حضور صدر الدين الشيرازي في الدراسات الفلسفية العربية- المرحلة الثانية

حضور صدر الدين الشيرازي في الدراسات الفلسفية العربية-  المرحلة الثانية

المرحلة الثانية من الدراسات الفلسفية الصدرائية

الأجواء التي برزت على مستوى الدراسات الفلسفية، هيّأت الأرضية لبروز “مدرسة الحكمة المتعالية” كفلسفة متميزة، وترافق هذا الأمر بالحراك الثوري في إيران، الذي تجاوب معه العالم العربي بالرغبة في التعرف على العناصر الثقافية الإيرانية، فأعيد إحياء كتاب “الدكتور جعفر آل ياسين” عام 1978 بعد تغيير اسمه إلى “الفيلسوف الشيرازي ومكانته في تجديد الفكر الفلسفي”؛ وهو كتاب – كما قلنا سابقًا رسالة تخرّج- ألقى الضوء على فلسفة وفكر الشيرازي، وقد قدَّم في هذا الكتاب نظرة إجمالية لفكر الشيرازي مع إبراز التجديد فيها ومقارنتها مع الفلاسفة السابقين عليه[1]. وفي العام 1979 قدّمت “نبيلة زكري ذكي مرقس” رسالة ماجستير في “جامعة المنيا” تحت عنوان: “الإلهيات عند صدر الدين الشيرازي“، أرادت من خلاله الباحثة إبراز فلسفة الشيرازي الإلهية، وإلقاء الضوء على هذا الفيلسوف بصفة عامة حتى يأخذ مكانته التي يجب أن تكون له في الفكر الفلسفي الإسلامي. وقد اعتمدت في عملها على المنهجين الوصفي التحليلي، والمنهج التاريخي. قُسِّمَ البحث إلى أربعة فصول، تطرق الفصل الأول إلى حياة صدر الدين الشيرازي والمراحل التي مرّ بها، وركزت على مؤلفاته التي عنيت بالجانب الإلهي، بينما تحدث الفصل الثاني عن الوجود لديه والأدلة التي قدّمها “صدر الدين الشيرازي” على وجود الله وأصالة الوجود. وذهب الفصل الثالث إلى الحديث عن الصفات الإلهية، وقسمته إلى قسمين: القسم الأول: الصفات الذاتية، وتحدثت فيه عن الوحدانية والبساطة والحياة والقدرة والإرادة والعلم ومراتبه والسمع والبصر، والقسم الثاني: عالج الصفات الفعلية، وعالجت قدم العالم والكلام والعدل، لتنتقل في الفصل الرابع إلى موضوع المعاد لتتكلم فيه عن النفس وماهيتها والاختلاف حولها، وما يتعلق بها من موضوعات كالتناسخ والصراط والجنة والنار ومظاهرهما. وخصصت الفصل الرابع لموضوع النبوّة وخصائصها، وكيفية نزول الوحي على النبيّ، والفرق بين النبوة والشريعة.

 وتوصلت الباحثة في نهاية عملها إلى نتيجة مفادها: أنّ صدر الدين قام بمحاولة جديدة، وهي إحياء التراث الفكري الفلسفي من جديد، حيث قيل عن الفلسفة إنها قد اندثرت وقُضي عليها عندما كفّر “الغزالي” الفلاسفة في مسائل عديدة، وهاجمهم، وإبطال أقوالهم، ونحن نعلم أن منهج “الغزالي” يغلب عليه الطابع العرفاني، وكان يراه أوثق الطريق وأسلم المناهج للوصول إلى المعرفة الحقيقية، وإذا بـ”صدر الدين” ينهض لإحياء هذا التراث من جديد، والتنقيب فيه بتأمل وتعمق لاستخراج ما به من منطق وحكمة، فلم يعد هجوم الغزالي سببًا في القضاء على الفلسفة ما دام يوجد “صدر الدين”، الذي جمعها وأقام صرحها وصاغها من جديد صياغة تجمع بين ما قاله المتكلمون والفلاسفة فأعاد إليها رونقها وإزدهارها. هذا وقد أشرف على هذا البحث الدكتور محمد عاطف العراقي.

وفي نفس العام تؤرخ “زينب شوربا” وبشكل كوميدي لبداية الصدمة بالتعرف على “ملا صدرا” من قبل الطاقم العلميّ العامل في الجامعة اللبنانية، فهي عندما تقدّمت بموضوع الرسالة، قال لها أحد الأساتذة إنّه يشبه “هيغل” بما يتكلم فيه، فالأرضية التي دخل إليها “صدرا” لم تكن مهيأة للتفاعل معه. ومع ذلك قدّمت “زينب شوربا” أول رسالة متعلقة بـ”الحكمة المتعالية” في الجامعة اللبنانية عام 1979، عنونتها تحت اسم “الحركة الجوهرية ومفهوم التصور والتصديق”، عالجت فيها الوضع السياسي والاجتماعي والفكري في إيران في القرنين العاشر والحادي عشر الهجريين، وهما يغطيان الفترة الممتدة، من المرحلة التي سبقت مولد صدر الدين الشيرازي حتى وفاته. وانتقلت بعد ذلك إلى دراسة حياة صدر الدين الشيرازي وما تركه من مؤلفات، ثم عملت على تبيان الحركة الجوهرية ومقارنة الحركة عنده مع غيره من الفلاسفة، لتنتقل بعد ذلك إلى تحليل رسالة “الشيرازي” في التصور والتصديق ومقارنتها مع آراء المناطقة الآخرين. أما الفصل الأخير، فعمل على إعادة نشر رسالة “التصور والتصديق” محققة ومنقحة من الأخطاء، وهذه الرسالة أُعيد نشرها عام 2004، وصدرت عن دار الهادي في بيروت.

وبعد عامين؛ أي في عام 1980، قام “علي أصغر نيستاني”، بترجمة رسالة “الأصول الثلاثة” للفيلسوف الشيرازي إلى اللغة العربية، وقدّم لها بدراسة تتحدث عن صدر الدين الشيرازي والبيئة التي عاش فيها، ثم انتقل إلى وصف الرسالة، وتحديد الأسباب التي كُتِبَت من أجلها المتمثلة بكشف العلماء المزيفين، والمتكلمين الخارجين عن منطق الصواب والحساب‏ الزائغين عن دائرة السداد والرشاد”. وقد قام النيستاني بإعادة نشر المقدمة التي وضعها لترجمته ضمن العدد 10 من مجلة العرفان البيروتية عام 1981، تحت عنوان: “صدر الدين الشيرازي أعظم فلاسفة العرفان”.

وعرفت الدراسات الفلسفية المتعلقة بالحكمة المتعالية في ثمانينات القرن الماضي نشاطًا ملحوظًا، وأخذت تظهر بعض التعريفات المتعلقة بـ”صدرا” في الكتب الموسوعية، فأورد “جورج طرابيشي” نبذة عن حياة “الشيرازي” في كتابه المعجم الفلسفي، ورد فيها: “صدر الدين قد استطاع أن يحقق ثورة حقيقية في ميتافيزيقا الوجود”[2].

 وفي هذه الفترة تنوعت الميول الاعتقادية لأصحابها. وفي هذا المجال، نستطيع أن نقف أمام كتاب لهادي العلوي قدّم قراءة ماركسية لـ”صدرا” وهو “نظرية الحركة الجوهرية عند الشيرازي”. في هذا الكتاب نلاحظ أنّ الكاتب يشن حملة قوية على الدراسات التي تحاول أن تقيد الشيرازي ضمن رؤية دينية محضة، لا سيما “هنري كوربان”، ويكتب مخاطبًا إياه: “ولا أحسبه يجهل أن العقيدة لا تأتلف مع طبيعة البحث الفلسفي أو العلمي؛ لأنّ مضمونها لا يتعدى الحقائق الأبدية الثابتة، المتلقاة بالتقليد”[3]، فبالنسبة إليه تقوم نظرية الحركة الجوهرية على فكرة رئيسية وهي أن الحركة في الأجسام ناتجة عن حركة جوهرية في داخلها، وهذا ما يثبته علم الفيزياء الحديث، حيث إن الجسم المتحرك يتألف من مجموع حركة الجسيمات داخله؛ (الجسيم هو أصغر جزء في الجسم). فالمتغير لا يصدر عن الثابت، حسب قول “الشيرازي”. وهذا ما سيحيله في نهاية المطاف إلى القول بعدم ثبات الماهيات، نتيجة التغير المستمر في الجوهر -المادة- وأزليتها وفق مبدأ: المتغيّر لا يصدر إلا عن متغيّر مثله. فعند “الشيرازي” العالم كلّه مرتبط ببعضه في وحدة تامّة. والحركة عنده تنقسم إلى ثلاث أشكال: حركة كيفية، وحركة كمية، وحركة أينية؛ وهي تحرك الشيء من مكان لآخر. أما الحركة الكيفية فمثالها التغير الحاصل مثلًا في اسوداد قشرة الموز، والتعفن، أو اشتداد حركة الماء عندما تحيله السخونة بالقوة إلى بخار، إلا أن جوهر الماء والبخار يرجع إلى أصلٍ واحدٍ مشترك في المعادلة الكيميائية قبل أن يتحد مع الهواء. أما الحركة الكمية فهو ما يحدث في الأجسام من نمو وذبول. وللشيرازي تفسير للموت؛ بأنّه يحدث نتيجة اشتداد تجوهر النفس في البدن فلا يستطيع لمحدوديته أن يتسع لها. “إنّ الموت هو قوة تجوهر النفس واشتدادها في الوجود. إنّ القول بتطور الوجود إلى مراتب وأطوار يستدعي كل منها معنًى ذهنيًّا يتحد بها؛ أي يقتضي بالضرورة ماهيات أو كائنات غير ثابتة تبعًا لعدم ثبات الوجود -الجوهر، المادة-. على أن الاعتراف للماهية بعدم الثبات لا بدّ أن يفضي إلى قبول التغيّر الفعلي في الأنواع. تلك الظاهرة المخيفة التي منعت السابقين من إيقاع الحركة في الجوهر”.

 ما يهم “العلوي” من نظرية الحركة الجوهرية أنها ستكون نقطة الفصل في تراثنا المعرفي بين من يعتبرون الماهية البشرية ثابتة متميزة إلى كونها ماهية ارتقت تدريجيًّا عبر تاريخ حركة الجوهر في الوجود والتي تشترك في خصائصها مع سائر الموجودات، ومادتها مستمدة من مادة الطبيعة التي تمدنا بالطاقة والغذاء. فـ”الشيرازي” بنظره يندرج: “في تراث الفكر المادي التطوري، الذي انتهى إلى الداروينية والماركسية بوصفها الوريث التاريخي لمنجزات الماديين القدماء”[4]. ونُوقِشَت في الجامعة اللبنانية رسالة تحت عنوان: “الفاعلية الفلسفية وفلسفة التجديد عند صدر الدين الشيرازي”، أعدّها رفيق علوية، وهي تتحدث عن التجديد الفلسفي في فكر الشيرازي مقارنًا إياها مع الأرسطية والفكر الحديث، معتمدًا التحليل المادي – التاريخي.

وقدّم في العام نفسه 1983 “علاء الدين محمد كلانترا” بحثًا لنيل درجة الماجستير في جامعة القاهرة، كلية دار العلوم، بإشراف الدكتور مصطفى محمد حلمي تحت عنوان: “النفس الإنسانية: طبيعتها وقواها وغاياتها عند صدر الدين الشيرازي”، وهي تكونت من مقدمة وتمهيد وأربعة فصول. أما المقدمة: فقد تناولت أهمية الموضوع وأسباب اختياره وأهداف دراسته، ثم يتبع ذلك الدراسات السابقة، والمنهج المتبع في الدراسة، ثم عرضٌ موجز لتقسيم الدراسة، وقد اعتمد الباحث المنهج الوصفي.

 وفي هذه الفترة عمل الدكتور طراد حمادة على أطروحة دكتوراه حول صدر الدين الشيرازي، وإن كانت اللغة التي كُتبت بها وهي الفرنسية لا تدخل في إطار اهتمام هذه الورقة البحثية إلّا أنّ الملابسات الفلسفية التي تتعلق بها، تدفعنا للكلام عنها، حيث لاحظ الدكتور: “لم يكن عندنا من مرشد في دراستنا للشيرازي سوى إنتاج الفيلسوف نفسه، وكان لزامًا علينا أن نعرف الشجرة من ثمارها، وأذكر أنّ الأمر كان واضحًا في قسم الفلسفة في جامعة السوربون الأولى Paris -1 ، لقد أبلغني الأب يواكيم مبارك مساعد البروفسور  Pierre Thiller حينما ناقشت معه موضوع الأطروحة، أنّه لا مساعد لي في عملي، من داخل الجامعة”[5]. ويصف الدكتور عمله في هذه الأطروحة التي يقوم بترجمتها حاليًّا إلى اللغة العربية بأنّها: “اتجهت في حركة مخالفة لآراء هنري كوربان وجماعة الإشراق المؤثرة في الدراسات الصدرائية في إيران – خاصة في أكاديمية الفلسفة سابقًا- والتي تعمل على الربط بين فلسفة الإشرق والحكمة المتعالية، انطلاقًا من نظرة ترى رابطًا بين الإشراق وإحياء حكمة فارس القديمة، فيما فلسفة ملا صدرا فلسفة إسلامية قرآنية وتقوم على تأويل أحاديث أهل البيت (ع)، وهذا ما يظهر في أعمال الشيرازي لا سيما في كتابه المشهور شرح أصول الكافي، فهو كان يريد أن يبني فلسفة شيعية في آخر أيامه، وعلى هذا الأساس، يمثّل ملا صدرا بالنسبة إلى الشيعة ما يمثله توما الأكويني للكنيسة الكاثوليكية”[6].

تراجعت بعد ذلك الدراسات الصدرائية، حيث غابت عن المشهد الفلسفي العام في العالم العربي. وفي العام 1987 أُصدِرَ كتاب القاضي عبد الله نعمة “فلاسفة الشيعة”، وقد أفرد لـ”الشيرازي” 35 صفحة، عُرِضت فيها حياة صدر الدين وآثاره الفلسفية. وقد ركّز الكتاب على الحركة الجوهرية[7]، وإن كُنّا نورد المعلومات عن هذا الكتاب في هذه السنة إلا أنّنا وجدنا أنا هناك طبعة للكتاب تعود إلى الخمسينات، ولكنّها لم تعرف الشهرة التي عرفتها الطبعة التي نتكلم عنها، ولعلّ هذا يعود إلى زيادة الاهتمام بالتشيع في هذه الفترة الزمنية.

وفي العام 1988 “نشرت مجلة الثقافة الإسلامية الصادرة عن المستشارية الثقافية للجمهورية الإسلامية في دمشق، العدد 17، شعبان 1408 بحثًا تحت عنوان: “صدر الدين الشيرازي في أصوله الثلاثة” للدكتور حسن عاصي، واستعرض في هذا البحث الفصول الأساسية لرسالة “سه أصل” كما وردت في ترجمة علي أصغر نيستاني.

وفي إطار تفعيل دور الفلسفة، نُشِرَ في عام 1989 “الموسوعة الفلسفية العربية” عن معهد الإنماء العربي في بيروت، وعلى رغم حضور صدر الدين الشيرازي في الفلسفة العربية – الإسلامية إلا أنّ هذه الموسوعة لم تعرفه، وجاء الحديث عنه في إطار تعريف الحكمة لـ “علي زيعور”، الذي قال: الحكمة المتعالية نعت يطلق على الحكمة الإلهية عند “ملا صدر الدين الشيرازي” (توفي 1050هـ – 1641م) القائمة على الأفكار المحورية الإشراقية حيث العرفان والنور، والذوق، والعلم الحضوري… وتلك الحكمة المتعالية، في قراءة الأسفار الأربعة تؤدي إلى استدعاء مفهوم الحركة الجوهرية حيث الماهيات ليست أولى ولا ثانية، وإنما هي متحركة وتقبل التغيّر، بل حتى المادة في تلك الحكمة، هي مادة روحانية، ومن ثم فلا قول هنا بثنائية الجسم والروح، الممتد والروحي[8]. وفي العام نفسه أصدر وجيه كوثراني كتاب: “السلطان والفقيه”، عالج فيه موقف الشيرازي من السلطة الصفوية ضمن تحليله للعلاقة بين المؤسسة الدينية والسلطة[9].

وتتابعت بعد ذلك الأعمال العلمية المتعلقة بصدر الدين الشيرازي، وأخذت بعض المجلات التي تهتم بالشأن الثقافي، تورد أبحاثًا تتعلق بالموضوع، فورد في مجلة المعرفة السورية الصادرة عن وزارة الثقافة، العدد 329، بتاريخ 1 ديسمبر 1990 بحثًا لـ”عبد الفتاح قلعجي” تحت عنوان: “الحركة والحياة في الجسم الكوني بين السهروردي والشيرازي”، أراد من خلاله الكاتب أن يُظهر أنّ ما ورد في بحث “ندرة اليازجي” عن وجود “وعي كوني”، واعتبار “العالم كلًّا لا يتجزأ”، أو “كلية الكوزموس”، وحضور الحركة الكلية الجوهرية في جميع ما نتصوره من عناصر منفصلة ومتفردة في النهر الكوني، أتى عليه عدد من المفكرين والفلاسفة الإسلاميين[10]. وفي نفس العام قدّم الدكتور كامل حمود بحثًا تحت عنوان: “صدر الدين الشيرازي وإشكالية الرؤية”، وهو بحث صغير، يحلل فيه الدكتور مفهوم النبوة، ويلاحظ من خلال الدراسة التركيز على إشراقية الشيرازي، وهو فيما أورده لم يُضف جديدًا عن ما تحدث فيه هنري كوربان[11]. وفي إطار الاهتمام بـ”صدرا”، نشرت مجلة الفجر التي صدرت في قم المقدسة وسط طلاب الحوزة العلمية العربية بحثًا للعلّامة محمد حسين الطباطبائي بعنوان: “إطلالة على حياة صدر المتألهين”، وفيه يلقي ضوءًا على حياة الشيرازي، ويرصد بعض المفاهيم كأصالة الوجود، ومفهوم الحركة الجوهرية، ويقوم بشرحها، وعلى صغر حجم المقالة إلّا أنّها كانت من النصوص الأساسية التي اعتمدت عليها الكثير من الدراسات التي كُتبت عن “الملا صدرا”[12]. ونشرت مجلة المنطلق في العدد 40-42، بحثًا لفاخر الموسوي تحت عنوان: “حول النظرية الأخلاقية عند صدر الدين الشيرازي”، وفيه يعالج البعد الأخلاقي لفلسفة “صدرا”، لا سيما البعد العملي منها، فيركز على كتاب “سه أصل”، ويبحث  في المعطيات التي يقدّمها.

وقدم “عادل محمود عمر بدر” في عام 1990 أطروحة دكتوراه في “جامعة طنطا” تحت عنوان: “الفلسفة الطبيعية عند صدر الدين الشيرازى: دراسة نقدية مقارنة”، سعى من خلالها الكاتب أن يقول: “إنّ التغيّر والصيرورة الجوهرية في مذهب الشيرازى صيرورة مكانية بدلًا من كونها زمانية. بمعنى أن الوجود يسعى لتحقيق حالة تكون محققة دائمًا هنا وهناك”.

همدت الدراسات الفلسفية لمدة عامين بعد ذلك، ثم عادت لتنشط ابتداءً من العام 1992، فقدمت الطالبة “سمية محمد محمود سيد أحمد” رسالة ماجستير في “جامعة عين شمس كلية البنات”، تحت عنوان: “الاتجاه الإشراقي عند الشيرازي”، وقد توصَّلت الباحثة في نهاية البحث إلى “أن صدر الدين قد أضاف صفحة جديدة في تاريخ الفكر الفلسفي في الإسلام، حيث ابتكر قواعد جديدة، واستطاع أن يأتي بحلول لمشكلات متعددة تركها تيار الفكر الفلسفي لدى الإسلاميين دون الوصول إلى نتيجة حاسمة بصددها، وهو وإن كان متأثّرًا بالفكر اليوناني، إلّا أنه كان مجدّدًا، ومتأثّرًا تأثّرًا شديدًا بالدين الإسلامي، حيث كان ينتصر للدين حين يتعرض لدراسة أي مشكلة، وإن الدارس لفلسفته يتبين له أنه مفكر موسوعي، فقد حوت فلسفته شتى المذاهب والاتجاهات”. وتمّ في “جامعة طنطا” مناقشة رسالة ماجستير تحت عنوان: “النفس عند صدر الدين الشيرازي”، للباحث “فتحي إبراهيم حسنين”، تحت إشراف “هانم فهمي عبد الدايم”، و”محمد عاطف العراقي”، تناول البحث بالتفصيل دراسة النفس عند واحد من فلاسفة الإسلام المتأخرين وهو الفيلسوف والحكيم الصوفي “صدر الدين الشيرازي”، الذي يعتبر أبرع أتباع المدرسة الإشراقية. وقد التزم الباحث في إعداد هذا البحث بالمنهج التاريخي التحليلي النقدي المقارن، وقد قسم الباحث هذا البحث إلى مقدمة وخمسة فصول وخاتمة. تناول الفصل الأول “حياة الشيرازي ومؤلفاته في مجال النفس”. أما الفصل الثاني يقع تحت عنوان: “النفس وجودها وتعريفها وقواها النباتية والحيوانية”، حيث عرض هذا الفصل وجهة نظر الفيلسوف اتجاه مشكلة نشأة الحياة، ثم تناول بعد ذلك أهم براهينه على إثبات وجود النفس. ويأتي الفصل الثالث: فيتناول “النفس الناطقة في المجال الفيزيقي”، وفيه يوضح بعض خواص النفس الإنسانية وبعض الموضوعات الهامة التى تتعلق بهذا المجال. أما الفصل الرابع فعالج “النفس الناطقة بين المجالين الفيزيقي والميتافيزيقي”، وتناول موضوع المعرفة الكشفية ودور العقل الفعال في عملية حصولها، ومشكلة اتحاد النفس بالعقل الفعّال. ويأتي الفصل الخامس والأخير متناولًا “النفس الناطقة فى مجال الميتافيزيقي”، وقد أشار فيه إلى بعض الموضوعات التي تخص دراسة النفس في مجال ما بعد الطبيعة، وبيان أنها من أكثر المسائل التى دار حولها الخلاف. ثم عرض لأهم هذه المسائل بالتفصيل، وتناول أيضًا مسألة قدم وحدوث النفس. وأوضح موقف “الملا صدرا” منها. وانتقل بعد ذلك إلى إثبات مسألة خلود النفس عند “صدر الدين الشيرازي”، ورده على منكريها. ليعرج بعد ذلك إلى ردّ صدر الدين الشيرازي على القائلين بالتناسخ، وبعدها عرض لمواقفه من مسألة المعاد ومسألة السعادة والشقاوة. وقد اختتم الباحث هذا البحث بخاتمة تضمنت أهم النتائج التي انتهى إليها.

وفي العام 1993 قدم “خنجر حمية” رسالة تحت عنوان: “الحركة والزمان عند الشيرازي”، استعرض فيها الباحث فكرة الحركة والزمان عند الشيرازي. وفي العام نفسه، ظهر بحث لـ”علي التميمي” في مجلة الثقافة الإسلامية الصادرة عن المستشارية الثقافية لسفارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية في دمشق، تحت عنوان: “نظرية الحركة الجوهرية والإبداع الفلسفي”، وفيه ألقى الباحث الضوء على فلسفة الشيرازي، وخاصة الحركة الجوهرية عنده، وحاول الرد على كتاب “هادي العلوي” بإيضاح مفهوم الحركة عند الشيرازي، وعمل على فضّ الاتصال بينها وبين نظرية داروين[13]. كما نُشِرَ بحث لـ”السيد جلال الدين الأشتياني” أحد أهم الشخصيات العلمية التي عملت على “مدرسة الحكمة المتعالية” تحت عنوان: “أصالة الوجود عند صدر الدين الشيرازي” في مجلة “مجمع الفكر الإسلامي”، العدد الثاني، جمادى الآخرة 1993، وقام بترجمته إلى اللغة العربية السيد “عمار أبو رغيف”، وهذا البحث كان له أهمية أساسية لأنه أوضح للباحثين الكثير من الجوانب المتعلقة بالموضوع. وظهر بحث تحت عنوان: “ملامح من فلسفة صدر الدين الشيرازي”، قدمه  الدكتور “أحمد البهادلي”، وعالج فيه مواضيع عدة منها: البداء، والتجدد والتغير، وصفات الذات، والعلم الإلهي[14]. وفي نفس العام نشر “عبد الفتاح قلعجي” بحثًا في مجلة المعرفة السورية، في أول أيار، العدد رقم 356 تحت عنوان: “الحركة الجوهرية والوجود في الفلسفة المتعالية عند الشيرازي”، تحدث فيه عن فلسفة الحركة والصيرورة وكيفية تطورها من اليونانية إلى الفكر الغربي الحديث، وبعد أن يكمل استعراضه يعود إلى فيلسوف شيراز ليعرض لنا فلسفته التي يعتبرها مزيجًا من تجليات ابن عربي ونظرية النور عند السهروردي، ليخلص إلى القول: إنّ الشيرازي أراد من خلال نظريته أن يربط الحادث بالقديم، وممكنات الوجود بواجب الوجود. وأورد محمد فارس في موسوعة العرب المسلمين الصادرة عام 1993 نبذة عنه، قائلًا عنه: “عالم ومفكّر، وُلِدَ في مدينة شيراز الإيرانية، حاول التوفيق بين النبوَّة والفلسفة، وألَّف الشيرازي الأسفار الأربعة يعالج القضايا الكونية بطريقته الفلسفية المبتكرة، ويعرف هذا المصنف باسم الحكمة المتعالية في المسائل الربوبية”[15]. وخصَّصت دائرة المعارف الشيعية التي يشرف عليها السيد حسن الأمين حوالي ثلاثين صفحة للحديث عن الشيرازي، مركِّزة على نظرية الحركة الجوهرية عنده، والمصاعب التي عانى منها بسبب اشتباه الناس بقوله بوحدة الوجود.

 وفي عام 1994 أصدر “محمد رضا اللواتي” كتابًا قارن فيه بين فلسفة “الشيرازي”، والفلاسفة الإسلاميين والغربيين، خاصة بالنسبة للمشكلات العقلية كمشكلة المعرفة، والنفس، والألوهية، والطبيعة، ويعطي هذا الكتاب نظرة أولية عن فلسفة الشيرازي في هذه المجالات دون تعمق، حمل الكتاب عنوان: “المعرفة والنفس والألوهية في الفلسفة الإسلامية “[16]، وقد أعاد “معهد المعارف الحكمية” إصدار هذا الكتاب عام 2016 تحت عنوان: “كبريات المشكلات العقلية، المعرفة والنفس والألوهية في الفلسفة الإسلامية والمدارس الفلسفية الأخرى“، وفي هذا العام  صدرت ترجمة كتاب “محاضرات في الفلسفة الإسلامية” للشهيد مرتضى مطهري، ترجمة عبد الجبار الرفاعي، صادر عن “دار الكتاب الإسلامي” في الجمهورية الإسلامية عام 1415هـ.ق، وهي عبارة عن محاضرات كان الشهيد قد ألقاها في قسم الإلهيات والمعارف الإسلامية في جامعة طهران.

وفي عام 1996 قدّم محمد شقير رسالة دبلوم دراسات معمّقة بعنوان: “نظرية المعرفة عند الشيرازي”، يستعرض فيها رأي الشيرازي في موضوع العلم والمعرفة، وقد قسم الرسالة إلى أبواب، الباب الأول حول حياة صدر المتألهين وماهية المعرفة، وفيه تحدث عن المعرفة والوجود الذهني واتحاد العاقل بالمعقول. فيما تحدث في الباب الثاني عن تشقيق المعرفة، وتناول أقسام المعرفة ومراحلها، أما الباب الثالث فعالج أدوات المعرفة وقيمتها. تمّ طباعة هذه الرسالة وصدرت عن دار الهادي سنة 2001، ويبدو أنّ الكاتب قد أدخل تعديلات عليها؛ إذ استخدم مصادر تعود إلى المرحلة اللاحقة للمناقشة. وفي العام 1997 قدّمت رسالة ماجستير في الجامعة اللبنانية لـ”أحمد ماجد” تحت عنوان: “الاصطلاحات الفلسفية وأبعادها الإسلامية عند الشيرازي”، وقسمت إلى ثلاثة أبواب: الباب الأول تحدث عن المصطلح الفلسفي وكيفية إنتاجه في السياق الإسلامي، وعلاقة هذا المصطلح بالنص واللغة، وفي الباب الثاني تحدث عن حياة صدر الدين الشيرازي، ورصد لأعماله، والدراسات التي كتبت عنه حتى عام 1996، لينتقل بعد ذلك إلى معالجة المصطلحات الفلسفية انطلاقًا من النظرة التي تحدث عنها في الباب الأول. وفي نفس العام صدر بحث “المدرسة التفكيكية وصدر الدين الشيرازي” لـ”علي البغدادي”، العددين 12-13، شوال 1417ه.ق، وفي هذا البحث يقارن الكاتب بين المدرسة التفكيكية التي أنشأها “محمد الحكيمي”، والتي تدعو إلى تنقية الفكر الإسلامي من الوافد عليها، وبين مدرسة “صدرا”. وأصدر “موسى الموسوي” كتابًا تحت عنوان: “من السهروردي حتى الشيرازي”، وهذا الكتاب يتميز بالسطحية وعدم التعمق، وكثيرًا ما يستعرض آراء للسهروردي وينسبها إلى الشيرازي[17]. وشهدت الدراسات الصدرائية تراجعًا عام 1997، لتعود عام 1998 بدراستين: إحداهما للباحث المغربي إدريس هاني تحت عنوان: “الأنطلوجيا المشائية في أفق انفتاحها، ومقاربة لنظرية الوجود عند صدر المتألهين الشيرازي”، نشرت في “مجلة المنهاج”، العدد التاسع، ربيع 1418هـ ـ 1998م، والثانية للدكتور عبد الكريم اليافي أحد أهم المختصين بالتصوف في جامعة دمشق، تحت عنوان: “صدر الدِّين الشِّيرازي‏ –  الرائد الأكبر في فلسفات الوجود الحديثة”، صدرت في “مجلة المنهاج”، العدد 8 من العام نفسه.

وتنشط بعد ذلك”الصدرائية”، وساهم بهذا الأمر المؤتمر الدولي، الذي عقد في طهران، والذي ساهم فيه عدد من الباحثين العرب، وقدّمت فيه عدد من الأوراق البحثية منها بحث “ميتافيزيقا الوجود عند صدر الدين الشيرازي”، لـ”سليمان البدور”، وبحث “ملا صدرا مجدد الفلسفة الإسلامية وكتابه الحكمة المتعالية في الأسفار الأربعة”، لـ”عبد السلام عبد العزيز فهمي”، وبحث لحسن حنفي “من الحكمة المتعالية إلى الحكمة المتدانية، محاولة لتثوير صدر الدين الشيرازي بعد أربعة قرون (1050- 1420)”، وبحث “ملا صدرا بعض أوجه التجديد في الفلسفة”، لـ”عمار الطالبي”، وأخيرًا “نظرية أصالة الوجود عند صدر الدين الشيرازي”، لـ”عباس محمد حسن سليمان”، وقد ألقيت هذه الأبحاث في طهران في أيار عام 1999، ونشرت في الجزء الأول من أعمال المؤتمر، الذي صدر عن “مؤسسة صدرا” في عام 2001 في طهران. وتضاف إلى هذه الدراسات المتخصصة في فلسفة الشيرازي دراسة أخرى لـ”علي زيعور” يعالج فيها الفلسفة السياسية للشيرازي مقارنةً مع نصير الدين الطوسي، وقد نُشرت هذه الدراسة في مجلة “الاجتهاد”. وأُضيف إليها لاحقًا دراسة أخرى للدكتور “علي زيعور” تحت عنوان: “قطاع الاقتصاديات داخل العقل العملي في الفلسفة الإسلامية”، بحث فيها الاقتصاديات عند الشيرازي وغيره من الفلاسفة المسلمين. وفي عام 1999 قام ذوقان قرقوط بترجمة كتاب “هنري كوربان”، “الشيعة الإثنا عشرية”، وهذا الكتاب، الذي طُبع في مصر هو الجزء الأول من كتاب “الإسلام الإيراني”، الذي يبحث في الفكر الفلسفي عند الشيعة. وهو يبحث بموضوع النبوة والملائكة عند الشيرازي[18]، وقد أعاد “نواف الموسوي” ترجمته إلى اللغة العربية، خاصة أن الترجمة الأولى تميّزت بالسطحية وكثرة الأخطاء. وصدر بحث علمي في مجلة الكلمة، العدد 23 في 1999، تحدث عن “مفهوم الزمن بين صدر الدين الشيرازي وآينشتاين”، كتبه الباحث “علي أحمد الشيخ”، وتحدث فيه عن مفهوم الزمان في الفلسفة بدءًا من اليونان وصولًا إلى “الشيرازي” فـ”آينشتين”، إلى أن يخلص بنتيجة: “يمكننا تلخيص مفهوم الزمن لدى صدر الدين بأنّه وجود يتحقق مع الحركة، سيّال، متصرّم. وأنه يوجد زمانان: نسبي، خاص بالجسم المتحرك، ومطلق، تنسب إليه كل الحركات في الكون. ولا معنى للحديث عن الزمن قبل الكون أو بعده لأنه لا حركة قبله أو بعده. وأنّ السرعة تتراوح قيمتها ما بين الصفر إلى ما لا نهاية. وكذلك فإن الزمن أو الحركة لا يمكن تكرارها أبدًا. أما بالنسبة للنظرية النسبية فهي تتفق مع الفلسفة في عدم سرمدية وأزلية الزمن. فهو ذو بداية ونهاية تبدأ مع بداية الكون وتنتهي بنهايته. وتختلف معها في وجود زمن عام أو مطلق، ووجود حدٍّ أعلى للسرعة وإمكانية التقليل من سرعة سيلان الزمن”.

هذا وقد ترجم بحث “الإدراك ومراتبه في فلسفة صدر المتألهين”، لمحسن الآراكي، مجلة شؤون إسلامية، ربيع 2، جمادي 1، سنة 1421هـ ق، العدد4، الصفحتان 15- 16، الموافق ليوليو عام 2000، “واعتبر الكاتب أنّ الإدراك لدى صدر الدين له ثلاث مراحل: الإحساس والتخيل والتعقّل، وهو عبارة عن وجود جديد للنفس الإنسانية، وهذا الوجود الجديد نظير باقي الوجودات والحوادث الكونية إنّما يتحصل بالإضافة والإيجاد من الباري تعالى”، ويدخل بعد ذلك في توضيح كيفية حدوث ذلك. وصدر في عام 2000 عن دار الغدير في بيروت كتاب للباحث إدريس هاني تحت عنوان: “ما بعد الرشدية – ملا صدرا رائد الحكمة المتعالية”.

وأصدر “معهد المعارف الحكمية للدراسات الدينية والفلسفية” في العام 2001، “مجلة المحجة” وشكل صدر الدين الشيرازي محور العدد صفر منها، وقد احتوى أبحاثًا متعددة منها: “المعرفة العرفانية عند الملا صدرا” لشهرام بازوكي، “كأني أعرف ملا صدرا” للدكتور طراد حمادة، وفيه يستعرض الكاتب كيفية تعرفه على الملا صدرا، والأسباب التي كانت وراء اختياره لهذا الفيلسوف كمادة لأطروحة الدكتوراه الخاصة به. “الشيرازي دراسة بيبلوغرافية” لأحمد ماجد، وعرض فيها الكتب والدراسات التي صدرت حول الشيرازي حتى عام 2000. وفي نفس العام صدر بحث “منزلة الخيال عند الشيرازي على ضوء فلسفة ما بعد الحداثة” للباحث محمد المصباحي، في مجلة الفكر العربي المعاصر، العددين 120-121، خريف 2001، وشتاء 2002. وفي هذا العام أعادت المستشارية الثقافية للجمهورية الإسلامية الإيرانية إصدار مقالات “أبو عبد الله الزنجاني” في كتاب تحت عنوان: “مقالات في القرآن وصدر الدين الشيرازي”. وفي نفس العام أصدر محمد رضا اللواتي كتاب “برهان الصديقين”، الذي يقع في خمسة أبواب رئيسية يتفرع كل منها إلى فصول عدة جامعة كلّ المواقف الفلسفية التي لامست هذا الموضوع. وتحدث في هذا الكتاب عن دور “صدر الدين” برفع اليد عن التقسيم الثنائي الشهير للوجود، الذي خطه “الفارابي”، وأحلّ مسألة اللامحدودية والإطلاق الوجودي للذات المقدسة محل مسألة وجوب الوجود مستفيدًا تمامًا من الأسلوب المتبع في كتاب “نهج البلاغة” لإثبات الواجب. وتناول المؤلف أصالة الوجود لأنّ “صدر الدين” يقول: إنّ حقيقة كلّ شيء هو وجوده، الذي يترتب عليه آثاره وأحكامه. فالوجود إذًا أحق الأشياء بأن يكون ذا حقيقة كل ذي حقيقة[19].

وفي عام 2002، قُدِّمَت في جامعة دمشق أطروحة دكتوراه تقدم بها نزيه حسن تحت عنوان: “فلسفة صدر الدين الشيرازي”، احتوت على مقدمة وسبعة فصول، في الفصل الأول تحدث عن منهج الشيرازي وروافده العامة، وتطرق الفصل الثاني إلى نظرية المعرفة لدية، وعالج الثالث نظرية الوجود، بينما جعل الفصل الرابع لتعريف النفس وبعض من شؤوناتها، وذهب الخامس باتجاه دراسة الحركة الجوهرية وتأثيراتها الدينية، ليختم بفصلين، السادس وتحدث فيه عن الشيرازي معاصرًا، والسابع خصصه لتقديم نظرة نقدية عامة لفلسفة الشيرازي.

وصدر كتاب في عام 2002 لعلي الشابي بعنوان: “مباحث في علم الكلام والفلسفة”، عن دار المدار الإسلامي، وهذا الكتاب يوضح للقارئ التأثيرات الفارسية التي ساعدت على تشكل علم الكلام، وإغناء مباحثه بالآراء المستمدة من التراث الشرقي القديم. فعلم الكلام هو -بالدرجة الأولى- ثمرة التقاء العرب والفرس في رحاب الإسلام، ومجلّي لثقافتهم ومعارفهم ولحقيقة تعاملهم مع النص. وقد أضاف إليه ملحقًا خاصًّا عن فلسفة الحكمة المتعالية، وقد أعيدت طباعة الكتاب في بوسلامة تونس. منشورات الكلية الزيتونية للشريعة وأصول الدين، تونس، (د.ت).

ملاحظات:

  • بدأت المدرسة الصدرائية تشق طريقها إلى الدراسات الفلسفية، وأخذت تظهر في الموسوعات والكتب التي تؤرخ للفلسفة الإسلامية، لذلك نرى خلال الفترة الثانية الممتدة من 1979 حتى 2003، صدور ما يقارب 14 كتابًا تحدث بشكل كامل أو تناول جزءًا من التعاليم الصدرائية، ونُشرت أكثر من 24 دراسة في مجالات متنوعة توزعت بين لبنان وسوريا، وورد تعريف بـ”صدر الدين الشيرازي” في 5 موسوعات ومعاجم، وهذا يؤشر إلى تحوّل حقيقي في طريقة التعاطي مع هذه المدرسة، هذا وقد تعددت الدراسات الآكاديمية التي قُدّمت حوله، ووصلت إلى حدود 11 دراسة، توزعت بين لبنان ومصر، وهكذا يمكننا أن نحصي أكثر من 54 عمل حوله.
  • ارتفعت مساهمة الباحثين اللبنانيين في الدراسات الصدرائية، وتكثفت الدراسات الجامعية عن صدر الدين الشيرازي في الجامعة اللبنانية، ونُوقشت 6 أطاريح وهذا الأمر ترافق مع نهضة المجتمع الشيعي في لبنان، وهو يؤشر إلى جانب يتعلق بهوية الجماعة المنشدّة دائمًا إلى الخاص، فالدراسات كتبها باحثون من مذهب واحد، وهي تحمل توجهات خاصة باستثناء رسالة واحدة كُتبت على خلفية يسارية، وهذا التوجه ليس خاصًّا في لبنان؛ إذ تميل الجماعات المذهبية على اختيار موضوعاتها انطلاقًا من خلفياتها الثقافية التي تنتمي إليها. ازداد الإنتاج الفلسفي الصدرائي من قبل العراقيين، ولكن هؤلاء لم يكونوا يعيشون في وطنهم، ويعود جزء كبير من ذلك إلى البعد السياسيّ، الذي عمل على تكميم الأصوات التي تظهر مقدار التفاعل بين العراق أو تعارض النظام الموضوع، لذلك صيغت هذه الأبحاث بأيدي معارضة للنظام من قبل التيارات الإسلامية أو اليسارية. تساوت مصر مع لبنان في عدد الدراسات الجامعية المناقشة فيها، وهذا يعود إلى خلفية قدم العلاقات الثقافية بين مصر وإيران من جهة، وكثافة الرسائل في الجامعات المصرية، وإن كانت هذه الرسائل قد تراجعت في المرحلة الساداتية، إلا أنّها عادت وارتفعت بعد ذلك، وهذا قد يعكس خلفية الثقافة المصرية التي تنظر إلى نفسها باعتبارها دولة محورية لها دورها الكبير في الإقليم من جهة، وحضور التصوف القوي في مصر، مما يجعل لـ”ملا صدرا” له جاذبية خاصة. توسع حضور المدرسة الصدرائية إلى بلاد المغرب العربي، وإن كان هذا الحضور خجول، ونُشِر في لبنان.

نلاحظ من خلال الأرقام أن الباحثين اللبنانيين قد احتلوا المركز الأبرز بحضور 14 باحث، يليهم الباحثين الإيرانيين بـ  8 باحثين، جزء كبير من هذه الأبحاث ترجمت من قبل لبنانيين، ومن ثم المصريين ب 8 باحثين، فالسوريين والمغاربة 3، وتونس ومسقط عمان واحد.

  • تنوعت الموضوعات التي بُحثت في الصدرائية، وإن كانت الدراسات الفلسفية شكلت المحور الأساسي لهذه الأبحاث، إلا أنّها بقيت مشدودة إلى القضايا الأساسية التي طرحتها الصدرائية، ولذلك شغلت موضوعات كنظرية المعرفة وأصالة الوجود والحركة الجوهرية والنفس هي الموضوعات الأساس التي عولجت في معظم الدراسات، حتى تكاد ترى التشابه في معظم الأعمال، ويلي البعد الفلسفي الغاية التعريفية، وهنا نستطيع أن نقف على أكثر من 15 مقاربة تعريفية تتشابه أيضًا بالمحتوى، وإن بدأت “مدرسة الحكمة المتعالية” تنفصل عن الفلسفة الإشراقية، ولكن بقيت بعض الدراسات المصرية مشدودة إلى هذا الجانب، وفي هذا المجال نجد 3 دراسات. أما البعد الكلامي فتمثل في 4 دراسات، والمنطق والسياسة بدراستين.

4- تنوعت التوجهات الأيديولوجية للباحثين في الفلسفة الصدرائية حتى العام 1984 في المشرق العربي، ولكن مع الأزمات التي وقعت بها التيارات اليسارية مع تراجع دورها من جهة، وسقوط المنظومة السوفياتية من جهة أخرى، وحتى الكتاب الذي نشر، عمل على الاستفادة من الفلسفة الشرقية ولا سيما الصينية.

[1] جعفر آل ياسين، الفيلسوف الشيرازي ومكانته في تجديد الفكر الفلسفي، بيروت، دار عويدات، 1978.

[2] جورج طرابيشي، المعجم الفلسفي، بيروت، دار الطليعة، الطبعة1، 1981، الصفحة 378.

[3] هادي العلوي، نظرية الحركة الجوهرية عند الشيرازي، بيروت، دار الطليعة، الطبعة 1، عام1983. دمشق، دار المدى، الطبعة 2، الصفحة 171.

[4]  المصدر نفسه، رقم الصفحة 30.

[5] طراد حمادة، كأنّي أعرف ملا صدرا، مجلة المحجة، العدد صفر، الصفحة 67.

[6] حديث خاص مع الدكتور طراد حمادة.

[7]  عبد الله نعمة، فلاسفة الشيعة، مصدر سابق، الصفحة 411 إلى الصفحة 436.

[8]  علي زيعور، الموسوعة الفلسفية العربية، الحكمة، بيروت، معهد الإنماء العربي، باب الحكمة، الجزء الأول، الصفحة 393.

[9]  وجيه كوثراني، الفقيه والسلطان، بيروت، دار الراشد، الطبعة 1، 1989.

[10]  عبد الفتاح قلعجي، الحركة والحياة في الجسم الكوني بين السهروردي والشيرازي، دمشق، مجلة المعرفة، العدد 329، من الصفحة 208 إلى الصفحة 212.

[11] كامل حمود، صدر الدين الشيرازي إشكالية الرؤية، بيروت، مجلة دراسات عربية، عدد  3، كانون الثاني، شباط 1990.

[12] محمد حسين الطباطبائي، إطلالة على حياة صدر الدين، قم، مجلة الفجر، عدد 2، سنة 1990.

[13] علي التميمي، نظرية الحركة الجوهرية والإبداع الفلسفي، دمشق، مجلة الثقافة الإسلامية، المستشارية الإيرانية، عدد27، عام1993، الصفحة 206.

[14] أحمد البهادلي، ملامح من فلسفة صدر الدين الشيرازي، بيروت، مجلة العرفان، العددان 5 و6، المجلد 79عام 1995 الصفحة 70 إلى 86.

[15] محمد فارس، موسوعة العلماء العرب والمسلمين، بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، الطبعة 1، 1993، الصفحة 152.

[16] محمد رضا اللواتي، المعرفة والنفس والألوهية في الفلسفة الإسلامية، بيروت، دار الساقي، الطبعة 1، 1994.

[17] موسى الموسوي، من السهروردي إلى الشيرازي، بيروت، دار المسيرة، الطبعة1، 1997.

[18] هنري كوربان، الشيعة الإثنا عشرية، ترجمة: ذوقان قرقوط، القاهرة، مكتبة مدبولي، الطبعة 1، عام1993، وأعاد السيد نواف الموسوي ترجمة هذا الكتاب، وأصدره عن دار النهار عام 1999.

[19] محمد رضا اللواتي، برهان الصديقين، بيروت، دار الساقي، 2001.

الدكتور أحمد ماجد

الدكتور أحمد ماجد

من مواليد خربة سلم، قضاء بنت جبيل. حاز الإجازة في الفلسفة من الجامعة اللبنانيّة 1991. كما حاز ديبلوم الدراسات العليا في الفلسفة عام 1997 عن أطروحة تحت عنوان "المصطلح الفلسفيّ عند صدر الدين الشيرازي"، تألّفت اللجنة المشاركة في النقاش من الدكتور رفيق العجم والدكتور علي زيعور والدكتور عادل فاخوري. حاز أيضًا الدكتوراه في الجامعة الإسلاميّة في لبنان عن رسالة تحت عنوان "مكانة الإنسان في النصّ والتراث الإسلاميّين في القرون الثلاث الأولى للهجرة"، تألّفت لجنة المناقشة من كلّ من الدكاترة: الدكتور علي الشامي، الدكتور هادي فضل الله، الدكتورة سعاد الحكيم، الدكتور ابراهيم بيضون، الدكتور وليد خوري. عمل في مجال التعليم في عدد من الثانويّات منذ 20 عامًا. عمل في الصحافة، وكتب في عدد من الوكالات والمجلّات اللبنانيّة والعربية الفلسفية المحكمة. باحث في قسم الدراسات في معهد المعارف الحكمية. أستاذ مادة منهجية البحث العلمي في معهد المعارف الحكمية. عمل مدير تحرير لعدد من المجلّات، منها مجلّة المحجّة. كتب في تاريخ الأديان من كتبه: المعجم المفهرس لألفاظ الصحيفة السجّاديّة بالاشتراك مع الشيخ سمير خير الدين. تحقيق الصحيفة السجّاديّة. الخطاب عند سماحة السيّد حسن نصر الله. تحقيق كتاب الأصول الثلاثة لصدر الدين الشيرازي. الحاكمية .. دراسة في المفهوم. العلوم العقلية في الإسلام. - بالإضافة إلى عدد كبير من الأبحاث والدراسات. العلمانية شارك في عدد من الكتب منها: الكتاب التكريمي بالدكتور حسن حنفي، نشر في القاهرة من قبل جامعة الزقازيق الكتاب التكريمي بالدكتور عبد الرحمن بدوي مؤتمر الديمقراطية دراسة علوم الإنسان في جبيل برعاية الأونسكو النتائج السياسية للحرب العالمية الأولى/ التشكلات اليسارية/ مجلة البيان المصرية شارك في العديد من المؤتمرات والندوات المحلية والدولية.



المقالات المرتبطة

الحداثة الفائضة في غربتها الأخلاقية

يبقى إشكال الإنسان على الإنسان شأنٌ أخلاقيٌّ من قبل أن يكون أي شيء آخر. وأصل القول في هذا كله، أنَّ حضور الإنسان في عالمه هو حضور موصول بقيمة هذا الحضور نفسه، وبمقام الخيريّة فيه.

الصلة بين العلوم الشرعية ونظرية المعرفة/الإبستمولوجيا

تبدو حاجة الأمة الإسلامية ماسة وضرورية لبناء منهاج جامع لعلوم الوحي/القرآني، وعلوم الإنسان/البشري…

تأسيس القيم- نقاش إيطالي حول دور الدين

بماذا يؤمن الذي لا يؤمن؟ كان هذا موضوع نقاش ساهم فيه مجموعة من الفلاسفة مؤمنين وغير مؤمنين، ضمن صفحات المجلّة الإيطالية “ليبرال”.

لا يوجد تعليقات

أكتب تعليقًا
لا يوجد تعليقات! تستطيع أن تكون الأوّل في التعليق على هذا المقال!

أكتب تعليقًا

<