الجهاد وصلته بالشهادة
مقدمة
بداية، لا بدّ من تعريف الجهاد. فالجهاد لغة يعنى بذل ما في الوسع والطاقة من قول أو فعل، أما الجهاد شرعًا فهو – كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية – بذل القدرة في حصول محبوب الحق، مؤكّدًا أن الجهاد في حقيقته يعني الاجتهاد في حصول ما يحبه الله من الإيمان والعمل الصالح، ودفع كل ما يغضب الله من الكفر والفسوق والعصيان، وهذا هو المعنى العام عنده، أما المعنى الخاص له – أعني للجهاد – فهو بذل الجهد في قتال الكفار لإعلاء كلمة الله.
أنواع الجهاد
للجهاد أنواع عديدة؛ فهناك جهاد النفس مع الآخرين، والذى يتمثّل في الصبر على مشاق الدعوة إلى الله وتحمّل أذى الخلق، وأن تتحمل ذلك كله لله ولا شيء سواه، وهناك جهاد الشيطان لأجل الثبات على الطاعة والتخلي عن المعصية؛ أي اتباع أوامر الله واجتناب نواهيه، وهناك جهاد النفس مع النفس – إن صح التعبير – وهو الجهاد الأكبر مصداقًا لحديث النبي (ص) حين قال: رجعنا من الجهاد الأصغر؛ يقصد جهاد الأعداء، إلى الجهاد الأكبر يقصد جهاد النفس.
أهمية الجهاد
الحقيقة أن الجهاد في سبيل الله يعدّ من أفضل القربات، ومن أجلّ الطاعات، ومن أعظم العبادات، بل بالأحرى هو أفضل ما تقرّب به المتقربون، وتنافس عليه المتنافسون بعد أداء الفرائض،كما قال بذلك ابن باز، فهو العطاء الذي لا ينقطع، والذي بايعنا الله على أدائه نظير ما يدخره لنا في دار الجزاء، فرأس الأمر الجهاد. أو كما قال (ص)، كما جاء عنه أيضًا فيما رواه البخاري ومسلم: الغدوة والروحة في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها.
حكم الجهاد
إن الجهاد يعدّ فريضة على كل مسلم، غير أن هذا الجهاد لا يعني أن كل مسلم يحمل سيفه ويقابل الأعداء… كلا، وإنما يعني أن كل مسلم يجاهد بما يتوافق مع أحواله، ويتناسب مع ظروفه، بحيث تكون مجاهدته إما بقلبه أو بلسانه أو بماله أو بالقرآن. أما الجهاد بالنفس – أي القتال – فهو لا يمثل فرض عين على كل مسلم كالصلاة مثلًا، بل هو فرض كفاية، بمعنى أنه إذا قام به البعض سقط عن الباقي، مثله مثل حفظ القرآن الكريم، الذي يعدّ فرض كفاية أيضًا، وليس فرض عين على الإطلاق. غير أن الجهاد – بمعنى القتال – يكون فرضًا لا مفرّ منه عند أفراد القوات المسلحة والجهات المختصة بذلك، فهي المنوطة بتحقيق أمن الوطن وسلامة أراضيه من كل معتد خارجي، بحيث يكون الجهاد فرض عين على كل مجند حين تستدعي الظروف ذلك، بعيدًا عن بقية أفراد الدولة، فهو إذن فرض عين على كل مجند، وفرض كفاية على باقي أفراد الدولة.
فضل الجهاد
إذا تحدثنا عن فضل الجهاد، فسنجد أن له فضل كبير في الإسلام. فقد جاء في فضل الجهاد نصوص كثيرة منها قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ﴾ (سورة التوبة، الآية 111). كما جاء في فضل المرابطين في الحديث الشريف، الذي رواه سلمان عن النبي (ص) أنه قال: … رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه. كما جاء عن ابن عباس (رض) قال سمعت رسول الله (ص) يقول: “عينان لا تمسهما النار، عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله”. أو كما قال (ص): ومن ثم فالجهاد لا يعادله شيء.
صلة الجهاد بالشهادة
الحق أننا إذا نظرنا إلى الجهاد لوجدنا أنه يترتب عليه بشكل مباشر، أو بالأحرى في أغلب الأحيان الشهادة في سبيل الله، والشهادة تعني الانتقال من الحياة الدنيا إلى الحياة العليا، والكرامة في الآخرة، فقد ورد عن النبي (ص) أنه قال: “لا يهون على مسلم خروج نفسه مثل ما يهون على الشهيد”، أو كما قال (ص): ومن ثم فالشهادة ليست غاية في ذاتها، ولكنها وسيلة لنيل غاية عظمى، وهي رضاء الله عز وجل وبلوغ جنته، فالشهادة تعد أفضل خاتمة يختم الله بها للمجاهدين وأكثر ما ينالها هم الشباب المؤمنون باعتبارهم أول من ينطلق إلى ساحات القتال ودوائر الحروب وخوض المعارك في سبيل الله وتحرير الوطن.
والحق أن الشهادة تمثل حياةً وليست موتًا، قال تعالى: ﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾. (سورة آل عمران، الآيتان 169و 170)، فهم عند ربهم فرحون مستبشرون بما نالوا من الفضل والكرامة والجزاء الحسن والدرجة العليا في الجنة، حتى إنهم يتمنون لو يعودوا إلى الدنيا مرة ثانية، فيقتلون ويقتلون حتى ينالوا الشهادة مرة ثانية، فقد جاء، ما من أحد يدخل الجنة فيحب أن يعود إلى الدنيا إلا الشهيد، فإنه يتمنى أن يرجع إلى الدنيا فيقتل مرة ثانية لما ينال من الكرامة والمنزلة العالية في الآخرة.
ومن كرم الله عز وجل للشهيد، أن درجة الكرامة لا تقتصر عليه فقط، بل تمتد إلى أبنائه وسائر نسله وذريته أجمعين. يقول الإمام علي [ع]: بقية السيف أكبر عددًا وأكثر ولدًا. وهذا ما يبدو واضحًا في واقعنا المعاش، فعادة ما نرى أغلب أبناء الشهداء من الأوائل المتفوقين، كما إنهم يكون لهم شأن كبير في مستقبل حياتهم، وهذه عطية الله ومنته عليهم كرامة لآبائهم.
وفي الختام، أود أن أشير إلى أنه على الرغم من بيان أهمية الجهاد، وما يتبعه من مكانة الشهادة في الإسلام، إلا أنه لا بدّ من الإشارة إلى أنه من غير الصحيح القول بأن الإسلام هو دين السيف… كلا، فالإسلام أكّد على حرية العقيدة. قال تعالى: ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾ (سورة البقرة، الآية 256)، وخاطب نبيه (ص) فقال: ﴿إِنْ عَلَيْكَ إِلاَ الْبَلاَغُ﴾ (سورة الشورى، الآية 48). وقال في موضع آخر: ﴿لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ﴾ (سورة الغاشية، الآية 22)، وقال أيضًا: ﴿وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ (سورة النحل، الآية 125). وهذا يعني أن الإسلام لم يتخذ في طريقه إلى الدعوة إلا طريق الإقناع بالحجة والبرهان بعيدًا عن الحرب والدماء، ومن ثم فليس صحيحًا أن المسلمين عشاق للحروب ودعاة للغزوات، بل إن القرآن الكريم يدعو في كثير من آياته إلى السلام، قال تعالى: ﴿وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ﴾ (سورة الأنفال، الآية 61).
ألا ليت نفهم ديننا الحنيف فهمًا صحيحًا والله المستعان وهو ولي ذلك والقادر عليه.
المقالات المرتبطة
الفكر العربي الحديث والمعاصر | أركون والدين والتراث والحداثة
بعد أن رأينا في الجزء الأول من البحث المنهج ومميزاته ومصادره عند محمد أركون، ننتقل الآن للحديث عن التطبيقات العملية
“حول أطروحة الميتافيزيقا البعدية” المثنّى أم علاقة التناقض؟!
كتبنا سابقًا عن دعوة المفكّر الدكتور محمود حيدر- في محاضراته وكتاباته – إلى التأسيس لمشروع حضاري وثقافي بديل للمشروع الثقافي الغربي…
العقلانيون العرب ومشروع العلمنة
الشيخ محمد علي ميرزائي[1] اسمحوا لي أن أتقدم بالشكر الجزيل للقائمين على هذه الندوة لتناول هذا الموضوع الهام، ورجائي الاستفادة