قراءة في كتاب “الإمام الحي”، دراسة حول حياة الإمام المهدي(عج)
أولًا: التوثيق
- اسم المؤلف: الدكتور الشيخ علي أمين جابر آل صفا.
- عنوان الكتاب: “الإمام الحي”، دراسة حول حياة الإمام المهدي(عج).
- سنة النشر: 2023.
- اسم الجهة الناشرة: دار البيان العربي للدراسات والنشر.
- مكان النشر: بيروت.
- عدد صفحات الكتاب: 320 صفحة.
- قياسه وحجمه: القطع الوسط.
- طبعة الكتاب: الطبعة الأولى.
ثانيًا: المضمون.
أ. الجانب الشكلي.
لقد تضمّن الكتاب مقدّمة وخمسة فصول، وكلّ فصل يحتوي ثلاثة مباحث، وتلا ذلك خاتمة، ثم مكتبة البحث.
ب. الجانب المفاهيمي.
القضيّة التي عالجها هذا الكتاب هي قضيّة الإيمان بالإمام المهدي (عج) ليس من رؤية دينيّة عقائديّة فقط، بل من رؤية عقلائيّة ماديّة، تعتمد على الأحاديث والروايات، وتعالج الإشكالات المعاصرة.
- الإشكالية.
تبرز الإشكاليّة الأساسيّة حول صحّة الاعتقاد بالإمام المهدي(عج)، ووجوده الحيّ بين الناس، حتى ظهوره المقدّس، وذلك من خلال التحوّلات والتغيرات والتبدّلات الدينيّة والسياسيّة في الإسلام المعاصر.
وهنا تبرز تساؤلات عدّة:
- هل هناك أدلّة عقليّة وعمليّة حول وجود الإمام (عج) كشخصٍ حيّ يعيش بيننا؟
- ما هي أهميّة القضية المهدوية؟
- ما هو السرّ في الغيبة وما هي منافعها؟
- كيف ستتحقّق الفائدة من الغيبة؟
- ما هو الدور الذي سيلعبه أصحاب الإمام قبل الظهور وبعده؟
- هل للمرأة دور فاعل في الحركة المهدوية؟
- هل ستحدث علامات الظهور؟
- هل هناك توقيت للظهور؟
يبدأ الدكتور جابر كتابه بمقدّمته النوعيّة حيث تتبوأ قضيّة الإمام المهدي(عج) أهميّة أساسيّة عبر التاريخ، ولطالما كتب عنها العلماء والمؤرخون، ولكنّ التحولات الاجتماعيّة والسياسيّة في العالم الإسلامي والغربي دفعت بالباحثين اليوم أن تأخذ هذه القضية لديهم حيّزًا جديدًا كبحث علميّ وبمنهجية علميّة أصيلة.
سطّرت الحركة المهدوية أرقى قضايا الأمّة الإسلاميّة، من منظور الأمل الموعود لما تحمله من ترسانات بسط العدل، وارتفاع الظلم، وإحقاق الحقّ، وهذا هو الهدف الغائيّ من الحياة الإنسانيّة الكاملة، للوصول إلى السعادة.
من خلال قراءة للكتاب، يروم القارئ تقويم جوانب من الاختلالات الفكريّة والثقافيّة عند المسلم المعاصر إيمانًا من الكاتب بأهميّة تقويم الذات وتحصينها من كلّ أشكال الاختلال والهيمنة العولميّة التكنولوجيّة الكاسحة والتي ترمي إلى التضليل. لذلك أراد من خلال هذا الكتاب أن يستجلي البعد الإيماني لقضيّة الإمام المهدي(عج) في الإسلام المعاصر والتركيز على الدور العقائدي، وذلك عبر دراسة تتألف من خمسة فصول:
عالج الكاتب محورًا مهمًّا وحسّاسًا، في الفصل الأول: “العقيدة بالمهدي”، المبحث الأول بعنوان: “اهتمام المستشرقين”.
حيث تحدّث المؤلف عن آراء بعض المستشرقين الأوروبيين والأمريكيين والإسرائيليين في القضيّة المهدوية. وانقسم هؤلاء المستشرقين باتجاهاتهم إلى قسمين: استشراق موضوعي، واستشراق لا موضوعي.
الاتجاه الأول “الموضوعي”: أنصف القضيّة المهدويّة إلى حدٍّ ما، بعيدًا عن التعصّب والأهواء، باعتبار التشيّع هو حجر الأساس الذي يستند إليه الدين الإمامي للوصول إلى التكامل الإنساني والحياة الطيبة.
أمّا الاتجاه الثاني “اللاموضوعي”: فقد أخذ بعدًا يهوديًّا أو كيسانيّ[1] المنشأ، وإنّ فكرة المهدويّة جاءت من الظلم والطغيان والجور الذي تعرّض له المجتمع، مثلًا في العصر الأموي أو العباسي، وللتخفيف من المعاناة جاءت فكرة المخلّص بصورة دمويّة.
وهنا اتبعوا منهج القوّة الناعمة، التي تسيطر على العقول وتغيّر السلوك، وصولًا إلى تبديل الرأي بالعقيدة المهدويّة والإمام المهدي(عج).
المبحث الثاني: الإيمان بالمهدي عند العلماء المسلمين.
أجمع علماء الشيعة وعلماء السنّة والصحابة على الإيمان بالمهدويّة وحرمة إنكار القائم (عج) عبر الأحاديث المتواترة التي تقول بخروج المهدي(عج) في آخر الزمان، وهو من ولد النبي محمد(ص)، والذي سيملأ الأرض قسطًا وعدلًا بعد أن ملئت ظلمًا وجورًا.
المبحث الثالث: تشكيكات وردود.
أُثيرت الشكوك والظنون بالقضيّة المهدويّة بسبب تداخل المذاهب الإسلامية في التاريخ والسياسة. فمنهم من قال: إنّ المهدي فكرة مخترعة وبعض الفلاسفة تصدّى لها وبصحّة الأحاديث النبويّة وأسانيدها، وشكّك البعض بنسب الإمام المهدي (عج)، وأنّ الإمام الحسن العسكري (ع) لا ولد له، أو أنّه من أبناء الحسن المجتبى (ع)، ومنهم من قال أّنها بحثٌ تاريخيّ جاءت بدوافع سياسيّة واقتصاديّة واجتماعيّة. وتساءل البعض عن حقيقة مولده وإخفائه وسنّه الصغير باستلامه الإمامة عن عمر يناهز الخمس سنوات، وكيف لهذا الإنسان الكامل أن يكون له دورًا رياديًّا في كلّ الأمور الاجتماعية.
وسلّط الكاتب الضوء في الفصل الثاني على “ولادة الإمام ووجوده الفعلي”.
المبحث الأول: “الدليل السندي والتاريخي”.
أجمع علماء السنّة والشيعة على صحّة دليل إثبات ولادة الإمام المهدي (عج) بدليل سندي وتاريخي، فأورد المؤلفون من أهل السنّة العديد من المؤلفات بهذا الخصوص.
وأجاب الكاتب بالنفي على إشكاليّة “هل يمكن إثبات مولد الإمام بدليلٍ سنديّ في ظل ضعف سند الروايات، وبما أن مسألة المهدوية مسألة عقائدية فهي تحتاج إلى قطع ويقين ولا يكفي فيها خبر الآحاد”؟ فأجاب بالرغم من أنّها قضيّة عقائدية فهي واقعة تاريخيّة ولو نقلت بسندٍ ضعيف. وأورد المؤلف العديد من الأحاديث بالضميمة (بين الأحاديث والأخبار)، والروايات المتسلسلة حول تاريخ ولادة الإمام (عج)، ونسبه من أمّه، واسمه، وعدم خلوّ الأرض من حجّة.
المبحث الثاني: الدليل الفلسفي والعقلي.
أعطى بعض المؤرّخين دليلًا عقليًّا يستغني به عن الدليل النقلي والسندي لقضيّة الإمام المهدي(عج)، هذا يعني أنّنا لا نحتاج للروايات والأحاديث والنّصوص، وأنّ ما ذكر في الروايات هو مؤيدات فقط.
وقدّم بعضهم دليلًا فلسفيًّا لقضية الإمام (عج) يقوم على مباني عرفانيّة (مقامات عالية وتأثير في عالم التكوين). وهذا إن دلّ على شيء فهو يدلّ على وجود إنسانٍ كاملٍ، وله علّة غائية. (العرفان النظري).
المبحث الثالث: صفاتُ الإمام ومسلكه.
في هذا المبحث تعرّض المؤلف لصفات الإمام الجسمانيّة (الصفات الخارجيّة)، وأسمائه وألقابه وكنيته، وصفاته النفسيّة والمسلكيّة (الصفات الداخليّة)، بلحاظ ما نقل من الروايات من الفقهاء والعلماء.
أمّا في الفصل الثالث شرح لنا الكاتب عن: “الغيبة والعمر الطويل”.
المبحث الأول: الغيبة وسببها.
يعالج الباحث مراحل حياة الإمام (عج) بدءًا من الولادة حتى الغيبة الكبرى (إلى وقتٍ غير معلوم)، وذكر الأحاديث والروايات المرويّة عن كلّ مرحلة، وطرح إشكالية هل أن هذا الموضوع هو مبحث عقائدي أم عقلي؟ فيجيب أنّه موضوع عقائدي منقول ولا مكان للعقل فيه.
ثم يناقش أسباب غيبة الإمام (عج) بأنّها أسباب بمشيئة الله وانصياع الإمام (عج) لها، وقدّم مثالًا نبي الله موسى(ع)، والخضر(ع)، وثقب السفينة وقتل الغلام (فلم يجبه إلّا عند الافتراق..)، وفيها حكمة كالخوف من القتل (للإمام)، والتمحيص (للمؤمنين) وليستعدّ العالم لحكومة إلهيّة عادلة.
أيضًا تحدّث عن نظام السفارة في زمن الغيبة، حيث إنّ هناك أربعة سفراء ولهم صفاتهم الإيمانية والعقائدية (الإخلاص، العدل…)، وتتالوا في زمن الغيبة الصغرى إلى 69 عامًا، وبعد السفير الرابع توقفت السفارة بنصٍّ وتوقيعٍ من الإمام.
وتساءل المؤلف، إذا كان من الممكن مشاهدة الإمام (عج)؟ فأجاب بالإيجاب في زمن الغيبة الكبرى على المستوى العقلي والنقلي.
أمّا فيما يتعلق بالمبحث الثاني: “كيف تتحقّق الفائدة حال الغيبة”؟
في هذا المبحث أجاب المؤلف عن إشكالية “صحّة الإمامة في غياب الإمام (عج)”، فجاء بأمثلة عن بعض الأنبياء، كغياب النبي موسى(ع) أربعين ليلة، ويونس(ع) في بطن الحوت، والخضر(ع)، ويوشع بن نون(ع)، وحبيب النجّار، ومؤمن آل فرعون، وبعض الأحاديث عن أهل البيت(ع) كحديث أمير المؤمنين(ع) لكميل ابن زياد: “الّلهم بلى لا تخلي الأرض من قائمٍ لله بحجّة إمّا ظاهرًا مشهورًا أو خائفًا مغمورًا لئلا تبطل حجج الله وبيّناته”.
كذلك أجاب عن أنّ غياب الإمام (عج) لا يعني فقدان الفائدة من إمامته، وهذا ما ظهر في رسالة الإمام المهدي(عج) للشيخ المفيد: “إنّا غير مهملين لمراعاتكم ولا ناسين لذكركم ولولا ذلك لنزل البلاء بكم اللأواء واصطلمكم الأعداء”. وجاء في بعض الأحاديث أنّ الإمام(عج) كالشمس التي يسترها السحاب، فهي نجم مضيء لكلّ الكون ولو حجبت بعض الوقت سيستفيد منها كلّ البشر عند انجلائها.
المبحث الثالث: العمر الطويل.
طرح المؤلف إشكالًا حول عمر الإمام المهدي(عج) وإمكانيّة بلوغه هذا العمر الطويل، ثم أجاب بثلاث فرضيات:
- الإمكان العملي حيث لا إمكانية لحدوثه.
- الإمكان العلمي وهناك إمكانية حدوثه فالعلم في تطوّر.
- الإمكان العقلي والفلسفي؛ إذ لا استحالة عقليّة في إمكانيّة حدوثه كنبي الله نوح(ع)، حيث عاش ألف سنة إلا خمسين عامًا.
ثم عالج بعض أسئلة المشكّكين والمنكرين عن فائدة العمر الطويل للإمام(عج) وكيف استفاد من هذه الاستطالة بتهيئته لتدمير الطواغيت رغم قوّتهم في المسار التاريخي، ومنحه تبصرة لمعالجة المفاسد الاجتماعية، وإغنائه بالتجربة الإنسانية في تحضيره كقائدٍ عظيمٍ لتأدية الرسالة الإلهية.
وأورد في الفصل الرابع بعنوان: “حركة الإمام والأصحاب”.
المبحث الأول: أهداف الإمام ونهجه.
في هذا الفصل يبحث المؤلف عن الأهداف التي جاء من أجلها الإمام المهدي(عج).
أولًا: بسط القسط والعدل في الأرض ومحاربة الظلم بلحاظ الأحاديث، فهذا التغيير يأتي بعد أن يعمّ الظلم البشريّة.
ثانيًا: تطهير الأرض من الشرك والمشركين، أمّا أصحاب الكتاب فالدعوة لهم تكون بمعاونة نبي الله عيسى(ع) للإمام(عج) الذي يلقي الحجّة على النّصارى فيقبلون الدعوة بدون جزية.
ثالثًا: أن ينشر الإسلام في بقاع الأرض فيدعو المشركين إليه، فإن استجابوا انضموا إليه، وإن لم يستجيبوا يقاتلهم ويقتلهم. ويدعو أصحاب الكتاب “المسيحيين واليهود” من خلال المسيح (ع)، فإن لم يستجيبوا له يصبح حكمهم حكم المشركين.
رابعًا: إحياء السنّة وإماتة البدعة، حيث يأتي الإمام (عج) بدينٍ جديد هو الإسلام الذي ابتدأه الرسول (ص) فيدحض كلّ التقاليد والعادات التي لا تمتّ للإسلام بصلة، فيحي السنّة النبويّة التي تقوم على القواعد النبويّة الأصيلة”، ويعيد المسلمين إلى المحجّة البيضاء.
خامسًا: من أهداف الإمام(عج) أن ينشر الطمأنينة والأمن والسلام.
سادسًا: نشر العلم من أهداف الإمام(عج)، ففي الرواية أنّه يضع يده على رؤوس النّاس فتكتمل عقولهم. وهنا تطرح إشكالية قديمة المنشأ وهي تطوّر المواجهة بين الدين والعلم، ومن يقدّم على من؟ لكنّ الإمام سيرفع الإبهام عن الشكوك ليحدث اليقين بتصحيح المفاهيم والكشف عن الشوائب ِالدينيّة.
سابعًا: الرفاه الاجتماعي والعمران، سلّط الباحث الضوء أيضًا على إعادة توزيع الثروات، وهذا سيؤدي حتمًا لحل مشكلة الفقر الاجتماعي والمشاكل الاقتصادية.
وتطرّق المؤلف لسياسة الإمام(عج) بعد الظهور الشريف:
أولًا: سيستخدم المعجزات كعصا وحجر موسى(ع)، وخاتم سليمان(ع).
ثانيًا: سيحسم الفساد بالقوة وليس كجدّه بلين الكلام، بل بالقوة والقتل؛ لأنّه أُمِر بذلك بتوجيه من الله تعالى.
ثالثًا: حرصه على بسط كمال العدل ورد المظالم الصغيرة قبل الكبيرة.
المبحث الثاني: أصحاب الإمام وصفاتهم.
أشار المؤلف في هذا البحث عن صفات أصحاب الإمام(عج) بلحاظ الروايات التي دلّت على عدد أنصاره 313 رجلًا وامرأة، يقدمون له البيعة العامة والخاصة ليقينهم وإيمانهم وإخلاصهم الذي وصلوا إليه بفعل الطاعات وترك المحرّمات، وأشارت الروايات أيضًا إلى انضمام 10 آلاف مقاتل (جيشه) بدءًا من حركته في مكّة.
أمّا صفاتهم فهم العارفون بالله، علماء، فقهاء ونجباء في الدين، أكثرهم في عمر الشباب أي 40 عامًا أقوياء وشجعان، قلوبهم كزبر الحديد، رهبان الليل، أسود النهار، لديهم صبر وبصيرة.
المبحث الثالث: المرأة في الحركة المهدوية.
يعالج المؤلف ما وصلت إليه المرأة في زمن العولمة، وانتشار التيّار الفكري التحرّري بالجسد والروح تحت عنوان: “الجندرة”، وانتشار مفهوم المساواة بين المرأة والرجل من منظور اجتماعي وفكري وثقافي واقتصادي. وهذا أدى إلى خلل في المنظومة الدينية ومحاربة هذه “الهرطقات”. وهنا كان لا بدّ من إقحام المرأة في الحركة المهدوية (50 إمراة من النخبة)، للاستفادة منهن في الطبابة والتعليم والإرشاد في سبيل إنجاح الحركة، لذلك للمرأة دور أساسيّ وداعم عند الظهور المقدّس.
الفصل الخامس: علامات الظهور والانتظار.
المبحث الأول: نظرة في علامات الظهور.
تناول الكاتب في هذا البحث فائدة وأهميّة علامات الظهور وقال بأنّها تعزّز الارتباط الروحي بالقضية المهدويّة، وتجيب عن كلّ الإشكالات التي طرحها المشككون، وتثبت صدق القضيّة، وتجعل المؤمنين مستعدين لمواجهة الأحداث، وتقسم العلامات إلى قسمين: حتميّة (مثل خسف البيداء وخروج السفياني واليماني والخرساني)، وغير حتميّة.
وعرّف البداء لغويًّا واصطلاحًا؛ أنّه العدول عن الشيء، وأنّه واقع في الأمور غير الحتميّة، وفي الحتميّة في الشؤون غير الربوبية في معتقد الإماميّة.
وأورد الكاتب الإشكال في البداء من قبل المحققين وأنّه ينافي حتميّته؛ “فحتميّ الوجود إذا جرى فيه البداء يصبح غير حتميّ، وعليه فلا فرق بينهما ولا داعي للتقسيم”، وناقش الكاتب بعض الروايات المتداولة وعرض ما هو أقرب للعقل، وأخيرًا شرح الكاتب أنّه لا بداء مع النبوّة والإمامة لأنّه ينافي شؤؤن الربوبيّة.
المبحث الثاني: معنى الانتظار وفضله.
في هذا المبحث بيّن الكاتب معنى الانتظار؛ أي رجوع من هو غائب، “إنه توقّع الإمام”. وتحدّث عن الحثّ على الانتظار وفضله تسليمًا بوجود الإمام(عج) واستشعاره شخصًا بيننا والشوق للقائه. أمّا فضل الانتظار:
1- الثبات على الغيبة ونيل الأجر والصبر.
2- الانتظار شرط قبول الأعمال لأنّه من الولاية.
3- الانتظار تكليف شرعيّ يتطلّب الورع وحسن الخلق.
ثم تناول الكاتب آداب الانتظار كمعرفة الإمام(عج) بحقّ، وذلك عبر التوسّل والأدعية إلى الله عز وجلّ وحفظه وإهدائه الأعمال، والاستعداد لنصرته وتعريف الناس كلّ الناس به لتعطّشهم لمنقذٍ من الظلم والحروب المتوقعة.
المبحث الثالث: النهي عن التوقيت، لماذا؟
تحدّث الماتن في هذا المبحث عن النهي عن التوقيت لأنّه يلزم الكذب والتغرير والتضليل، فيلعب بالأفكار والعواطف الدينيّة، ويؤدي إلى اليأس والإحباط إن لم يسجّل، ويرتدّ الناس عن الإيمان، ويجحدوا بالقضية المهدوية، بالإضافة إلى الخطر الأمني الذي يحيط بالإمام والمشروع المهدوي.
وتطرّق الكاتب مرة أخرى إلى موضوع “البداء” في الوقت بعد إمكانيّته في علامات الظهور حسب ما يراه المولى في الإظهار والإخفاء بسبب إشاعة السرّ، وقلّة الكتمان، وهذا ما يؤدي إلى معرفة أعداء أهل البيت(ع) لأسرارهم وخططهم والإجابة دائمًا أنّ الإمام يظهر “بغتة”. ويذكر في الخلاصة أنّ التوقيت نوعان:
زماني: (نهار جمعة أو سبت، يوم عاشوراء أو في يوم النيروز).
ومكاني: في مكة في الكعبة الشريفة، أمّا أصحاب الإمام فليسوا من مكة يدخلونها بأسلحتهم النوعيّة والخاصة، ويقضي الإمام(عج) بين الناس بعلمه كداوود وسليمان وليس بالأيمان والبيّنات.
ثالثًا: المنهج.
فرض تعدّد الموضوعات التي تضمّنتها الدراسة والمتغيرات في الأحداث، ضرورة استخدام ثلاثة مناهج علميّة:
المنهج الوصفي والمنهج التاريخي والمنهج التحليلي.
فالمنهج الوصفي يهدف إلى دراسة الظواهر التاريخية وتفسيرها وتحديد ظروفها وأبعادها، إضافة إلى توصيف العلاقة بين تلك الظواهر قبل الانتقال إلى الوصف العلمي الدقيق. وركّز المنهج الوصفي الذي اعتمدته الدراسة على عرض واقع القضية المهدوية وتأثيرها على الإسلام المعاصر.
أما المنهج التاريخي فتهدف الدراسة من خلال اعتماده إلى مراجعة تاريخية لولادة الإمام(عج) والغيبة الصغرى والغيبة الكبرى، الأمر الذي يمكن أن يُشكّل أرضيّة صلبة لفهم ماضي تلك الوقائع وحاضرها، إضافة إلى العوامل المؤثرة فيها والمتغيرات التي شهدتها تلك الفترة، والتي يمكن أن تطرأ عليها. ويشكّل المنهجان الوصفي والتاريخي قاعدة علميّة أساسيّة للانتقال إلى تطبيق المنهج التحليلي.
لذا تعتمد هذه الدراسة على المنهج التحليلي إنطلاقًا من وصف الواقع بالعناصر المكوّنة للحدث، ثم النظر إلى الحركة العامّة للظاهرة لإعادة صياغتها وعرضها عرضًا علميًّا تاريخيًّا، وذلك من خلال الاستفادة الممكنة من المادة التاريخية إلى تفكيك جوانبها لجزئيّات، ودراسة كلّ منها على حدة، وإعادة اعتبار تركيبها منهجيًّا وفق المعطيات التي تتحكم بواقع الظاهرة. ويستعين هذا المنهج بالعلوم الإنسانيّة كالسياسة والاجتماع والاقتصاد وغيرها.
إنّ هذا المنهج يقوم على جمع المعطيات المبعثرة ونسجها في ثوبٍ واحدٍ تنضوي تحته تغيّرات وتبدّلات البيئة الإسلامية، وذلك للوصول إلى نتائج علميّة للتحقّق من مساحة الحوادث وجمع البيانات الكافية لكتابات أخرى، وللاعتماد على حقائق معتبرة.
ولا شكّ أنّ هذه النتائج سوف تسدّ فجوات كثيرة من شبهات وتساؤلات من المشككين والمنكرين للقضيّة المهدويّة وتساهم في فهم حقائق إيمانيّة وعقديّة.
رابعًا: الإبلاغية.
قدّم الدكتور الشيخ علي جابر عرضًا موضوعيًّا لأهميّة الإيمان بالإمام المهدي(عج) ودراسةً حول حياته من الولادة حتى الغيبة.
لقد سعى الباحث أن يوضح قضية الاعتقاد بالإمام المهدي (عج)، واستطاع أن يجيب عن التساؤلات والإشكاليات وردّ الشبهات التي تطرحها القضيّة، دون الدخول والاستطراد في خضمّ الروايات.
فالهدف الذي يبتغيه الكاتب هو الكشف عن “صحة الإيمان بالقضية المهدوية” ليس من رؤية عقائديّة إسلاميّة فقط، بل من رؤية بحثيّة علميّة وبأدلّة ممنهجة.
وقد ساهم المؤلف في تقديم طرح مبسّط غير معقّد لجيل الشباب الذي أهلكته التغيّرات والتبدّلات والتطوّرات الماديّة والفكريّة في زمن العولمة، وتعِب من البحث عن أصالة هويته الدينيّة التي ترفض كلّ مزاعم الظلم والفساد، وينظر إلى قضيّة الإمام المهدي(عج) بأنها نافذة الأمل إلى الحياة السعيدة والعادلة التي يحلم بها.
أيضًا أبدع المؤلف ببسط القضيّة المهدويّة أمام العالم كلّه الذي خرّبته المطامع الدوليّة والإقليميّة بسياسة التوسّع وبسط النفوذ والسيطرة ونهب ثروات الآخر فأصبح أمام خيارين، إمّا الإلحاد لعدم توفر العدل، أو مواجهة الشبهات والبحث عن الحقيقة والأمل الموعود الذي سيحقّق العدل والمساواة ويقضي على الظلم والطغيان.
وقد نجح الكاتب في الغوص عميقًا في التحدّيات التي واجهتها الحركة المهدوية من خلال طرح التساؤلات الكثيرة في كلّ فصلٍ من فصولها.
خامسًا: الأسلوب.
لقد توسّل الكاتب الأسلوب التقريري فأولى عنايته بالمضمون الذي طغى على الأسلوب، لأنّ الموضوع هو معالجة القضيّة المهدوية من منظور تحليلي عقلي عميق للأحداث السياسيّة والاجتماعية التي يعتقد أنّ الإمام سيتصدّى لها عند ظهوره.
واتّسم أسلوب المؤلف بالسلاسة والشفافيّة والبساطة في التعبير وبحسن الصياغة والجودة والتماسك والتوازن والتدرّج وترابط الأفكار وبالمتانة والحبك.
سادسًا: فوائد الكتاب.
يستعرض الدكتور جابر المصادر التاريخيّة والدينيّة التي توثّق ولادة الإمام المهدي(عج) وحياته، وينطلق الكتاب من ولادة الإمام(عج) مرورًا بالغيبة الصغرى والأحداث التي أدّت إلى هذه الغيبة وكيفيّة تواصل الشيعة مع الإمام(عج) خلال هذه الفترة من خلال السفراء الأربعة، وصولًا إلى الغيبة الكبرى، وتطرّق الكاتب إلى فائدتها، وأجاب عن بعض إشكالات المنكرين والمشكّكين عن العمر الطويل للإمام(عج)، ثمّ تحدّث عن أهداف الإمام(عج) ونهجه وحركة الأصحاب وصفاتهم، وأفرد فصلًا خاصًّا بالمرأة وأهميّة مشاركتها بالحركة المهدويّة، وتحدّث عن علامات الظهور والتساؤلات حولها، وشرح معنى الانتظار وإيجابياته، وتحدّث عن النهي عن التوقيت وسلبيّاته.
من فوائد الكتاب أنّه:
- تعمّق في فهم العقيدة الشيعيّة: حيث يقدّم الكتاب شرحًا مفصّلًا للعقائد المرتبطة بالإمام المهدي (عج) ممّا يساعد القرّاء على فهم الأهميّة الدينيّة والعقائديّة لهذا الإمام في الفكر الشيعي.
- توضيح الأبعاد التاريخيّة: يستعرض الكتاب المصادر التاريخيّة والدينيّة التي تتناول ولادة الإمام المهدي(عج)، وحياته وغيبته، مما يوفر للقارئ فهمًا أعمق للسياق التاريخي للأحداث المرتبطة به.
- تحليل الفلسفة الدينيّة: يساهم الكتاب في فهم الفلسفة الدينيّة المتعلقة بالإمام المهدي(عج) ودوره المستقبلي في إقامة العدالة والسلام، مما يعزّز من قدرة القارئ على تحليل الأفكار والمفاهيم الدينيّة.
- تقوية الوعي العقائدي: بالنسبة للقرّاء الذين يعتنقون المذهب الشيعي، يعزّز الكتاب من وعيهم الديني والعقائدي من خلال تقديم معلومات مدعومة بالأدلّة والروايات.
- تسهيل الحوار الديني: يوفّر الكتاب مادة علميّة تسهّل الحوار الديني بين الشيعة وغيرهم من المسلمين، من خلال تقديم معلومات موثّقة وشرح للمفاهيم المرتبطة بالإمام المهدي(عج).
- توعية حول التراث الإسلامي: الكتاب يساهم في الحفاظ على التراث الإسلامي المرتبط بالإمام المهدي(عج) من خلال تجميع وتحليل الروايات والمصادر التاريخيّة.
- يسلّط الضوء على الأوضاع والأحداث التي سيواجهها المؤمنون وضرورة الاستعداد.
- يرسم مسارًا منهجيًّا لقضية الإمام (عج) ضمن الضوابط العلميّة.
سابعًا: عيوب الكتاب.
لم يسجّل هذا الكتاب ما يُعاب عليه، بل شاهدنا تسلسل الأفكار وتاريخها ضمن موضوع وتاريخ الدراسة. لم يكن هناك تكرار لأفكار أو صعوبة في تفسير الموضوع، حيث حاكى الكتاب الواقع الإسلامي، إذ تطرّق إلى الأبعاد العقائديّة والفقهيّة المتعلقة بالإيمان بالإمام المهدي(عج) مشيرًا إلى الأحاديث والروايات التي تتحدّث عن ظهوره في آخر الزمان لتحقيق العدالة والسلام في العالم.
ثامنًا: مصادر الكتاب ومراجعه.
تستقي هذه الدراسة مادّتها الأساسية من المصادر الأصليّة: “القرآن الكريم”، ومجموعة كبيرة من المراجع باللغة العربيّة (لقد أحصينا 106 مرجعًا)، من نتاجات متخصّصة، هذا عدا عن استخدام الكاتب للمواقع الإلكترونية التي تتّسم بالثراء الفكري والنقدي وذات غنىً مضموني لتقارب الأفكار والمفاهيم.
تاسعًا: خلاصة الحكم على الكتاب.
امتاز هذه الكتاب بالكثير من الشرح، فقد صيغ بلغةٍ عربيّةٍ سليمةٍ سهلة وواضحة وبعيدة عن التعقيدات اللغويّة التي يستخدمها البعض وتؤدي بالقارئ إلى الملل والنفور.
ويعدّ هذا العمل الذي استوفى السلامة العلميّة، بحثًا علميًّا بإشكاليته الأساسيّة والتساؤلات التي دارت حوله، وطرح الفرضيات التي أجابت عن هذه التساؤلات، وبالانتقال الانسيابي من خطوة إلى أخرى وفق المنهج العلمي المعتمد.
كما يدفع القارئ في الوقت عينه إلى التفاعل الفكري والتحليلي والإنساني فيصبح أسير القضية، ويعيش الحدث بشكل مستمر وكليّ ويخاف أن يرفّ جفنه قبل إدراك النهاية.
يمثّل الكتاب نموذجًا لمنهجيّة بحثيّة في ممارسة آليات قراءة العلوم الإنسانيّة، كما ركّز على القضيّة المهدويّة منذ نشأتها ليتناول ضمن معالجته عدّة إشكاليّات مركزيّة، (حول ولادته ووجوده كشخصٍ حيّ يعيش بيننا، مسلكه وغيبته، نهجه وظهوره المقدّس).
أخيرًا، هذا الكتاب يفتح الباب والأفق لبحث الارتباط من خلال الخلفية الدينيّة لقضية الإمام المهدي(عج) مع الاستراتيجية والأحداث العمليّة في المجتمع الإسلامي المعاصر.
لقد لبّى هذا الكتاب توقّعات القرّاء وأهداف قراءتهم، إنّه الدكتور علي أمين جابر آل صفا، أستاذٌ محاضرٌ في الجامعة اللبنانيّة والجامعة الإسلاميّة وجامعة المعارف، متخصصٌ في علم التاريخ والعلوم الفلسفيّة، باحثٌ في العلوم الإسلاميّة.
كتب المؤلف هذا الكتاب معالجًا القضية بين الفترة الزمنية 255ه منذ ولادة الإمام(عج)، مرورًا بالغيبة الصغرى حتى الغيبة الكبرى وضمن موضوع الدراسة.
لذا، فإنّ هذا المحتوى ذو قيمةٍ وفائدةٍ علميّة، إذ يقدّم فكرةً رئيسيّةً ومتناسقة عن واقع القضيّة المهدوية من زاوية الأدلة والبراهين.
لقد كان أسلوبه جذّابًا ومطابقًا للموضوع في تسلسل منطقي ويتيح تجربةً لقراءةٍ سهلةٍ ومنسّقة، وله أثر على القرّاء من حيث فهم الموضوع واستيعاب فكرته الرئيسيّة.
تميّز هذا الكتاب بالبحث والمصادر الموثوقة ونستطيع أن نعتمد عليه بمعلوماته الدقيقة “كمرجع”، ويعدّ مصدرًا مهمًّا لفهم حياة ودور الإمام المهدي(عج) في العقيدة الشيعيّة، ويوفّر للقرّاء نظرة شاملة على الأبعاد التاريخيّة والدينيّة والفلسفيّة المتعلقة بهذا الإمام الغائب(عج).
وأخيًرا نشكر جهود جناب الدكتور الشيخ علي جابر في إثراء المكتبة العلميّة وإضافة قيمة علميّة جديدة إليها، سائلين المولى عزّ وجلّ أن يكون هذا العمل في ميزان حسناته يوم تخف الموازين.
والحمد لله رب العالمين
[1] الكيسانية مذهب منقرض، أُسّس بعد استشهاد الإمام الحسين (ع) في واقعة كربلاء. قالت الكيسانية بإمامة الأئمة: علي والحسن والحسين عليهم السلام، ثم محمد بن علي المعروف بابن الحنفية، وكان الكيسانيون يرون أن محمدًا هو المهدي الموعود الذي يملأ الأرض قسطًا وعدلًا، وأنه حي لم يمت ولا يموت، حتى يظهر الحق.
المقالات المرتبطة
الخلاص الإنسانيّ والظهور السياسيّ
جذور الانتظار تضرب في أعماق التاريخ، والمعتقد الدينيّ، وهي فكرة مرادفة لمفهوم الخلاص، والخلاص شعور إنسانيّ عامّ
الحركـة الجوهريـة والدِّيـن
تتَقَاطعُ الفلسفة عمومًا مع الدّين في المسائل العامة التي تكون موضع بحث مشترك فيما بين الاثنين، ويتمايزان من بعضهما بأن لكلٍ طريقته في الوصول والإيصال
عظم الله أجوركم !! إنّها النهضة
لا ينطوي البحث حول عاشوراء على بعد واحد؛ وهو الانفعال العاطفي؛ إذ برغم ما لهذه العاطفة من موقع في تفاعل الناس مع الحدث العاشورائي، وبرغم موضوعية هذا الانفعال تجاه حدث مثَّل جريمة التاريخ في الحياة الدينية.