كلمة الأستاذة أمل بدرا في ندوة مدرسة الإيكوية
إنّ الكتاب الموسوم بعنوان: “المدرسة الإيكويّة” في الكتابة – ما لا يمكن تنظيره ينبغي سرده- شكّل نقلة في دراسات الدكتور علي زيتون بعد أن ركّز اهتمامه سابقًا على نقد الشعر والرواية العربيّين، ها هو اليوم يبدي اهتمامه بالثقافة الغربيّة، واضعًا بصمته الفريدة على خلفيّات حركة ما بعد الحداثة وأبعادها، وهو رافض معظم مقولاتها، لما لها من تداعيات سلبية على الثقافة العربية والغربية على حدّ سواء. وكيف له أن يتبنّى ثقافة متفارقة مع متطلّبات أوضاعنا السياسيّة والاجتماعية والثقافية، خصوصًا في عالمنا العربي؟ يعي الباحث المؤامرات التي تحاك حول معظم القضايا العربية المصيرية، فكان لا بدّ له من أن يعيرها اهتمامه البالغ، ويسلّط الضوء عليها، وذلك من أجل تغليب سلطة العقل العلمي من جهة، ودفاعًا عن الحداثة بنظرياتها التي تستدعي منافحة عن قضاياها الكبرى من جهة ثانية، وهذا مطلوب بقوّة لمراجعة حساباتنا والتخطيط لمستقبلنا الذي لبّد الغرب سماءه بتفاصيله الصغرى الداكنة.
ومهما يكن من أمر، فإنّ أمبرتو إيكو، المفكّر الإيطالي المعروف، الذي ترك للثقافة العالمية زادًا وفيرًا من النتاج التنظيري والسردي، لفت انتباهه بشدة، وهو شخصية ثقافية تستحق العناية. وهذا ما دفع الباحث بمشروعه للكشف عن الفكرية، أو “الجينات” التي يقوم عليها نتاج إيكو.
صحيح أنّ هذا الكتاب يحمل نفسًا واضحًا للمؤلف، ولكنه يدفع بنا نحو آفاق جديدة، ويضيف إلى نتاجه جديدًا آخر، بعد أن قطع شوطًا في دراساته النقدية العربية ليحلّق بنا إلى فضاء الفكر الغربي والثقافة العالميّة، فسلّط لنا الضوء على عالم عامر بتناقضاته، يلعب بهذه التناقضات بنفس طويل يبلغ حدّ العبثية في تقرير مصير الشعوب.
والكاتب، وإن رفض الرأي الإيكوي المنتمي إلى التفكيكية، فهو قد دعّم موقفه بأدلّة، وخرج بمحصّلة شكّلت نسيج ذاته، فدعا القارئ من خلالها أن يستظل الحداثة بعقلها العلمي المرتبط بالأخلاق المشرقية، لتبقى متعالية على ما بعد الحداثة.
ولئن كان إيكو يتوخى في رواياته قارئًا من مستوى محدد، هو مستوى القارئ النموذجي الذي يستطيع وحده متابعة الرواية إلى آخر حرفٍ منها، فيضعه أمام مواجهة ذلك الامتحان ليراجع قدراته القرائية محاولًا تطويرها، وليتجاوز العوائق التي تخلقها رواياته، فإنّ الباحث والناقد الدكتور علي زيتون قد كان على قدر من المعرفة، استطاع معه الفوز باستيعابها وسار بتؤدّة إلى نهاية رواياته ونعم بلذّة نصوصه غير العاديّة المحكمة الاستغلاق، فأثبت الباحث أنه من نخبة القراء الذين استطاعوا استيعاب التناصيّة الساخرة فيها، واقتحام أسوارها العالية الشديدة الإحكام، فكان بحجم التحدّي، وقدّم فكرة واضحة عن تجربة إيكو الكتابية السرديّة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى كتبه النظرية، لقد أدرك وجهة نظره النقدية، وراقبها برؤيته الحداثيّة المؤسسة على نظريّة الكشف، متّبعًا المنهج الثقافي ليغوص مبحرًا في نتاجات إيكو، لقد كشف المعنى وأبدى رأيه فيه، وفتح أبوابًا معرفيّة، يلحظها القارئ بيسر وبساطة، مع كثرة التشعّب الثقافي والنقدي في آن، فيلتذّ بنشوة الغوص، ويدرك أنه بين يدي باحث أكاديمي وناقد أدبي ومفكر، خصوصًا أنّ نتاج إيكو ومدرسته الكتابية يحتاجان، إلى ناقد خلاق، أبرز رصيد الباحث الفكري مستعينًا بثقافته القديمة والحديثة، ليفتح مغالق إيكو، وهذا أمر طبيعي لا غرابة فيه بالنسبة إلى كاتب كبير، ومثقف عظيم، فكيف له أن يمنع ثقافته من أن تبرز وتتجلى أمام القراء.
لقد وجدت في نتاجه هذا أسطع برهان على ما أقول، تاركةً للقارئ الحكم في صحّة رأيي، متمنّية للدكتور علي زيتون الاستمراريّة، ونحن بحاجة ماسّة إلى مثل هذه الدراسات كي تضيء أمامنا درب العلم والثقافة.
المقالات المرتبطة
الاتجاه الفلسفيّ في البحث العقائدي
اعتادت ميادين البحث العقائدي أن تلتزم في معالجاتها خصائص ومناهج ومسائل ولغة علم الكلام. مما أرسى في الذهن عَقدَ علاقة
السيادة الشعبيّة الدينيّة
يذهب الإمام الخامنئي في خطابه الأخير، الذي ألقاه باللغة العربية أثناء خطبة الجمعة بطهران في 3/2/2012، إلى اعتبار شعوب العالم الإسلامي الذين يتعايشون مع الصحوة الإسلاميّة،
مكنز المنطق والفلسفة الإسلامية
فرض العالم الرقميّ نفسه في جميع المجالات الحياتية للإنسان، ولم يعد بوسع هذا الكائن أن ينأى بنفسه عنه، حتى على المستوى التخصصات العلمية أصبح هذا العالم ضرورة لا يمكن الاستغناء عنها، خاصة في ظلّ القدرات التي يقدمها