الرسول الأكرم (ص) العابد في محراب أخلاقه وحبه لله

الرسول الأكرم (ص) العابد في محراب أخلاقه وحبه لله

إن القارئ لسيرة الرسول الأكرم محمد بن عبد الله (ص)، والباحث عن مزاياه الإنسانية يجد أن شخصيته (ص) تمثل كل معالم الإنسانية، وتتجسد فيها كل القيم الأخلاقية، فلم يعرف التاريخ قط شخصية مثل شخصيته الكريمة والمباركة، بل لم يعرف الوجود مثل هذه الشخصية، فهو القدوة، وهو مثال الرحمة والعدالة والسمو والرفعة في التكامل الإنساني.

إن سيرته العطرة تأخذك إلى عوالم خفية من العبادة الحقة، وطيب المعشر، وحسن الجوار، والتراحم والمودة حتى مع الأعداء.

إنه النبي محمد مثال الصدق والإخلاص والأمانة، عرفه المجتمع قبل بعثته بالصادق الأمين، لصدقه وأمانته.

لقد ألّف بين القلوب المتنافرة، بحسن كلامه ولطف بيانه.

كان الشجاع المقدام في المعارك التي خاضها ضد المشركين.

وكان العادل حيث يحكم بين المتنازعين بإنصاف.

لقد تميز الرسول بخصائص كثيرة، ولا يستطيع الفرد القاصر منا أن يحصيها أو أن يلم بكل جوانبها. لكننا هنا سنحاول أن نطلّ على بعض  هذه الخصائص التي تحلى بها الرسول الأكرم (ص)، والتي ورد ذكرها في القرآن الكريم، وفي الروايات الواردة عن أئمة أهل البيت (ع)، من هذه الصفات والخصائص:

  1. الأخلاق

ولأهمية المنظومة الأخلاقية، والتي بعث لإتمامها الرسول الأكرم، فقد حفلت سيرة حياته (ص) بالكثير من المواقف الأخلاقية، والتي هي مدرسة بالنسبة إلى المسلمين وغير المسلمين، فالرسول بأفعاله وسيرته القائمة على الأخلاق هي دستور ومنهج ينبغي على المسلم الاقتداء بها والتصرف بحياته وفقها. من هنا يقول الباري عز وجل ربطًا بالمنهج الأخلاقي المتجسد والمتمثل في رسول الله: “ولكم في رسول الله أسوة حسنة”، أي الاقتداء به بكل شيء، لا أن نتبعه بأمور ونغفل عن أمور أخرى، بل علينا الاقتداء والتأسي بسيرته في كل مناحي الحياة. لذا، علينا كمسلمين مؤمنين برسول الله محمد، أن نتخلق بأخلاقه الكريمة، وأن نسير على هدي رسالته، ونقتدي به، فهو القائد القدوة، والمعلم الرباني الذي أفنى عمره الشريف لتكون أمته من أشرف وأنبل الأمم على وجه الأرض.

بالتالي، فإن صفة الأخلاق من الصفات التي جبلت بها شخصية النبي (ص) حيث قال عنه الباري عز وجل: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾[1].

جاء في تفسير الميزان، حول تفسير هذه الآية ما يلي: “وفي المعاني بإسناده عن أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله عز وجل: ﴿وإنك لعلى خلق عظيم﴾، قال: هو الإسلام.

وفي تفسير القمي عن أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله: ﴿وإنك لعلى خلق عظيم﴾، قال: على دين عظيم.[2]

ويقول الرسول الأكرم عن نفسه: “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”[3]. ومما يتضح هنا أن الرسول الأكرم صدح برسالة الإسلام التي تقوم بركائزها الأولى على منظومة أخلاقية قد تخلق بها الرسول بفيض من الله عز وجل، وفي هذا الصدد يقول (ص): “أدبني ربي فأحسن تأديبي”[4]. مما يدل على أن الباري عز وجل تعهد بتربيته تربية إلهية محفوفة ومشمولة بالرعاية الإلهية التي كانت مرافقة للنبي محمد منذ ولادته وحتى ارتحاله (ص) عن هذه الدنيا، فقد تربى النبي على كل السجايا الحسنة، ولم يكن يوجد غير الله مربٍّ له (ص)، لذا كانت التربية هي تربية إلهية، تتجلى فيها كل المعاني الأخلاقية والصفات الحميدة.

  1. 2. الرحمة

من الصفات والمزايا التي تحلى بها نبينا الأكرم أيضًا هي صفة الرحمة، فالنبي محمد (ص) هو رحمة ونعمة إلهية لكل البشرية، وليس فقط للمسلمين، بل لكل أهل الأرض ولكل الدنيا، رحمته شاملة وعامة للجميع بل وجوده في هذه الحياة هو قمة الرحمة بالعباد لأنه لولاه لما خلق هذا الخلق، ففي الحديث القدسي “لولاك يا محمد لما خلقت الأفلاك”[5]. بالتالي، فإن رحمة النبي الشاملة لكل بني البشر هي امتياز رباني خص به الباري تعالى نبينا الأكرم دون بقية الأنبياء والمرسلين، فنحن عندما نطالع سير الأنبياء نجد أن رسالتهم تكون محدودة ضمن المجتمع الذي أتت لأجل هدايته، أما رسالة النبي ورحمته فهي رسالة عالمية، ورحمته رحمة عالمية بل لأجله وكما ورد في الحديث القدسي خلق هذا الكون.

  وفي معرض الحديث عن الرحمة المحمدية، يقول الباري عز وجل: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾[6]. وقد ورد في تفسير الميزان، تفسير هذه الآية؛ “أي أنك رحمة مرسلة إلى الجماعات البشرية كلهم – والدليل عليه الجمع المحلى باللام – وذلك مقتضى عموم الرسالة. وهو صلى الله عليه وآله وسلم رحمة لأهل الدنيا من جهة إتيانه بدين في الأخذ به سعادة أهل الدنيا في دنياهم وأخراهم. وهو صلى الله عليه وآله وسلم رحمة لأهل الدنيا من حيث الآثار الحسنة التي سرت من قيامه بالدعوة الحقة في مجتمعاتهم مما يظهر ظهورًا بالغًا بقياس الحياة العامة البشرية اليوم إلى ما قبل بعثته صلى الله عليه وآله وسلم وتطبيق إحدى الحياتين على الأخرى”[7].

وهذه الرحمة تفيض رأفة وحنانًا حتى على الأعداء، وعلى المشركين، وحتى على أبناء قومه وجلدته الذين أذوه في حياته، واستمروا في إيذائه بعد مماته. يقول الباري عز وجل في هذا الصدد: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ﴾[8]. ومما جاء في كتاب تفسير الأمثل حول تفسير هذه الآية، أن “هذه الآية وإن كانت تتضمن سلسلة من التعاليم الكلية الموجهة إلى رسول الله (ص) وتشتمل من حيث المحتوى على برامج كلية وأساسية، ولكنها من حيث النزول ترتبط بواقعة “أحد”؛ لأنه بعد رجوع المسلمين من “أحد” أحاط الأشخاص الذين فروا من المعركة برسول الله (ص) وأظهروا له الندامة من فعلتهم وموقفهم، وطلبوا منه العفو. فأصدر الله سبحانه إلى نبيه (ص) أمره بأن يعفو عنهم، ويتجاوز عن سيئهم ويستقبل المخطئين التائبين منهم بصدر رحب. إذ قال تعالى: ﴿فبما رحمة من الله لنت لهم، ولو كنت فظًا غليظ القلب لانفضوا من حولك﴾، ولقد أشير في هذه الآية – قبل أي شيء – إلى واحدة من المزايا الأخلاقية لرسول الله (ص)، ألا وهي اللين مع الناس والرحمة بهم، وخلوه من الفظاظة والخشونة.

وفي تفسيره لتكملة الآية “فاعف عنهم واستغفر لهم” يقول الشيخ مكارم الشيرازي:

“ثم إنه سبحانه يأمر نبيه بأن يعفو عنهم إذ يقول: فاعف عنهم واستغفر لهم. وهذا الكلام يعني أنه سبحانه يطلب منه (ص) أن يتنازل عن حقه لهم إذ تفرقوا عنه في أحلك الظروف، وسببوا له تلك المصائب والمتاعب في تلك المعركة، وأنه يشفع لهم لدى نبيه بأن يتجاوز عنهم، وأن يشفع هو بدوره لهم عند الله ويطلب المغفرة لهم منه سبحانه. وبتعبير آخر أنه سبحانه يطلب من نبيه أن يعفو عنهم فيما بينه وبينهم، وأما ما بين الله وبينهم فهو سبحانه يغفر لهم ذلك. وقد فعل الرسول الكريم ما أمره به ربه وعفى عنهم جميعًا”.

ويتابع الشيخ الشيرازي القول: “ومن الواضح أن هذا المقام كان من الموارد التي تتطلب حتمًا العفو والمغفرة، واللطف واللين، ولو أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فعل غير ذلك لكان يؤدي ذلك إلى انفضاض الناس من حوله، وتفرقهم عنه، إذ أن الجماعة رغم أنها أصيبت بالهزيمة النكراء، وتحملت ما تحملت من القتلى والجرحى، وكانوا هم السبب في ذلك، إلا أنهم أحوج ما يكونون إلى العطف واللطف وإلى اللين والعفو، وإلى البلاسم التي تبل جراحاتهم، وإلى المراهم التي تهدئ خواطرهم، حتى يتهيأوا بعد شفائها واستعادة معنوياتهم إلى مواجهة أحداث المستقبل، وتحمل المسؤوليات القادمة[9]“.

يتضح لنا مما تقدم من تفسير للآية الكريمة المذكورة آنفًا، الإشارة الصريحة إلى أهم الصفات التي يجب توفرها في القائد، وهي العفو والرحمة واللين واللطف، والتسامح اتجاه المخالفين التائبين والمعاندين الذين يتمردون على قيادتهم، ويعارضون أوامرها، فلو انتفت هذه الصفات من المتصدين للقيادة، وافتقر القائد من الناحية المعنوية إلى التسامح والعفو، وتعامل مع المحيطين به بفظاظة وقسوة، فإنه من الطبيعي أن لا يبقى معه أحد، وأن يصاب بالفشل على مستوى كونه قائدًا ولديه مسؤولية اتجاه شعبه وأمته ومن يؤمن به وبقيادته ويسير تحت لوائه، بالتالي من الأفضل والأصلح لمثل هكذا قائد أن يتنحى عن ممارسة مسؤوليته القيادية ويتنحى لشخص آخر فيه من صفات السماحة واللين والعفو واللطف وغيرها من الصفات المعنوية الروحية التي ينبغي أن يتحلى بها القائد القيادي بحق، ولهذا يقول أمير المؤمنين (ع) مشيرًا إلى الخصلة الهامة في القيادة: “آلة الرياسة سعة الصدر”[10]. من هنا، نجد أن الرسول الأكرم بشخصيته القيادية والفذة قد جمع في شمائله وخصاله المعنوية والجسدية من الرحمة ولين العريكة والتسامح وغيرها من الخصال الرحمانية ما جعله نبي الرحمة، ورسول المحبة، والقائد الملهم، والذي عنونت رسالته بحق تحت عنوان: رحمة للعالمين.

  1. التواضع

يعتبر التواضع من الصفات الجميلة التي يتحلى بها المرء، فهي تقربه من الناس وتقرب الناس منه، وتجعل منه أنيسًا للقلوب التعبة والتي تحتاج إلى من يبلسم لها آلامها عند الشكوى والفقر والحاجة، فكيف بنا إذا كان هذا المتواضع هو رسولنا الأكرم، قدوتنا في هذه الحياة، فلقد كان (ص) متواضعًا في سلوكه وحياته وفي مأكله وملبسه ومسكنه. وفي كل شؤون حياته، حتى أنه يمكننا أن نطلق عليه صفة المتواضع الأول في هذا الكون، لقد كان التواضع من سماته المجبولة في شخصيته، فلم يكن يتكبر على أي أحد من الناس، بل كانت سيرته مليئة بالمواقف التي تتحدث عن تواضعه وزهده في هذه الدنيا. وكان (ص) مدرسة نستلهم منها التواضع في حياتنا اليومية.

يقول أمير المؤمنين علي (ع) في وصف تواضع الرسول (ص): “ولقد كان صلى الله عليه وآله يأكل على الأرض، ويجلس جلسة العبد، ويخصف بيده نعله، ويرقع بيده ثوبه، ويركب الحمار العاري ويردف خلفه. ويكون الستر على باب بيته فتكون فيه التصاوير فيقول يا فلانة – لإحدى أزواجه – غيبيه عني فإني إذا نظرت إليه ذكرت الدنيا وزخارفها. فأعرض عن الدنيا بقلبه، وأمات ذكرها من نفسه، وأحب أن تغيب زينتها عن عينه، لكيلا يتخذ منها رياشًا، ولا يعتقدها قرارًا ولا يرجو فيها مقامًا…”[11].

ويقول (ع) أيضًا في معرض وصفه لتواضع الرسول (ص): “كان فراش رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عباءة. وكانت مرفقته (وسادته) أدم حشوها ليف. فثنيت ذات ليلة، فلما أصبح قال: لقد منعني الليلة الفراش الصلاة فأمر (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يجعل له بطاق واحد. وكان له (صلى الله عليه وآله وسلم) فراش من أدم حشوه ليف، وكانت له عباءة تفرش له حيثما انتقل وتثنى ثنتين. وكان (صلى الله عليه وآله وسلم) كثيرًا ما يتوسد وسادة له من أدم حشوها ليف ويجلس عليها… وكان له بساط من شعر يجلس عليه وربما صلى عليه. في نومه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان (ص) ينام على الحصير ليس تحته شئ غيره”[12].

وتواضع الرسول لم يكن فقط في المأكل والملبس والمسكن، بل تخطى ذلك ليشمل كل النواحي المعنوية والنفسية في حياة البشر، وتعلمنا من سيرته المباركة كيف نتواضع أمام الله وأمام الناس وأمام أنفسنا، فيقول (ص): “من تواضع لله رفعه الله، فهو في نفسه ضعيف، وفي أعين الناس عظيم، ومن تكبر وضعه الله، فهو في أعين الناس صغير، وفي نفسه كبير، حتى لهو أهون عليهم من كلب أو خنزير “[13]. وعنه (صلى الله عليه وآله) أيضًا: “ثلاثة لا يزيد الله بهن إلا خيرًا: التواضع لا يزيد الله به إلا ارتفاعًا، وذل النفس لا يزيد الله به إلا عزًّا، والتعفف لا يزيد الله به إلا غنى”[14].

 

ومن البركات المعنوية والمنازل الرفيعة التي يصل إليها الإنسان من خلال تواضعه ما ورد عنه (صلى الله عليه وآله): “يا علي والله لو أن المتواضع في قعر بئر لبعث الله عز وجل إليه ريحًا يرفعه فوق الأخيار في دولة الأشرار”[15].

ومن النعم الإلهية التي ينعم الله بها على الإنسان المتواضع أيضًا هي نعمة الحكمة، ويقول (صلى الله عليه وآله) في هذا الصدد: “ما من آدمي إلا وفي رأسه حكمة بيد ملك، فإذا تواضع قيل للملك: ارفع حكمته، وإذا تكبر قيل للملك: ضع حكمته”[16].

نلاحظ من خلال هذه الأحاديث الواردة عن الرسول الأكرم (ص) حول صفة التواضع، وهناك الكثير الكثير من مثل هذه الأحاديث، وما تركيز النبي (ص) على ذكرها والتأكيد عليها، إلا لأهمية وجود هذه الصفة في الإنسان المؤمن، وإلى أنه ينبغي أن يجهد ويجتهد الإنسان ليصل إلى هذه المرتبة العظيمة والرفيعة، فهي صفة تقربنا إلى الله عز وجل كما وتقربنا إلى الناس، وإذا جبل الإنسان على التواضع، جعل الله في خدمته ملائكة لا يراهم، وسدده بأمور حياته، ورفعه بين الناس درجات لأنه كان عند نفسه ذليلًا وقمعها عن الهوى وأهواء الشيطان، فعندما يرى الباري بواطن الإنسان المؤمن ويجده مخلصًا في تواضعه، فإنه يرفعه إليه مكانًا نجيًّا. وورد في دعاء مكارم الأخلاق للإمام السجاد (ع) الحث على التواضع أمام الناس وحتى أمام النفس، لأن مجاهدة النفس مفتاح للوصول إلى مدارك الكمال الإنساني الذي يصبو إليه كل مؤمن يبتغي لقاء الله، حيث يقول الإمام (ع): “اللهم صلّ على محمد وآله، ولا ترفعني في الناس درجة إلاّ حططتني عند نفسي مثلها، ولا تحدث لي عزّاً ظاهراً إلا أحدثت لي ذلّة باطنة عند نفسي بقدرها”[17].

وبالعودة إلى شخصية الرسول (ص) الاستثنائية في تواضعها، حيث كان في حياته وسلوكه وأخلاقه أسوة للمسلمين أجمع، ومدرسة في التواضع لكل إنسان حر يرفض الاستكبار والتجبر على الآخرين، وكان (ص) في سلوكيات حياته منهاجًا للمؤمنين لكي لا يتكبروا إن عاشوا الجاه وسكنوا القصور أو تعلموا أكثر من غيرهم، أو كانت لهم في الحياة امتيازات امتازوا بها عن غيرهم من الناس، فالرسول أعطانا درسًا عظيمًا بتواضعه، لذا علينا نحن المسلمين أن نتأسى به ونمشي على الطريق الذي رسمه لنا، ولا نعامل الغير إلا وفق تعاليم هذه الرسالة السمحاء التي من قيمها وشيمها التواضع.

 

 

  1. زهد الرسول (ص)

تحدثنا أعلاه عن تواضع الرسول، أما فيما يتعلق بزهده في هذه الدنيا، فقد ارتحل رسول الله من هذه الحياة ولم يترك شيئًا متعلقًا بها، بل عاش فيها زاهدًا عابدًا لله وحده دون أن تعني له هذه الدنيا أي شيء، بل كانت لا تساوي بنظره الشريف شيئًا، وعند ارتحاله (ص) ارتحل وعليه دين، رغم أن كل مقاليد الحكم والملك كانت بيده، وكل أموال العالم تحت تصرفه، يقول الإمام أبي عبد الله عليه السلام بهذا الخصوص: “مات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وعليه دين”[18].

زَهِدّ النبي محمد (ص) بكل مباهج وزخارف الحياة حيث كانت بنظره عبارة عن حطام لا يدوم، وعمل وجهد (ص) من أجل بناء جنته في الآخرة ، تلك الجنة التي لا تفنى ولا تزول فكان قريبًا وحبيبًا من الله ﴿فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ[19]، وهو النبي المعصوم الذي آثر على نفسه واختار العبودية الخالصة لله سبحانه وتعالى، على ملك فانٍ يزول بموت الإنسان.

ومن آثار زهده (ص) في هذه الدنيا أنه لم يترك ميراثًا يورث به أهل بيته، فعن الإمام جعفر الصادق، عن أبيه عليهما السلام “أن رسول الله صلى الله عليه وآله لم يورث دينارًا ولا درهمًا ولا عبدًا ولا وليدة ولا شاة ولا بعيرًا، ولقد قبض صلى الله عليه وآلـه، وأن درعه مرهونة عند يهودي من يهود المدينة بعشرين صاعًا من شعير استلفها نفقة لأهله”[20].

ومن مظاهر زهده (ص) والتي كانت محببة إليه، عن جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي عليهما السلام قال: “قال رسول الله صلى الله عليه وآله: خمس لست بتاركهن حتى الممات: لباسي الصوف، وركوبي الحمار مؤكفًا، وأكلي مع العبيد، وخصفي النعل بيدي، وتسليمي على الصبيان لتكون سنة من بعدي.[21]

وغيرها من الأحاديث الواردة عن أهل البيت (ع) والتي تحدثنا عن زهد الرسول الأكرم في هذه الدنيا، والتي نستلهم منها الدروس والعبر في حياتنا اليومية، وإن مارسناها بصدق كان الله تعالى كفيلًا لنا بنيل الكرامات التي نلمس آثارها في عيشنا وعملنا وعبادتنا، حتى أن أرواحنا تسمو لتكون نقية طاهرة حين تقابل بارئها وخالقها عز وجل.

 

 

  1. الحلم والسماحة

صفتا الحلم والسماحة من الصفات التي أيضًا كان يتحلى بهما الرسول الأكرم، إضافة إلى ما كان يتحلى به من الصفات الحميدة والجميلة ذاتًا وروحًا، فلكم تأذى الرسول من قومه، ولكم عانى، حتى قال (ص): “ما أوذي نبي مثلما أوذيت أنا”. رغم ذلك كان (ص) يتعامل مع أبناء قومه بكل سماحة، ويتجمل بالحلم والصبر وعدم الغضب، ويصفح عنهم. فهو بهذه الصفات الإلهية كان مثالًا كاملًا لا تشوبه شائبة من شوائب وسجايا البشر. بل هو إنسان ملكوتي عصمه الله من الزلل والخطأ، لذا نجده مثالًا لكل صفة حميدة، يقول الباري عز وجل في حق النبي الأكرم: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾[22]. وقد ورد في تفسير الميزان تفسير هذه الآية ما يلي: قوله تعالى: “خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين”؛ الأخذ بالشيء هو لزومه أو عدم تركه فأخذ العفو ملازمة الستر على إساءة من أساء إليه، والإغماض عن حق الانتقام الذي يعطيه العقل الاجتماعي لبعضهم على بعض. هذا بالنسبة إلى إساءة الغير بالنسبة إلى نفسه والتضييع لحق شخصه، وأما ما أضيع فيه حق الغير بالإساءة إليه فليس مما يسوغ العفو فيه لأنه إغراء بالإثم وتضييع لحق الغير بنحو أشد، وإبطال للنواميس الحافظة للاجتماع، ويمنع عنه جميع الآيات الناهية عن الظلم والإفساد وإعانة الظالمين والركون إليهم بل جميع الآيات المعطية لأصول الشرائع والقوانين، وهو ظاهر. فالمراد بقوله: “خذ العفو” هو الستر بالعفو فيما يرجع إلى شخصه صلى الله عليه وآله وسلم، وعلى ذلك كان يسير فقد تقدم في بعض الروايات المتقدمة في أدبه صلى الله عليه وآله وسلم: أنه لم ينتقم من أحد لنفسه قط”[23]. وتعقيبًا على ذلك، فإنه يتجلى من خلال هذه الآية وهذا التفسير أبهى معاني الحلم والسماحة والتي كان يتحلى بهما الرسول (ص)، والذي كانت سيرته وتعامله ما هي إلا وفق المنظومة الأخلاقية التي وهبه الله إياها وجمّله بها.

بالتالي، فحلم الرسول وسماحته وعدم لجوئه إلى الانتقام من أحد لنفسه قط، ينبغي أن يكون في بالنا ووجداننا دائمًا، وينبغي أن يكون درسًا نتعلمه نحن البشر المأخوذين بقوتنا الغضبية عند كل حادثة فردية تحصل معنا، وحتى قبل أن نتأكد من براءة الطرف الأخر أو إدانته فإننا فورًا نصدر الأحكام بحقه، ونجعل الغضب يسيطر على عقولنا وقلوبنا، ولا نسمع لصوت العقل والقلب المنادي فينا بأنه ينبغي التوقف والعودة إلى سيرة الرسول السموحة، وإلى حلمه وعفوه (ص). من هنا من مدرسة الرسول في الحلم والسماحة علينا عندما تواجهنا المصاعب والمواقف التي تتوقف فيها مصائر الناس على كلمة لينة أو قلب عطوف متسامح أن نلجأ إلى سيرة رسولنا ونتعظ منها ونسير على هداها في طريق الحق، ونأخذ الدروس والعبر كي يذهب عنا الغيظ والغضب، وكي نصفّي هذه القلوب من شوائب شيطانية كادت تقضي علينا وتجرنا إلى فتن لا تحمد عقباها لولا اقتدائنا بحلم وسماحة هذا النبي العظيم.

ومما جاء عن حلم الرسول أيضًا والذي لم يكن له حدّ؛ “أنَّه كلَّما آذاه قومه الكفار، وبالغوا فيما يفعلون قال: اللَّهم اغفر لقومي فإنَّهم لا يعلمون”[24]. فكم هو حليم وسموح قلب نبينا الأعظم (ص) الذي يطلب المغفرة لقومه الكفار المتمردين، فإنه يطلب المغفرة مع إيجاد العذر لهم بأنهم قوم لا يعلمون ما يفعلون وجاهلون لما يقولون. وهذا تجسيد صريح للحلم والسماحة التي كان الرسول يتحلى بهما. فأن تجد العذر لشخص يخطئ بحقك، ويؤذيك، فإنه أمر بغاية العظمة والتعالي عن الأمور الشخصية بل فيه التقرّب من الله تعالى، وذلك في سبيل تنزيه النفس وتطهيرها من الانتقام، لتسمو وتحلق وتطلب المغفرة من الله، بل وتسامح لكي لا يبقى في القلب أي أمر من أمور الدنيا ومتعلقاتها.

  1. عبادة الرسول

إن صفة العبادة، هي من الصفات والألقاب المحببة إلى قلب نبينا الأعظم والتي كان (ص) يتغنى في ذكرها في كل محفل يجلس به، حيث كان يكرر دائمًا: أنا عبد الله. فصفة العبودية لله، هي من أرقى وأسمى ما يصل إليه العبد في ترقيه وتكامله نحو الباري عز وجل.

فعن عبادة الرسول الأكرم (ص) ورد في بحار الأنوار ما قاله الإمام علي عليه السلام بهذا الخصوص: “ولقد قام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عشر سنين على أطراف أصابعه حتّى تورّمت قدماه واصفرّ وجهه، يقوم الليل أجمع، حتّى عوتب في ذلك فقال الله عزّ وجلّ: ﴿طه * مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى﴾ بل لتسعد”[25].

ولأهمية الصلاة وبأنها معراج المؤمن إلى الله، فكان الرسول (ص) عاشقًا لها، يعرج من خلالها إلى الله بكل جوارحه وحواسه وقلبه وروحه. جاء في بحار الأنوار بأن الرسول (ص) قد عبّر عن عشقه للصلاة والعبادة بالقول: “يا أبا ذرّ جعل الله جلّ ثَنَاؤه قرّة عيني في الصّلاة وحَبّب إليّ الصّلاة كما حَبّب إلى الجائع الطّعام وإلى الظّمآن الماء، وإنّ الجائع إذا أكل شبع وإنّ الظّمآن إذا شرب رَوِيَ، وأنا لا أشبع من الصّلاة”.[26]

وكما كانت الصلاة محببة إلى قلب نبينا، فقد كان القرآن أيضًا أنيسه في كل أوقاته، وفي جوف الليل حيث تغمض العيون إلا عيون النبي كانت ساهرة من أجل عبادة متكاملة لله عز وجل، كانت عيونه (ص) تبقى ساهرة  ليغتنم حلاوة تذوق تلاوة القرآن، فكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يُكثر من قراءة القرآن في كلّ أحواله، وكان يُركّز على تلاوته ليلًا لأمر الله تعالى له بذلك في سورة المزّمّل: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا﴾[27].

وللدعاء أيضًا مكانه الأوفر في وجدان النبي (ص)، حيث كان (ص) يختلي في مناجاة ربه، ملتذًا في مخاطبته بلسان العابد الفقير المتوسل لرحمته وغفرانه، فكان (ص) يدعو في كل الأوقات، لم يترك وقتًا إلا ودعا الله فيه، وكان أيضًا (ص) من اللاهجين بذكر الله عز وجل بشكل دائم. ففي الكافي “أنه كان صلى الله عليه وآله وسلم دائم الدعاء والذكر لله تعالى، فنجد له أدعيةً في جميع الأحوال عند الصباح والمساء، وبعد كلّ صلاة، وعند السفر وفي الحرب… وأمّا الذّكر فقد كان ذاكرًا على الدوام، وقد ورد في ذلك عن الإمام الصادق عليه السلام: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحمد الله في كلّ يوم ثلاثمائة وستين مرّة ويقول: الحمد لله ربّ العالمين كثيرًا على كلّ حال”[28].

أما عن صوم النبي (ص)، ففي وسائل الشيعة يتحدث عن صوم الرسول حيث يقول العلامة الحر العاملي: أمّا صومه صلى الله عليه وآله وسلم فقد قال أمير المؤمنين عليه السلام فيه: “صام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الدهر كلّه ما شاء الله، ثم ترك ذلك وصام صيام أخيه داود عليه السلام يومًا لله ويومًا له ما شاء الله ثم ترك ذلك فصام الاثنين والخميس ما شاء الله، ثم ترك ذلك وصام البيض ثلاثة أيّام من كلّ شهر، فلم يزل ذلك صيامه حتى قبضه الله إليه”[29].

كانت عبادة النبي (ص) لا تضاهيها أي عبادة، كانت عبادة عابدٍ عاشقٍ لله، عبادة عابد ذائب في حبه لله، وكانت صلاته معراج روحه الموصل إلى لقاء الحبيب، وهذه العبادة المشرفة أوصلته إلى مراتب الكمال التي لا يصلها أي إنسان، فكان حبيب الله، وصفة حبيب الله لم تطلق على أي نبي أو رسول سوى النبي محمد (ص)، فعبادته (ص) كان فيها لذة العشق والوصال، حيث يفنى عن هذه الدنيا وينسلخ عن جوارحه ويحلق بروحه التي تتعلق ببارئها فقط، ليعود بعد إتمام العبادة ويتابع حياته الاجتماعية ويهتم بشؤون قومه. فهو العابد الساجد الداعي الذاكر، الصائم التالي للقرآن، وأيضًا هو القائد الذي يتابع أمور أمته غير غافل عن أي تفصيل من تفاصيل حياتهم اليومية ولا عن الجهاد في سبيل الله.

وعبادة الرسول (ص) رسالة لنا لكي لا نغفل عن أمور الحياة ونستغرق فقط في أمور العبادة،كما يفعل بعض الفرق الصوفية، أو كما يفهم بعض المغالين من أن العبادة هي ترك العمل والتفرغ فقط لعبادة الله عز وجل. أو الذي يذهب إلى المسجد ويبقى طوال النهار فيه دون أن يهتم بشؤون بيته وعياله، الأمر ليس هكذا أبدًا، فالرسول الأكرم أسوتنا وقدوتنا كان عبد الله بحق لكنه لم يكن غافلًا أو تاركًا أمته لمصيرها دون متابعة دقيقة منه (ص)، ولم يكن غافلًا عن الاهتمام بعائلته.

  1. شجاعة الرسول

إن شجاعة الرسول (ص) كانت الحصن المنيع الذي يلوذ به المسلمين المشاركين في الحروب إذا اشتدت عليهم أوزار الحرب، بل كانت شجاعته (ص) تشعرهم بالأمن والسلام لما يمثله صاحب هذه الشخصية الشجاعة والفذة، وبما يفيض منه على المحيطين به حتى يشعروا بهذه الطاقة الكبيرة من الأمان، فكان وجوده (ص) بينهم وقاية لهم في ساحات الوغى وإذا اشتدت حرارة السيوف، وهذا ما ذكره الإمام علي (ع) حيث قال:  “كنّا إذا احمرّ البأس ولقي القوم القوم، اتقينا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه” [30]. إلى هذه الدرجة كان مهمًّا وجود الرسول في المعارك، حيث كان بجرأته يذهب عنهم الخوف والرعب، ويشعرهم بالطمأنينة والسكينة، ويدفعهم للقتال بشجاعة وبسالة، ويحثهم على الإقدام وعدم التراجع في المعارك، فكان (ص) في الصفوف الأولى، يتقدم المقاتلين، ويتقي بجسده الشريف طعنات السيوف، لم يكن يهاب الأعداء، بل كان الأعداء يهابون منه. وكان الله يلقي في نفوس الأعداء الرعب مجرد أن يروا الرسول في مقدمة المعركة، وذلك نصرة لرسوله (ص). وعندما يعاين المجاهد ويرى بأم عينه مشاركة قائده معه في أرض المعركة، ويقاتل معه جنبًا إلى جنب وكتفًا إلى كتف، فإنه يشعر بروحية عالية في القتال، ويشعر أيضًا بأنه على استعداد تام للشهادة بين يدي قائده، فلا يعود يخاف من الأعداء، ولا يهاب كثرة عددهم، بل إنه يشعر بنفسه مقاتلًا بعشرة مقاتلين.. فكيف إن كان القائد في المعركة هو الرسول الأكرم (ص) هذا القائد الشجاع الهمام ذو البصيرة النافذة. وأنت أيها المسلم المؤمن تخيل نفسك بأنك تقاتل بين يديه الشريفة والكريمة (ص)، ما هو شعورك حينها؟ هل ستخاف وتترك أرض المعركة، أم تقاتل غير آبه لصليل السيوف تقرع فوق رأسك، وغير مبال بالموت إن وقع الموت عليك؟ الإجابة هي في وجدان وقلب كل مسلم محب لنبيه العظيم.

وعن شجاعة الرسول (ص) ينقل الشيخ الطبرسي في كتابه مكارم الأخلاق عن أنس بن مالك أنه قال: “كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أشجع الناس وأحسن الناس وأجود الناس. قال: لقد فزع أهل المدينة ليلة فانطلق الناس قبل الصوت، فتلقاهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد سبقهم، وهو يقول: لم تراعوا، وهو على فرس لأبي طلحة وفي عنقه السيف، فجعل يقول للناس: لم تراعوا، وجدناه بحراً أو أنه لبحر”[31].

إذًا، رسولنا الكريم المجاهد العابد، في محراب عشقه لله، ليس فقط شجاعًا بل كان أحسن الناس وأجودهم، وصفة الجود إن ارتبطت بالشجاعة فلهذا آثار عظيمة، لأن المرء عندما يجود بنفسه في سبيل الله، فهذا بحد ذاته قمة الشجاعة، وأسمى ما يقدمه الإنسان هو الروح، وأن يبذل نفسه وجسده فداء للخط الذي يسير عليه، ودفاعًا عن النهج الذي يتبعه غير آبه لشيء. ومن الألطاف الإلهية على نبينا محمد (ص) أنه كان شجاعًا جوادًا لم يبخل على ربه بنفسه وروحه في سبيل إعلاء كلمة لا إله إلا الله، محمد رسول الله، وفي سبيل نشر رسالة الله إلى كل العالمين، فصدح (ص) بهذه الرسالة بكل شجاعة وبسالة.

 

خاتمة

مهما تحدثنا عن مزايا وشمائل الرسول الأكرم الحميدة، فإننا نبقى مقصرين في الإحاطة بكل جوانب حياته الكريمة والشريفة، ونبقى قاصري النظر والفكر في الإضاءة على جميع هذه المزايا والصفات والخصال. لكن سعينا في هذه المقالة، وباعتراف المقصّر بحق نبيه، ومع قلة إلمامنا بسيرته العطرة، من تصويب النظر على بعض هذه الجوانب والصفات في شخصيته المباركة، علنا نساهم في نشرها والتعريف بها وإطلاع القارئ إلى أي دين انتمى، على ما كان يتمتع به نبينا الأكرم (ص) المستبطن بداخله كل المزايا اللطيفة، المستودع في قلبه الكبير كل المعاني السامية والعالية حتى أن العالم الأكبر قد انطوى فيه.

ورغم وجود الكثير من الروايات والأحاديث التي تتحدث وبإسهاب عن صفات الرسول الأخلاقية والخلقية والمعنوية والجسدية، وعن مقاماته ودرجاته الرفيعة والعالية، والتي خصه الباري عز وجل بها في الدنيا والآخرة، فلا ندعي أننا استطعنا أن نحيط بها كلها، أو نلم بمضامينها، بل كانت عبارة عن محاولة بسيطة للغوص في هذا البحر الكبير والمترامي الأطراف لحياة عظيم نجهله وللأسف نحن المسلمين، ولا نعرفه حق المعرفة، وربما فقط نسمى بأمة المسلمين تيمنًا بالرسالة التي جاء بها (ص) وهي الإسلام، هي محاولة لننهل من فيض وجوده الأقدس شربة ماء يحاول الظمآن في صحراء عشقه لنبيه أن يشرب منها ليرتوي، لكنه كلما شرب يحتاج إلى المزيد دون ارتواء، ونحن هكذا بحاجة إلى أن نتعرّف إلى نبينا أكثر، وأن نغوص في بحر علمه أكثر، لكن ينقصنا الكثير لنتعلم منه ولنصبح أمة لائقة بنبيها الأكرم، أمة لائقة بحمل لقب أمة محمد بن عبد الله (ص).

 

[1]  سورة القلم، الآية 4.

[2]  العلامة الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، الجزء 19، الصفحة 377.

[3] محمّد الريشهري، ميزان الحكمة، الجزء 1، الصفحة 804.

[4]  المصدر نفسه، الجزء 1، الصفحة 58.

[5]  العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، الجزء 16، الصفحة 406.

[6]  سورة الأنبياء، الآية 107.

[7] الميزان في تفسير القرآن، مصدر سابق، جزء 14،الصفحة 331.

[8]  سورة آل عمران، الآية 159.

[9]  الشيخ ناصر مكارم الشيرازي، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، الجزء 2، الصفحة 748.

[10]  خطب الإمام علي (ع)، نهج البلاغة، الجزء 4، الصفحة 42، الخطبة 169.

[11] نهج البلاغة، مصدر سابق، الجزء 2، الصفحة 59.

[12] الشيخ الطبرسي، مكارم الأخلاق، الصفحة 38.

[13]  المتقي الهندي، كنز العمال، الجزء 3، الصفحة 113.

[14]  ميزان الحكمة، مصدر سابق، الجزء 4، الصفحة 3559.

[15] بحار الأنوار، مصدر سابق، الجزء 74، الصفحة 53.

[16]  ميزان الحكمة، مصدر سابق، الجزء 4، الصفحة 3559.

[17]  الإمام زين العابدين، الصحيفة السجاديّة، الصفحة 110، الدعاء 55.

[18]  بحار الأنوار، مصدر سابق، الجزء 16، الصفحة 275.

[19]  سورة القمر، الآية 55.

[20]  المصدر نفسه، الجزء 16، الصفحة 219.

[21]  المصدر نفسه، الجزء 16، الصفحة 220.

[22]  سورة الأعراف، الآية 199.

[23] بحار الأنوار، مصدر سابق، الجزء 8 الصفحتان 379و  380.

[24]  بحار الأنوار، مصدر سابق، الجزء95، الصفحة167.

[25]  المصدر نفسه، الجزء 17، الصفحة 287

[26]  المصدر نفسه، الجزء 74، الصفحة 77.

[27]  سورة المزمل، الآيتان 1و2.

[28]  الشيخ الكليني، الكافي، الجزء2، الصفحة 503.

[29]  الحر العاملي، وسائل الشيعة، الجزء 10، الصفحة 437،

[30] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، الجزء4، الصفحة61.

[31]  الشيخ الطبرسي، مكارم الأخلاق، الصفحة 19.


الكلمات المفتاحيّة لهذا المقال:
النبيّ محمّدرسول اللهرسول الله محمد

المقالات المرتبطة

الإيمان صبغة الله “ومن أحسن من الله صبغة”

لا بدّ، لمقاربة الإيمان نظريًّا، من تعيين الحقل الإنطباعيّ الخاصّ بمفردة إيمان، إذ معرفته لا تنحصر بدلالته العقليّة التصديقيّة

نزوع الإنسان نحو الله والعالم “نظريّة الجعل الفطريّ”

تنفتح تجربة الحياة عند الإنسان على عالم الأحداث التي تحيطه منذ ماضيه الخاصّ وحاضره، مرورًا بما يمكّنه من المدى والعمر.

غيبة الإمام عند الشيخ ميثم البحراني

يقدم لنا الباحث الدكتور إدريس هاني، قراءةً في مبحث الغيبة عند العلامة الشيخ ميثم البحراني، مستندًا على كتاب النجاة لسماحة العلامة

لا يوجد تعليقات

أكتب تعليقًا
لا يوجد تعليقات! تستطيع أن تكون الأوّل في التعليق على هذا المقال!

أكتب تعليقًا

<