أهميّة الجّهاد والشّهادة في الإسلام

أهميّة الجّهاد والشّهادة في الإسلام

“يشهدُ اللهُ أنّني كلّما وقعَ بصري على هؤلاءِ الشّباب الملتحقين بجبهات القتال بكلّ شوقٍ وحيّوية استحييتُ من نفسي.. مَن نحن.. وما نحن.. فقد أمضينا بضعة وثمانين عامًا -والكلام ُعن نفسي- ولم نقدّم ما قدّمه هؤلاءِ في هذه الأيّام القليلة...” الإمام الخميني (قده).

إنّ الإسلام دين الله للبشريّة وهو خطة إلهية محكمة تهدف إلى تغيير العالم وتبديل الأرض وإيصال الناس إلى سعادتهم المطلقة، وربطهم بأصل الكمال المطلق على يدي خليفته ﴿إِنّي جَاعلٌ فيْ الأرضِ خليفةً﴾1، المنفوخ فيه من روحه ﴿فإِذا سَوّيتهُ ونفختُ فيهِ منْ رُوحي فقَعوا لهُ سَاجدين﴾2.

 فما كان من الشيطان إلا أنْ امتنع وتمرّد واستكبر لتبدأ مسيرة عدائه ومكيدته لخليفة الله.

فبعدَ النّهي الإلهيّ عن التصرّف في الشجرة الممنوعة، تحرّك الشيطان واستطاع بواسطة الوسوسة أن يصنع الأرضية والأجواء التي أدّت إلى هبوط آدم وحواء من منزلتهما التي كانا فيها، وعندها جاءهما الخطاب والآن حيث وقعتما في زللِ الشيطان فلستما أهلًا للبقاء في الجنة، فاهبطوا إلى الأرض، وانتقلوا من دار الأمن والجنة الخالية من الألم والضنك إلى دار التّعب والنّصب ومحل العداوات والنزاعات إلى حين من الزمن.

إنّ كلّ من يتجاوز حدّه، ويصل إلى الحريم القانوني للآخرين فهو يعتبر عدوًّا، ومثل هذا التجاوز هو السّجية المتأصّلة في إبليس في مقابل الإنسان. وكل ما يظهر لدى بني آدم من تجاوز وعداء فهو نتيجة لإغواء الشيطان.

والسّالك نحو الكمال يعلم أنّ طريق الكمال محفوف بالأخطار والأعداء، ولذلك فإنّ القرآن عندما ينبّه إجمالًا على جميع مراحل ومنازل السّقوط والصّعود، فإنّه يخبر الإنسان بعباراتٍ مختلفة عن عداوة الشيطان له.

 لأنّه منذ أنْ زجره الله صار عدوًّا لخليفته، وصار همُّه أنْ يخالف ربّه ويمنع تحقيق وعده بإصلاح الأرض وإرجاعها إليه، واستجاب لدعوته أئمة الكفر من الطواغيت والمستكبرين أولئك الذين لا زال يعدُهم ويمّنيهم ليزيل الأرض التي يتحقق فيها وعد الله حتى لا يأتي عليه يوم الوقت المعلوم، وهم على مرّ الزّمن ينفذون إرادته.

ولأنّ القضاء على المفسدين هو مقدّمة تحقق الوعد الإلهي وتبدّل السّموات والأرض، فقد أُذن للذين يقاتلون بأنّهم ظُلموا وصار الجهاد عنوان الخطة الإلهية ووجهة بنودها وبرامجها؛ لأنّ المجتمع المسلم إذا تحرّك نحو تطهير الأرض من رجس الشيطان لن تبقى فيها فتنة يسقط فيها الضّعيف وحينها ستشرق الأرض بنور ربّها.

إنّ الإسلام هو دين الله الأوحد ﴿إنَّ الدّينَ عندَ اللهِ الإسْلام﴾3، ولا يقبل الله دينًا غيره ﴿وَمَنْ يبتغِ غيرَ الإسْلامِ ديناً فلنْ يُقبلَ منهُ﴾4. وعلى هذا فإن رسالات الأنبياء جميعًا كانت رسالة الإسلام.

الإسلام ظاهرة إلهيّة يضمن تطبيقها السعادة في الدنيا والآخرة على أحسن وجه، والإسلام له قدرة الشطب بقلمٍ أحمر على كلّ محاولات الظلم والنهب والفساد والعدوان، وقدرة إيصال الناس إلى الكمال الذي ينشدونه. إنّه مدرسةٌ تختلف عن المدارس غير التوحيدية في تدخله في جميع الشّؤون الفردية والاجتماعية، المادية والمعنوية، والثقافية والسياسية والعسكرية والاقتصادية. 

ولا تغرب عنه أدنى مسألة ترتبط بتربية الإنسان والمجتمع، وبالتقدم المادي والمعنوي. لقد بيّن ما يقف في طريق تكامل الفرد والمجتمع من عقبات ومشاكل وسعى إلى إزالتها.

علّه يمكن القول: إنّ هدف جميع المشقّات التي تحملّها النبيُّ الأكرم (ص) وأعاظم الدين وأنبياء الله عليهم الصلاة والسلام هو استقرار الولاية الإلهية وإنْ كان تعالى هو مولى نظام الوجود، لكن مولويته الخاصّة إنّما هي لعباده الصالحين، وأولئك الذين لم يكسبوا سوى الفساد إنما هم تحت ولاية النار ﴿مأواكمُ النّارُ هيَ مولاْكم وبئسَ المَصير﴾5.

وقد ورد عن  الإمام الباقر (ع) في رسالته إلى بعض خلفاء بني أمية في مقام بيان هدف الجهاد في سبيل الله ومجموع المساعي من أجل الدين: “.. ومن ذلك ما ضيّع الجهاد الذي فضّله الله عز وجل على الأعمال…اشترط عليهم فيه حفظ الحدود، وأول ذلك الدعاء إلى طاعة الله عز وجل من طاعة العباد، وإلى عبادة الله من عبادة العباد، وإلى ولاية الله من ولاية العباد”6.

فمسألة تزكية نفوس أبناء المجتمع الإسلاميّ وتعليمهم الكتاب والحكمة تقع على لائحة برنامج الوحي الإلهي، ولذلك تناول الله عز وجل الهدف من القتال قبل التّطرق إلى موضوع القتال نفسه ﴿وقاتِلوا فيْ سبيِلِ الله الذينَ يُقاتلونَكم﴾7.

إذًا، فهدف القتال هو إقامة أسس الدّين وإعلاء كلمة التّوحيد، فقبل أن يبيّن الله تعالى للمسلمين خصمهم الذي تجب مقاتلته أوضح لهم السّبب والهدف من ذات القتال وهو الذّود عن دين الله وإحياء كلمته وإبطال الباطل.

“في سبيل الله” هو الهدف من القتال لأنّ الهدف وحده هو الذي يُحدّد قيمة القتال وليس المقاتل، ولن يتخلف الله تعالى بالتأكيد عن نصرة المجاهدين في سبيله؛ لأنّه هو الذي وعدهم بالنصر والعون، ومن الطبيعي أن يختتم ذلك بالوعد بالنصر المؤزر: ﴿كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ 8، ﴿وَإِنَّ جُندَنَا هُمُ الْغَالِبُونَ﴾9.

 ولذلك فعندما سُئل الإمام السّجاد (ع) عمّن انتصر في الطّف أجاب قائلًا: “إِذا أَرَدْت أَنْ تَعْلَم مَن غَلَبَ وَدَخَلَ وَقتُ الصَّلاةِ، فَأَذْن ثُمَّ أقم!”10.

لا شكّ في أنّ أحكام الدين سيّما ما يتعلق منها بالجهاد في سبيل الله هي أحكام حياتية ومجدِّدة للرّوح الإنسانية، وهي أحكام منسجمة مع الفطرة وموافقة لها، فضلًا عن أنها مبادئ لا تقبل التغيير والتبديل، وقد دعا أنبياء الله وبمعونة الوحي الإلهي البشرية جمعاء إلى الحياة الإنسانيةّ المتجليّة في التّوحيد والمعارف الإلهيّة.

وديدنُ أعداء الدين صدّ المؤمنين عن سبيل الله ومنعهم من السير فيه، ومن المعروف أنّ تحقق الوعد الإلهي وفقًا للسُّنة الإلهيّة لا يكون إلّا بهمّة الناس أنفسهم، وهذا معنى قول أبي عبد الله (ع): “أبى الله أن يجري الأشياء إلّا بأسباب”11. فلا سبيل لنصرة الدين إلّا بالجهاد وذلك في مختلف الميادين.

“ذلك أنّ الجهاد أعمّ من القتال، القتال يعني الحرب العسكرية، أمّا الجهاد فهو مجموعة من أنواع النضال  والمواجهة فتشمل: الحرب العسكرية، والحرب الفكرية، والحرب الروحية، والحرب الاجتماعية، وهي بمجموعها تسمى جهادًا؛ فالجهاد يشملها جميعًا. إنّ أهل الجهاد في سبيل الله يرون أنّ إحدى خصائص الجهاد ومعناه هو أنْ يكون هناك عدوّ في قبال الإنسان، فلا يقال لكل سعي وجهد جهاد؛ فمن الممكن أنْ يقوم الإنسان بنشاط علمي، لكنه لا يكون جهادًا مع ذلك.

إنّ تلك الحركة التي يقوم بها الإنسان في مواجهة خصم من الخصوم، وضد عدوّ من الأعداء، والتي تشتمل على هذه الخصوصية وهذه الرّوحية، هي حركة مباركة لجميع المجتمعات؛ لأن المجتمعات البشرية لا تخلو من الأعداء قلّوا أم كثروا”12.

بلى إنّ الله تعالى قادر على اجتثاث أصول الكفر والاستكبار، لكنّ إرادته اقتضت ابتلاء الناس واختبار إيمانهم.

﴿ولوْ يشَاءُ اللهُ لانتَصرَ منهُم ولكنْ ليبْلو بعضَكم ببعضٍ﴾13. فالله عز وجل يريد أن يكون فناء أعدائه وهلاكهم ونصرة دينه على يد عباد الله المخلصين، إنّ هندسة الوجود قد صممت ونظمت على أساس الرحمة. ﴿كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾14.

والرحمة من أوصاف الله المطلقة ولا يتحقق شيء في مقابلها، وأما الرّحمة التي لها مقابل فهي الرحمة الخاصة والتي يقابلها غضب خاص، وهو كما الرحمة الخاصّة كلاهما تحت إشراف الرّحمة العامة. وبناءً على هذا، إذا ظهر غضب الله في بعض الأحيان بصورة حربٍ مقابل الطغاة والمستكبرين فالنتيجة التحليلية لذلك، هو أنه حيث قامت بعض الجماعات بالسعي لتخريب بناء الرحمة الإلهي فقد دافع ذلك البناء عن نفسه منطلقًا من صلابته ليحبط هجوم قادة الظلم ﴿واللهُ متمّ نورهِ ولوْ كرِه َالكافِرون﴾ 15.

ولذا فقد نسب الله تعالى دفاع المجاهدين إلى نفسه جاعلًا له بمثابة تعذيبٍ إلهي حيث قال: ﴿قاتِلوهمْ يعَذّبهُم اللهُ بأيدِيكمْ ويخْزهِم و ينصُرَكم عليهِم﴾16.

يقول تعالى بشأن الدفاع المقدس والقتال عند هجوم الأعداء: ﴿يا أيَّها الّذينَ آمنوا استجِيبوا للهِ وللرسولِ إذا دَعاكُم لمَا يُحییکم﴾17.

 هذه الآية نزلت في سياق آيات القتال والدفاع، وهي سند ناطق لدفع توهم الذين كانوا يرون أنَّ الموت في سبيل الله فناء، ويتصورون أنَّ الجهاد والدفاع هلاك، وخلاصة مضمونها هو أنّ محاربة المعتدين، والثورة على القهر والإقدام في ساحة الحرب مع الباطل هي مظهر الجلال الإلهي، ولكن يرافقها الصلح مع الحق والتسليم أمام القسط والعدل وتأمين حياته والآخرين، وهي كلّها من مظاهر جمال الله.

ويجب الالتفات إلى أنّ روح الجهاد وحتى إن كان الجهاد ابتدائيًّا ترجع في الحقيقة إلى الدفاع، لأنّ جوهره هو اجتثاث جرثومة الاستكبار والاستعمار والاستثمار والاستعباد، فمرجع الدفاع إلى دفع أشواك الطريق ورفع المزاحم عن الصّراط المستقيم مما يمنع وصول علوم الوحي إلى المجتمع التوّاق إلى التّوحيد والعدالة.

وقد ورد عن رسول الله (ص) “كل حسنات بني آدم تحصيها الملائكة إلا حسنات المجاهدين فإنّهم يعجزون عن علم ثوابها”18.

فصلاح الدنيا والآخرة قائمٌ بالجهاد، فعن أمير المؤمنين (ع) قال: “إن الله عز وجل فرض الجهاد وعظّمه، وجعله نصره وناصره، والله ما صلحت دنيا ولا دين إلا به”19.

“ومن تركه رغبة عنه ألبسه الله ثوب الذّل وشمله البلاء”20.

وفي واقعة كربلاء أكمل  مدارس الجهاد والشهادة صدح إِمام العزّة والكرامة بقوله: “هيهات منا الذّلة يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون وحُجور طابت وحجور طهرت، وأُنوف حمية، ونفوس أبية، من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام، ألا وإنّي زاحف بهذه الأسرة على قلّة العدد وخذلان الناصر”21.

وعندما قال: “إن مثلي لا يبايع مثل يزيد”. أعطى للبشرية إلى آخر الزمان درسًا ووصيةً جهاديةً عظيمةً مفادها أنّ هذه المسائل الجهادية ليست قضايا شخصية، بل أصلٌ عامّ مستمر.

يقول الإمام الصادق (ع): “ليعدّ أحدكم لخروج القائم ولو سهمًا فإنّ الله إذا علم ذلك في نيته رجوتُ لأن ْينسِئ في عمره حتى يدركه ويكون من أعوانه وأنصاره”22.

وهذا مما يدل على أنّ المؤمن الملتزم المسلح والمقاتل منتظر لإمام الزمان (عج)، وأمّا الشخص الذي لا علاقة له بالقتال والجهاد العمليّ والعلميّ فلا رابطة له مع إمامه، فهو قد ارتبط بغيبة إمامه لا بقيامه.

في ساحة المواجهة، خطة المجاهدين الرسمية أحد طريقين ولا يوجد طريقٌ ثالثٌ أبدًا، وذانك الطريقان أحدُهما النصر، والآخر هو الشهادة والتّنزه والخلوص من نشأة الطبيعة، ولا يوجد هناك طريق ثالث في استسلام أو خضوع أو رغبة أسر على الإطلاق.

أولئك الذين باعوا الله أنفسهم وأموالهم فقاتلوا وقتلوا كانوا مصداقًا جليًّا لاستجابة الدعاء “وقتلًا في سبيلكَ فوفّق لنا”23. فأيّ سرّ يحتويه ذاك القتل الذي تميّز بتخضيب الجبين حتى يدعوَ أميرُ المؤمنين (ع) قائلًا: “نسأل الله منازل الشهداء”24.

“في رواية )فوق كل ذي برّ بر حتى يُقتل المرء في سبيل الله فليس فوقه بر)؛ يعني أنّ فوق كلّ حسنة تفترِضونها يوجد حسنة أعلى منها، أما عندما يستشهد الإنسان في سبيل الله فليس هناك عمل أفضل منه، ليست الشهادة في سبيل الله شيئًا سهلًا لهذه الدرجة، ولا هي مما يُعطى للجميع. لقد كان الكثيرون من الناس عاشقون للشهادة ولكنهم لم يحصلوا عليها؟ الشهادة ثمينة. فلا تتوهموا أنّ كلّ من يذهب للقتال تُقدّم له الشهادة على طبق من فضة وبسهولة وسرعة،كلّا فيجب عليه إصلاح نفسه من الناحية الأخلاقية والعملية، بالصلاة مع توجّه، بالدّعاء، بالصّدق، بالأمانة وباجتناب المحرّمات يجب عليكم إصلاح أنفسكم حتى يرضى عنكم شهداؤنا الأعزّاء، والأهمّ من كلّ ذلك إمامنا العظيم، الذي كان محرّك قافلة الشهادة، وإذا رضي فيرضى إن شاء الله صاحب العصر والزمان أرواحنا فداه الذي رضاه هو رضا الله”25.

“إنّ مصطلح الشهيد هو إبداع إسلامي يرجع إلى ما تتضمنه كلمة الشهادة من معنى يرتبط بحقائق وجودية تقع في مركز الرؤية الكونية الإسلامية، وهي قضية شهود الحق المتعال وإمكانية ذلك بالنسبة للإنسان”26.

الشهيد يعني الإنسان، الذي يقتل في سبيل الأهداف المعنوية ويضحي بنفسه ــ التي هي الجوهر الأصلي لكل إنسان ــ لأجل الهدف والمقصد الإلهي، وهو الذي خرق الحجب واقتلع الموانع التي تحول بينه وبين مشاهدة الحقيقة المطلقة المحيطة بكل شيء، والحاضرة بقوة في كلّ شيء ومع كلّ شيء وقبل كلّ شيء؛ الحقيقة التي يُفترض أن يشاهدها كلّ إنسان، لولا ذلك الإقبال والانشغال بهذه الدنيا الفانية المحدودة.

ورد عن الإمام الصادق (ع) قوله: “بإنفاق المُهج يصلُ العبد إلى برّ حبيبه وقربه”27.

الحياة الفضلى التي وصل إليها الشهيد بشهادته في سبيل الله وإعلاء كلمته تشمل الدنيا وتشمل البرزخ أيضًا، فهو حيّ منشأ للأثر، الذي لا يعم بنوره وبركاته من تركهم في الدنيا من أحبته وقرابته وأهل الدنيا فقط، بل يتسع ليشمل الماضين وأهل البرزخ بالنور والروح والريحان، فيمتدّ شعاع البركة، الذي يتمتع به الشهيد ليعمّ جميع من دفن معه في تلك المقبرة إلى مدة مديدة، كما جاء في زيارة شهداء كربلاء: “طبتم وطابت الأرض التي فيها دفنتم”.

عاشوراء ملحمة ومدرسة الدّم والموت والقتل؛ لكنّها ملحمة ومدرسة الحياة أيضًا. فحين يوضع الإنسان أمام خيارين: إما حياة الذلّ، أو الموت بعزّ، فإنّه يختار الحياة الحقيقية التي هي الموت بعزّ، لأنّ الحياة بذلٍّ ليست حياةً أصلًا. ولذلك قال الإمام علي(ع): “فَالْمَوْتُ فِي حَيَاتِكُمْ مَقْهُورِينَ‏ وَالْحَيَاةُ فِي مَوْتِكُمْ‏ قَاهِرِين”28.

سيبقى ذكر الإمام الحسين (ع) خالدًا على مرّ الأيام، ومن يذرف الدّموع على الشهداء ومن يتمنى الشهادة في سبيل الله تتأجج في نفسه روح المقاومة وإباء الضّيم، فلئن كان البعض في معرض أن يظلم أو يرضى بالظلم فلأنه لا يمتلك الطبع الحسيني، ذلك أنّ الإنسان الحسيني لا يظلم أحدًا ولا يركن لظلم أحد.

ولئن كان الأنبياء والأئمة الهداة (ع) هم الدعاة إلى الحق والناهضين في الدعوة إليه في المجتمع الإنساني فـ”لا يقاس بآل محمد من هذه الأمة أحد ولا يسوى بهم”29. ثم يأتي بعد هذه النفوس النورانية نوّابهم بالحقّ وخلفاؤهم السائرين في طريقهم  ومن تتجلى في سيرتهم سيرة أهل البيت. إن روح الله السيد الموسوي الخميني هو في الطليعة من نواب الأئمة المعصومين وتتألق نيابته في نهضته الإسلامية؛ لأنها قبسٌ من ثورة الإمام الحسين (ع)، بدا الإمام الخميني وكأنه قادمٌ من أعماق التاريخ، تاريخ الرسالات الإلهية وكان بشارة هذا العصر.

ولأنّ العزّة هي شعار النفوس النورانية، وهي بطبيعتها تواجه الظلم والعدوان، لذا كانت “من إحدى أعظم الهبات التي قدمتها الثورة والإمام (قده) لهذه الأمة وللإسلام هي إحياء هذا الباعث على التضحية في سبيل الله، فاليوم يوجد كثير من النفوس الطيبة المستعدة لبذل الجهد وتحمّل المتاعب والآلام، وحتى بذل الروح لأجل الله”29، حتى صار الجهادُ والشهادة فكر وثقافة أمّة تعلّمت من ربيبة الولاية العلويّة فن العطاء والبذل، والقبول والرضا، فإن كان دعاء العابد هو يا إلهي هبني كذا وكذا…

والسيدة زينب (ع) هي العالمة غير المعلّمة، أعطتنا درسًا معرفيًّا عظيمًا عندما قالت: “ربنّا تقبّل منّا هذا القربان”، وهو أن نطلب من الله أن يتقبل منّا ما نعطي، لا أن نطلب من الله فقط أن يعطينا، وحتى أنّها في سبيل الله وفي طريق الحق لم ترَ إلا جميلًا.

اللهمّ اجعلنا ممن تنتصرُ بهم لدينك ولا تستبدل بنا غيرنا، إلهي اجعلنا قرابين إحياء دينك وصيّرنا أحرارًا، واجعل قلوبنا مسرحًا لحبّك وذكرك، ومحلًّا لنظر مولانا صاحب الزمان أرواحنا له الفداء لنكون من أشياعه وأتباعه والمستشهدين بين يديه فنفوز بذلك فوزًا عظيمًا.

الهوامش:

  1. سورة البقرة، الآية 30.
  2. سورة ص، الآية 72.
  3. سورة آل عمران، الآية 19.
  4. سورة آل عمران، الآية 85.
  5. سورة الحديد، الآية 15.
  6. الريشهري، ميزان الحكمة عن وسائل الشيعة، الجزء4، الصفحة 3006.
  7. سورة البقرة، الآية 190.
  8. سورة المجادلة، الآية 21.
  9. سورة الصافات، الآية 173.
  10. الشيخ الطوسي، الآمالي، الصفحة677.
  11. المحدث المازندراني، شرح أصول الكافي، الجزء5، الصفحة 139.

12.الإمام الخامنئي، الحياة بأسلوب جهادي، خطاب مع الحرس الثوري 1994، الصفحة 32.

13 . سورة محمد، الآية 4.

  1. سورة الأنعام، الآية 54.
  2. سورة الصف، الآية 8.
  3. سورة التوبة، الآية 14.
  4. سورة الأنفال، الآية 24.
  5. الميرزا النوري، مستدرك الوسائل، الجزء11، الصفحة 13.
  6. الشيخ الكليني، الكافي، الجزء5، الصفحة 8.
  7. نهج البلاغة، الخطبة27.
  8. السيد ابن طاووس، اللهوف في قتلى الطفوف، الصفحة 59.
  9. العلّامة المجلسي، البحار عن غيبة النعماني، الجزء 52، الصفحة 366.
  10. الشيخ عباس القمي، مفاتيح الجنان، دعاء الافتتاح.
  11. نهج البلاغة، الخطبة 23.
  12. الإمام الخامنئي، كتاب عطر الشهادة، إصدار مركز باء للدراسات والنشر.
  13. من مقال للسيد عباس نور الدين هل نكرّم الشهداء حقًا؟ مركز باء للدراسات، موقع إلكتروني.
  14. المحدث النوري، مستدرك الوسائل، الجزء 11، الصفحة 14.
  15. نهج البلاغة ،الخطبة2.
  16. نهج البلاغة، الخطبة51.
  17. الإمام الخامنئي، الشهيد والشهادة، مركز الإمام الخميني الثقافي، الصفحة 15.

المراجع

  • الشيخ جوادي آملي، تفسير التسنيم، الأجزاء 7و 9و11.
  • الشيخ جوادي آملي، الحماسة والعرفان.
  • الشيخ جوادي آملي، الإمام الخميني ثورة العشق الإلهي.
  • السيد عباس نور الدين، خطة الإسلام، الجزء1.
  • خطابات الإمام السيد علي الخامنئي، الشهيد والشهادة.
  • السيد عباس نور الدين، الحسين القائد.



المقالات المرتبطة

درب النصر … الجهاد والشهادة في الإسلام

أتى لفظ (الجهاد) في القرآن الكريم على عدة معان، وهي متناسقة، وليس بينها تعارض، حيث يوجد جهاد حربي، وجهاد سلمي، وجهاد حواري، وجهاد للنفس

غزة والجهاد

إن الحديث حول الجهاد في الإسلام، من الأبحاث الإسلامية العميقة والحميمة، والتي لاقت اهتمامًا واسعًا عند مختلف الجهات الإسلامية وغير الإسلامية المهتمة بقضايا الإسلام والعالم الإسلامي.

“ظاهرة الجهاد والشهادة المجتمعية”

الجهاد والشهادة مفهومان حددهما الإسلام بمعانٍ دينية جديدة، وقيم إسلامية، وأرفدا المجتمع الإسلامي بثقافة أسست الركائز الأساسية للإصلاح والنهضة، هذا ما عبّر عنه الإمام الخميني منذ أكثر من ثلاث عقود

لا يوجد تعليقات

أكتب تعليقًا
لا يوجد تعليقات! تستطيع أن تكون الأوّل في التعليق على هذا المقال!

أكتب تعليقًا

<