عاشوراء ونظام القيم الحسينيّة
إن ما تضج به عاشوراء في ملحمتها الكربلائية الكبرى من أحداث، تشكّل مورد اهتمام كل باحث في التاريخ الإنساني العام، وتاريخ الأديان بنحوٍ خاص. إلا أن لهذه الملحمة خصائص تتجاوز القصة والسرد وتتجه نحو قيم الإنسان في حقيقة وجوده ودوائر خياراته، والسؤال الذي يمثل أمامنا هنا هو: متى تتحوّل الذكرى التاريخيّة إلى منهل لنظام قيم إنساني. وقد لا نجد صعوبة في الإجابة والقول إن النظر للتاريخ ببعد أخذ العبرة؛ أي استحضار التاريخ بأحواله ومناخاته وإيجاد التفاعل اللازم والمفيد بينه وبين الواقع وذلك من خلال كشف السنن التي تحرّك التاريخ في زمانه الماضي وحضوره الماثل بالواقع.
لكن السؤال الأصعب هنا أن التاريخ فيه محطات تحوّل حسّاسة نتيجة أحداث شكّلت العلامات الفارقة في مساره، فكيف يمكن لنا أن نلتقط المحور المركزي لقيم الحراك التاريخي؟ لأن المحور هو نقطة الارتكاز المعياري الذي يمكّننا من تصويب أي مسار. وفي مثالنا؛ عاشوراء؛ الناضحة بالقيم السامية فإن السؤال حول المحور القيمي يصبح أكثر صعوبة بلا شك. وإننا نعتقد أن أي إجابة إنما تمثّل مساهمة في فكرة من الأفكار التي يمكن عرضها في هذا الصدد.
المحور القيمي في عاشوراء.
ورد في بعض الأحاديث أن ابتلاء الظالمين عقاب، وابتلاء الصالحين امتحان، وابتلاء الأنبياء درجة. ويصح على ورثة الأنبياء من الأوصياء والأئمة ما يصح على الأنبياء في هذا الأمر، وقد ورد عن رسول الله (ص) أنّ للحسين درجة عند الله ينالها بالشهادة.
هذا وقد نبحث الشهادة كفعل مقاوم جهادي يقوم به الإنسان إلى أن يلقى مصيره بالقتل في سبيل الله والقضية التي كان يؤمن بها، كما أننا نبحث في الشهادة باعتبارها الحجّة على الناس في ممارستهم الحياتية وفي صناعة مصائرهم ومصائر أمتهم. وهي بهذا المعنى الثاني تشكّل عامل رقابة وضمان اختصه الله سبحانه للرسل اتجاه أقوامهم واختص به المولى نبينا محمد(ص) إذ قال له سبحانه: ﴿وجئنا بك على هؤلاء شهيدًا﴾، مما يجعل الشهادة قيمة علينا تصل بين علاقته بالعبودية لله القائمة على دعائم ومرتكزات من قيم الإخلاص والرضا والتسليم … وبين خدمة الناس بالبر والإيثار والتضحية والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والفداء.
وبمقدار ما نستوعب قيمة الشهادة الحسينية في نسيج حياتنا الرسالية بقدر ما تعي ذواتنا القيم التأسيسية للمجتمع العاشورائي والحياة العاشرائية.
المقالات المرتبطة
الانتصار في مواجهة الشرق الأوسط الجديد
شكل الانتصار الذي حققته المقاومة الإسلامية في لبنان ممثلةً بحزب الله منعطفًا هامًا في تاريخ أمتنا المعاصر على وجه العموم
سيّدة الكساء
فالمناسبة إذن، هي فرحة بولادة السيدة الزهراء (ع)، وفرحة بأن يقول الله تعالى بأنّه اختصّهم كأهل البيت، وأبلغنا بأنّهم الأسوة التي يمكن أن نقتدي بها لنصل إلى مدارج الكمال التي من حقّنا الوصول إليها، فهي إذن، محفّز للعلوّ والارتقاء.
الصراع حول سوريا
إنّ إشكاليّة سوريا الحاليّة المعقّدة، عادة ما يجري ابتذال إدراكها في المواقف السياسيّة الوجدانيّة، الأمر الذي وجد ويجد انعكاسه في اختزالها بثنائيّة بسيطة ومباشرة هي صراع وتناقض السلطة والمعارضة.