الفكر العربي الحديث والمعاصر | حسين مروة والقراءة الماركسية للتراث الإسلاميّ
قد يكون الحديث عن القراءة الماركسية للتراث الإسلاميّ مستغربًا، فهذا التيار اعتبر الدين أفيون الشعوب بالتالي قام برفضه، وعندما وصل إلى السلطة في روسيا، أنشأ معهدًا متخصصًا لنقد الأفكار الدينية، ولكن مع التحوّلات التي شهدها العالم، وبروز الدين كمحرك اجتماعيّ، ومع ظهور شخصيات بارزة كالشهيد محمد باقر الصدر في العراق، والشهيد مرتضى مطهري في إيران، بالإضافة إلى الحركات الدينية التي ظهرت في أمريكا اللاتينية، والتي عملت على الاستفادة من الدين لمواجهة الاستبداد السياسيّ، بدأ الشيوعيون بإعادة النظر في مقولاتهم، ويعملون على إيجاد عناصر وصل معه للاستفادة من الطاقة التي تحملها الأديان، فهم أدركوا مع الوقت أنّ الدين يتعدى كونه منظومة اعتقادية طقسية، فهو يدخل في صلب حياة الإنسان لا سيما في المناطق التي شكل فيها عنصر دفع لهذه المجتمعات نحو التقدم والحضارة، فبدأ الكثير من اليساريين، ينسجون مقالات تتحدث عن انقسام الدين إلى تقدميّ ورجعيّ أو يمين ويسار، ثم بعد ذلك ذهبوا باتجاه البحث في الدين وتقديم قراءات أو خطابات تتعلق بالدين والتراث، وقد برز منها ما قدمه الدكتور حسين مروة في هذا المجال، حيث قام هذا الباحث بتقديم مقاربة نظرية، سنعمل على الدخول إليها، ونرى كيفية عملها من خلال هذه الدراسة، التي تأخذ هذه الشخصية مثالًا لقراءات أخرى، انتشرت في العالم العربي في مرحلة الثمانينات والتسعينات من القرن العشرين، وهي وإن خفتت بسبب الأزمة التي وقع فيها الفكر اليساري نتيجة سقوط النموذج في الاتحاد السوفياتيّ، وانتقال الكثير من المثقفين منهم إلى جانب التيارات الليبرالية، فانضموا إلى مؤسسات ثقافية، أصبح همهم مواجهة الإسلام الحركيّ، فتحوّلت الماركسية إلى أداة منهجية تستثمر في الصراع على المجتمعات العربية والإسلامية.
فهذه الورقة التي تقدم، لن تدخل بالسياسيّ، ولا يهمها بالأصل هذا الجانب، فهي تتعاطى مع المنهج الذي قُدِم من الماركسية في قراءة الإسلام، وهي تنطلق من مجموعة من الأسئلة، لماذا لجأ الماركسيون لتقديم مقاربات نظرية للتراث؟ وكيف تعاطت معه؟ وكيف قدمت فهمها له؟ هل نجحت القراءة المادية للتراث العربيّ الإسلاميّ بتقديم طريقة منهجية مادية تاريخية ناجحة في مقاربته؟ وهل استطاعت أن تثمّر التراث ضمن نظرتها إلى الحياة؟ هذا ما سيتمّ التركيز عليه، ويتمّ إيضاحه، لنصل من خلاله إلى نتيجة، تستطيع أن ترى مساهمة هذا التيار في مقاربة التراث.
أولًا: حياة حسين مروة وأعماله
ولد حسين مروة عام 1908 في قرية حداثا قضاء بنت جبيل في جنوب لبنان، ولكن والده تأخر في تسجيله حتى سنة 1910، والده الشيخ علي مروة أحد شيوخ جبل عامل[1] الّذي عُرِف بحسب قوله بمعارضته للإقطاع وكان شاعرًا، يتذكر مروة علاقته بوالده، فيقول بأنّه كان يعده ليكون: “خليفته في عمله الدينيّ، فقد أخضعني لتربية صارمة النظام والطريقة، الأمر الذي طبع حياتي كلّها. ومن جملة ما أصابني من هذه التربية حرمانيّ الكلّي من طفولتي. فقد انتزعت منها وأنا في الثامنة، وفُرض عليّ يومها زيّ رجال الدين (العمامة والجبة)، الأمر الذي جعلني مضحكًا في عيون أقراني. لذا اجتنبتهم وقصرت صحبتي على والدي وعشرائه وزواره”[2]، وهذا الكلام جديد الأهمية، وتزداد أهميته من خلال المقدمة التي كتبها الأستاذ عباس بيضون، والتي قال فيها، إنّ مروة كان ينوي كتابة مذكراته تحت عنوان: “ولدت شيخًا وأموت طفلًا”، وفي هذا دلالة مهمة سنعود إليها، ولكن ما نريد أن نقول، كانت هذه المرحلة هامة في بناء شخصيته والمواقف التي تبناها بعد ذلك، فهي جعلته منكمشًا على نفسه، وهذا ما عبّر عنه عندما أفصح أنّ معاملة والده: “أورثتني خجلًا من الظهور في الاجتماعات العامة لا يزال متأصّلًا فيّ. فأنا حتى اليوم أتهيب المجالس والاجتماعات العامة وأنفر منها”[3]، ويستمر مروة في سرد ذكرياته التي شكّلت لاوعيه، ويُضيف إليها عنصرًا جديدًا، وهو الحرمان، فبالإضافة إلى الوعي، كان: “من جملة المشاق صحبتي الوالد في تجواله على القرى التي كان يُدعى إليها. في هذه الأسفار كان يذهب راكبًا على الفرس وأنا أرافقه ماشيًا. اعتدت المشي، مما سهّل عليّ بعد وفاته أن أسعى على قدميّ إلى القرى التي تُعقد فيها حلقات للدرس”[4]، وهذه السيرة تتوقف في مرحلة علاقته مع والده عند نقطة هامة، تتعلق بميوله: “لم يكن النقاش الدينيّ يستهويني في ذلك العمر، أو يقع في نفسي بمقدار ما كان يفعل حديث الشعر. فوالدي لكونه شاعرًا كان يؤثر حديث الشعر ويميل إلى الخوض فيه، وينشد رقيقه ويترنح طربًا، وهو يتلو من شعره أو شعر غيره. قد يكون هذا أحد البواعث الخفية على حبي للشعر والأدب”[5]، توفي والده وهو في عمر العاشرة، أما والدته فقد توفيت بعد ذلك وهو في العشرين.
تلقى مروة دروسه الأولى من المدرسة الرسمية في حداثا، وبعد وفاة والده تلقى بعض العلوم الدينية في جبل عامل، ثم أمضى سنة في مدرسة الزرارية، وبعدها استكمل علومه في مدرسة النبطية، التي كانت تمزج بين العلم الديني والعلوم العصرية، وتهيّأ بعد ذلك للسفر إلى النجف، فلم ترق له وسيلة جمع المال من المحسنين والكرام، فعرض الأمر على السيد عبد الحسين شرف الدين صديق والده، الذي قام بجمع المال له وهيأه للسفر إلى النجف عام 1924 لدراسة مبادئ الشريعة الإسلامية في حوزتها.
في النجف بدأ مروة مسيرته في تلقي العلوم، وهناك بدأ يُظهر ميلًا خاصًا باتجاه الشعر، وعند انتقاله لدراسة البلاغة، ازداد إعجابه بهذا الجانب، حيث حبّب الشيخ مهدي الحجّار الشعر إلى قلبه: “من هنا ازددت تورطًا في الأدب وتملكتني شهوته حتى لا مردّ عنه مهما بلغت الاعتراضات والانتقادات. بذلك انجررت إلى اقتناء كتب أدب قديمة وحديثة. وانتظمت قراءاتي وباتت متصلة. وبدأ صدامي بالواقع النجفيّ”[6]، ويتابع مروة في مكان آخر: “تورطت في قراءة الأدب وغيره. وجرّ عليّ هذا التورط خصومة الطلبة والزملاء، حتى كدت أجد نفسي منبوذًا منهم، فقد كنت لا أداري في إظهار ميلي إلى الأدب وتعلقي به. ضاق عليّ الحصار ووجدتني في دوامة صراع داخلي مدار خيار صعب بين الدرس والأدب لم أخرج منه بنتيجة. مما عرّضني لقلق نفسيّ ولجملة عوارض عصبية منها ضيق النفس”[7]، لم يخرجه منه إلا وصول أحمد مروة الذي أخذه إلى بغداد ثم اقترح عليه العودة إلى لبنان ووافقه على ذلك. وهنا نلاحظ مرة ثانية أنّ مروة، لم يكن له توجه دينيّ، حيث كان منشدًا إلى جانب والده وهو الشعر والأدب، ولكنّه لم يستطع أن يأخذ هذا الخيار منذ البدايات، لذلك عند عودته إلى لبنان وأراد أن يمارس قناعاته، لم يجد الفرصة سانحة أمامه: “بدت مستحيلة لجملة أسباب منها تأصّل التعليم الدينيّ في نفسي وعجزي عن التحول عنه للتعليم الحديث بسبب عوزي المادي وصعوبة إيجاد عمل، لذا عدت إلى النجف[8]“، وقد تكون هذه العودة بقصد تحدي الواقع وإثبات الذات مقدمة للانفصال الذي سيحصل بعد ذلك، إذ أنّه وبعد قراءته للفكر الماديّ العربيّ، أخذ يطرح أسئلة: “انطلاقًا منها أسئلة تتناول مجمل الفكر الدينيّ”[9]، وكذلك أخذ يقوم بسلوكية لا تتوافق مع الحوزة، يقول: “أما اختلاف سلوكي فكان ظاهرًا في احتذائي مداسًا أبيض في الصيف والعادة أن يكون أصفر، وعنايتي بقماش القنباز ونظافته وخياطته. وذلك كان موضع استهجان”[10]، وهذا الأمر تفاقم لديه بعد اتهامه بنشر الزندقة والإلحاد بعد أن استلم مكتبة العمارة التي أنشأها حبيب إبراهيم لمواجهة مكتبة بروتستنتية فيها.
انتقل بعدها مروة إلى بغداد، ثم انتقل إلى دمشق ومن بعدها عاد إلى بيروت، حيث علّم الأدب في مدرسة العاملية، ليعود مرة ثانية إلى دمشق، ليعود بعد ذلك إلى النجف ليستكمل دراسته في مدة أربع سنوات، وفي هذه الفترة بدأ مرحلة الكتابة والتعرف على الماركسية بعد أن تعرف عليه من خلال حسين محمد الشيبي، وقراءته للبيان الشيوعيّ والدولة والثورة، وفي العراق بدأ الحراك السياسي من خلال مشاركته في أيام الوثبة عام 1948، ثم أصدر جريدة “السيار” التي أبعد على أثرها من العراق إلى لبنان، حيث انتسب إلى الحزب الشيوعي عام 1951. ترأس تحرير مجلّة الطريق الثقافيّة من العام 1966 حتى شباط 1987، وكان عضوًا في مجلس تحرير مجلّة النهج الصادرة عن مركز الأبحاث والدراسات الاشتراكية في العالم العربي. درّس مادة فلسفة الفكر العربي في الجامعة اللبنانية في بيروت. وحاز على شهادة دكتوراه فخرية من موسكو، اغتيل عام 1987.
ويبدو واضحًا من خلال عرض سيرة مروة أنّ هذه الشخصية، كانت ميالة إلى الأدب، وهي عندما توجهت باتجاه الحوزة، لم تقم بهذا العمل نتجة قناعة ذاتية بقدر ما كان توجهها مسيرًا برغبة طفولية بوراثة الموقع الدينيّ والعلميّ لوالده، ولذلك سيكون هذا الجانب دائمًا هامشيًا، ولا يتحرك إليه إلا كلّما ضاقت به الأحوال المادية، وعُرِض عليه المال لمتابعة علومه، بالتالي بقي الشعر والأدب مقصده الأول، الذي لا يهاجره إلا ليعود إليه في كلّ مرة. وهنا يظهر لنا بوضوح تأثير الطفولة عليه، وكأنّه بقي مشدودًا إليها، لم يغادرها طوال حياته، وهذا ما طبع شخصيته التي يصفها بأنّها خجولة منكمشة على نفسها بحاجة دائمًا من يرعاها ويؤمن الحماية لها دون أن يطلب هو ذلك.
ثانيًا: المصادر المعرفية في فكر مروة
يلاحظ المتابع لفكر مروة، أنّه استقى معرفته من مصادر متعددة، ولكنّها تلتقي عند نقطتين تتمثل الأولى بالأدب، والثانية في الفكر المادي، الذي تطور بعد ذلك باتجاه الماركسية، وفي هذا المجال، يمكننا أن نحدد العناصر التالية:
- الاتجاه المادي لمفكري عصر النهضة، وهنا نلاحظ أنّ حسين مروة قد تعرف على التيار المادي، وتبنى مقولاته حتى وهو في مرحلة تحصيله العلمي، وإذا نظرنا بشكل تدقيقيّ، نلاحظ أنّه قد حدد قراءة هذا النتاج وهو في عمر السادسة عشرة، ولكن عند التدقيق سنلاحظ بأنّه قد بدأ يناقش من خلال هذه المدرسة وأسئلتها في مرحلته الثانية من دراسته، حيث أورد: “يضاف إلى هذه الأفكار مطالعة شبلي الشميّل وإسماعيل مظهر ذوي الاتجاه المادي ومجاهرتي بهذه القراءة”[11]، يبدو أنّه وفي معرض ميله نحو الشعر في بداية علومه الدينية، بدأ بالتعرف إلى المذهب المادي، وهو في هذا المرحلة الأولى، بدأ يراوده التفكير بترك النجف والعودة إلى لبنان، ولكنّه قرر في نهاية الأمر: “سأبقى في النجف… سأتابع الدراسة في النجف، هكذا صمّمت… سأتابع بالرغم من كلّ الأسئلة المستفزة في داخلي ضد هذا الاختيار، بالرغم من الإثارات المحتملة في داخل ذاتي حيال هذا القرار، (بالرغم من) من كلّ المخارز التي ستصوّب إلى خاصرتي”[12]، وهذا الأمر هو الذي أدى إلى إصابته في عارض عصبيّ، دفعه لترك النجف والعودة إلى لبنان، ويبدو أنّه في مرحلته الدمشقية، قد وصل إلى قناعة بالمادية وتبني الرؤية التي كان يروج لها مظهر وشميل، فقرر العودة إلى النجف ولكن بشخصية مستفزة بأسئلتها. كما تأثر بهذه الفترة بفرح أنطون ونقولا حداد، يقول: “قرأت “علم الاجتماع” لنقولا حداد”[13].
ويلاحظ أنّ جميع الشخصيات التي توجه نحوها كانت تنتمي للتيار الماديّ الاجتماعيّ، وهو لم يكتف بذلك، بل ذهب باتجاه التعمق بالموضوع: “بدأت أنحاز إلى الفكر الذي لا أزال في خطه، الفكر الماديّ. قرأت “أصل الأنواع”، وتابعت بعده هذا الخط من الفكر العديد من الكتب الصادرة في القاهرة، حين كانت مصنعًا هائلًا للفكر العربي”[14].
- أعجب بطريقة طه حسين في معالجة الموضوع وطريقته بالصياغة والوضوح بالأسلوب: “وهو أول كتاب يتناول بمنهجية جديدة الشعر القديم. وكان لهذا الكتاب تأثيره الضمني في قراءتي النقدية لكثير من الآثار”[15]، وأعجب بعباس محمود العقاد، والمازني: “ملت لشغفي بالتجديد إلى مثلّث العقاد المازني طه حسين: العقاد لتعميقه موضوعات فكرية يعالجها بأسلوب مكثف لا إطالة فيه ولا إسهاب، المازني لروحه المرحة، ولأنّني كنت أشعر أنّه في كتاباته فنان كبير. لكن على الرغم من التباعد بين فكر العقاد والمازني من جهة وطه حسين من جهة أخرى فإنّني لم استسلم لمنطق أيّ منهما”[16].
- تأثر بكتّاب المهجر من الأدب اللبناني؛ جبران خليل جبران ومخائيل نعيمة وإيليا أبو ماضي.
- ماركس الذي كان محطة الوصول، وليس الانطلاق، حيث تعرف عليه بعد أن اكتملت جذوره المادية، وهو التقى به مشوشًا عام 1926 من خلال رواية فرح أنطون “الدين والعلم والمال”؛ وهي عمل أدبي ذات بُعد فلسفيّ اجتماعيّ اقتصاديّ، يعالج العلاقات الطبقية المتناقضة بين العمّال وأرباب العمل، ليعود بعد ذلك للتعرف إليه عبر الشيبي وكتاب البيان الشيوعيّ، يقول مروة إنه عاد بعد يومين من استعارته للكتاب: “منشرح الصدر، مفعمًا بفرح المعرفة وبأضوائها الجديدة الكاشفة”[17]، ثم تعرف بعد ذلك إلى لينين وكتابه “الدولة والثورة” وأعجب به، واعتبره هو الممثل الوحيد للماركسية، قال: اللينينية هي الماركسية مطبّقة على الواقع الملموس تطبيقًا إبداعيًا تميّز به لينين في عصر الثورة الاشتراكية العلمية المتحققة على الأرض بالفعل”[18].
إذا نظرنا إلى المصادر المعرفية لمروة نراها بأنّها تشكّلت بشكل أساسيّ على أرضية الأدب، وهي انطلقت من خلفية مادية، حملتها أفكار عصر النهضة العربية، والتي حاولت أن تجد بديلًا عن الديني من خلال إيجاد بعد اجتماعيّ تُبنى على أساسه الدولة الحديثة، وهو على الرغم من اطلاعه على ماركس فإنّه تبنّى خيارًا رسميًّا من الماركسية، وهو اللينينة، وهذا ما سيجعل مقاربته أيديولوجية تقليدية، وهو ما سنتحدث عنه في وقت لاحق.
وقد يثار سؤال لماذا لم توضع المصادر الإسلامية ضمن التشكل المعرفيّ عند مروة مع العلم أنّه قد انتمى إلى الحوزة العلمية، ودرسها وتخرج منها عام 1938، وفي بعض مذكراته أبدى إعجابًا كبيرًا بها، حيث يقول: “لقد استهواني في النجف أسلوب التعامل بين المتعلّم والنص، وهو أسلوب يضع المتعلّم فور حضوره إحدى حلقات الدراسة أمام مسؤوليته الصارمة عن نفسه، أي عن شكل علاقته الاستيعابية مع المعلّم، ومع نصّ الكتاب الدراسيّ… أسلوب يدع المتعلّم بصورة تلقائية متحررًا من التبعية لفكر المعلّم أو لفكر النص، ويوسع له فسحة الاستقلال الفكريّ وحرية المناقشة الجدية مع المعلّم، ومع النص دون كوابح”[19]، ولكن يبدو أنّ ما كان يربط مروة بالحوزة لم يكن التعليم الدينيّ، بل تلبية الحلم الأبوي بأن يصبح ابنه رجل علم: “هذا الحلم لبسني قبل أن أجتاز سن الثامنة، ولبستني معه العمامة والجُبة قبل أوانهما .. العمامة والجبة كرمز للحلم ذاته أولًا، وكأداة إلزام لي كموجبات الحلم ثانيًا”[20]، لذا واظب على: “على تحقيق مهمتي لدراسة الشريعة الإسلامية حتى أتممتها في العام 1938”[21].
فمروة كان منفصلًا عن الحوزة أثناء الدراسة فيها، وهي كانت أشبه ما تكون بواجب أو إلزام كان من المفترض أن يقوم به، وهو عندما أقبل عليها كان هذا الأمر الأكثر حضورًا في حياته، وهذا يُظهر شخصية هذا المفكر الذي يستحضر صورة الأب في حياته في كلّ عمل يقوم به، وبالتالي هو بحاجة دائمًا إلى مرشد بحياته ليقوده إلى هدف يرسمه له، وهو ما سيلعبه الحزب في حياته في المرحلة التالية. بالتالي لا يمكن أن تكون جزءًا من مصادره المعرفية، حتى عندما اشتغل على الفكر الإسلاميّ، كان ينطلق من واقع وظيفي طلبته القيادة الحزبية.
ثالثًا: كتبه
شغل الجانب الأدبي جزءًا كبيرًا من تفكير حسين مروة، وهو قد بدأ بالنشر ابتداءً من العام 1956.
- قضايا أدبية، صدر عام 1956 عن دار الفكر، وفيه يعالج موضوعات تتصل بالأدب، ويتحدث عن الدور الذي يلعبه، ويتطرق فيه إلى القديم والجديد، والفصحى والعامية، ومذهب عمر فاخوري الفكري، ومؤتمر الكتاب السوفيات.
- كتاب الثورة العراقية، صدر عام 1958 عن دار الفكر الجديد، ويتحدث عن ثورة 1958.
- كتاب دراسات نقدية في ضوء المنهج الواقعي، صدر عام 1965 عن دار المعارف في بيروت، ومن خلاله عمل على تقديم منهج للنقد الأدبي في لبنان: نظريًّا وتطبيقيًّا، كما ألقى من خلاله أضواء جديدة على مفهوم الواقعية والرومانسية، والعلاقة بينهما… ودرس أعمالًا جديدة في الرواية والمسرحية والشعر والبحث الأدبي والفكري. صدرت في ذلك الحين لكلّ من: “مارون عبود”، “توفيق الحكيم”، “ميخائيل نعيمة”، “لويس عوض”، “كوامي نكروما”، “عبد الله القصيمي”، “عباس العقاد”، “محمد النويهي”، “الأخطل الصغير”، “رضوان الشهال”، “ميشال طراد”، “بلند الحيدري”، “أدونيس”، “خليل حاوي”، “عبد اللطيف شرارة”.
- النزعات المادية في الفلسفة العربية والإسلاميّة (جزءان) صدر عن دار الفارابي 1979، وسيكون محور التحليل في الحلقات المقبلة، وهذا الكتاب، جاء نتيجة تكليف حزبي عام 1968، حيث طلب منه العمل على التراث الفلسفيّ العربي الإسلامي، وأتاح له إمكان التفرغ الكامل لهذا العمل ضمن أحد المعاهد العلمية الاستشراقية الكبرى، ثم عاد إلى لبنان حاملًا تقريره الذي هو عبارة عن هذا الكتاب.
- دراسات في الإسلام وهو كتاب جماعي صدر 1980 عن دار الفارابي، شارك فيه محمود أمين العالم، ومحمد دكروب، وسمير سعد بالإضافة إلى حسين مروة الذي ساهم فيه من خلال مقدمات أساسية لدراسة الإسلام، الإسلام والثورة الموقف العلمي من التراث العربي الديني والفلسفي.
- تراثنا كيف نعرفه صدر الكتاب العام 1985 عن دار الأبحاث العربية.
مصادر البحث:
[1] عباس بيضون، حسين مروة ولدت شيخًا وأموت طفلًا، (بيروت، دار الفارابي، 2012)، الصفحة 21.
[2] المصدر نفسه، الصفحة 22.
[3] المصدر نفسه، الصفحة 23.
[4] المصدر نفسه، الصفحة 24
[5] المصدر نفسه، الصفحة 26.
[6] عباس بيضون، حسين مروة ولدت شيخًا وأموت طفلًا، مصدر سابق، الصفحة 53.
[7] المصدر نفسه، الصفحة 55.
[8] المصدر نفسه، الصفحة 56.
[9] المصدر نفسه، الصفحة 64.
[10] المصدر نفسه، المعطيات نفسها.
[11] عباس بيضون، حسين مروة ولدت شيخًا وأموت طفلًا، مصدر سابق، الصفحة 26.
[12] حسين مروة، من النجف دخل حياتي ماركس، مجلة الطريق، العددين 2-3، 1984، الصفحة 172.
[13] المصدر نفسه، الصفحة 89.
[14] المصدر نفسه، الصفحة 90.
[15] المصدر نفسه، الصفحة 89.
[16] المصدر نفسه، الصفحة 91.
[17] حسين مروة، من النجف دخل حياتي ماركس، مصدر سابق، الصفحة 179.
[18] حسين مروة، من النجف دخل حياتي ماركس، مصدر سابق، المعطيات نفسها.
[19] عباس بيضو ، حسين مروة ولدت شيخًا وأموت طفلًا، مصدر سابق، الصفحتان 52-53.
[20] حسين مروة، من النجف دخل حياتي ماركس، مصدر سابق، الصفحة 127.
[21] فرحان صالح، هموم الثقافة العربية، (بيروت، دار الحداثة، 1988)، الصفحة 54.
المقالات المرتبطة
الشيطان وتكامل الإنسان (1)
هذا خطاب من الله سبحانه يدعو فيه الإنسان إلى الحذر من الشيطان، ويحثّه على مقاومته واتخاذه عدوًّا. فهل عمل البشر بهذه الدعوة وقاموا في وجه هذا الكائن المدمّر؟
من الثورة بالقوة إلى الثورة بالفعل من أجل استراتيجيا ثورة فلسطينية
لستُ أدري، إن كان قادة شعْبي الفلسطيني قرؤوا في العلوم الاستراتيجية وعلم اجتماع الثورات حتى يكونوا على بصيرة من أمرهم.
الديمقراطية القدسية
أولًا: فكرتا الانسجام أو عدم الانسجام بين الدين والديمقراطية، منوطتان تمامًا بتعريف “الدين” و”الديمقراطية” من جهة