by الدكتور محمود السيد الفخراني | سبتمبر 5, 2023 10:52 ص
تمهيد
برع العرب قبل الإسلام كما هو معروف في كتابة الشعر بأغراضه المختلفة، من مديح وهجاء وفخر وحماسة، ومن ثمّ جاء القرآن الكريم إعجازًا يتحدى به بلغاء العرب، وفي المقابل نجد الشعراء في العصر العباسي وما بعده متأثرين بالدفعة الروحانية الإسلامية، وحتى الموالي من غير العرب كتبوا الشعر بلغة عربية فصيحة صحيحة، وبروح شعرية، فيها من الحكمة بقدر ما فيها من غزل، وفيها من الفلسفة بقدر ما فيها فخر وحماسة.
ومن خلال هذا نشرح أجزاء مختارة من أربعة من هذه القصائد التي تشع بالحكمة والفلسفة والارتقاء، وهي: أراك عصي الدمع لأبي الفراس الحمداني – رباعيات الخيام لعمر الخيام – قالت لصفي الدين الحلي – أُعجبت بي لمهيار الديلمي.
ويرجع السبب في اختيارنا للقصائد الأربعة أنها نُشرت وفهمها الناس العوام منهم والمثقفون، بعد أن تم تلحينها وغنائها في العالم العربي[1][1].
ونكتب قليلًا حول تلك القصائد الأربعة:
قصيدة أراك عصى الدمع أبيات مختارة من مقدمة غزلية لقصيدة طويلة تعد من عيون الشعر العربي للشاعر أبي فراس الحمداني[2][2] قالها وهو بالأسر؛ إذ كان يقاتل بين يدي سيف الدولة الحمداني في جل المعارك التي خاضها ضد الروم، وقد أسر في إحدى تلك المعارك وظل بالأسر أعوامًا طويلة إلى أن فداه سيف الدولة بأموال طائلة.
الآن مع الأبيات المختارة:
أرَاكَ عَصَيَ الدَّمْعِ شِيمَتُكَ الصَّبْرُ | أمَا لِلْهَـوَى نَهْيٌ عَلَيْكَ وَلا أمْرُ[3][3]
|
نَعَمْ أنَا مُشْـتَاقٌ وَعِنْدِىَ لَوْعَـةٌ |
وَلَكِنَّ مِثْلِي لا يُذَاعُ لَــهُ سِــــرُّ[4][4]
|
إذَا اللَيْلُ أضْوَانِي بَسَطْتُ يَدَ الهوَى |
وَأذْلَلْتُ دَمْعًا مِنْ خَلائِقِـــهِ الكِبْرُ[5][5]
|
تَكَـــادُ تُضِـيءُ النَّـارُ بَيْنَ جَوَانحِي | إذَا هِيَ أذْكَتْهَا الصَّـبَــــابَةُ وَالفِكْرُ[6][6]
|
مُعَلِّلَـتِي بِالوَصْــــــــلِ وَالموْتُ دُونَهُ |
إذَا مِتُّ ظَمْآنًا فَلا نَزَلَ القَطْــــرُ[7][7]
|
وَفَيْتُ وَفي بَعْضِ الوَفَــــاءِ مَذَلّـَةٌ |
لِفَاتِنَــةٍ في الحيِّ شِــــيمَتُهَا الغَدْرُ[8][8]
|
تُسَــــائِلُنِي مَنْ أنْتِ وَهْيَ عَلِيمَةٌ | وَهَلْ لِشَجٍ مِثْلِي عَلَى حَـالِهِ نُكْرُ[9][9]
|
فَقُلْتُ كَمَا شَاءَتْ وَشَـاءَ لهَا الهَوَى قَتِيلُكِ | قَالَتْ أيُّهُــــمْ فَهُــمُ كُثْرُ[10][10]
|
وَقَلَّبْتُ أمْرِي لا أرَى لِىَ رَاحَــــــــةً | إذَا البَيْنُ أنْسَــــانِي ألَحَّ بِيَ الهجْرُ[11][11]
|
وَقَالَتْ لَقَدْ أزْرَى بِكَ الدَّهْرُ بَعْدَنَا | فَقُلْتُ مَعَاذَ اللهِ بَلْ أنْتِ لا الدَّهْـرُ[12][12]
|
هذه الأبيات مختارة من قصيدة بلغ عدد أبياتـها أربعة وخمسين بيتًا، نصف هذا العدد تقريبًا انصرف إلى الغزل وشكوى الغرام، شكوى الفارس الأمير، الذي أحب وأخلص في حبه، ثم لم يجد من محبوبته إلّا الغدر مقابل إخلاصه ووفائه، القصيدة مفعمة بالحب والكبرياء وكل معاني السمو والارتقاء.
يقول فيه الشاعر:
فَقُلْتُ لَهَــــــا لَوْ شِـــئْتِ لم تَتَعَنَّتِى |
وَلَمْ تَسْــــألِى عَنِّى وَعِنْدَكِ بِي خُبْرُ[13][13]
|
وبعد الأبيات الخمسة الأول قال:
حَفِظْـتُ وَضَيَّعْتِ الـموَدّةَ بَيْنَنَــــا | وَأحْسَنُ مِنْ بَعْضِ الوَفَاءِ لَكِ العُذْرُ[14][14]
|
وَمَا هَـذِهِ الأيَّــــامُ إلا صَحَائِفٌ | لهَـا مِنْ كَفِّ كَاتِبِهَــــــا بَشْـرُ[15][15]
|
بِنَفْسِى مِنَ الغَادِينَ في الحىِّ غَـــادَةٌ هَوَايَ | لهَا ذَنْبٌ وبَهْجَتُـهـا عُذْرُ[16][16]
|
تَرُوغُ إلى الوَاشِــينَ فيَّ وَإنَّ لِي | لأُذْنًا بـِهَا عَنْ كُلِّ وَاشِــــــيَةٍ وَقرُ[17][17]
|
بَدَوْتُ وَأهْلِي حَاضِــــــرُونَ لأنَّنِي أرَى | أنَّ دَارًا لَسْتِ مِنْ أهْلِهَـا قَفْرُ[18][18]
|
وَحَارَبْتُ قَوْمِي في هَــــوَاكِ وَإنَّهُمْ | وَإيَّـاىَ لَوْلا حُبُّـكِ الماءُ وَالخَمْـــرُ[19][19]
|
فَإنْ يَكُ مَا قَالَ الوُشَــــاةُ وَلم يَكُنْ | فَقَدْ يَهْدِمُ الإيمانُ مَا شَــــيَّدَ الكُفْرُ[20][20]
|
وَقُورٌ وَرَيْعَـانُ الصِّبَـــــا يَسْـتَفِزُّهَا | فَتَأْرَنُ أحْيَـانًا كَمَا أرِنَ الـمُهْرُ[21][21]
|
وبعد أن ينتهى تحاورهما يستمر الشاعر في حديث ربّما لم تسمعه هي، يقول فيه:
وَمَا كَانَ لِلأحْــزَانِ لَوْلاكِ مَسْلَكٌ | إلى القَلْبِ لَكِنَّ الهــوَى لِلْبِلَى جِسْـــرُ[22][22]
|
وتَهْلِكُ بَيْنَ الجِدِّ وَالهزْلِ مُهْجَــةٌ | إذَا مَا عَدَاهَا البَيْنُ عَذَّبَهَــا الهَجْرُ[23][23]
|
فَأيْقَنْتُ ألا عِزَّ بَعْدِي لِعَاشِـقٍ | وَأنَّ يَــدِي مِمَّا عَلِقْتُ بِهِ صِــفْرُ[24][24]
|
ثم يأتي موضع البيت، الذي يقول فيه الشاعر (وقلبت أمري ..)، وبعد هذا البيت يقول الشاعر:
فَعُدْتُ إلى حُكْمِ الزَّمَانِ وَحُكْمِهَـــا | لهَـــا الذَّنْبُ لا تُجْزَى بِــهِ وَلِيَ العُــذْرُ[25][25]
|
كَأنِّي أُنَادِى دُونَ مَيْثَـاءَ ظَبْيَــــةً | عَلَى شَرَفٍ ظَمْيَاءَ جَلَّلَهَـا الذُّعْــرُ[26][26]
|
تجَفَّــــلُ حِينـًا ثمَّ تَرْنُو كَأنّـَهـــــــا |
تُنَادِي طَلًا بِالوَادِ أعْجَزَهُ الخُضْـرُ[27][27]
|
ثم يدخل الشاعر بعد ذلك في غرض آخر من أغراض الشعر وهو الفخر.
فَلا تُنْكِرِيـــــــنِي يَابْنَـــةَ العَمِّ إنَّـهُ | لَيَعْرِفُ مَنْ أنْكَرْتِهِ البِيدُ وَالحضْـــرُ[28][28]
|
وَلا تُنْكِرِيـــــــنِي إنَّنِي غَيْــــــرُ مُنْكَرٍ | إذَا زَلَّتِ الأقْــدَامُ وَاسْتُنْزِلَ النَّصْـرُ[29][29]
|
هذه إذًا هي المقدمة الغزلية التي استغرقت سـبعة وعشرين بيتًا؛ أي نصف عدد أبيات القصيدة، وقد آثرت أن أقدمها كلها هنا.
نظرة أدبية فلسفية
هذه القصيدة من القصائد القليلة في الشعر العربي التي يتوجه فيها الشاعر بالخطاب إلى نفسه في مستهلها، فهو لا يخاطب صاحبيه على عادة الشعراء، ولا يخاطب شخصًا يمدحه أو يهجوه، ولا يخاطب فتاة تعلق بـها وأراد أن يبثها مشاعره، ولكنه اتجه إلى ذاته كأنه يواسي نفسه، أو كأنه يخاطب شخصًا آخر يهمه من أمره كل شيء ولا يكون هذا الشخص إلا هو ذاته، وعلى هذا تعدُّ هذه القصيدة من وجدانيات الشعر العربي في ذلك العصر، فقد حفل الشعر على مر العصور بالشعر الوجداني، الذي يؤثر في النفس أيّما تأثير، ويرجع ذلك إلى صدق التجربة، الذي يجعل الشاعر يترجم أحاسيسه بدقة متناهية دون مغالاة ومن غير افتعال، ولا يلح على الشعر بقدر ما يلح الشعر عليه. تضمنت القصيدة أيضًا حوارًا بين الشاعر والفتاة التي أحبها، وقد صاغ الشاعر هذا الحوار، الذي وقع فى عدة أبيات صياغة بديعة، أضفت على القصيدة جوًّا دراميًّا أخرج الشاعر من عزلته أو من تقوقعه داخل نفسه في بداية القصيدة حينما أنشأ حوارًا داخليًّا بينه وبين نفسه، انطلق منه إلى آفاق من التأمل في تصاريف الأيام، وما أوصله إلى هذه الحال، فما أن تذكر تلك الفتاة التي قابلت وفاءه بالغدر، وذكر الحوار الذي دار بينهما حتى انطلق إلى آفاق أخرى من الفخر والاعتزاز بنفسه وبقومه.
هذه القصيدة إذًا تعدُّ نواة الشعر المسرحي، الذي ظهر في العصر الحديث على يد أحمد شوقي، الذى كتبه بشكل مختلف اقتفى فيه أثر شعراء الغرب الذين برعوا في هذا اللون من الأدب وفى مقدمتهم الكاتب الإنجليزي وليم شكسبير، هذا وقد حفلت القصيدة بشعر الحكمة، الذي جرى بعضه مجرى المثل؛ كقوله: وما هذه الأيامُ إلا صحائفٌ لأحرفِها من كفِّ كاتبِها بَشْرُ.
وقوله: فقد يهدمُ الإيمانُ ما شيَّدَ الكفرُ.
وقوله: ولكن إذا حُمَّ القضاءُ على امرئٍ فليس لهُ برٌّ يقيهِ ولا بحرُ.
وقوله: وقال أُصيْحابى الفرارُ أو الرَّدى فقلتُ هما أمْرانِ أحْلاهُمَا مُرُّ.
وقوله: هو الموتْ فاختَرْ ما علا لكَ ذكرُهُ فلم يَمُتِ الإنسانُ ما حييَ الذكرُ.
وقوله: وفى الليلةِ الظلماءِ يُفْتَقَدُ البَدْرُ.
وقوله: ومنَ خَطَبَ الحسناءَ لم يُغْلِهِ المهْرُ.
أما البيت الذي بلغ به الشاعر المدى في الفخر فهو قوله:
ونحنُ أُناسٌ لا توسُّطَ بيننَا |
لنا الصَّدْرُ دُونَ العالمينَ أو القَبْرُ
|
هذه القصيدة عبارة عن رباعيات مختارة من قصيدة طويلة تعتبر من الأعمال الأدبية العالمية الخالدة للشاعر الفارسي عمر الخيام، عرفت برباعيات الخيام، وقد تـمت ترجمتها إلى كثير من اللغات العالمية، ونقلها إلى العربية أكثر من شاعر، إلا أن ترجمة أحمد رامي تعدُّ الأشهر من بين هذه الترجمات، وقيل: إنـها من أحسن الترجمات التي نقلتها إلى العربية.
رباعيات الخيام المختارة:
(1) سَمِعْتُ صَوْتًا هَاتِفًـــا فِي السَّحَرْ |
نَادَى مِنَ الغَيْبِ غُفَــــــــاةَ البَشَـرْ |
هُبُّـــوا امْلأوا كَاسَ المنَى قَبْلَ أنْ |
تَـمْـــــلأَ كَاسَ العُمْــــرِ كَفُّ القَدَرْ |
(2) لا تَشْـغَلِ البَالَ بـِمَاضِي الزَّمَانْ |
وَلا بِآتِي العَيْشِ قَبْـــــــــلَ الأوَانْ
|
وَاغْنَـــــمْ مِنَ الحَاضِــــــــــرِ لذَّاتِه |
فَلَيْسَ فِي طَبْـــعِ اللَيَـــالِي الأمَانْ |
3) غَدٌ بِظَهْــــــــرِ الغَيْبِ وَاليَــوْمُ لِي |
وَكَـــمْ يَخِيبُ الظَّنُّ فِي الـمُقْبِــلِ |
وَلَسْـــتُ بِالغَافِــــــــلِ حَتَّى أرَى |
جَمَـــــــــالَ دُنْيَـــــاي وَلا أجْتَلِي
|
(4) القلبُ قَدْ أضْنَاهُ عِشْقُ الجَمَالْ |
وَالصَّــدْرُ قَدْ ضَاقَ بِـمَا لا يُقَالْ |
يَارَبِّ هَلْ يُرْضِيكَ هَــذَا الظَّمَـــا |
والمـــــاءُ يَنْسَـــــــابُ أمَامِي زُلالْ
|
(5) أوْلَى بـِهَـــــذَا القَلْبِ أنْ يَخْفِقَ |
وَفي ضِــــرَامِ الحُبِّ أنْ يُحْـــرَقَ |
مَا أضْيَعَ اليَـــوْمَ الذِى مَـــــرَّ بِي |
مِنْ غَيْرِ أنْ أهْوَى وَأنْ أعْشَـقَ |
(6)أفِقْ خَفِيفَ الظِّـلِّ هَــذَا السَّحَرْ |
نَادَى دَعِ النَّـــــــوْمَ وَنَاغِ الوَتَرْ
|
فَمَا أطَالَ النَّـــوْمُ عُمْـــــرًا وَلا |
قَصَّرَ فِي الأعْمَارِ طُـولُ السَّــهَرْ |
(7) فَكَمْ تَوَالَى الليْلُ بَعْدَ النَّهَـارْ |
وطَالَ بِالأنْجُـمِ هَذَا الـمَـــدَارْ |
فامْشِ الهُوَيْنَــــــا إنَّ هَذَا الثَّرَى |
مِنْ أعْيُنٍ سَـــاحِرَةِ الإحْوِرَارْ |
(8)لا تُوحِشِ النَّفسَ بِخَوْفِ الظُّنُـونْ |
وَاغْنَمْ مِنَ الحَاضِــــــرِ أمْنَ اليَقِينْ |
فَقَدْ تَسَاوَى فِي الثَّرَى رَاحِـلٍ غَدًا | وَمَاض مِنْ أُلُوفِ السِّــــــنِينْ |
(9)أطْفِئْ لَظَى القَلْبِ بِشَهْدِ الرِّضَابْ | فَإنّـمَــــا الأيّـَامُ مِثْلُ السَّحَابْ
|
وَعَيْشُـنَا طَيْفُ خَيَـــالٍ فَنَلْ |
حَظَّكَ مِنْهُ قَبْـلِ فَوْتِ الشَّبَابْ |
(10) لَبِسْــــتُ ثَوْبَ العَيْشِ لَمْ أُسْتَشرْ | وَحِرْتُ فِيهِ بَيْنَ شَــــــتَّى الفِكَرْ |
وَسَـــوْفَ أنْضُو الثَّوْبَ عَنِّي وَلَمْ | أُدْرِكْ لِمَـــــاذَا جِئْتُ أيْنَ الـمَفَرْ |
(11) يَا مَنْ يَحَـارُ الفَهْمُ فِي قُدْرَتِكْ | وَتَطْلُبُ النَّفْسُ حِمَى طَاعَتِــكْ |
أسْـــــــــكَرَنِي الإثْمُ وَلَكِنَّنِــــــــــــي | صَحَوْتُ بِالآمَــــــالِ فِي رَحْمَتِكْ |
(12)إنْ لَمْ أكُنْ أخْلَصْتُ فِي طَاعَتِـــكْ | فَإنَّـــــنِي أطْمَــــــــعُ فِي رَحْمَتِكْ |
وَإنّـمَــــــا يَشْــــــــفَعُ لِي أنَّنِـي | قَدْ عِشْتُ لا أُشْرِكُ فِي وَحْدَتِكْ |
(13) تُخْفِي عَنِ النَّاسِ سَـنَى طَلْعَتِكْ | وَكُلُّ مَا فِى الكَـوْنِ مِنْ صَـنْعَتِكْ |
فَأنْتَ مَجْــــــلاهُ وَأنْتَ الذِي | تَرَى بَدِيـــعَ الصُّنْعِ في آيَتِكْ |
(14) إنْ تُفْصَلِ القَطْرَة مِنْ بَحْــــــرِهَا | ففي مَدَاهُ مُنْتَهَى أمْـرِهَــــا |
تَقَـارَبَتْ يَا رَبِّ مَا بَيْنَنَــــــــا | مَسَـافَةُ البُعْــــدِ عَلَى قَدْرِهَا |
(15) يَا عَالِمَ الأسْــــــــــرَارِ عِلْمَ اليَقِينْ | يَا كَاشِفَ الضُّــرِّ عَنِ البَائِسِـــينْ |
يا قَابلَ الأعْـــــــذَارِ عُدْنَـــا إلى | ظِلِّكَ فَاقْبَــــلْ تَوْبَـة التَّائِبـينْ |
القصيدة .. مبناها ومعناها
القصيدة عبارة عن خمس عشرة رباعية من بحر السريع، والرباعية مكونة من بيتين، وإنّما سميت رباعية نسبة إلى عدد الأشطر، وقد التزم الشاعر بالقافية في ثلاثة أشطر؛ هي صدر البيت الأول وعجزه، وعجز البيت الثاني.
وهذا شرح موجز لهذه الرباعيات
في المقطع الأول، يزعم الشاعر أنه سمع صوتًا هتف به في السحر، يهيب بالناس أن يهبوا من نومهم إلى مُتع الحياة ومباهجها، فهذه الحياة مصيرها إلى العدم. يسدي الشاعر في المقطع الثاني النصح إلى الناس بألّا يشغلوا أنفسهم بالماضي الذي تولى، ولا بالأيام المقبلة من العمر، وليغتنموا ما في حاضرهم من لذات، فإنـهم لا يعلمون ماذا تضمر لهم الليالي، وإن أحدًا لا يستطيع أن يأمن غدرها. في المقطع الثالث يقرر الشاعر أن الغد ما زال فى الغيب لا ندري عنه شيئًا، أما اليوم فنحن نـملكه، وغالبًا يخيب الظن فيما سيأتي من العمر، لذا فمن الغفلة ألا ننظر إلى جمال الدنيا من حولنا ونستمتع بـها، ما أتيح لنا ذلك، وفي المقطع الرابع يشكو الشاعر إلى ربه ما يحدث له جراء عشق الجمال، الذي أضنى فؤاده، وضاق صدره بـما لا يستطيع أن يصرح به، فيقول: “يارب هل يرضيك ما بي من ظمأ، مع أن الماء ينساب من حولي هنا وهناك”، والمقصود أن أمامه الجمال في كل مكان وعلى كل لون، ولكنه لا يستطيع أن يصيبَ منه شيئًا.
ويكملُ الشاعر في المقطع الخامس ما بدأه في الرباعية السابقة، فيقول: إن أولى بقلبه أن يعشق، بل أن يحرق في نار الحب، فإن يومًا يـمر به وهو غير عاشق، هو يوم ضائع من عمره. وفي المقطع السادس دعوة للمجون بعدم الخلود إلى النوم وإلى مناغاة الوتر، من منطلق أن النوم لا يطيل العمر، ولا السهر يقصره، فالعمر هو العمر ينتهي إذا جاء أجله. والمناغاة هي المداعبة والملاعبة، والوتر هو ما يشد على الآلة الموسيقية، وتصدر عنه الأنغام بـملامسته أو الضرب عليه بلغة أهل الطرب، ومناغاة الوتر هنا كناية عن استجلاب المتعة بشكل أو بآخر.
في المقطع السابع يقول الشاعر: إن الزمن يـمر، ويتعاقب الليل والنهار، وقد طال بالأنجم مدارُها، فيجب أن نعتبر مما يتبدّى أمامنا من ظواهر كونية، فلا نغتر، ولا تأخذنا الخيلاء، فإذا سرنا على الأرض لا ندب عليها بأقدامنا، فهذا الثرى قد دفنت فيه عيون سحرت عشاقها ذات يوم، وشبيه به قول أبى العلاء المعرى:
خففِ الوطءَ ما أظنُّ أديمَ | الأرضِ إلا من هذهِ الأجْسادِ |
وقبيحٌ بنَـا وإنْ قَدُمَ العهـدُ |
هــوانَ الآباءِ والأجـدادِ |
في المقطع الثامن يقول الشاعر: إنه طالما يتساوى في التراب من سيَموت فى الغد ومن مات من ألوف السنين، فلا يجب أن نوحش النفس، ونوهمها بالظنون الخادعة، بل يجب أن نغتنم الأمن مما نعلمه، وما نتيقن منه، وما لا شك فيه ولا مراء.
يدعو الشاعر في المقطع التاسع أن ننال حظنا من الأيام قبل أن تمر أيام الشباب؛ لأنها تمر مر السحاب؛ أي تمر بسرعة، وما عيشنا فيها إلا كالخيال.
قضية الخيام الفلسفية
ينتقل الشاعر في المقطع العاشر إلى قضية فلسفية، وهي مجيء الإنسان إلى الدنيا دون أن يكون له رأي في ذلك، وخروجه منها دون أن يعرف لماذا جاء إليها، ولكن لا مفر من ذلك، وبين مجيئه إلى الدنيا، وخروجه منها يحار بين أفكار شتى. والحقيقة أنّ ما يتحدث عنه الشاعر يشكل قضية عند أولئك الذين لم تتمكن العقيدة منهم فقط، وإنـما جعلوا منها قضية لتشتيت الفكر، وشغل البال، حتى يكون هناك سبب لانفلاتـهم دينيًّا وعقائديًّا وأخلاقيًّا.
يبدأ الشاعر في المقطع الحادي عشر في إعلان توبته وإنابته إلى الله، فيتجه إلى الله عز وجل يناجيه بقوله: (يارب يا من حيرتْنا قدرتُك فلم نستطع أن نفهمها على حقيقتها، يا من نلجأ إليك، تحتمي بطاعتك نفوسنا، لقد أسكرني انغماسى في الآثام حتى كأني غبت عن وعيي، ولكني ثُبت إلى رشدي، وصحوت من غفلتي بآمالي في رحمتك الواسعة).
في المقطع الثاني عشر يستمر الشاعر في مناجاته لربه فيقول: يا رب إن أكن قد عشت غير مخلص كل الإخلاص في طاعتك، فإنني أطمع أن تنالني رحمتك التي وسعت كل شيء، وليشفع لي عندك أنني عشت عمري لم أشرك بوحدانيتك.
في المقطع الثالث عشر يقول الشاعر: يا رب .. إن كنتَ قد أخفيتَ عنا نور طلعتك .. فكل ما في الكون يدل عليك لأنه من صنعك، وأنت الذي خلقت كل شيء وأبدعته في أحسن صورة.
في المقطع الرابع عشر يقول: يا رب إن كنت قد ابتعدت عنك فمآلي إليك، فقطرة الماء إذا انفصلت من بحرها فهي حتمًا عائدة إليه، ولا بدّ أن ينتهي بـها الأمر فى خضمه الواسع، وإني يا رب بعد هذه الصحوة أراني قد اقتربت منك، ولم تعد أية مسافة تفصلني عنك.
أخيرًا، يقول الشاعر في المقطع الخامس عشر: يارب يا عالم الأسرار .. يا من تعلم خفايا النفوس .. فتكشف الضر عن البائسين المحرومين .. يا من تقبل أعذار المخطئين والمذنبين .. اقبلنا عندك .. فقد عدنا إلى ظلك تائبين نادمين .. فاقبل توبتنا يا أكرم الأكرمين.
نظرة أدبية فلسفية
عشر رباعيات من هذه القصيدة انصرف معناها إلى الدعوة إلى المجون واغتنام اللذات الطارئة، بينما انصرف معنى الخمس رباعيات الأخيرة إلى التوبة ومناجاة المولى عز وجل. وهذا هو الظاهر في هذه الرباعيات، وربـما تعددت الأغراض فيها على نحو أو آخر، فإذا نظرنا إلى هذه الأبيات على أنـها قصيدة مستقلة، لوجدنا أنـها ذات وحدة موضوعية واحدة، فبعد المجون والدعوة إليه تأتي التوبة، والقرب من الله سبحانه وتعالى.
ولقد زخرت القصيدة بالصور البلاغية والكنايات التي أضفت على القصيدة روحًا شاعرية، منها؛ “هُبُّوا امْلأوا كَاسَ المنَى”: كناية عن البحث عن المتعة، “تَمْلأَ كَاسَ العُمْرِ كَفُّ القَدَرْ”: كناية عن انتهاء العمر أي الموت، “يَا رَبِّ هَلْ يُرْضِيكَ هَذَا الظَّمَا والمَاءُ يَنْسَابُ أمامي زُلالْ”:كناية عن أن الإنسان لا يشبع ولا يقنع، ويريد المزيد دائمًا فهذه طبيعته التي جبل عليها. “فَإنَّمَا الأيّامُ مِثْلُ السَّحَابْ”: كناية عن مرورها بسرعة. “لَبِسْتُ ثَوْبَ العَيْشِ لَمْ أُسْتَشَرْ”: كناية عن مجيء الإنسان إلى الحياة دون أن يكون له رأي فيها، ذلك من وجهة نظر بعض الفلاسفة. “وَسَوْفَ أنْضُو الثَّوْبَ عَنِّى”: كناية عن الموت. أيضًا الصورة التي رسمها الشاعر لابتعاد المرء عن خالقه وحتمية رجوعه إليه سبحانه وتعالى في الرباعية قبل الأخيرة “إن تفصل القطرة من بحرها..” ناسبت المعنى، الذي يقصد إليه الشاعر، وأوضحت ما يرمي إليه.
هذه قصيدة فريدة في تأليفها، فهي عبارة عن حوار دار بين الشاعر وفتاته، كما سنرى، وهي من تأليف الشاعر صفي الدين الحلي، الذي يعده البعض أقوى شعراء عصر الضعف، ونلتقي الآن بأبيات القصيدة ولنا معها لقاء بعد ذلك:
قَالَتْ كَحَّلْتَ الجُفُــونَ بِالوَسَنِ |
قُلْتُ ارْتِقَابًا لِطَيْفِــــكِ الحَسَنِ |
قَالَتْ تَسَـلَّيْتَ بَعْدَ فُرْقَتِنَـا |
فَقُلْتُ عَنْ مَسْكَنِي وَعَنْ سَــكَنِي |
قَالَتْ تَشَـاغَلْتَ عَنْ مَحَبَّتِنَـا |
قُلْتُ نَعَـــمْ بِالبُكَــــــاءِ وَالحَزَنِ |
قَالَتْ تَخَلَّيْتَ قُلْتُ عَنْ جَلَــدِي |
قَالَتْ تَغَيَّرْتَ قُلْتُ فِي بَــدَنِي |
قَالَتْ أذَعْتَ الأسْـرَارَ قُلْتُ لَهَـا |
صَيَّر َ سِـرِّي هَــوَاكِ كَالْعَلَنِ |
قَالَتْ سَرَرْتَ الأعْــــدَاءَ قُلْتُ لَهَا |
ذَلِكَ شَيْءٌ لَوْ شِـئْتِ لَمْ يَكُنِ |
شرح لبعض مفردات القصيدة: الوسن النوم، تسليت: تلهيت لدرجة النسيان. تشاغلت: تشاغل ادعى الانشغال بشيء معين، تخليت: تخلى عن الشيء تركه وأهمله، جلدى: الجلد الصبر والتحمل، تروم: ترغب وتريد.
القصيدة .. مبناها ومعناها
القصيدة من بحر المنسرح، (مستفعلن مفعولات مستفعلن)، والقافية هي النون المكسورة، والقصيدة كما قلت في المقدمة حوار دار بين الشاعر وفتاته، أو قل وقع في خيال الشاعر أنه دار بينه وبين فتاته، وكما نرى ردود الشاعر دائمًا تأتي بعيدة عما تقصد إليه الفتاة. فإذا قالت إنـها ترى النوم يداعب عينيه، رد عليها بأنه إنـما يترقب طيفها الجميل بخلوده إلى النوم، وحين قالت له إنه قد تلهى عنها (تقصد بغيرها) بعد أن افترقا، قال لها إنه قد تسلّى فعلًا، ولكن ليس عنها بل عن مسكنه وعن سكنه، يقصد حياته إجمالًا، وحين قالت له إنه قد تشاغل عن محبتها، رد عليها بقوله إنه لم يشغله عنها إلا البكاء المتصل والحزن الدائم، وحين قالت له إنه قد تخلى (تقصد عنها وعن حبها)، قال: (بل تخليت عن صبرى وتحملى لفراقك)، وحين قالت له: إنه قد تغير (تقصد تغيرت مشاعره نحوها)، قال لها إنـما حدث التغيير فى جسمه إذ أصابه الضعف والنحول، وحين قالت له إنه قد تسبب فى ذيوع أسرارها بين الناس، قال لها: (لم أذع شيئًا وإنـما هو هواك الذى جعل السر يبدو كالعلن). وحين قالت: إنك قد سررت الأعداء بـما فعلت، قال لها: (إنك لو شئت ما حدث شيء من هذا، فقد تسببت ببعادك عني في كل ما جرى).
نظرة أدبية فلسفية
القصيدة فريدة في تأليفها يستعرض الشاعر فيها مقدرته على صياغة الشعر، واللعب بالألفاظ، ولكن هذا لا ينفي أنـها تنطوي على معان سامية، وتجربةٍ مرَّ بـها الشاعر بشكل أو بآخر أوحت إليه بفكرة القصيدة، وعلى أية حال القصيدة ثرية بالأخيلة والصور الجمالية، فمثلًا الكناية عن خلوده إلى النوم في قوله: (كحلت الجفون بالوسن)، وفي قوله (تسليت عن مسكني..)، كناية عن حالة التشتت التي يعيشها جراء فراقها له، وفي قوله (بالبكاء والحزن) كناية عن بكائه المتصل وحزنه الدائم. وقوله (عن جلدي) كناية عن وهنه ونفاد صبره، وقوله (في بدني) كناية عما أصابه بسبب هذا الفراق. وهكذا نجد أبيات القصيدة موحية علاوة على أنـها فريدة في الطريقة التي كتبت بـها كما قلنا.
قصيدة “أعجبت بي”، من تأليف شاعر فارسي يُدعى مهيار الديلمي، وكلماتـها ومعانيها ربـّما لا تتفق والموضوعات التي كان يطرقها الشعر في ذلك الوقت، فغرض القصيدة هو الفخر، وربـما تكون هي القصيدة الوحيدة بين القصائد المغناة التي تنصرف إلى هذا الغرض، ، لتصبح واحدة من الإبداعات الفريدة . ونلتقي الآن مع القصيدة:
أُعْجِبَتْ بِي بَيْنَ نَادِي قَوْمِهَـــا |
ذَاتُ حُسْنٍ فَمَضَتْ تَسْألُ بِي |
سَـرَّهَا مَا عَلِمَتْ مِنْ خُلُقِي | فَأرَادَتْ عِلْمَهَـــا مَا حَسَبِي |
لا تَخَالِي نَسَــــبًا يَخْفِضُنِي | أنَا مَنْ يُرْضِيكِ عِنْدَ النَّسَبِ |
قَوْمِيَ اسْتوْلُــوا عَلَى الدَّهْرِ فَتًى | وَمَشَــــوْا فَوْقَ رُؤوسَ الحِقَبِ |
عَمَّمُوا بِالشَّمْسِ هَامَاتـِهُمُ | وَبَنَوْا أبْيَاتَهُــــمْ بِالشُّـهُبِ |
وَأبِى كِسْــرَى عَلَى إيوَانِهِ | أيْنَ فِي النَّاسِ أبٌ مِثْـلُ أبِي |
قَدْ أخَذْتُ المـجْدَ عَنْ خَيْرِ أبِ | وأخَذْتُ الدِّينَ عَنْ خَـــيْرِ نَبِى |
وَضَمَمْتُ الفَخْـرَ مِنْ أطْرَافِـــهِ | سُـــؤْدَدَ الفُرْسِ وَدِينَ العَرَبِ |
معاني بعض المفردات
حسبي: الحسب هو الكرم، وهو الشرف الثابت في الآباء، وما يعدده المرء من مفاخر آبائه، لا تخالي: يخال: يظن أو يحسب أو يهيأ له، الحقب: جمع حقبة وهى المدة من الزمن تحسب بالسنين أو بـمئات السنين. عمموا: اتخذوا عمامة. هاماتـهم: رؤوسهم. بالشهب: الشهب النجوم التي تتساقط بين الحين والآخر، ويقصد بـها هنا النجوم، إيوانه: الإيوان هو عرش كسرى ملك الفرس، سؤدد: مجد.
القصيدة .. مبناها ومعناها
القصيدة من بحر الرمل وقافية الباء، وهي بذلك تدخل في عداد القصائد التي تسير على النهج المتوارث للشعر، وينصرف غرضها كما قلنا إلى الفخر، فالشاعر يفخر بنفسه وبقومه، فيكنّى عن ذلك بعدة كنايات منها (استولوا على الدهر فتى)، و(مشوا فوق رؤوس الحقب)، و(عمموا بالشمس هاماتـهم)، و(بنوا أبياتـهم بالشهب)، ثم يصرح بفخره فيتساءل (أين في الناس أب مثل أبي؟)، وكما يفخر بآبائه، يفخر بنبيه، نبي العرب وخاتم الأنبياء محمد (ص)، وهو بـهذا يكون قد ضم الفخر من أطرافه مجد الفرس والدين الإسلامي الحنيف، هذا ولكي يدخل الشاعر في الموضوع ساق لنا طرفًا من قصته مع فتاة اسمها (أم سعد)، وهي أعجبت بأخلاقه، فبقي لها أن تعرف ما حسبه ونسبه، فأخذ يسوق لها الأشياء التي تدعو إلى الفخر.
القصيدة تنتمي إلى شعر الفخر، الذي عرف عند كثير من الشعراء على مدى عصور الشعر منذ العصر الجاهلي حتى وقتنا هذا، والقصيدة ثرية بالصور البلاغية التي جاءت على هيئة كنايات أشرت إليها آنفًا، أيضًا بالجماليات النابعة من حسن اختيار الألفاظ وتناسقها ومناسبتها للمعنى.
[1][30] تم غناء القصائد الأربعة من قبل أم كلثوم حيث غنت أراك عصي الدمع، ورباعيات الخيام، وغنى محمد عبد الوهاب قالت، وأُعجبت بي، وتمكن الاثنان على نشر ثقافة شعرية عربية فصحى بين عوام الناس.
[2][31] هو الحارث بن سعيد بن حمدان التغلبي وهو ابن عم سيف الدولة الحمداني، له ديوان شعر يحفل بفخره واعتزازه بنفسه وبقومه فهو أمير وشاعر يعد شعره من متين الشعر ورصينه، وفارس له صولاته وجولاته في ميادين القتال.
[3][32] عصي: العصي ضد المطيع، وعصي الدمع صفة للدمع جاءت على هيئة المضاف والمضاف إليه، كقولك طويل القامة، وكريم الأصل تقصد قامته طويلة وأصله كريم وهكـذا، شيمتك الصبر: الشيمة: الخلق يتخلق به الإنسـان والصفة تلازمه، وفي هذا البيت يخاطب الشـاعر نفسه منكرًا الحال التي صار إليها لا يذرف دمعًا وقد لازمه الصبر فيسأل نفسه: ألم يعد يأمرك الهوى وينهاك.
[4][33] لوعة: وجع القلب من عشق ونحوه أو حرقة الحزن والوجد. يقول الشـاعر: إنه مشتاق فعلًا يتحرق قلبه عشقًا ووجدًا وحزنًا ولكن إباءه يَمنعه من أن يظهر ما به، ويكره أن يراه الناس على هذه الحال.
[5][34] أضواني: أضعفني. بسطت يد الهوى: كناية عن امتثاله لأحكام الهوى، يقول الشاعر: عندما يطول بي الليل ويُضعِف قواي على الصبر والتحمل أشكو وأمتثل لحكم الهوى وأذرف الدمع الأبي، الذي من طبعه الكبرياء وليس الذل والهوان.
[6][35] جوانحي: الجوانح هي أوائل الضلوع مما يلي الصدر، أو هي الضلوع القصار، ومفردها جانحة، وسميت بذلك لأنـها تجنح على القلب؛ أي تميل عليه. أذكتها: الضمير متعلق بالنار والمقصود جعلتها تزداد اشتعالًا، الصبابة: شدة التحرق بالعشق ونحوه. يقول الشاعر: إنني حينما أخلو بنفسي وأترك العنان للهوى ولوعاته تشـتعل بداخلي النيران وتزيدها الصبابة والفكر توهجًا.
[7][36] معللتي: علل: شغل ولهّى ومعللتي بالوصل؛ أي التي تشغلني وتلهيني بالوصل. دونه: أقرب منه. القطر: المطر وأيضًا ما قطر من الماء وغيره، واحدته قطرة. يخاطب الشاعر محبوبته التي تشغله وتلهيه بالوصل، الذي لا يحدث حتى بات الموت أقرب إليه منه فإذا رأته يَموت ظمأ لا تسعفه بقطرة ماء والمقصود ظمأ إليها، أو لعله يقصد الاعتداد بنفسه، فيدعو بعدم نزول المطر إذا مات هو ظمآنًا.
[8][37] مذلة: تـهاون وتفريط فيما لا يفرط فيه، هنا يبدأ الشاعر حكاية موقف حدث بينه وبين محبوبته تلك، فيقول: إنه وفيّ لها، وظلّ على عهد الوفاء وإن لاقى الذل بسبب هذا الوفاء ولكنها غدرت به، ولم تلق بالًا لمعاناته في هواها لأن الغدر من طبيعتها.
[9][38] شجٍ: الشجو هو الهم والحزن والشجي هو الحزين المهموم، نكر: جهل وعدم معرفة. يقول الشاعر: إنه قد بلغ الغدر بـها الحد، الذي دعاها لأن تسأله عمن يكون؟ كأنـها لا تعرفه، ويتساءل مستنكرًا: “هل يُجهل من هو مثلي على هذه الحال من الحزن والأسى؟”.
[10][39] قتيلك: خبر لمبتدأ محذوف تقديره أنا والمقصود قتيل هواك. يقول الشاعر: إنه أجابـها بـما يرضيها وبـما يرضي هواها أنه قتيل هواها، فردت على الفور: “أي واحد فيهم فإن قتلى هواي كثيرون ..”.
[11][40] البين بمعنى الفرقة وبمعنى الوصل أيضًا، فهي من الأضداد. ألح: الإلحاح من الالتصاق واللزوم، وألح بي بِمعنى لازمني ..لا يفتر عني. الهجر ضد الوصل وهو التباعد والفرقة. يقول الشاعر: إنه أخذ يقلّب أمره بينه وبين نفسـه لا يكاد يهدأ إزاء ما يحدث له في هواها، فإذا أنساه الوصل ما لاقاه في بعدها لازمه فراقها وتباعدها عنه.
[12][41] أزرى: أزرى به: قصر به وحقره وهونه، أخيرًا يقول الشاعر: إنـها قالت له بعد ما كان منها من جحود ونكران: “إن الدهر قد قصر بك وحقر من شأنك في غيابنا”، فقال لها: “معاذ الله لم يفعل بي الدهر شيئًا، ولكن فعلتِ أنتِ كل هذا”..
[13][42] لم تتعنتي: التعنّت دخول المشقة على الإنسان لقاء الشدة، وتعنّت سأل عن شيء أراد به اللبس والمشقة.
[14][43] المودة: مفعول به لكلا الفعلين: حفظتُ وضيعتِ فسياق النص على ذلك هو: حفظتُ المودة وضيعتِها أنت. العذر: يصح أن يقصد الشاعر: ألتمس لك العذر فيما تفعلين أفضل من أن أحافظ على عهد الوفاء بيني وبينك، ويصح أن يقصد الشاعر أفضل من الوفاء أن أعتذر عن هذا الحب وأنساه. وقد قرأت كلمة العذر فى إحدى نسخ الديوان الغدر، وهنا يكون قصد الشاعر أن الغدر بـهذه المحبوبة أحسن من الوفاء لها.
[15][44] بشر: بَشَرَ الأديم (الجلد): قشره، وتعني الملامسة أيضًا.
[16][45] بنفسي: أي أفتدي بنفسي. الغادين: جمع غادٍ وهو الذاهب في الغدو، أي وقت الضحى أو الظهيرة، وفي التنزيل ﴿بِالغُدُوَّ وَالآصَالِ﴾. غادة: الفتاة لينة الأعطاف.
[17][46] تروغ: تَميل إلى وتحيد، الواشين: جمع واشٍ، وهو الذي يوقع البغضاء بين اثنين، أو هو الذي يشي بالآخرين؛ أي يبلغ بِما يقولون، أو بِما لم يقولوا ليحدث الفتنة ويوقع الضغينة والبغضاء بين الناس وتجمع وشاة أيضًا، والمؤنث واشية، وقر: ثقل فى الأذن يجعلها لا تسمع وفي التنزيل ﴿إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَن يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا﴾ (سورة الكهف، الآية 57).
[18][47] بدوت: عشت معيشة البداوة في الصحراء، والبداوة خلاف الحضر، وأهل البداوة والبادية هم البدو. حاضرون: أي من سكان الحضر. قفر: صفة للمكان، الذي لا توجد فيه حياة ويفتقر إلى مقوماتـها.
[19][48] في هواك: أي من أجل هواك، والماء والخمر: أي كل شيء في الحياة.
[20][49] شيد: بنى فرسّخ البناء.
[21][50] وقور: رزينة حليمة، والرجل وقور، والمرأة وقور أيضًا، ريعان الصبا: فورة الشباب وسورته. يستفزها: يستخفها. تأرن: تَمرح وتنشط، المهر: ولد الحصان.
[22][51] مسلك: طريق، البلى: الهلاك والفناء. جسر: معبر.
[23][52] عداها: تَخطاها؛ أي إذا سلمت من الفراق عذبّها هجر المحبوبة.
[24][53] عز: العز الغلبة والمنعة والرفعة خلاف الذل. صفر: خالية.
[25][54] تجزى به: تعاقب عليه.
[26][55] ميثاء: لغةً: الرملة اللينة وهي بلدة ناحية الشام. شرف: مكان مرتفع عن الأرض. ظمياء: الظمى: قلة دم اللثة، ورجل أظمى، وامرأة ظمياء لسـواد الشفة وهو محمود ومستحسن عند العرب، الذعر: الخوف والفزع والاضطراب.
[27][56] تجفل: تسرع وتشرد. ترنو: تطيل النظر.
[28][57] تنكريني: تجهليني أو تتجاهلينى. البيد: الصحراء، والحضر: المدن والقرى.
[29][58] زلّت: زلّت القدم إذا انزلقت في الطين ونحوه، وهنا كناية عن وقوع الهزيمة بالجيش. استنزل النصر: وقع فى أمنية المحاربين حين تحل بِهم الهزيمة أو تقرب منهم.
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
Source URL: https://maarefhekmiya.org/16042/hekma/
Copyright ©2024 معهد المعارف الحكمية للدراسات الدينية والفلسفية unless otherwise noted.