هرميًّا على رأسه النبيّ، أو الإمام أو الخليفة، وإلى جانبه معاونوه بمثابة مستشارين ووزراء. وعلى رؤوس الأقاليم عمّال وحولهم مساعدون، على غرار ما في المركز. وممّن يعاون الخليفة أو الإمام، أو العامل (الوالي): الأمير على الجهاد، والوالي على حروب المصالح (للأمن الداخليّ)، وولاية القضاء وولاية المظالم، والإمامة على الصلوات، والولاية على الحجّ، والولاية على الصدقات… ولدى كلّ من هذه الإمارات والولايات موظّفون منفّذون. ويشكّل صلة الوصل بين كلّ رأس جهاز ومساعديه كتاب[3]. هذه الهرميّة ما زالت قائمة عمومًا حتى اليوم مع تنوّع في التفاصيل، بحيث يختفي جهاز لم يعد له وظيفة ويستحدث آخر لتلبية حاجة مستجدّة.
هذا في الشكل، أمّا في المضمون فلا بدّ من التفصيل، وعلى النحو الآتي:
مصدر السلطات
مصدر السلطات في الإسلام هو الله تعالى، “إن الحكم إلا لله”. يقول علي (ع) مع سائر المسلمين، انطلاقًا من قوله تعالى:
﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ﴾ (آل عمران/26) ﴿إن الحكم إلا لله يقص الحق وهو خير الفاصلين﴾ (الأنعام/47). ﴿لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ (القصص/88).
لكن هل يؤيد علي اللاحكم، الأنارشية (l’anarchie)؟ على العكس يصرّ علي على ضرورة الحكم. ففي ردّه على الخوارج يقول علي (ع): “إن الحكم إلّا لله، ولكنّ هؤلاء يقولون: لا إمرة إلّا لله. وإنّه لا بدّ للناس من أمير”[4]. فالله تعالى يحكم بواسطة البشر المستخلفين في الأرض، يفوّض إليهم الحكم، لكن بأي طريقة؟
طرحت نظريات عديدة [5]منها:
- الاختيار من قبل الأمة، على أساس “لا تجتمع أمتي على ضلالة: لكن ليس كل الأمة، بل أهل الحل والعقد، فمن هم؟ تنزل بعض النظريات إلى خمسة أشخاص، وبعضها إلى شخصين، وبعضها الآخر إلى شخص.
- ومنها التغلّب، أي أن يحكم من ينتزع الحكم بالقوة. وتهافت هذه النظرية ليس بحاجة لإثبات.
- العهد من الخليفة السابق، والقائلون بهذه النظرية يقولون إن الرسول (ص) لم يعهد إلى أحد، لكن يمكن للخليفة القائم بالأمر أن يوصي لمن يشاء. وقد تحولت هذه الطريقة إلى ما عرف في العهدين الأموي والعباسي وغيرهما، مما يعرفه القاصي والداني من المسلمين، وحتى من غيرهم.
الوصيّة: هذه النظرية تقوم على أساس أنّ الله تعالى ما كان ليترك حكم المسلمين للأهواء والمصالح والتحالفات التي كانت بارزة إلى حدّ واضح في حياة الرسول (ص). ثمّ هل كان الله ورسوله أقلّ حرصًا على الإسلام من السيّدة عائشة عندما أوصت عبد الله بن عمر، لما طعن والده عمر بن الخطاب، بقولها: “يا بنيّ، أبلغ عمر سلامي وقل لا تدع أمّة محمّد بلا راع، استخلف عليهم ولا تدعهم بعدك هملًا، فإنّي أخشى عليهم الفتنة”[6].
وهكذا فإن رسول الله (ص) أوصى بأمر من الله إلى علي (ع) في حديث الدار، حيث خاطبه أمام “عشيرته الأقربين” بقوله: “إن هذا أخي، ووصي، وخليفتي فيكم؛ فاسمعوا له وأطيعوا”[7].
وقال رسول الله في غدير خم: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى يا رسول الله. فقال: “من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله[8]“.
وهذا ما يقول به علي نفسه. فعَنْ عَمِيرَةَ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: شَهِدْتُ عَلِيًّا عَلَى الْمِنْبَرِ نَاشَدَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيهِمْ: أَبُو سَعِيدٍ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، وَهُمْ حَوْلَ الْمِنْبَرِ، وَعَلِيٌّ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَحَوْلَ الْمِنْبَرِ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا، هَؤُلَاءِ مِنْهُمْ، فَقَالَ عَلِيٌّ: “نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ، هَلْ سَمِعْتُمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: “مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ “؟ فَقَامُوا كُلُّهُمْ فَقَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ، وَقَعَدَ رَجُلٌ، فَقَالَ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَقُومَ؟ قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، كَبِرْتُ وَنَسِيتُ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ كَاذِبًا فَاضْرِبْهُ بِبَلَاءٍ حَسَنٍ، قَالَ: فَمَا مَاتَ حَتَّى رَأَيْنَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ نُكْتَةً بَيْضَاءَ لَا تُوَارِيهَا الْعِمَامَةُ”[9].
غير أن بعض كتب الحديث تنفي الوصية مستندة إلى حديث للسيّدة عائشة[10].
بينما يقول علي (ع): لقد قيض رسول الله (ص) وإن رأسه لعلى صدري، ولقد سالت نفسه في، فأمررتها على وجهي، ولقد وليت غسله والملائكة أعواني…”[11].
ثمّ إن شهادة السيدة عائشة، لو صحّت، لما جاز الأخذ بها، وهي التي شنّت حربًا ضدّ عليّ (ع) عندما بويع، أزهقت فيها أرواح آلاف، بل عشرات آلاف المسلمين.
وفي المقابل، يشهد بحق عليّ (ع) وبالوصيّة معاوية بن أبي سفيان وعمر بن الخطاب.
اعتراف معاوية بحقّ عليّ(ع) بعد النبيّ (ص).
كتب معاوية جوابًا على رسالة بعث بها إليه محمد بن أبي بكر: “وقد كنا وأبوك معنا في حياة من نبينا نرى حق ابن أبي طالب لازمًا لنا، وفضله مبرزًا علينا، فلما اختار الله لنبيه ما عنده وأتم له ما وعده … فكان أبوك وفاروقه أول من ابتزه وخالفه. على ذلك اتفقا واتسقا … فإن يكن ما نحن فيه صوابًا فأبوك أوله، وإن يكن جورًا فأبوك أسسه …” [12].
اعتراف عمر بالوصيّة
روى ابن عباس عن عمر في حديث جرى بينه وبين عمر بن الخطاب، قال: ”أراد أن يذكره (يعني أراد رسول الله (ص) أن يذكر عليًّا) للأمر في مرضه، فصددته عنه خوفًا من الفتنة وانتشار أمر الإسلام، فعلم رسول الله (ص) ما في نفسي فأمسك. وأبى الله إلا إمضاء ما حتم“. وفي رواية أخرى: روى ابن عباس قال: ”دخلت على عمر في أول خلافته و . . . قال: من أين جئت يا عبد الله ؟ قلت: من المسجد قال: كيف خلفت ابن عمك؟ فظننته يعني عبد الله بن جعفر قلت: خلفته يلعب مع أترابه. قال: لم أعن ذلك، إنما عنيت عظيمكم أهل البيت، قلت: خلفته يمتح بالغرب على نخيلات من فلان ويقرأ القرآن، قال: يا عبد الله عليك دماء البدن إن كتمتنيها، هل بقي في نفسه شئ من أمر الخلافة؟ قلت: نعم. قال: يزعم أن رسول الله (ص) نصّ عليه. قلت: نعم وأزيدك سألت أبي عما يدعيه فقال: صدق. فقال عمر: لقد كان من رسول الله (ص) في أمره ذرو من القول لا يثبت حجة ولا يقطع عذرًا، ولقد كان يزيغ في أمره وقتًا ما، ولقد أراد في مرضه أن يصرّح باسمه فمنعت من ذلك إشفاقًا وحيطة على الإسلام. لا وربّ هذه البنية لا تجتمع عليه قريش أبدًا “[13].
أما لماذا جرى تخصيصه بالوصية، فلأنه كما يقول رسول الله: “أنت أول المؤمنين إيمانًا، وأعلمهم بأيام الله، وأوفاهم بعهده، وأقسمهم بالسوية، وأرأفهم بالرعية، وأعظمهم رزية، وأنت عاضدي وغاسلي ودافني والمتقدم إلى كل شديدة وكريهة، ولن ترجع بعدي كافرًا، وأنت تتقدمني بلواء الحمد، وتذود عن حوضي”[14].
عدم نفاذ الوصيّة- الاختيار
عندما تأكّد لعليّ (ع) أن الوصيّة لن تنفذ، لم يدر ظهره للإسلام، بل طرح حلًّا بديلًا، فقال: “الواجب في حكم الله وحكم الإسلام، على المسلمين، بعدما يموت إمامهم أو يقتل، ضالًّا كان أو مهتديًا، أن لا يعملوا عملًا ولا يقدموا يدًا ولا رجلًا، قبل أن يختاروا لأنفسهم إمامًا…”[15].
فمن الذين يختارون الإمام من المسلمين؟
يجيب علي (ع): “وإِنَّمَا الشُّورَى لِلْمُهَاجِرِينَ والأَنْصَارِ، فَإِنِ اجْتَمَعُوا عَلَى رَجُلٍ وسَمَّوْه إِمَامًا كَانَ ذَلِكَ لِلَّه رِضًا، فَإِنْ خَرَجَ عَنْ أَمْرِهِمْ خَارِجٌ بِطَعْنٍ أَوْ بِدْعَةٍ رَدُّوه إِلَى مَا خَرَجَ مِنْه فَإِنْ أَبَى قَاتَلُوه عَلَى اتِّبَاعِه غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ، ووَلَّاه الله مَا تَوَلَّى”[16].
فما هي إذًا المزايا التي يجب أن تتوفر في الشخص المختار للإمامة؟
شروط الحاكم المختار
يطرح عليّ شروطًا إيجابية وشروطًا سلبية:
- الشروط الإيجابيّة.
يقول عليّ (ع): “أن يختاروا لأنفسهم إمامًا عفيفًا عالمًا ورعًا عارفًا بالقضاء والسنة” [17].
ويضيف: “إنّ أحق الناس بهذا الأمر أقواهم عليه وأعلمهم بأمر اللّه فيه، فإن شغب شاغب استعتب، فإن أبى قوتل”[18].
- الشروط السلبيّة.
يحدد علي (ع) الشروط السلبيّة بقوله: “وَقَدْ عَلِمْتُمْ اَنَّهُ لايَنْبَغى اَنْ يَكُونَ الْوالِىَ عَلَى الْفُرُوجِ وَالدِّماءِ والْمَغانِمِ وَالاْحْكامِ وَاِمامَةِ الْمُسْلِمينَ الْبَخيلُ فَتَكُونَ فى اَمْوالِهِمْ نَهْمَتَهُ، وَلاَ الْجاهِلُ فَيُضِلَّهُمْ بِجَهْلِهِ، وَلاَ الْجافى فَيَقْطَعَهُمْ بِجَفائِهِ، وَلاَ الْحائِفُ لِلدِّوَلِ فَيَتَّخِذَ قَوْماً دُونَ قَوْم، وَلاَ الْمُرْتَشى فِى الْحُكْمِ فَيَذْهَبَ بِالْحُقُوقِ وَيَقِفَ بِها دُونَ الْمَقاطِعِ، وَلاَ الْمُعَطِّلُ لِلسُّنَّةِ فَيُهْلِكَ الاْمّة”[19].
فإذا وجد المسلمون غير شخص يتصف بهذه الصفات إيجابيّها ويتنزه عن سلبيّها، أفيختارون أي واحد منهم؟ ندخل هنا في قضية التفاضل، إذ يقول الرسول (ص): “مَنْ تَوَلَّى مِنْ أُمَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا فَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ فِيهِمْ مَنْ هُوَ أَوْلَى بِذَلِكَ وَأَعْلَمُ مِنْهُ بِكِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ، فَقَدْ خَانَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَجَمِيعَ الْمُؤْمِنِينَ“[20].
إذا كان هذا مطلوبًا في العمال، فكيف بمن هو فوق العمال؟
وهنا نعتقد أنه إذا كان الاختيار يجب أن ينصب على الأفضل، وإذا كانت الوصية لا بدّ أن تكون بالأفضل، فإذًا هما يقعان على الأفضل فيلتقيان.
وجوب القيام بالأمر
عندما تقوم الوصية على تحديد أحدهم لحكم المسلمين، أو يجري اختياره، هل له أن يتخلّى؟
يرى عليّ (ع) أنّ عليه واجبًا، لا يمكنه التخلّي عنه من أجل رفع لواء العدل، فإذا عورض، فيقوم إذا توفرت النصرة، إذ يقول: “لولا حضور الحاضر، وقيام الحجة بوجود الناصر، وما أخذ الله على العلماء أن لا يقارّوا على كظّة ظالم، ولا سغب مظلوم، لألقيت حبلها على غاربها، ولسقيت آخرها بكأس أولها”[21].
المساعدون.
وانسجامًا مع شروط التفاضل يحدّد علي شروط اختيار المساعدين، وعلى النحو الآتي:
- القضاة.
في عهده لمالك الأشتر (رض)، كتب عليّ (ع): “ثم اختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك في نفسك ممن لا تضيق به الأمور، ولا تمحكه الخصوم، ولا يتمادى في الزلة، ولا يحصر من الفيء إلى الحق إذا عرفه، ولا تشرف نفسه على طمع، ولا يكتفي بأدنى فهم دون أقصاه، وأوقفهم في الشبهات، وآخذهم بالحجج، وأقلهم تبرمًا بمراجعة الخصم، وأصبرهم على تكشف الأمور، وأصرمهم عند اتضاح الحكم، ممن لا يزدهيه إطراء ولا يستميله إغراء. وأولئك قليل”.
لكن بعد اختيار القاضي لا بدّ من تتبع أوضاعه تعليميًّا ومعاشيًّا وطمأنة. لذلك يضيف علي (ع):
“ثم أكثر تعاهد قضائه، وافسح له في البذل ما يزيل علته وتقل معه حاجته إلى الناس، وأعطه من المنزلة لديك ما لا يطمع فيه غيره من خاصتك ليأمن بذلك اغتيال الرجال له عندك. فانظر في ذلك نظرًا بليغًا، فإن هذا الدين قد كان أسيرًا في أيدي الأشرار يُعمل فيه بالهوى، وتُطلب به الدنيا”[22].
- العُمّال (الولاة).
يقول (ع): “ثم انظر في أمور عمالك فاستعملهم اختبارًا، ولا تولهم محاباة وأثرة، فإنهم جماع من شعب الجور والخيانة، وتوخ منهم أهل التجربة والحياء من أهل البيوتات الصالحة والقدم في الإسلام المتقدمة، فإنهم أكرم أخلاقًا، وأصحّ أعراضًا، وأقلّ في المطامع إشرافًا، وأبلغ في عواقب الأمور نظرًا. ثم أسبغ عليهم الأرزاق فإن ذلك قوّة لهم على استصلاح أنفسهم، وغنى لهم عن تناول ما تحت أيديهم، وحجّة عليهم إن خالفوا أمرك أو ثلموا أمانتك”.
لكن لا تتركهم وشأنهم بعد تعيينهم، بل “تفقّد أعمالهم، وابعث العيون من أهل الصدق والوفاء عليهم، فإن تعاهدك في السر لأمورهم حدوة لهم على استعمال الأمانة والرفق بالرعية. وتحفظ من الأعوان، فإن أحد منهم بسط يده إلى خيانة اجتمعت بها عليه عندك أخبار عيونك اكتفيت بذلك شاهدًا فبسطت عليه العقوبة في بدنه وأخذته بما أصاب من عمله، ثم نصبته بمقام المذلّة ووسمته بالخيانة، وقلّدته عار التهمة”.
هذا وكان الإمام يقول لمن يولّيه أمرًا ويؤكّد: “ليس عملك لك بطعمة”. من هنا يتضح أن الوظيفة ليست حقًّا للموظّف، بل هي مهمّة يكلّف بها بعد اختياره بناءً على معايير معيّنة أشرنا إليها، فإذا تبيّن أنّه لا يتمتع بالكفاءة عزل، واستبدل بمن هو أرضى لله.
- الكُتّاب.
يكتب علي (ع) لمالك (رض): “ثم انظر في حال كتّابك فولّ على أمورك خيرهم، واخصص رسائلك التي تدخل فيها مكائدك وأسرارك بأجمعهم لوجود صالح الأخلاق، ممّن لا تبطره الكرامة فيجترئ بها عليك في خلاف لك بحضرة ملأ، ولا تقصر به الغفلة عن إيراد مكاتبات عمالك عليك، وإصدار جواباتها على الصواب عنك، وفيما يأخذ لك ويعطي منك، ولا يُضعف عقدًا اعتقده لك، ولا يَعجز عن إطلاق ما عقد عليك، ولا يجهل مبلغ قدر نفسه في الأمور، فإنّ الجاهل بقدر نفسه يكون بقدر غيره أجهل”.
ثمّ يكرّر الإمام هنا تعاليمه الخاصّة بكل من يجري اختياره لمهمة ما، فيكتب: “ثمّ لا يكن اختيارك إيّاهم على فراستك واستنامتك وحسن الظنّ منك، فإنّ الرجال يتعرّضون لفراسات الولاة بتصنّعهم وحسن خدمتهم، وليس وراء ذلك من النصيحة والأمانة شيء. ولكن اختبرهم بما ولّوا للصالحين قبلك، فاعمد لأحسنهم كان في العامّة أثرًا، وأعرفهم بالأمانة وجهًا، فإنّ ذلك دليل على نصيحتك لله ولمن ولّيت أمره. واجعل لرأس كلّ أمر من أمورك رأسًا منهم لا يقهره كبيرها، ولا يتشتّت عليه كثيرها، ومهما كان في كتّابك من عيب فتغابيت عنه ألزمته”.
على أنه لا مناص من متابعة الكتّاب وتلبية حاجات الناس:
“ثم أمور من أمورك لا بد لك من مباشرتها: منها إجابة عمالك بما يعيى عنه كتابك. ومنها إصدار حاجات الناس يوم ورودها عليك مما تحرج به صدور أعوانك. وأمض لكل يوم عمله فإن لكل يوم ما فيه”.
ضدّ البيروقراطيّة
يأمر علي مالكًا بأن لا يبتعد عن الرعية فتغيب عنه الوقائع وتتبلبل لديهم الأمور وتضيع الحقيقة، فيقول له: “وأمّا بعد فلا تطولنّ احتجابك عن رعيتك، فإنّ احتجاب الولاة عن الرعيّة شعبة من الضيق، وقلّة علم بالأمور. والاحتجاب منهم يقطع عنهم علم ما احتجبوا دونه، فيصغر عندهم الكبير، ويعظم الصغير، ويقبح الحسن ويحسن القبيح، ويشاب الحقّ بالباطل. وإنّما الوالي بشر لا يعرف ما توارى عنه الناس به من الأمور، وليست على الحقّ سمات تعرف بها ضروب الصدق من الكذب، وإنّما أنت أحد رجلين: إمّا امرؤ سخت نفسك بالبذل في الحقّ، ففيمَ احتجابك من واجب حقّ تعطية، أو فعل كريم تسديه؟ أو مبتلى بالمنع، فما أسرع كفّ الناس عن مسألتك إذا أيسوا من بذلك، مع أنّ أكثر حاجات الناس إليك ممّا لا مؤونة فيه عليك، من شكاة مظلمة، أو طلب إنصاف في معاملة”.
ثمّ لا بدّ من استقبال الناس وتمكين أصحاب الحاجات من طرح مشاكلهم بكل صراحة من أجل معالجتها، فقد كتب له: “واجعل لذوي الحاجات منك قسمًا تفرّغ لهم فيه شخصك، وتجلس لهم مجلسًا عامًّا فتتواضع فيه لله الذي خلقك، وتقعد عنهم جندك وأعوانك من أحراسك وشرطك حتّى يكلّمك متكلّمهم غير متتعتع، فإنّي سمعت رسول الله يقول في غير موطن: “لن تقدّس أمّة لا يؤخذ للضعيف فيها حقّه من القويّ غير متتعتع”. ثم احتمل الخرق منهم والعيّ، ونحِّ عنك الضيق والأنَفَ، يبسط الله عليك بذلك أكناف رحمته، ويوجب لك ثواب طاعته. وأعط ما أعطيت هنيئًا، وامنع في إجمال وإعذار”.
مهمّة الحاكم
يتولّى الحاكم مهمّات التشريع في القضايا المستجدّة، ومهمّة الإدارة والقضاء.
المهمّة التشريعيّة
إنّ التشريع الإسلاميّ نزل من عند الله عزّ وجلّ، فأبلغه النبيّ (ص) بالقرآن وبالأحاديث. لكن هذا التشريع هو غالبًا أصول من عند الله، بنيت عليها قواعد تفصيليّة على يدي الرسول (ص)، أو على أيدي الفقهاء. على أنّ القواعد التفصيليّة ليست كلّها ممّا يدخل اليوم في باب التنظيمات، بل إنّ بعضها لا بدّ أن يدخل في باب القانون (التشريع)، كالأمور الداخلة في باب الحقوق والحرّيّات ومجالات الأموال وغيرها.
من هنا، فإن المهمّة التشريعيّة لم تستنفد بالقرآن والسنّة، بل بقيت مجالات رحبة، برزت خاصة في العصر الحديث، وهي بحاجة لمن يملأها، لكنّ عملية الملء لا يمكن أن تأتي اعتباطًا أو تترك لرأي الناس، فعليّ (ع) يوصي مالكًا بأن: “اردد إلى الله ورسوله ما يضلعك من الخطوب ويشتبه عليك من الأمور. فقد قال الله تعالى لقوم أحبّ إرشادهم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ..﴾. فالردّ إلى الله الأخذ بمحكم كتابه، والردّ إلى الرسول الأخذ بسنّته الجامعة غير المفرّقة”.
من هنا كان لا بدّ أن يجري تشريع الحاكم على ضوء القواعد المقرّرة في استخلاص الخاصّ والظرفيّ من العامّ والدائم من القرآن والسنة، لتأتي القوانين منسجمة مع الأصول. وهذا ما يستدعي مجهودًا مضاعفًا يهدف بالدرجة الأولى إلى تأصيل القواعد الفرعيّة التي وصلتنا، وذلك بإيجاد المبادئ الإجماليّة لها، ثم البناء على هذه المبادئ لسدّ الفراغ ومواكبة التطوّرات الحديثة.
هذه الوظيفة لا بدّ للحاكم من أن يتولّاها. من هنا كانت ضرورة الإمام العالم بالقضاء والسنن، استنباط الأحكام منها، والعادل “الذي يعطف الهوى على الهدى إذا عطفوا الهدي على الهوى، ويعطف الرأي على القرآن إذا عطفوا القرآن على الرأي”[23].
في التنفيذ والإدارة
تتراوح مهمّات الحاكم وصلاحياته بين حدّ أدنى لا يمكن استمرار الحياة الاجتماعيّة بدونه، وحدّ أقصى يجعل هذه الحياة كريمة جديرة بمن كرّمه الله وفضّله على كثير ممّن خلق[24].
فالحدّ الأدنى يتمثل بقوله (ع): “لا بدّ للناس من أمير يجمع به الفيء، ويقاتل به العدوّ. وتؤمن به السبل. ويؤخذ به للضعيف من القويّ”[25].
أمّا الحدّ الأقصى فيقوم على عدم السكوت عن “كظّة ظالم، ولا سغب مظلوم”.
فكظّة الظالم هي تخمته من الاستيلاء على ما لا يعود له، أو من عدم تأدية ما عليه، إذ يقول عليّ (ع): “ألا وإني أقاتل رجلين: رجلا ادعى ما ليس له، وآخر منع الذي عليه”[26].
أمّا سغب المظلوم، جوعه الشديد، فهو حرمانه من حقوقه، التي سنتناولها بعد قليل. وهذا السغب ناجم عن تلك الكظّة، كما يعلمنا عليّ حين يقول: “إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ فَرَضَ فِي أَمْوَالِ الْأَغْنِيَاءِ أَقْوَاتَ الْفُقَرَاءِ فَمَا جَاعَ فَقِيرٌ إِلَّا بِمَا مُتِّعَ بِهِ غَنِيٌّ، وَاللَّهُ تَعَالَى سَائِلُهُمْ عَنْ ذَلِكَ”[27]. وسنرى فيما يأتي ما هي حقوق الفقراء.
حقوق الناس
تقوم هذه الحقوق أساسًا على العدالة والمحبّة، وتتمثّل هذه الحقوق بالحقوق الشخصيّة، الحقوق السياسيّة، الحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة.
الحقوق الأساسيّة، وتقوم على العدالة والمحبّة.
العدالة.
إنّ العدالة هي حقّ عامّ للناس وتمثّل الحدّ الأدنى ممّا يجب تأمينه لهم. وهذه المسألة تقوم على مغالبة الهوى عند الحاكم الذي يميل إلى خاصّته من أقارب وأصدقاء ومتزلّفين وغيرهم. وقد أوصى بها عليّ (ع) مالكًا بقوله: “أنصف الناس من نفسك ومن خاصّة أهلك ومن لك فيه هوى من رعيّتك، فإنّك إلاّ تفعل تظلم، ومن ظلم عباد الله كان الله خصمه دون عباده، ومن خاصمه الله أدحض حجّته وكان لله حربًا حتّى ينزع ويتوب. وليس شيء أدعى إلى تغيير نعمة الله وتعجيل نقمته من إقامة على ظلم، فإنّ الله سميع دعوة المضطهدين وهو للظالمين بالمرصاد”.
ويوضح عليّ ذلك فيضيف: “إنّ للوالي خاصّة وبطانة فيهم استئثار وتطاول، وقلّة إنصاف في معاملة، فاحسم مادّة أولئك بقطع أسباب تلك الأحوال. ولا تقطعنّ لأحد من حاشيتك وحامتك قطيعة، ولا يطمعنّ منك في اعتقاد عقدة تضرّ بمن يليها من الناس، في شرب أو عمل مشترك يحملون مؤونته على غيرهم، فيكون مهنأ ذلك لهم دونك، وعيبه عليك في الدنيا والآخرة. وألزم الحقّ من لزمه من القريب والبعيد، وكن في ذلك صابرًا محتسبًا، واقعًا ذلك من قرابتك وخاصّتك حيث وقع، وابتغ عاقبته بما يثقل عليك منه، فإنّ مغبّة ذلك محمودة”.
أمّا في معاملة سائر الناس فيعلّم عليّ (ع) عامله بقوله: “ولا يكون المحسن والمسيء عندك بمنزلة سواء، فإنّ في ذلك تزهيدًا لأهل الإحسان في الإحسان، وتدريبًا لأهل الإساءة على الإساءة، وألزم كلًّا منهم ما ألزم نفسه”.
من أجل هذا “اعرف لكل امرئ منهم (الرعية) ما أبلى، ولا تضيفن بلاء امرئ إلى غيره، ولا تقصرن به دون غاية بلائه، ولا يدعونك شرف امرئ إلى أن تعظم من بلائه ما كان صغيرًا، ولا ضعة امرئ إلى أن تستصغر من بلائه ما كان عظيمًا”.
المحبّة
إذا كانت العدالة تقوم على إعطاء كلّ ذي حقّ حقّه، فإنّ المحبّة، هي فوق العدالة لكنها ليست متعارضة معها، بل العدالة شرطها. فالتأنّي بالناس وتلافي ما يربكهم والعفو عن اللم من أخطائهم، ممّا يشجّعهم على مساعدة الحاكم على إنصافهم. وهكذا يقول عليّ (ع) في عهده لمالك (رض): “وأشعر قلبك الرحمة للرعيّة والمحبّة لهم واللطف بهم، ولا تكوننّ عليهم سبعًا ضاريًا تغتنم أكلهم، فإنّهم صنفان: إمّا أخ لك في الدين، وإمّا نظير لك في الخلق، يفرط منهم الزلل، وتعرض لهم العلل، ويؤتى على أيديهم في العمد والخطأ. فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحبّ أن يعطيك الله من عفوه وصفحه، فإنّك فوقهم، ووالي الأمر عليك فوقك، والله فوق من ولّاك. وقد استكفاك أمرهم وابتلاك بهم. ولا تنصبنّ نفسك لحرب الله فإنّه لا يدي لك بنقمته، ولا غنى بك عن عفوه ورحمته”.
ولعلّ هذا ليس لصالح الرعيّة فقط، بل ولصالح الحاكم، كما يوضحه عليّ (ع) بقوله: “واعلم أنّه ليس شيء بأدعى إلى حسن ظنّ راعِ برعيّته من إحسانه إليهم، وتخفيفه المؤونات عنهم، وترك استكراهه إيّاهم على ما ليس قبلهم، فليكن منك في ذلك أمر يجتمع لك به حسن الظنّ برعيّتك”.
وعلى إمام الصلاة أن لا يرهق المصلين، فيوصيه عليّ (ع) بالقول: “وإذا أقمت في صلاتك للناس فلا تكوننّ منفّرًا ولا مضيّعًا، فإنّ في الناس من به العلّة وله الحاجة. وقد سألت رسول الله حين وجّهني إلى اليمن: كيف أصلّي بهم؟ فقال: صلِّ بهم كصلاة أضعفهم، وكن بالمؤمنين رحيمًا”.
الحقوق الشخصية: وأهمها الحقّ بالحياة، السلامة الجسميّة، حرمة الحياة الخاصّة، حرّيّة الحركة.
الحقّ بالحياة.
يخاطب عليّ (ع) مالكًا (رض) فيقول: “إيّاك والدماء وسفكها بغير حلّها، فإنّه ليس شيء أدعى لنقمة ولا أعظم لتبعة ولا أحرى بزوال نعمة وانقطاع مدّة، من سفك الدماء بغير حقّها، والله سبحانه مبتدئ بالحكم بين العباد فيما تسافكوا من الدماء يوم القيامة، فلا تقوينّ سلطانك بسفك دم حرام، فإنّ ذلك مما يضعفه ويوهنه بل يزيله وينقله. ولا عذر لك عند الله ولا عندي في قتل العمد، لأنّ فيه قود البدن.
السلامة الجسميّة (حرمة التعذيب).
حرّم علي(ع) ممارسة العنف من قبل السلطة على الناس بدون وجه حقّ. ففي القضاء، المتهم لا يجوز تعذيبه مهما كانت تهمته. فحتّى في تهمة القتل، قضى علي(ع) بـ “التلطّف في استخراج الإقرار من الظنين[28]“، ثمّ هو رفع العقوبة عن المقرّ، إذا كان إقراره نتيجة لعنف على شخصه أو ماله. أو نتيجة لتهديد، فكان يقول: “من أقرّ عن تجريد أو حبس أو تخويف أو تهديد فلا حدّ عليه”[29].
وحتى في حال ثبوت الجريمة وإنزال العقاب، فإنّه يجب عدم التجاوز. فقد كان علي(ع) يعرض السجون كلّ يوم جمعة، فمن كان عليه حدّ أقامه عليه، ومن لم يكن عليه حدّ خلّى سبيله”.
أمّا في حال التهمة، فكان عليّ(ع) لا يسجن على ذمّة التحقيق إلّا متّهمًا بدم، كما كان لا يسجن بعد معرفة الحقّ وإنزال الحدود، لأنّ الحبس بعد ذلك ظلم.
حرمة الحياة الخاصّة.
يعلّمنا عليّ (ع) أنّ للناس حرمة في حياتهم الخاصّة، فلا يجوز للوالي ولغير الوالي أن يتجسّس عليه، بل له الحساب على ما انكشف: “إنّ في الناس عيوبًا الوالي أحقّ من سترها. فلا تكشفنّ عمّا غاب عنك منها. فإنّما عليك تطهير ما ظهر لك، والله يحكم على ما غاب عنك. فاستر العورة ما استطعت يستر الله منك ما تحبّ ستره من رعيّتك… وتغابَ عن كلِّ ما لا يصحّ لك”.
الحقوق السياسيّة، وتشمل التمرّد على العبوديّة، حرّيّة إبداء الرأي، محاسبة الحاكمين، عزل الحاكم.
التمرّد على العبوديّة.
يقول عليّ (ع): “لا تكن عبد غيرك وقد خلقك الله حرّاً”[30]. يخاطب عليّ كلّ إنسان يُعرَّض للاستعباد طالبًا إليه التمرّد، وهنا يحمّل عليّ (ع) مسؤوليّة للإنسان الذي يُمارَس عليه الاستعباد، فعليه ألّا يرضخ فيكون آثمًا، إذا استطاع أن يقاوم بطبيعة الحال، لأن لا أحد يكلّف بمحال. ad impossibilia nemo tenetur. على أنّ العبوديّة ليست فقط الاسترقاق، بل تتجلّى بأوجه أخرى، منها مثلًا مصانعة القويّ أو صاحب السلطة خوفًا أو طمعًا، فعليّ (ع) يقول: “اعلموا أنّ يسير الرياء شرك”[31]. والشرك هو التعبّد لغير الله، بحيث تجعل نفسك عبدًا لمخلوق تسايره على حساب الحقيقة.
حرّيّة إبداء الرأي.
كان عليّ (ع) يصرّ على أن نأنأنيبدي له الناس آراءهم بكلّ صراحة ودون مواربة أو خوف، فيقول: “لا تكلّموني بما تُكلَّم به الجبابرة، ولا تتحفّظوا منّي بما يُتَحفَّظ به عند أهل البادرة، ولا تخالطوني بالمصانعة”[32].
فعدم التحفّظ يعني حرية إبداء الرأي دون وجل، وعدم المصانعة تعني عدم التملّق، فالرأي العامّ هو الدليل على صلاح الحاكم أو فساده. “وإنما يستدلّ على الصالحين بما يجري الله لهم على ألسن عباده”. فعليك التصرّف بما يحوز قبول المحكومين، فـ “ليكن أحبّ الأمور إليك… أجمعها لرضا الرعيّة… وإنما عماد الدين وجماع المسلمين والعدة للأعداء العامّة من الأمة، فليكن صغوك لهم وميلك معهم”.
وإن ضلّت الرعيّة أو ضلّلت، فعليك أن تنوّرها، طبعًا إذا كنت محقًّا، يقول عليّ (ع): “وإن ظنّت الرعيّة بك حيفًا، فأصحر لهم بعذرك، واعدل عنك ظنونهم بإصحارك، فإنّ في ذلك رياضة منك لنفسك، ورفقًا برعيّتك، وإعذارًا تبلغ به حاجتك من تقويمهم على الحق.
أما الوزراء فيجب ألاّ يكونوا ممّن يسايرون الحاكم على الباطل أو الخطأ أو الرأي الضعيف، لذا يوصي عليّ (ع) مالكًا (رض) بقوله: “ثم ليكن آثرهم (وزرائك) عندك أقولهم بمرّ الحقّ لك، وأقلّهم مساعدة فيما يكون منك ممّا كره الله لأوليائه، واقعًا ذلك من هواك حيث وقع، والصقْ بأهل الورع والصدق، ثم رُضْهُم على أن لا يطروك، ولا يَبْجِّحُوك بباطل لم تفعله، فإنّ كثرة الإطراء تُحدث الزهوة، وتدني من الغِرَّة”.
محاسبة الحكّام.
توسّع الإمام (ع) في هذه المسألة، مقرًّا إمكانية المحاسبة على كلّ الصعد. وأوّل ما أقرّه ونفّذه بنفسه، هو صلاحيّة القاضي بمحاكمة الخليفة نفسه، ناهيك عن عماله، تمامًا كما يحاسب جميع المواطنين.
أمّا الحق في التغيير، فإنّ الإمام يعدّه، ليس حقًّا للشعب فحسب، بل واجبًا على كل من يمكنه التحرّك، وبأيّ وسيلة مستطاعة، على أساس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وهو ما أكّده علي(ع) بقوله: “من رأى عدوانًا يعمل به، ومنكرًا يدعى إليه، فأنكره بقلبه سلم وبرىء ومن أنكره بلسانه فقد أجر، ومن أنكره بالسيف، لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الظالمين هي السفلى، فذلك الذي أصاب سبيل الهدى وقام على الطريق، وناور قلبه اليقين”[33]. فـ “ما أعمال البرّ كلّها والجهاد في سبيل الله عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلّا كنفة في بحر لجيّ، وأفضل من ذلك كلمة عدل عند إمام جائر”[34].
عزل الحاكم- نقض البيعة – الإحداث
في جواب عليّ (ع) لطلحة والزبير، قبل بدء معركة الجمل، عندما تراجعا عن بيعتهما له وطلبا منه التنحّي وترك الأمر شورى، يقول (ع): “إنّما كان لكما ألاّ ترضيا قبل الرضا وقبل البيعة. وأمّا الآن فليس لكما غير ما رضيتما به، إلّا أن تخرجا ممّا بويعت عليه بحَدَث، فإن كنت أحدثت حدثًا فسمّوه لي”[35].
وفي كتاب إلى الأشعث بن قيس يقول الإمام (ع): “كان طلحة والزبير أوّل من بايعني، ثمّ نقضا بيعتي على غير حدث”[36].
الحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة.
التكافل- الغنى والفقر.
تقوم فلسفة الإمام علي(ع) الاجتماعية على الإيمان بأن الحقوق المفروضة في أموال الأغنياء لصالح الفقراء، كافية لرفع الحاجة في المجتمع. فهو يقول: “إن الله سبحانه فرض في أموال الأغنياء أقوات الفقراء، فما جاع فقير إلا بما مُتّع به (أو بما مَنَعَ منه) غنيّ، وأنّه تعالى سائلهم عن ذلك” .
من هنا، فانه يكفي أن يدفع الأغنياء التزاماتهم الشرعيّة المفروضة عليهم، حتّى يكتفي الفقراء، وليس فقط ليتبلّغوا أو ليتقوّتوا، كما سنرى.
هذه النظرة تتناقض مع الاشتراكيّة، التي تلغي الملكيّة الفرديّة، فينعدم الأغنياء المكلّفون ليحلّ محلّهم المجتمع (الدولة) بصفة ربّ عمل، الأمر الذي ثبت فشله بالتجربة. كما تختلف عن الرأسماليّة الليبراليّة، التي تمنح الحريّة الاقتصاديّة للقوى الجبّارة، كي تنافس القوى الأقلّ كفاءة. وتنتهي بسحق الفئات الدنيا. ثمّ هي لا تتّفق تمامًا مع التدخليّة الحديثة، التي تؤمّن بعض حاجات الفئات المعوزة في المجتمع.
على أنّ الإسلام خصّ فئات من الناس بموارد محدّدة كالزكاة، إذ يقول تعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ﴾ (التوبة/60)، وكالمغانم كما هو محدّد في قوله تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ﴾ (الأنفال/41).
الكفاية للمسلم وغير المسلم: لا يكتفي الإمام (ع) بتأمين الكفاف للفقراء، بل يأمر بجعلهم يستغنون عن أي مساعدة، فهو يقول لعبد الله بن عبّاس، عامله على البصرة: “أمّا بعد فانظر ما اجتمع عندك من غلّات المسلمين وفيئهم، فاقسمه فيمن قبلك حتّى تغنيهم، وابعث إلينا بما فضل نقسمه فيمن قبلنا والسلام”[37].
أمّا عن كيفيّة التوزيع، فيحدّد عليّ (ع) الموارد، ثم يعيّن من يجب الاهتمام بهم وكيفيّة القيام بذلك، فيقول: “ثم الله الله في الطبقة السفلى من الذين لا حيلة لهم، والمساكين والمحتاجين، وأهل البؤسى والزمنى، فإنّ في هذه الطبقة قانعًا ومعترًّا. واحفظ لله ما استحفظك من حقّه فيهم، واجعل لهم قسمًا من بيت مالك، وقسمًا من غلّات صوافي الإسلام في كلّ بلد، فإنّ للأقصى منهم مثل الذي للأدنى، وكلٌّ قد استرعيت حقّه، فلا يشغلنّك عنهم بطر، فإنك لا تعذر بتضييعك التافه لإحكامك الكثير المهم، فلا تشخص همك عنهم، ولا تصعر خدك لهم، وتفقّد أمور من لا يصل إليك منهم ممّن تقتحمه العيون وتحقره الرجال، ففرّغ لأولئك ثقتك من أهل الخشية والتواضع، فليرفع إليك أمورهم، ثم اعمل فيهم بالإعذار إلى الله يوم تلقاه، فإنّ هؤلاء من بين الرعيّة أحوج إلى الإنصاف من غيرهم، وكلّ فأعذر إلى الله في تأدية حقّه إليه. وتعهّد أهل اليتم وذوي الرقّة في السنّ، ممّن لا حيلة له ولا ينصب للمسألة نفسه، وذلك على الولاة ثقيل والحقّ كلّه ثقيل. وقد يخفّفه الله على أقوام طلبوا العاقبة فصبّروا أنفسهم، ووثقوا بصدق موعود الله لهم”.
على أنّ الاهتمام ما كان ليقتصر على المسلمين، بل يطال غيرهم. فقد صدف أن رأى الإمام (ع) شيخًا يتسوّل في الطريق، فاستغرب الموقف وسأل كيف يحصل ذلك. فأجيب: إنّ الرجل من أهل الذمّة. فوبّخ أصحابه المسؤولين عن الأمر، قائلاً: “أستعملتموه حتّى إذا كبر وعجز منعتموه؟ أنفقوا عليه من بيت المال”[38].
لكن من أجل أن تتكامل العمليّة الاقتصاديّة الاجتماعيّة، يأمر عليّ (ع) عامله: أن “استوصِ بالتجار وذوي الصناعات وأوصِ بهم خيرًا، المقيم منهم والمضطرب بماله والمترفّق ببدنه، فإنّهم موادّ المنافع وأسباب المرافق، وجلّابها من المباعد والمطارح، في برّك وبحرك، وسهلك وجبلك، وحيث لا يلتئم الناس لمواضعها، ولا يجترئون عليها، فإنّهم سلم لا تخاف بائقته، وصلح لا تخشى غائلته”. لكن “تفقّد أمورهم بحضرتك وفي حواشي بلادك، واعلم مع ذلك أنّ في كثير منهم ضيقًا فاحشًا وشحًّا قبيحًا، واحتكارًا للمنافع، وتحكّمًا في البياعات، وذلك باب مضرّة للعامّة وعيب على الولاة. فامنع من الاحتكار فإنّ رسول الله منع منه، وليكن البيع بيعًا سمحًا، بموازين عدل وأسعار لا تجحف بالفريقين من البائع والمبتاع. فمن قارف حكرة بعد نهيك إيّاه فنكّل به، وعاقب في غير إسراف”.
التكافؤ بين حقّ الحاكم وحقوق المحكومين.
يتبيّن ممّا تقدّم، وهذا أمر لا يحتاج إلى إثبات، أن هناك حقوقًا وواجبات لكلّ من الحاكم والرعيّة، لكنّ المهمّ عند عليّ (ع) أنها تتوازى وتتلازم. يقول (ع) لعامله (رض): “ثم جعل سبحانه من حقوقه حقوقًا لفترضها لبعض الناس على بعض، فجعلها تتكافأ في وجوهها، ويوجب بعضها بعضًا، ولا يستوجب بعضها إلّا ببعض. وأعظم ما افترض سبحانه من تلك الحقوق، حقّ الوالي على الرعيّة، وحقّ الرعيّة على الوالي، فريضة فرضها الله سبحانه لكلّ على كلّ، فجعلها نظامًا لإلفتهم، وعزًّا لدينهم، فليست تصلح الرعيّة إلّا بصلاح الولاة، ولا تصلح الولاة إلّا باستقامة الرعيّة. فإذا أدّت الرعيّة إلى الوالي حقّه، وأدّى الوالي إليها حقّها، عزّ الحقّ بينهم وقامت مناهج الدين، واعتدلت معالم العدل، وجرت على إذلالها السنن”[39].
الوفاء بالعهود
تقوم العلاقات بين الدول وبين الشعوب على المعاهدات والأعراف أساسًا. والأعراف هي كناية عن اتفاقات مرّ عليها الزمن حتي نسيت، وهي اتفاقات حازت رضًا واسعًا في المجتمع الدوليّ، ويستنبط من المعاهدات والأعراف مبادئ تنتج عنها بالضرورة.
ويركّز عليّ (ع) على الوفاء بالعهود، الذي تؤمن به الشعوب بمختلف معتقداتها، فيوصي مالكًا (رض) بقوله: “وإن عقدت بينك وبين عدوّك عقدة أو ألبسته منك ذمّة فحُطْ عهدك بالوفاء، وارعَ ذمّتك بالأمانة، واجعل نفسك جُنّة دون ما أعطيت، فإنّه ليس من فرائض الله شيء الناس أشدّ عليه اجتماعًا مع تفرّق أهوائهم وتشتّت آرائهم، من تعظيم الوفاء بالعهود. وقد لزم ذلك المشركون فيما بينهم دون المسلمين، لما استوبلوا من عواقب الغدر! فلا تغدرنّ بذمّتك، ولا تخيسنّ بعهدك، ولا تختلنّ عدوّك، فإنّه لا يجترئ على الله إلّا جاهل شقيّ. وقد جعل الله عهده وذمّته أمنًا أفضاه بين العباد برحمته، وحريمًا يسكنون إلى منعته ويستفيضون إلى جواره. فلا إدغال ولا مدالسة ولا خداع فيه”.
وإذا كان بعض الساسة أو حتّى الأفراد العاديّين يلجأ إلى الغشّ والخداع في تحرير الوثائق، وبعضهم يغدر إذا شعر بالضيق جرّاء وعد قطعه، فإن عليًّا يحذّر من اللجوء إلى ذلك، فيأمر مالكًا بقوله: “ولا تعقد عقدًا تجوّز فيه العلل، ولا تعولنّ على لحن قول بعد التأكيد والتوثقة، ولا يدعونّك ضيق أمر لزمك فيه عهد الله إلى طلب انفساخه بغير الحقّ، فإن صبرك على ضيق أمر ترجو انفراجه وفضل عاقبته خير من غدر تخاف تبعته، وأن تحيط بك من الله فيه طلبة، فلا تستقيل فيها دنياك ولا آخرتك”.
خلاصة
يرى عليّ، وهذه نظرة الإسلام، أنّ السلطة لله تعالى يمارسها بواسطة عباده، فيختار لها أفضلهم في زمانه. فإذا لم تمكّنه الأمة بنصرتها إيّاه، فعليه النصح لها وإيصاؤها باختيار الأفضل.
وعلى من يتولّى الحكم أن يختار أفاضل الناس لمؤازرته ومعاونته.
هذه السلطة مهمّتها، إلى حماية الدين، التفاعل مع الناس عن طريق إرشادهم وهدايتهم وقيادتهم على سبيل الله عزّ وجلّ، وتوفير ما يمكنها من العيش الكريم لهم. وعلى الناس أن يطيعوها، وينفّذوا أوامرها، ويمدّوها بآرائهم وملاحظاتهم ويرفعوا إليها شكاواهم، ويحاسبوها إذا كانت من اختيارهم.
كلّ هذا في جوّ من الصدق في القول والعمل مع الصديق والعدوّ.
مصادر البحث:
[1] نهج، البلاغة، شرح ابن
أبي الحديد، (دار الهدى الوطنية، د ت)، 1/95
[2] المصدر نفسه، 2/122.
[3] راجع، الماوردي، الأحكام السلطانية، وأبا يعلى الفرا الأحكام السلطانية.
[4] نهج اللاغة، شرح ابن أبي الحديد، (دار الهدى الوطنية)، 1/214
[5] راجع، الماوردي.
[6] البخاري، فضائل أصحاب النبي/8، والدينوري، الإمامة والسياسة، 1/22، راجع أيضًا، أعلام النساء، مجلد 2، الصفحة 786.
[7] ابن شهر آشوب، المناقب، الجزء 2، الصفحتان 24 و 185. ومسند أحمد، الجزء 1، الصفحتان 111 و 159، المتقي الهندي، كنز العمال، (مؤسسة الرسالة، 1985)، الصفحتان 114 و130.
[8] مسند أحمد، 4/282، وابن كثير، البداية والنهاية، (هجر، 1997)، 7/667-682. وابن الأثير، السيرة النبوية، (دار إحياء التراث العربي، د ت)، الجزء4، الصفحات 414-425
[9] أبو نعيم، حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، طلحة بن مصرف، حديث رقم 6411.
[10] راجع: البخاري، وصايا/1، ومسلم، وصايا/19، وابن ماجة، وصايا/1، والدارمي، وصايا/3.
[11] نهج البلاغة، مذكور سابقًا، 2/133
[12] أبو الحسن المسعودي، مروج الذهب، (مؤسسة الأعلمي، 1991)، 3: 22، ونصر بن مزاحم المنقري، وقعة صفين، (مكتبة المرعشي النجفي، 1382)، الصفحة 120.
[13] نهج البلاغة، مذكور سابقًا، الجزء 12، الصفحة 21.
[14] المتقي الهندي، كنز العمال، (مؤسسة الرسالة، 1985)، الجزء 13، الصفحة 117.
[15] حسين النووي الطبرسي، مستدرك الوسائل، (الطبعة 3، 1411)، الجزء6، الصفحة 14.
[16] نهج البلاغة، 3/300.
[17] النوري، مذكور سابقًا.
[18] نهج البلاغة، الخطبة 173، 2/503.
[19] نهج البلاغة، الخطبة 131، 2/378
[20] الطبراني “المعجم الكبير” (11/ 114)، والحاكم، المستدرك، 6/25، حديث 14687 و 6/79، حديث 14919. والكل من حديث ابن عباس.
[21] نهج البلاغة، مذكور سابقًا، الخطبة الشقشقية، مجلد1، الصفحة 16.
[22] لأن العيون من أهل الصدق والوفاء.
[23] نهج البلاغة، مذكور سابقًا، مجلد2، الجزء9، الصفحة 406.
[24] سورة الإسراء، الآية 70.
[25] نهج البلاغة، مذكور سابقًا، 1/214.
[26] نهج البلاغة، الخطبة 173، الصفحة 179.
[27] نهج البلاغة، الحكمة 328 من حكم أمير المؤمنين.
[28] مستدرك الوسائل، الجزء 18، الصفحة 273.
[29] مستدرك الوسائل، مجلد 16، الصفحة 111، ومستدرك الوسائل، 18/36.
[30] نهج البلاغة، مذكور سابقًا، 3/51.
[31] الإمام علي (ع)، الخطبة 86 المعروفة بالديباج، المعجم، الصفحة 76.
[32] الخطبة 216، الصفحة 245.
[33] شرح نهج البلاغة، مذكور سابقًا، الجزء 4، والجزء 19، الصفحة 410.
[34] الدينوري، الأخبار الطوال، الصفحة 44.
[35] ابن قتيبة الدينوري، الإمامة والسياسة، (دار الأضواء، 1990)، 1/95.
[36] المصدر نفسه، الصفحة 111.
[37] المحمودي، نهج السعادة، (مؤسسة المحمودي، بدون تاريخ)، 2/ 505.
[38] الحر العاملي، وسائل الشيعة (دار احياء التراث العربي)، مجلد 11، الصفحة 49. وصادق الموسوي، تمام نهج البلاغة، (بيروت: الدار الإسلامية، 1414)، الصفحة 508.
[39] نهج البلاغة، مذكور سابقًا، الخطبة 216، الصفحة 243.
المقالات المرتبطة
الفكر العربي الحديث والمعاصر | منهجية الجابري في قراءة التراث الإسلاميّ
قدم الجابري رؤية خاصة للتراث العربيّ – الإسلاميّ، واعتبره يمتلك خصوصية ذاتية كونه حاضر فينا، فهو: “جزء من انشغال الإنسان
إشكالية التفكير ومنهجيته
إن أكبر إشكالية تواجه الإنسان هو عدم الالتفات الذهني للأولويات، والغفلة عن عملية ذات أهمية قصوى ومصيرية في حياته
العلم والعقل والحبّ في ديوان مثنويّ
لا يختلف اثنان على كون مولانا جلال الدين محمّد الرومي من أكبر العُرفاء المسلمين قاطبةً والتلميذ الأشطر في مدرسة التصوّف.