نظام الكلمة في الديانات (1) اليهودية

نظام الكلمة في الديانات (1)  اليهودية

الكلمة من كلم، “والكلام ما كان مكتفيًا بنفسه، وهو الجملة والقول ما لم يكن مكتفيًا بنفسه، وهو الجزء من الجملة”[1]. وقد ورد هذا المصطلح في تعريف القرآن الكريم، فيقال: “كلام الله وكلم الله وكلماته وكلمته…”. وفي الحديث: “سبحان الله عدد كلماته؛ كلمات الله أي كلامه، وهو صفته، وصفاته لا تنحصر بالعدد، فذكر العدد ههنا مجاز بمعنى المبالغة بالكثرة”[2]، وهي قد وردت في وصف السيد المسيح: “سمى الله ابتداء أمره كلمة لأنه ألقى إليها الكلمة، ثم كون الكلمة بشرًا، ومعنى الكلمة الولد، والمعنى يبشرك بولد اسمه المسيح، وقال الجوهري: وعيسى عليه السلام، كلمة الله، لأنه لما انتفع في الدين كما انتفع بكلامه سمي به”[3]، ويضيف الزبيدي في تاج العروس، سمي كذلك لأنه تكون نتيجة قوله تعالى: “كن”[4].

ويشير الأصفهاني في كتابه مفردات ألفاظ القرآن الكريم إلى معانٍ متعددة لمفهوم الكلمة، فهي الميثاق الذي أخذ على البشر، وهي الأشياء التي امتحن الله إبراهيم بها، من ذبح ولده، والختان كما في قوله: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ﴾[5]، وقيل: التوحيد، وقيل: كتاب الله، وقيل: يعني به عيسى: “لاهتداء الناس به كاهتدائهم بكلام الله، وقيل: سمي به لما خصه الله تعالى في صغره”[6]، وقيل: سمي كلمة الله من حيث أنه صار نبيًّا… ويتابع الأصفهاني: “الكلمة هي القضية، كما في قوله تعالى: ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ﴾[7]، وقيل: الكلمة هي الشريعة والأحكام، وقيل: هي القرآن.

وهذا البحث سيحاول أن يعالج نظام الكلمة في الديانات التوحيدية الثلاث: الإسلام، والمسيحية، واليهودية، لإلقاء الضوء على فعاليتها في هذه المنظومات.

  • اليهودية

تحضر الكلمة الإلهية في الفكر اليهودي، وهي تأخذ الشكل الوحياني الموجه إلى شعب إسرائيل، حتى إنّ هذا الوحي لا يمكن عزله عن التجربة الدينية الخاصة بهذا الشعب، فهذا الشعب الذي تقدّس بقدسيّة وجوده على الأرض، أصبح مع الوقت يتحول إلى الكلمة الإلهية المتجسدة على الأرض، حتى إنه يمكننا القول: إن الكلمة الإلهية قد تجسدت فيه، فمن الادعاءات التأويلية التي يقول بها كتاب الزهار أو الإشراق عند اليهود: “إن الكمال كما الحركة يأتيان من تحت، لا من فوق، أي إن الحركة والكمال يتمثلان بشعب إسرائيل. فشعب إسرائيل هو المحرك، الذي بإزائه ونحوه، وبسببه تحرك الواحد، وكان في تحركه كماله”[8]؛ لذلك النص التوراتي ليس إلّا نصًّا تسجيليًّا لتاريخ هذا الشعب، وهو ليس الكلمة الإلهية المتجسدة، بل تاريخ يورد فيه الكتّاب اليهود المواثيق التي ربطت بينهم وبين الله بالإضافة إلى تاريخهم الخاص، وهذا ما تظهر معالمه في عدد من النصوص، التي تتحدث عن مواثيق جرت بين الشعب المختار وربه، فيهوه ظهر لإبرام وحده [9]ومعه: “قطع الرب ميثاقًا”[10]. وهذا العهد ليس محدودًا في مكان محدّد أو زمان محدد؛ إنما هو منفتح على المستقبل، ويقول يهوه: “وأقيم عهدي بيني وبينك وبين نسلك من بعدك، في أجيالهم عهدًا أبديًّا”[11]؛ لذلك فهو عندما كان يتجلّى للأنبياء منهم، كان يذكّرهم بدوره كإله خاص بهذا الشعب المميز، فبعد خروج بني إسرائيل من مصر، راح يهوه يعلن عن ارتباطه بالآباء المؤسسين إبراهيم وإسحاق ويعقوب، فحين ظهر لموسى: “قال: أنا إله أبيك، إله إبراهيم، وإله إسحاق، وإله يعقوب”[12]، وقال: “هكذا تقول لبني إسرائيل: يهوه إله آبائكم، إله إبراهيم، وإله إسحاق، وإله يعقوب، أرسلني إليكم”[13]، وقال مخاطبًا الشعب: “قد اختارك الرب لكي تكون له شعبًا خاصًّا فوق جميع الشعوب الذين على وجه الأرض”[14]، وعملت التوراة على إضفاء طابع القداسة على الشعب اليهودي، ويقول يهوه: “تكونون لي مملكة من كهنة، وأمة مقدّسة”[15]. “ولتعلموا أني أنا يهوه الذي يقدّسكم”[16]. ويقول لموسى: “إنك أنت شعب مقدّس ليهوه إلهك، إياك قد اختار يهوه إلهك، لتكون له شعبًا أخص من جميع الشعوب التي على وجه الأرض”[17].

من هنا نستطيع أن نقول: “الزمان، في نظر اليهودية، له بدء وستكون له نهاية. وفكرة الزمان الدائري قد انقضت. ولن يتجلى يهوه في الزمان الكوني، كما في حالة الآلهة في الديانات الأخر، بل في زمان تاريخي لا يقبل القلب. وكل تجلٍّ جديد لـ(يهوه) في التاريخ لن يقبل الانحلال إلى ظهور سابق. إن سقوط القدس ينم عن غضب يهوه على شعبه، ولكن ذاك الغضب ليس عين الغضب، الذي أظهره يهوه عند سقوط السامرة. إن حركاته هي أحوال تدخّل شخصي في التاريخ، وهي لا تكشف عن معناه العميق إلا أمام شعبه، الشعب الذي اختاره يهوه. وهنا يكسب الحادث التاريخي بُعدًا جديدًا. إنه يصبح تجلي الإلهة”[18]. وهذا التجلّي الإلهي لم يكن ناقصًا في اليهودية؛ بل هو يحمل معه كل تفصيل من التفاصيل الموجودة عند الله، وهي في حالة إعادة إنتاج على الأرض: “بالنسبة لبني إسرائيل، المظلة والآنية المقدسة والهيكل، كل ذلك كانت نماذجه عند يهوه منذ الأزل، وأن يهوه هو الذي أوحى بها إلى أنبيائه لكي يصنعوها على الأرض، طبقًا لنماذجها في السماء. فقد خاطب يهوه موسى بهذه الكلمات: فيضعون لي مقدّسًا لأسكن في وسطهم. بحسب جميع ما أنا أريك من مثال المسكن ومثال جميع آنيته هكذا تصنعون[19]. وانظر فاصنعها على مثال الذي ظهر لك في الجبل [20]… خلق الله أورشليم السماوية في نفس الوقت الذي خلق فيه الفردوس، أو الأزل. ولم تكن أورشليم إلا نسخة تقريبية من نموذجها الأعلى. قد يدنسها الإنسان لكن نموذجها لا يتطرق إليه فساد، بما هو غير منطو في الزمان”[21]. ويقول يهوه: “البناء الذي يوجد حاليًّا في وسطكم ليس هو الذي تجلّى فيَّ إنما هو الذي كان معدًّا منذ الزمن، الذي عزمت فيه على خلق الفردوس، والذي أطلعت آدم عليه قبل الخطيئة”[22].

وبالتالي بنية النص التوراتي لا تعبّر بالحقيقة عن الكلمة الإلهية، إنما هو سجل تاريخي، وعلى الرغم من الادّعاء الديني عند اليهود من أن: “للتوراة حضورًا في الكون … يسبق خلق الله السماوات والأرض. فكانت من جملة مخلوقات الله السبعة الأوائل: العرش الإلهي والفردوس السماوي وجهنم والحرم السماوي والمذبح في الحرم والصوت لينادي به. وحسب هذا المسعى تمت كتابة التوراة بنار سوداء على نار بيضاء وأودعت حضن الإله، فكانت تحضر مع الله، مشاورًا إياها في الخلق اللاحق، فعند عزمه على خلق العالم استشارها فكانت متحفظة في مشورتها، خاصة فيما يتعلق بالعالم الأرضي وبخلق آدم نظرًا لخوفها من إفساده في الأرض وعصيان خالقه، ولكن الطمأنة أتت للتوراة على لسان الله بأنه خالق التوبة والغفران والكفارة”[23]؛ إلا أن الوقائع تشير إلى واقع جديد، يؤكد أن هذا الكتاب الديني لم يكتب دفعة واحدة، إنما كتب على فترات طويلة، امتدت لمئات السنين، وهذا الأمر قد يكون كافيًا للمزج بين ما هو ديني في أصله وما هو ثقافي أو من عناصر غريبة عن الأصل؛ لذلك نلاحظ أنّ النص التوراتي يحتوي في طياته: “الذاكرة الشعبية. فنجد أناشيد الأكل، وأنشودة العمل، وأناشيد الزواج،كما يبدو ذلك في نشيد الأناشيد، ونجد كذلك مناحات الموت، والعزاء، وأناشيد الحروب. ولم تقف الرواية الشفهية عند هذا الحد، بل جرفت معها أيضًا الحكم والأمثال ممزوجة بالتعاليم النبوية” [24]، ويقول إسرائيل ولفنسون: “اندمجت في صحف العهد القديم كثير من الحكم والأمثال القديمة جدًّا، فقد كانت العقلية السامية منذ أقدم أزمنتها تميل إلى قول الحكم وإرسال الأمثال”[25]، ويقول جيمس فريزر: “مهما يكن من أمر، فإنّ في تاريخ الملوك العبرانيين نواحي يمكن تأويلها بأنها بقايا عصر كانوا هم أو أسلافهم فيه يلعبون دور إله ما، وعلى الأخص دور أدونيس، رب البلاد. فكان الملك العبراني يدّعي في أثناء حياته (آدوني هاميليخ)؛ أي (سيدي، أو ربي الملك)، وينوحون عليه بعد موته صارخين (هوى آحي! هوى آدون)؛ أي (وآخواه! وارباه!). ولا نشك في أن عبارات الأسى هذه على موت ملك من ملوك اليهودية، هي نفس العبارات نفسها التي كانت ترددها نساء أورشليم النائحات في مدخل الهيكل الشمالي على موت (تموز ).. ولكن سواء ادّعى الملوك العبرانيون بأنهم أدونيس أم لا، فإنهم ولا ريب أنزلوا من الناس منزلة لها صبغة إلهية، كممثلين (ليهوه) على الأرض، وكصورة له نوعًا ما. وذلك أن عرش الملك كان يسمى بعرش يهوه، ومشحه بالزيت المقدّس، كان يفسر بمنحه مباشرة جزءًا من الروح الإلهية، ولهذا كان الملك يلقب بالمسيح … وقد بقي الإسرائيليون يرون يد الله في تعبيرات أوجه الطبيعة”[26]. ولكن السؤال الذي قد يتبادر إلى ذهن الباحث، هل كل هذه الحكم والأمثلة والتواريخ صادرة عن ذاتية هذا الشعب؟

 عند الرد على هذا السؤال، لا بدّ من عرض تاريخي لكيفية كتابة التوراة ومحتوياته: “فالتوراة العبرية التي أقرّ نصها النهائي الحاخاميون عام 100م”[27]، احتوت في طياتها:

 أولًا: “الأسفار الخمسة وهي: التكوين، خروج، لاويين، عدد، وتثنية، هذه الأسفار، تتضمن إلى جانب أسطورة التكوين وميتوس الأصول العبراني، شرائع موسى، لذا سميت التوراة أي الشريعة، ونسبت إلى موسى بحيث تبدأ به وتنتهي بموت موسى قبل دخول كنعان. وقد بدئ بوضع نصوص التوراة بعد القرن 9ق.م؛ أي بعد موسى بعدة قرون، وربما كانت مصادر شفوية تناقلها الناس خلال تلك الحقبة الطويلة قبل تدوينها”[28].

 وتقسم مصادر هذه الأسفار إلى أربعة مصادر رئيسية: “1-المصدر اليهوي: وقد ألف في القرن 9ق.م. في مملكة يهوذا، وسمي كذلك لأنه يستعمل اسم العلم يهوه. 2-المصدر الإيلوهيمي: وقد ألف في القرن ق.م.8. في مملكة إسرائيل، وسمي كذلك لأنه يستعمل اسم العلم ألوهيم. 3- مصدر التثنية: وقد ألف وأعلن العثور عليه في زمن الملك يوشياهو ملك يهوذا عام 620ق.م. وكان أساسًا لإصلاحه الديني، وأضيف إلى المصادر السابقة بعد السبي. 4-المصدر الكهنوتي: وهو يرجع إلى زمن عزرا في القرن 5ق.م. وكانت النتيجة أخيرًا الأسفار الخمسة المنسوبة إلى موسى”[29]، وهذا الأمر المختص بتاريخ التوراة قد أوضحته اللجنة الحبرية التوراتية في 27/6/1906، والذي جاء فيه: “يمكن القول بأن موسى استعمل وثائق مخطوطة، وتقاليد شفوية سابقة، ونقل عنها ما يوافق الغاية التي استهدفها بإلهام الروح القدس، وأنه نقل تارة النصوص بحروفها، وتارة بمعناها، وأخرى بتلخيص وإسهاب. وأن الكتب الخمسة المذكورة قد تعدّلت مع مرور الزمن بحيث أضيفت مثلًا نصوص كاتب ملهم بعد وفاة موسى، وزيدت تفسيرات، وتحولت تعابير قديمة إلى تعابير مستحدثة. وأن هناك أخطاء اقترفها الناسخون”[30].

ثانيًا:كتب الأنبياء والتواريخ: أسفار يشوع والقضاة وصموئيل والملوك وأشعيا وأرميا وحزقيال والأنبياء الاثنى عشر ثبتت نحو القرن 2ق.م.

ثالثًا:كتب وأسفار المزامير والإقبال وأيوب ونشيد الأناشيد وراعوث والمرائي والجامعة وأستير وعزرا ونحميا وأخبار الأيام، اتخذت شكلها النهائي في القرن الأول ميلادي.

رابعًا: سفر دانيال فقد كتب بين 167- 164 ق.م. في عهد الملك أنطيوخس 4 أبيفانيس ملك سوريا، الذي حاول فرض الهللنستية على اليهود مما أدّى إلى ثورة المكابيين عام 168ق.م[31].

  تؤكد الدراسات الحديثة أن الكثير من المواد التي يزخر بها التوراة، تعود في جذورها إلى الشعوب التي عاشت في المنطقة نفسها، واليهود قاموا بجمع هذه المادة، ونسبوها لأنفسهم، وهذا الأمر أخذ بالتبلور عندما نشرت النيويورك تايمز: “بتاريخ 9أيار 1931، خبر انطوى على أهمية كبرى في تاريخ الأديان العامة، والدين اليهودي بصورة خاصة، فلقد ورد في الخبر المذكور أن من بين الآثار التي وجدت في كنعان، قطع من الخزف من بقايا العصر البرنز(3000ق.م) عليها اسم إله كنعاني يسمّى ياه أو ياهو”[32]، فهذا الخبر طرح مسألة غاية في الأهمية، وهي القرابة الفكرية بين الفكر اليهودي وفكر التوحيد عند الكنعانيين، فيهوه انطلق من البانثيون الإلهي الكنعاني، ولكنه قام باستيعاب شخصيتي الرب بعل وإيل: “تلك الهيمنة التي غدت، مع التحول الاجتماعي والاقتصادي، من مستلزمات وجوده الأولى. وإذا نظرنا إليه من هذا الموقف، ودققنا في بنيته ووظائفه التي أفصحت عن نفسها عبر عنصري القداسة والتجريد المذكورين آنفًا، فإننا نلاحظ أن الأمر قد أصبح محسومًا، بصورة قطعية، لصالحه، وضد بعل وإيل كليهما، وكذلك ضد كل الآلهة الأخرى. وجدير بالانتباه البالغ، أن الهيمنة المطلقة ليهوه في الحقل التوراتي، مثّلت قطيعة معلنة مع تصور التناقض والخصومة الإلهيين، الذي كان قد مثل السمة الرئيسية للتجمع الإلهي الكنعاني”[33].

كما أن الكثير من الموضوعات التي عالجتها التوراة أو تحدثت عنها لها جذورها في الفكر الكنعاني أو المشرقي القديم، ففكرة الطوفان وجدت في الأساطير البابلية والسومرية بشكل مفصل أكثر منها في التوراة نفسه، وتحدثنا إحدى هذه الأساطير: “أن الآلهة قد قررت الطوفان بناء على أوامر من أيا إله الحكمة. وقد قررت الآلهة إنقاذ أوتو-نبشتم وزوجه، وقد خاطبه الإله بصورة غير مباشرة عندما خاطب كوخ القصب الذي كان يسكنه:

يا كوخ القصب، يا كوخ القصب، يا جدار، يا دار

اسمع يا خوخ القصب وافهم يا حائط

يا رجل شروباك، يا ابن أوبار- توتو

قوض البيت وابن فلكا- سفينة

تخل عن مالك وانع بنفسك

واحمل في السفينة بذرة كل ذي حياة”[34]

وسرعان ما يستجيب أوتو- نبشتم لكلمات ربه، ويبدأ بصنع سفينة، وتعطي الأسطورة فيما بعد تفاصيل تفوق تلك الموجودة في التوراة …

وهذه الاستشهادات قد تطول، لأن معظم الحوادث المذكورة في التوراة لها مثيل في التراث البابلي أو السومري، ويقول الباحث أنيس فريحة: إن اليهود سطوا على ملاحم التكوين، والخلق، والطوفان[35].

على أي حال يرتبط مفهوم الله عن التوحيد ارتباطًا وثيقًا بالنظرة اليهودية للتاريخ، هذا التاريخ الذي تميز منذ بدايته بأنه تاريخ الحروب والمصائب: “وفسر الأنبياء هذه الرزايا، في النتائج، كأنها متساوية للكفر بالله ولعدم الانصياع لشريعته، وعدم جعل عبادته محور الحياة. فآلام اليهود كانت ناجمة في المقام الأول عن الخطايا التي اقترفوها من حيث إنهم شعب، ومن ثم عن الآثام التي اقترفوها من حيث إنهم  أفراد خاصون. فقد كان الألم ضروريًّا لهم، لكي يتحققوا من أنهم يحملون أعباء رسالة شاملة”[36]. من هنا ينظر اليهود إلى شتاتهم كرسالة دينية كبرى من أجل خدمة الإنسانية: “فتفرق اليهود وتشريدهم لم يكن بإذن من الله فحسب، ولكن الله هو الذي قرره، لكي يتيح لهم أن يؤدوا رسالتهم كشعب مختار”[37]. من هنا كان لهم تأثيرٌ كبيرٌ في المسيحية واليهودية، وفي كل نظام دولي، وصولًا إلى المرحلة التي يرتئي فيها الله ظهور اليهودية الصافية المجسدة للإرادة الإلهية، من هنا عمل الله على صيانة العرق اليهودي لما لها من دور كبير في ارتقاء البشر؛ وعلى هذا الأساس: “اليهود يرون في المسيحية بصورة خاصة، مرحلة من إعداد العالم من أجل يهودية متطهرة، متطورة، ومعممة”[38].  

[1]  ابن منظور، لسان العرب، مادة كلم.

[2]  المصدر نفسه، نفس المعطيات.

[3]  المصدر نفسه، نفس المعطيات.

[4]  الزبيدي، تاج العروس، مادة كلم.

[5]  سورة البقرة، الآية 124.

[6]  راغب الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، تحقيق: نديم المرعشي، بيروت، دار الفكر، د.ط، د.ت، مادة كلم.

[7]  سورة الأنعام، الآية 115.

[8] Le Zohar: Le Livre De La Splendeur, Extraits Choisis Et Presentes Par Gershom Scholem, Ed. Du Seuil. Paris 1980, P32-33.

[9] التكوين:  1:12.

[10] التكوين: 15: 18.

[11] التكوين: 18: 2.

[12] الخروج: 3:6.

[13] الخروج: 3:15.

[14] التثنية: 14:1.

[15] الخروج: 19: 6.

[16] الخروج: 31:13.

[17] التثنية:  7: 6.

[18] مرسيا ألياد، المقدس والعادي، ترجمة: عادل العوا، بودابست، دار صحاري، الطبعة1، عام1994م، الصفحة 94.

[19] الخروج: 25: 8_9.

[20] الخروج: 25: 40.

[21] مرسيا ألياد، رمزية الطقس والأسطورة، ترجمة: نهاد خياطة، دمشق، دار العربي، الطبعة1، عام 1987م، الصفحتان 58و 59.

[22] يقول إلياد: إن هذا الكلام مأخوذ من سفر باروك، وعلى الرغم من اعتراف الكنيسة الكاثوليكية بهذا السفر إلا أن ما أورده من أرقام لا وجود لها في السفر المعترف به من قبل الكنيسة الكاثوليكية، مع العلم أن ما أورده ألياد من أرقام هو ( 2،4: 3- 7 ).

[23] عز الدين عناية، جمع التوراة وتدوينها، ” مجلة الفكر المعاصر، الصفحة31.

[24] Jacob, E:’Ras Shamra Et L Ancien Testament, Edition Delachaux Et Niestle, P19.

[25] عز الدين عناية، جمع التوراة وتدوينها، مصدر سابق، الصفحة 31.

[26] جيمس فريزر، أدونيس أو تموز، ترجمة: جبرا إبراهيم جبرا، بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، الطبعة1، 1987م، الصفحتان 29و 30.

[27] وديع بشور، الميثولوجيا السورية، بيروت، مؤسسة فكر للأبحاث والنشر، الطبعة 1، 1981م، الصفحة 339.

[28] المصدر نفسه، الصفحة 339.

[29] المصدر نفسه، الصفحة340.

[30] المصدر نفسه، الصفحة 341.

[31] لمزيد من التفاصيل حول هذا الموضوع انظر: الدكتور وديع بشور، الميثولوجيا السورية، مصدر سابق، الصفحات 340-343.

[32] طيب تيزيني، من يهوه إلى الله، دمشق، دار دمشق، الطبعة 1، 1985-1986م، الجزء1، الصفحة 311.

[33] المصدر نفسه، الصفحة 318.

[34] طه باقر، ملحمة جلجلمش، بغداد، الطبعة الشعبية، د.ت، د.ط، الصفحة 90.

[35] أنظر أنيس فريحة، ملاحم وأساطير من أوغاريت، بيروت، الجامعة الأمريكية بيروت ، ط1966.

[36] ألبان. ج. ويدجيري، المذاهب الكبرى في التاريخ، ترجمة: ذوقان قرقوط، دار القلم، الطبعة1، 1972م، الصفحة127.

[37] المصدر نفسه، الصفحة 129.

[38] المصدر نفسه، الصفحة 130.

الدكتور أحمد ماجد

الدكتور أحمد ماجد

من مواليد خربة سلم، قضاء بنت جبيل. حاز الإجازة في الفلسفة من الجامعة اللبنانيّة 1991. كما حاز ديبلوم الدراسات العليا في الفلسفة عام 1997 عن أطروحة تحت عنوان "المصطلح الفلسفيّ عند صدر الدين الشيرازي"، تألّفت اللجنة المشاركة في النقاش من الدكتور رفيق العجم والدكتور علي زيعور والدكتور عادل فاخوري. حاز أيضًا الدكتوراه في الجامعة الإسلاميّة في لبنان عن رسالة تحت عنوان "مكانة الإنسان في النصّ والتراث الإسلاميّين في القرون الثلاث الأولى للهجرة"، تألّفت لجنة المناقشة من كلّ من الدكاترة: الدكتور علي الشامي، الدكتور هادي فضل الله، الدكتورة سعاد الحكيم، الدكتور ابراهيم بيضون، الدكتور وليد خوري. عمل في مجال التعليم في عدد من الثانويّات منذ 20 عامًا. عمل في الصحافة، وكتب في عدد من الوكالات والمجلّات اللبنانيّة والعربية الفلسفية المحكمة. باحث في قسم الدراسات في معهد المعارف الحكمية. أستاذ مادة منهجية البحث العلمي في معهد المعارف الحكمية. عمل مدير تحرير لعدد من المجلّات، منها مجلّة المحجّة. كتب في تاريخ الأديان من كتبه: المعجم المفهرس لألفاظ الصحيفة السجّاديّة بالاشتراك مع الشيخ سمير خير الدين. تحقيق الصحيفة السجّاديّة. الخطاب عند سماحة السيّد حسن نصر الله. تحقيق كتاب الأصول الثلاثة لصدر الدين الشيرازي. الحاكمية .. دراسة في المفهوم. العلوم العقلية في الإسلام. - بالإضافة إلى عدد كبير من الأبحاث والدراسات. العلمانية شارك في عدد من الكتب منها: الكتاب التكريمي بالدكتور حسن حنفي، نشر في القاهرة من قبل جامعة الزقازيق الكتاب التكريمي بالدكتور عبد الرحمن بدوي مؤتمر الديمقراطية دراسة علوم الإنسان في جبيل برعاية الأونسكو النتائج السياسية للحرب العالمية الأولى/ التشكلات اليسارية/ مجلة البيان المصرية شارك في العديد من المؤتمرات والندوات المحلية والدولية.



المقالات المرتبطة

الفلسفة السياسية لولاية الفقيه -3 –

اكتسبت فكرة ولاية الفقيه العامة المطلقة أهمية كبرى بعد أن تمّ تطبيقها على أرض الواقع وصبغت بصبغة دستورية[1]، وأصبحت الأساس الذي يقوم عليه نظام الحكم في إيران

تاريخ علم الكلام | الدرس الخامس | كلام غير الإماميّة في حقبة التنظير: نشأة المعتزلة وتاريخها

مسألة الإمامة وقيادة المجتمع الإسلامي، مسألة الإيمان والكفر، مسألة القضاء والقدر وعلاقتها باختيار الإنسان، ومسـألة الصفات الإلهيّة.

الفكر العربي الحديث والمعاصر | زكي نجيب محمود والفلسفة الوضعية (1)

العقدان الأخيران من حياة زكي نجيب محمود تُوِّجت بتعديل طال بنية الفكر الوضعيّ لديه دون التخلي عنه، حيث تنبه إلى ضرورة العودة إلى التراث الإسلاميّ والعمل عليه من أجل إنتاج فلسفة تنطلق من خاصية إسلامية وترتكز على أسس علمية،

لا يوجد تعليقات

أكتب تعليقًا
لا يوجد تعليقات! تستطيع أن تكون الأوّل في التعليق على هذا المقال!

أكتب تعليقًا

<