تجليات عبقرية الشهادة في جدلية الموت والحياة
في جدلية الموت والحياة
الحديث في الموت يصعب أن يكون خارج سياق الحياة، لما لهذين المخلوقين (الموت والحياة) من تجادل تكاملي لتحقيق وحدة الهدف الإلهي المـُتوخّى للإنسان ومن الإنسان، ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾[1]. تثير الآية في النفس انطباع كون الحياة كما الموت حدثًا هو الخَلْق. وما من فعل أو حدث إلهي إلّا وله غاية. والغاية المـُصَرَّح بها هنا هي البلاء، الامتحان، والاختبار، الذي بموجبه تنكشف الأعمال المـُفْصِحة عن الحَسَن والقبيح، والأحسن. ولما كانت الحياة – الموت، هي الفعل الوجودي الأعمق والأصعب في دائرة الكينونة البشرية. كان العمل الأحسن مورد تنافس شديد التعقيد؛ لا يسلكه إلا أهل العبقرية من أهل الإلهام الذين يدخلون عالم الاستثناء عن سنن العادة، والدائم، والمألوف. وبمحضر شهادة استنثائية، يأخذ الكلام استحقاقات من المدخلية والتوصيف والشرح والتأمّل كمداخل للاستئذان بإدلاء الرأي في حضرة الحضور والشهود، من ذلك أن نسأل حول معنى الموت، وهل هو مجرّد قلق أثارته الأديان، أم أن ما من فكر وفلسفة إنسانية إلا وولجت عُبابه؟
ثم إن كان الموت حقًّا على العباد، وحتمًا مقضيًّا، فما معنى الحديث حول عبقرية الموت؟ لنصل إلى مثير الأحزان ومحور الكلام في هذا الموضوع، صاحب الشهادة العبقرية الحاج قاسم سليماني في وصيته التي تركها للأجيال بعده.
* * *
وقبل أي بداية أراني أقف عند كلام أمير الإيمان والبيان، وأيقونة الشهادة الإمام علي (ع) في رواية المتقين، التي لكأنما صيغت لترسم شخصية الحاج قاسم سليماني. “قد أحيا عقله، وأمات نفسه حتى دق جليله ولطف غليظه، وبرق له لامع كثير البرق فأبان له الطريق، وسلك به السبيل، وتدافعته الأبواب إلى باب السلامة ودار الإقامة، وثبتت رجلاه بطمأنينة بدنه في قرار الأمن والراحة بما استعمل قلبه وأرضى ربه”.
* * *
الرؤية محور وجود المرء.
لا شكّ أن مفصل كل عيش للمرء رهين تصوراته وأحكامه وفهمه. وما أقصده هنا، هو فهمه الذاتي كما تصوراته وأحكامه النابعة من ذاته. وهنا لا يتوقف الوضع عند الوعي فقط، فلتاريخ الوعي وثقافته وسيادته على الذات الفردية والعامة دوره المركزي في كل ما يتصل بالعيش النفسي والروحي، فضلًا عن المعرفي والأخلاقي والاجتماعي، ولعلّ التحولات الكبرى في حياة الناس إنما نبعت من تحولات كبرى، وعبقرية فذّة في مقاربتهم الأمور، ورؤاهم للوجود والحياة والأحداث حدَّ التماهي. بحيث صارت هوية ذواتهم الفردية أو الجمعية، وِفقًا وَوَقْفًا على تلك الرؤى والتصورات والأحكام. وغالبًا ما يكون المنطق والبرهان تابعًا لحدس عبقري يلتمع من خلال تجربة عيش، أو تجربة روح وذات عميقة وصادقة وشفافة. ولطالما كان الذِكْرُ أو التَذَكُّر ملهمين لما فيهما من العِبر. ولطالما كان التأمّل الذي يتحول تدريجًا إلى حقيقة حال هؤلاء؛ بمثابة روح سيرهم في الحياة. يعيشون الآفاق من عالم يحيط بهم بالتأمّل، ويعيشون سِيَر التاريخ والحاضر بالتأمّل، ويعيشون ذواتهم عيشًا تأمّليًّا ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾[2].
قد يُحار المتفلسفون في منشأ هذا التأمّل في تقدير معاني الموت والحياة، بحيث يتداولون قَبْلِيَّتُهُ، أو أنه جاء عبر معرفة بَعدِيَّةٍ أثارتها فيهم صدمة تجربة الموت الناشئة من فقدان عزيز أو عظيم، أو ناشئة عن مرض.. ما يخلق في الذات وضعًا يعيد تشكيل كل مألوف ومُشاهد عادة، ضمن منظورٍ جديد ومُختلِف. بحيث إن الموت يعطي فرصة تأمّل لفهم جديد للحياة عندهم.
ومهما كان الأمر، فإن ما نعتقده أن الموضوع الذي سنثيره يقوم على جملة ركائز منها:
-
فطرية الحياة، وقيمة حفظ الذات واستمرارها الذي يولد الرغبات فيها، كما يولد القلق والخوف من تناهيها أو انتهائها بالموت وغيره.
-
طبيعة الإنسان القائمة على ملكات ذاتية من القابليات الأخلاقية والمعرفية والدفاعية، التي تُجهزه لاحتساب كل أمر والتدقيق فيه بُغية الولوج إلى أعماق الأمور والأشياء، والقيام بما يلزم، وأن يبني على الشيء مقتضاه.
-
تأثير ما اعتاده المرء من تراث حياة زاخرة بالقيم والمعطيات والمعتقدات والقناعات المحتشدة فيه عبر بيئته وتاريخه الذي ينتسب إليه، ثم ما يثيره فيه إيمانه بسياقات من تاريخ الأبطال والرموز والملهمين.
-
ولا يفوتنا أن نذكر اللحظة التي قد تتقد أمام الإنسان، فتُشعِل فيه كل كيانه وفكره لتولِّد عنده انبثاق روح فكرة أو إرادة أو رؤية أو موقف. وهذا ما يحصل عادة لأهل الذوق سيما منهم أهل العبقرية.
كل هذا يخلط الأمور أمام الناظر المتـُدبّر؛ ليندهش وليسأل وليبحث. ما السبب؟ لماذا كان ما كان؟ وكيف كان؟ ومن أين؟ ويجنح المتدبّر ليواكب الأمور بعقله وأفكاره؛ فيولد من سؤال الدهشة محاور للفكر والنظر يصل أحيانًا ليخلق عنده عبقرية مُكْتَسَبَة، عبقرية الفيلسوف، أو الشاعر والفنان، لكن إن كان كل مُكْتَسَبٍ يعود لذات حضرت عندها الحقائق والعبقرية فكانت واحدةَ الذات، أو أربابًا للمعنى والمثال، فإن عبقرية الفلسفة والفن المستلّة من عبقرية الذوات الرموز في مثاليتها، تكون مَدينَةً لتلك الذوات.
مهما فعل وكتب فلاسفة اليونان بذوق عبقري، هم مدينون لعبقرية ذات سقراط الذي جسَّد لحظة ولادة الموت عند قدس أقداس الحياة والحقيقة. لكنها عبقرية صيغت بمواقف من البيان؛ والبيانُ جماليةٌ في الإنشاء إن تماهى مع الحقيقةِ ولم يغادرها؛ وتماهى مع جرأة دهشة السؤال فلم يجافيه وأخلص له؛ ليولّد عالمًا من الحكمة والفلسفة، لكنها فلسفة قائمة بين عالمي الحقائق والاعتبار؛ وهي جدلية لا تتوقف عن صوغ المقولات والقوالب المتغايرة مرةً بعد مرة في مرايا عقول المتلقّين من أصحاب الخبرة والذوق والعقل.
الأمر الذي ولَّد سياقًا من نهرٍ لم يتوقف لفلاسفة الغرب ومن تأثّر بهم. فيهم صاحب الأصالة، وفيهم صاحب الصُنعة؛ وهنا الخداع. وهو ما سمح لمسار من جدل الوجود والعدم في بناء تاريخ من الحضارات؛ لحضارة كُتِب عليها أن تموت وتُميت لتعيد بناء لباسها وتشكّلها وألوانها من جديد. سواءً بإعدام الحقيقة والإله والإنسان والتاريخ، أو بجعل الحياة لعبة تحترفُ فيها سحر الفتنة والجديد.
ومهما فعل لاهوت الدين المـُحَصَّن بسلطة الغرب؛ ورغبة السيادة الكونية؛ من تقديم عبقرية الحب والمرونة، في شاعرية دينية أرخت العقال وتناست الشريعة. لتهب الحياة إلى خصمها الدنيوي المـُرمَّز بقيصر؛ واستأثرت بالخلاص لكرازة لاهوت يمثّل الله في معبده وسلطته وقرابينه وطقوسه. فإنها عبقريةٌ تدِينُ للحظةٍ عبقرية قامت على أيقونةِ إلهٍ ثالوثيِّ الحب والمحبة والحبيب يُصلب مُهانًا على خشبة. ليقوم من بين الأموات، فيقهر الموت بالموت. وليولد معنىً لإله آبٍ بلا فاعلية، وإله ابن هو الفادي، وروح قدس، سرعان ما صار كنيسة. إنها عبقرية اللحظة والتعبير العفوي والمكثّف “قهر الموت بالموت”، وجعل الشخص هو الحياة والحق والطريق، بالموت الفادي. إلا أن ما تلا عبقرية اللحظة العفوية من سِلْكٍ ومؤسسةٍ ولاهوت تحوَّل ليكون مفترق طريق في حياة التأمّل الديني والفلسفي والإنساني، وقد طبع تأثيره على كل اتجاه ديني أو إلحادي؛ لاهوتي أو مدني علماني في الغرب ومن تبعه.
وبناءً على الذوق العبقري المـُؤسِّس؛ في حالة الفيلسوف والمتألّه في المخيال الغربي، نحن أمام ملاحظتين:
الملاحظة الأولى: غياب دور النصير والعضد عند لحظة استحقاق الموت. فطلاب سقراط كحواريي المسيح كانوا ينظرون من بعيد؛ وكأن اللحظة كانت يتيمة في انتمائها لأي محيط أو آخر. بل وأنها كانت كلمةٌ تُناظِر ما لا صِدْقَ فيه. موت فردي، وحقٌ يبحث عمن يُوَرِّثُهُ ابتداءً لا استئنافًا لعلاقة، وهو ما جعل في الحالة الأولى عالمـًا من العقل الكلّيِّ الاعتبار والمولِّد لاعتبارات تتأرجح بين عقل الدنيا والزمن، وعقل الميتافيزيقا، بهيولى من الكلمات وحدود الماهيات المعلنة عن هذا الحد وذاك الحد…
أما في الحالة الثانية فجدل بين الباعث (الآب)، والفادي (الابن) لعالم غائب غارق بالخطيئة، وليست الخطيئة سوى رمز للموت والحرية الشخصية المفتوحة على ما لا تعلم. فعالم الآلهة، بجدله يدخل الزمن/الخطيئة/ الموت. ويقْدحُ الشعلة الإلهية المتزمّنة الخارقة لعالم العَنْصَرة لمـُشاهِدٍ مدهوشٍ بالجهل المـُنْتَظِرِ لأمرٍ ما يخترقْهُ ليوَلِّد فيه إنسانًا آخر، لا ينتمي لزمن المكان. فتنطلق أَلْسِنَةُ الإلهام عند جمع من حوارييِّ الدَّهْشة الناظرين، ولتنطلق الكلمات الجوّالة بين شعوب من عالم الموت الخطّاء. عساها تولد من جديد ما أسماه اللاهوت (روح القدس)، وأسماه ورثة الإلهام، الإيمان، والحب، والخلاص الوحيد. لتَبْنيه على صخرةٍ تتحول إلى مؤسسة هي كنيسة.
الملاحظة الثانية: هي تولُّد المؤسَّسة. في الحالة الأولى نحن أمام الأكاديمية الأفلاطونية والأرسطية التي توالت في كنف مؤسسة أكبر هي بذور المدينة، ومن ثَمَّ الدولة. وإن كانت المؤسسة الأكاديمية والدولة هي البذور الأولى لحضارة وعقل حضارة شكّلت مسارًا ممتدًا من التحولات إلى اليوم أغرب ما فيه تنكُّر ما قبله وإعادة بعثه من جديد ليُصبح الأيقونة عند كل مرة كأنه مولود جديد، وطرحٌ جديد واعتباراتُ كلّي العقلِ الراقصِ على إيقاعِ الكلماتِ والحيثياتِ بين الموتِ والبعثِ فيما يشبه العود الأبدي.
لكنه بعثٌ لموت أرسى قاعدة أن ما من حضارة إلا وتشيخ فتموت، ثم تكون الولادة الجديدة.
أما الحالة الثانية فالمؤسسة هي الكنيسة، ومدينة الله. وسرعان ما كانت الكنيسة حافظة لسر الخلاص؛ حتى أَشاعتها الكلمات، وتأرجحت بين أن تكون هي مدينة الله (الكنيسة الأم)، وبين كنائس تعدّدت بين جدل الصراطية والتجدّد. والحاكم الحاسم هو أن تؤمن؛ إذ بالإيمان تحفظ انبثاق اللحظة الأولى والشعلة الأولى، والثلاثي المجهول السر المتجلبب بالنقيض.
ولما كانت المؤسّسة لا تقوم إلا على نحو من العقلنة، والانتماء إنما يقوم على الإيمان. فكانت القاعدة الذهبية (آمن ثم افهم). وهو ما أفسح للزمن، لقيصر، أن يخترق حصون المقررات الإيمانية، وليتماهى مع الإيمان المـُتفهِّم لكل وافد من زمن الإنسان، فتتشكّل حضارة مدينة الإله وفق نظام دولة قيصر. بالتالي حضارة الغرب المسيحي.
* * *
الموت العبقريّ في رؤية الدين الجديد.
إن كنا أمام سياق من ولادات لعبقري موت بطله فيلسوف ومتألِّه. فنحن أمام مسار آخر رمزه مختلف وعنوانه “الدين الجديد”، بل خاتم الأديان والرسول والرسالات. وأيقونته سبط نبي وآله والأصحاب. جدُّه عمدة الرسل، وكمال الرسالات المتمّم لمكارم الأخلاق الذي صدع للعالمين برسالة جاءت بعد رحلة روحية من قوس صعود الوجود الذي احتضن الزمن، وشق عباب كثراته فجاب سبع سموات من البرزخ والتجريد، ليسلِّم على كل نبي بسلام الله. فوحّد بنبوته الأنبياء، وبرسالته الرسالات، وصلّى بالأنبياء صلاة توحيد الصلة بالله، فكان رسول التوحيد القاهر لكل حدٍّ، وتناهٍ، بتكبير يختصر كل المعنى “الله أكبر”. وورث العبودية المطلقة عن المطلق، وأورثها. فكان صاحب كأس الحياة والشهادة بعوده من عالم الوحدة إلى عالم الكثرة في قوس النزول. الذي اكتملت معه دائرة الوجود الأقدس والمقدّس. ولنا مع الكأس والشهادة حديث.
أما أبوه فهو صاحب عقل ِالخُبرة، وعبقريِّ سنن الله في الحياة، المورث في وصيته لابنه الحسن صفو الحقيقة والذوق المـُلْهَم والمـُلهِم.
وفاتح حضارة “الاستشهادي” بمعناها الخاص الذي تمثَّل عند القتال، أو في مبيت حفظ حياة الرسول والرسالة. وحضارة شهادة المحراب التي أعلنها كفوز أخير.
وأمه بضعة النبي وروح النبوة والعصمة، سيدة نساء العالمين، وصاحبة شهادة الولاية.
وأخوه رمز المظلومية القاهر لفتنة الالتباس والشك بمهجة حفظ حياة الإيمان، والذكر الحكيم التي كان شهيدها المـُبرَّز.
أما هو فالحسين وارث الأنبياء والأوصياء، وسيد الشهداء. وأبُ الذرية المعصومة. لقد مثّلت شهادة الإمام الحسين في كربلاء رمزية لشهادة مظلومية خلَّاقة. وبَنَتْ وفقها قيمًا وثقافات ومسار تحولات بالغة العمق في حياة شعوب وأعراق لم تنتهِ إلى يومنا هذا. ما ميَّز هذه الشهادة فظاعة صورها، فلقد تم تقطيع جسد الإمام، ورُفع رأسه على الرماح. ولأن المشاركين في تلك المشهدية لم يكونوا مجرد متفرّجين؛ بل انخرطوا في قضية الصراع حتى الشهادة؛ فإن المقتلة كانت هذه المرة جماعية. والرمزية كانت عبقريّة خط الشهادة.
الرجال والنساء والأطفال، الكل شارك في خلق مشهدية الشهادة الفاصلة بين الحق والباطل في معركة القيم والمظلومية. وعندما قال سيد الجميع: “إني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما” أجابوه، رغم طلبه منهم أن ينجو بأنفسهم عن القتل “أنبقى بعدك، لا أبقانا الله بعدك”.
فالموقف هنا من الموت والحياة صار مشروطًا، وقوامه السعادة والعزة والإباء، والأهم الوفاء.. من دون أمانة الوفاء للرسالة والقيم ورمز المسير الروحي؛ لا قيمة للحياة. ومن دون أن يُورِّث للأمة والناس حياة عزيزة لا قيمة للموت. لم يعد الموت الشهيد مقتصرًا على الرمز الفرد، بل صار جماعة ترث وتورث. ولم يعد الموت مجرّد كلمات واعتبارات ومؤسسة؛ بل صار روحًا تتجدّد عند كل مُلتحِق بالمسير.
“من لحق بي استُشهد، ومن لم يلحق لم يبلغ الفتح” الإمام الحسين (ع).
والهدف هو الفتح بكل ما للفتح من انكشاف النفس والذات على عوالم من الروح والغيب؛ وبكل ما للفتح من دلالة على النصر. ليس الموت هنا انتحارًا، والنظر للحياة بعبثية، بل الموت إضفاء المعنى للحياة بعدك يا حسين، بل وبشهادتك.
وهو حالة وقصد ومعنى تستعصي على الأشكال والنُظُم المـُقنّنة الأحادية الوجه، كما تستعصي على مفاصل الزمن والجمال والحُكم.
ففي الزمن الشهيد وارثٌ ومُوَرِّث؛ فكل مسار الوحي عند الرسالات الماضية والآتية في الزمن هي ساحته. آدم كنوح وإبراهيم وموسى وعيسى وحوارييهم؛ وكمحمد تكوثرٌ لا ينقطع، فالأول في نظام الحسين الشهيد محمد، والأوسط محمد والآخر محمد. وهكذا من ورثه وأورثه أو سيورثه؛ وإن كان الزمن حركة لا تتثاقل فإنها حركة تكاملية تستهدف: يوم يرث الله الأرض ومن عليها بحافظ العهد والأمانة، كمال الدين. أما الجمال المتجلّي بشعلة لسان الحقيقة، فليست إلهًا؛ بل ولا معصومًا. إنها وارثة عهد البيان المحمدي العلوي الشهيد. التي ما رأت إلّا بعين الإلهام، ولم تذق إلّا بذائقة المعرفة ولم تشهد إلّا بروح تجلّيات الجمال الإلهي؛ فلم تَرَ إلا جميلًا. هي سيدةٌ قيل فيها إنها لسان النهضة والشهادة، هي زينب. في معرض جوابها حين سؤالها كيف رأيت صنع الله فيكم؟
تجلّت فيها الشهادة التوّاقة للحب والرحمة الإلهية، فنادت لم نرَ من الله إلا جميلًا.. لتكون هي مورد الذوق العبقري لبيان الشهادة المتماهي مع مورد الذوق العبقري لفعل وإرادة الشهادة الطوَّافة عند الحسين وأولاد الحسين، وصحب الحسين. ومن ذاك البيان اخترقت الروحُ الزمنَ فسرت وما زالت تفتح العصور والأماكن على الحسين (ع).
وقبل أن نضع التجوال عند وارثٍ عظيمٍ للشهادة الحسينية “قاسم سليماني”، بودّي أن أقف عند رمزية لثلاثي انبعاث الموت عند أكاديمية الفلسفة؛ ولاهوت الخلاص، وروح الشهادة في الدين الجديد. وهي الكأس.
كأس الموت والحياة.
الكأس رمزٌ مُوَحِّد ومُفرِّق عند كل من عبقريّ الفلسفة واللاهوت والشهادة. ففي كل مرة سمعنا بكأس الموت، عند الأول كان السم الذي أباح موت الانتحار وعلى صورة مشهدية مسرحية. وعند الثاني كان تعبيرًا عن ضعف بشري أمام الامتحان حينما خاطب المصلوب على خشبة قائلًا: أبعد عني هذا الكأس. أما في الحالة الثالثة فكان الكأس رواءً للظمأ ومبعثًا للحياة الأبدية وعود الاغتراب إلى ديار الحبيب. في كربلاء قال الأب الحسين لابنه العطشان، قاتِل وسَيَسْقِيَكَ جدُّك من كأسِه الأوفى شربةً لا تظمأُ بعدها أبدًا. وفي كربلاء أبلغ الابن لحظة الاستشهاد أباه أن لك عند جدي كأسًا لن تظمأ بعده أبدًا.
هذه المرة لم يكن الكأس سمًّا أو انتحارًا أو ابتلاء مكروهًا، بل كان الكأس ارتواء روح وحياة أبدية. ولم يقتصر الكأس على الابن والآب، بل بلغ رِواه وديمومته كل ملتحق بمسير نُصرة الحق بتجلياته التي قالتها ذواقة عبقري الشهادة زينب إنها عين الجمال. وهو ما يقبل أن يكون الحُكم على كل من صدق ما عاهد الله عليه ممن قضى نحبه وممن ينتظر. وهو الرزق الإلهي والبشارة المحفوظة عند الذين وصلوا ليسأدوها إلى الذين لم يصلوا إليهم بعد. ممن يريدون جعل الأرض كجنة الخلد، وزمانية المـُلك كتجرّد روح الملكوت. فما هي تلك البُشرى؟ وما روح معناها ومداها؟ يقول تعالى: ﴿أَلاَ إِنَّ أَوْلِيَاء اللهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآَخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَلاَ يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ للهِ جَمِيعاً هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾[3].
إن الخوف والفزع والجزع، إزعاج القلب لما يتوقع من المكروه، والأمن ضده. والحزن غلظ الهم، والسرور ضده والبشرى الخبر مما يظهر سروره في بشرة الوجه. والعزة شدة الغلبة، والعزيز من قوي حضوره ووجوده.
وبنظرة أولية إلى الآيات فهناك تأكيد على سُنَّة ووعد إلهي (لا تبديل لكلمات الله) بحصول البشرى الإلهية لصنف من الناس، إنهم:
-
أولياء الله.
-
الذين آمنوا.
ج. أهل التقوى والاتقاء.
إذن، معادلة العزة التي يتلقى أهلها البشرى هي التحصّن بالولاية، بحيث يصبح المـُتوَلي وليًّا. والولي أصالةً هو الله سبحانه. وكل من عداه كانوا أهل ولاية بتوليهم لله سبحانه، ثم شرعوا بممارسة هذا الدور حسب عمق انخراطهم الروحي والعقلي والكياني بالولاية التوحيدية، ليكون منهم الرسول والنبي، ومنهم الإمام والوصي، ومنهم الصدّيق والتقي والمؤمن، ومنهم الشهيد. وهذا يعني أن الولاية هي عين الرسالة الوحيانية بمستوياتها المتقدّمة من الإيمان بكل مستلزماته، ومن التقوى بكل مفرداتها، الأخلاقية، والمعرفية، والسلوكية الدينية والاجتماعية والسياسية.
أصحاب المشروع الولائي يصلون لحد من السكينة والطمأنينة، بحيث إنهم لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. وقد أخذ الله سبحانه على نفسه أن يوصل إليهم البشرى. وهي ما يرغبون ويحبون مما تعشقه قلوبهم. قد يراها بعضهم، حسب الروايات، في الرؤيا الصادقة، وقد يعيشها بعضهم نصرًا من عند الله سبحانه. وقد يتلمّسها بعضهم آيات وعلامات هي وجه الله في رحمته ووصاله كتلك التي أشار إليها الشهيد قاسم سليماني. عندما قال: “يا معشوقي أحبك لقد رأيتك وشعرت بك مرات عديدة”[4].
إلا أن هذه البشرى قد تتجسّد سرًّا للولاية يُسْفر عن وجه غموضه بالطلعة الرشيدة في الدنيا وعند الموت وما بعده، وهو ما نقلته الروايات عن حضور محمد وآله؛ وهذا ما يسميه أهل العرفان بالكشف الأعظم، بحيث إن أحد العرفاء ذكر مرة فقال: إن أعظم ما انكشف لي سُماع الآذان بصوت محمد (ص).
وكثيرة هي الروايات التي تتحدث عن حضور النبي وعلي وفاطمة والحسن والحسين عند المحتضر الموالي. فكيف الموالي الشهيد؟! وكم هي القصص التي تناقلها المجاهدون عن إخوان لهم عند شهادتهم تتعلق بما أفصحوا به من رؤية أهل البيت (ع). وعندما نستعيد ماء الحياة الذي لا يظمأ بعده الراغبون أبدًا من كأس الولاية المحمدية المستمرة دفقًا وحيويةً وانبعاثًا لا ينقطع، يكون الموت هنا ذوقُ عبقريةِ الحياة؛ لا سمٌ ولا خطيئة. وهو ارتواءٌ كامل. وهو ماء الخلود والصفاء والحب الذي لا انقطاع فيه.
ومنشأ هذا الارتواء من معين الولاية؛ الإيمان الذي يحيي العقل والفكر والقلب عند الذين ﴿يَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ﴾[5]. تفكّرُ ذات تكتشف الغائية والحق في عالم الآيات فتُشعل القلب والروح ليصدحان بالتنزيه والتعظيم “سبحانك”.
ومن مظاهر الأمن لهؤلاء ما ورد في سورة آل عمران ﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ * الَّذِينَ اسْتَجَابُوا للهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ * الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللهِ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ﴾[6].
مظاهر البشرى في هذه الآيات تتبلور بجملة أمور:
الأمر الأول: أن ما يبدو للعيان موتًا، هو في حقيقة الأمر حياة؛ وأيُّ حياة؟ حياةٌ عند الحي الذي لا يموت، يأتيها رزقها دون انقطاع حتى الارتواء الكامل، ويغمرها الفرح الذي لا حُزن فيه ولا حَزَن.
الأمر الثاني: أن ما يبدو للعيان قد خَلَّفَ غمًّا وقهرًا، هو في حقيقته بُشرى يتوارثها ركب الشهداء، ومن انتسب إليهم من اللاحقين مسير الولاية، وهؤلاء إرثهم أنهم لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وكفيلهم الله.
الأمر الثالث: مضمون البشرى رزق، وفضلٌ ونعمة إلهية، وأجرٌ لا يضيع لكل من آمن بمسير الولاية، والتحق بركب الشهادة الحسينية. وهو قوله: ﴿ اسْتَجَابُوا للهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ﴾[7].
ثم لا يقتصر الأمر عند هذا الحد، بل يتعاظم الأجر، بناء على تعاظم البناء الروحي من الإيمان، لمقام الإحسان، وتعاضد مع تقوى بناءِ الحياة الإيمانية والجهادية والمجتمعية على قيم روح التقوى. لأولئك “الأجر العظيم”، الذي يتجاوز حدود التصور، فأن يكون مطلقُ الفضلِ والجودِ والإحسانِ؛ هو الذي يصف الأجر بالعظيم، فهذا يعني استبشروا يا أيّها الولاية والتقوى بما لا تعقلون مداه.
الأمر الرابع: من مظاهر فعل البُشرى وتأثيراتها؛ انقلاب ظواهر الأمور إلى ما يعاكسها، مثلًا حينما يشتد العُسر، فإن النتيجة هي اليُسر ﴿ إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً﴾[8]. أو ﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ…﴾[9] ضمن الحسابات الطبيعية أن يولِّد الأمرُ انتكاسةً نفسيةً وخوفًا، لكن بسبب البشرى ﴿ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً﴾؛ أعطاهم الطاقة الروحية غير المنظورة ﴿ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾؛ أسندوا قلوبهم على الله، واحتسبوا أمورهم عنده، ثم توكلوا عليه مصدرًا للقوة والعزة.
وهنا التعبير الأقوى ﴿ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ﴾[10]؛ (انقلبوا) بفعل طاقة البشرى؛ وهي إحداث الانقلاب. داخل الذات تتبدل صور الحقائق على نحو من الصدق والصفاء الخاصين، وتنقلب الإرادة من الخوف للفرح، وتنقلب القدرة لتكون الأعلى، وتنقلب أحوالهم بحيث ﴿ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ﴾.
الأمر الخامس: أن يرسم مسار بشرى الولاية صراطًا لا يحيد عن الحق ﴿ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللهِ وَاللهُ﴾[11].
وفي هذا السياق الذي يكشف عنه القرآن الكريم ذوق جمالي فيّاض بالحياة، بحيث تغيب فيه صورة الموت والقتل تمامًا، وبعبقرية تتجاوز حدود النقاش الذي دار في الفلسفة حول الروح الفردي في مواجهة الموت، والروح الكلي. كما تتجاوز ثنائية عالم الدنيا وما بعدها؛ إذ تُبدع وحدة من مسار تتآلف فيه الدنيا والآخرة، الفرد والجمع، الجزء والكل، البلاء والفرح. وعنوانه: البشرى. ودربه: الرضوان. وحقيقته حياة لا تعرف العطش والجوع والألم والضياع، كما لا تعرف اليأس وانتكاسةَ عدميةِ الموت.
والعبقرية في حدود جدلية الموت والحياة هي في أمرين: في الروح الكلي لفلسفة ارتواء الذات من البشرى عن كل ظمأ، وفي حركة الفرد الموالي وصاحب إرادة صنع النصر والحياة.
فمع الروح الكلي تتشكل وحدة الجماعة البشرية منذ فجر التاريخ إلى لحظات أفول الكون بالقيامة، وهي وحدة الأمة العقدية؛ (الإسلام بمعناه التوحيدي لكل من انتسب أو سينتسب إليه من أهل الشرائع والأديان)، كما أنها وحدة القلوب الواقعة بين يدي الله “ولكن الله ألّف بينهم”، ووحدة فعل العقيدة والحقيقة بإرادة تكوينية ينشأ عنها ولاية تشريعية واعتبارية هي “الولاية”، و”التولّي”. إلى درجة أن يصير الأمر على منظومة ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾[12]. بعد أن تحرك من خلال نظام توحيدي ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا﴾[13]. وهذه الوحدة الكلية هي التي تنشيء مسارات خط الخلافة الإلهية القائمة على الحكم بالعدل، والمستبشرة بالنصر على الدوام. ﴿يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ﴾[14]. ناتج الخلافة هي أن يحكُم المستخلَف الأرض بالعدل، وأن يحقق الغلبة والنصر لتشرق الأرض بنور ربها ﴿كَتَبَ اللهُ لاَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾[15]. ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾[16].
وتنتقل هذه الصورة الإبداعية في فعل خط الشهادة إلى نهاية غاياتها عند قوله سبحانه: ﴿وَأَشْرَقَتِ الأرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيء بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ﴾[17].
هنا توُحّد منبع الروح الكلّي للوجود، مسار الروح الكلي للعالم من الكلام الإلهي، وآيات الكتاب إلى صراطية الهداية للنبيين والشهداء، ليكونوا هم ميزان الحق الذي قضى به المولى سبحانه. وهنا إبداع الموت الخلّاق لحياة النصر والبشارة والعدل الذي يعشقه أصحاب قتل الشهادة، الصانعين لحياة النُصرة والنصر. وهما هدف ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرْضِ خَلِيفَةً﴾[18]. وصورة هذا المسار في عاقبة الآخرة هو “التوحّد بين الإرادات الخيِّرة، بإرادة الله سبحانه؛ بل وتمام الذوات بمالكية الله المطلقة”.
وهنا ما يشير إليه أهل الله من أهل المعرفة والعرفان، من عودة قطرات الوجود والحياة إلى منبع حوض الرحمة والخلود والوجود.
أما فيما خصّ البعد الفردي والشخصي فإنه يتكامل بين دفتي المعرفة والإرادة. فالمعرفة قد تكون عقلًا يكتشف أو ينشيء حالًا جديدًا، أو يتصرف بالمعطيات ليحيلها معلومة على وِفق الدليل والتجربة والبرهان. وقد تكون مشاهدةً وكشفًا ومعاينة. وفي الحالة العقلية تتغذى الإرادة بما يحفظها من طموح وكمال. إلا أن صعوبة ترميم فجوة الثنائية بين العقل وما أنتج، ومحفّز الإرادة وحركتها. يبقى عائقًا يصعب ردمه وتجسيره تجسيرًا توحيديًّا. مما يقلّل من قوة الإيمان الإرادي – الاختياري، ويُضعف حالة اليقين الذاتي.
أما عند الحالة الثانية من المعرفة فإنها تتحول لحياة. ذلك أن مجاميع النفس بقواها وقابلياتها الإدراكية والإرادية والوجدية كلها تتوحد مع الإرادة لتكون بما هي تجلياتِ الروح، على تمامٍ من الوفاق. ليصبح الواحد الذي تكثّر؛ واحدًا بعد التكثُّر وهو ما يسمّيه أهل العرفان بالفطرة الثانية (الحياة الطيبة). ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾[19].
لذا، تصبح حالة اليقين وحالة الإيمان واحدة ولا يعود النظر إلّا إلى النفس ذاتًا؛ بما هي عين الفقر والتعلّق بمصدرها. وهي النفس المطمئنة ﴿ يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي ﴾[20]. هذا الكلام الناظر إلى فردانية العارف، ترك انطباعًا وكأن العرفان هو دربٌ فردي أيضًا. وصار العارف كأنما هو الفرد المنفصل عن الآخر من الناس والطبيعة، والذي فعله إنما يتناغم مع فعل فرديٍّ حصرًا من عمل وعبادة وتوجه. وهنا الالتباس الخطير؛ إذ من الصحيح أن لكل عارف فرادته في إبداعه العبقري بتكامل الصلة بالله سبحانه. إلا أن هذه الفرادة لا تعني الفردية الشخصية أو فردية الصلة. العارف الحق كالفنان الأصيل هو عالمٌ فريد من روح المعنى المغمور بالروح المنبسط للعالم والمتشاكل مع أنوار المعاني لمدارج الوجود في كل مدرج بحسبه. فيصير العارف ذوَّاقًا ينظر لكل شيء من عالم الكون، ولكل أمر من عالم الأفعال فيرى فيه وجهًا وسنّة هما آية من آيات الواحد، إلا أنه يرى كل شيء بحسب ما تجلّى له الواحد من شؤونات المـُبدع فيما أبدع في المظهر وعند العارف. والحال الموحِّد للكل هو قَبَسٌ مما أعلنته العالِمة غير المـُعلّمة زينب (ع) “لم نر إلا جميلًا”. ولهؤلاء طاب ويطيب “كأس الحبيب محمد (ص)”.
* * *
سليماني ومشرب شهادة النصر والخلود.
تتشكل وثيقة وصية الشهيد القائد قاسم سليماني من بنية إيمانية اندمجت فيها الرؤية التوحيدية العرفانية بحالتي الإقرار والدعاء رجاء نيل استعطاف الرحمة الإلهية، وبتجلّيات من اسم الهادي.
والإقرار في مشرب الشهداء العارفين، توبةٌ تطمح لتكون نَصُوحًا (التوبة النصوح). وعد الله سبحانه أهل الإقرار بقبول اعتذارهم واستغفارهم المنطلق من كينونة العبودية لله سبحانه وهو ما يؤهل وجود وجوهر ذات العاشق لنيل بركات الألطاف والرحمة الإلهية. وينقسم الإقرار عند الشهيد سليماني إلى ركائز ثلاث:
الركيزة الأولى: الإقرار العقائدي القائم على معنى الشهادة “أشهد”؛ إذ يذكر في مطلع الوصية: “أشهد بأصول الدين”. ليفصّل الأمر كالتالي: ” أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنّ محمّدًا رسول الله، وأشهد أنّ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب وأولاده المعصومين الإثني عشر أئمّتنا ومعصومینا حجج الله. أشهد بأنّ القيامة حقّ، والقرآن حقّ، والجنّة وجهنّم حقّ، والسّؤال والجواب حقّ، والمعاد، والعدل، والإمامة والنبوّة حقّ”. فنفس سليماني بذاتها المدركة المؤمنة تقرُّ بما سيحمله سؤال القبر من عقائد ولائية أعلن عن إجابته عنها هنا والآن. عساه يتجاوز فتنة القبر وسؤال منكر ونكير فينجو، ليعود فيؤكّد إيمانه بالمعاد وما يظهر فيه من عدل الرحمة الإلهية المطلق يوم النشر والحشر، وليعود مستشفعًا بالإمامة والنبوة. وتبرز قيمة الإقرار أن التشهد فيه انبعث حيًّا بعد أن سقاه رضوان الله عليه بفعل ودم الشهادة والجهاد.
الركيزة الثانية: الإقرار بالحمد والشكر لله على نعمائه؛ وما الحمد إلا دهشة الحامدين أمام تجلّيات مراتب التوحيد في صيغتيه النظرية والعملية. وهو توحيد غير داخل في الزمن، ولا خاضعًا له، رغم أنه لا يجافي الزمن أو يعانده. مما يحيل الزمن عند عبقري عرفان الشهادة إلى هيئة من عبادة الموحّدين “إلهي أشكرك على نعمك”. ومنها:
-
تكامل المرء ليكون إنسان الدهر، لا إنسان اللحظة التي قد يطويها التصرّم والاعتبارات العدمية. وهو مضمون لمعانٍ استقاها الشهيد من مولاه سيد الشهداء في دعاء عرفه: “إلهي أشكرك أن نقلتني من صلب إلى صلب، ومن قرن إلى قرن”، فالمولود ما كان عدمًا، بل كان حيًّا عبر الأزمان يرتع بنعيم العناية الإلهية التي قضت له أن يلد عند لحظة من دنيا الزمن الساري، “وسمحت لي بالظهور، ومنحتني الوجود، بحيث أتمكّن من إدراك أحد أبرز أوليائك المقربين والمتعلقين بأوليائك المعصومين، عبدك الصالح الخميني الكبير. وأن أصبح جنديًّا في ركابه… اللهم إني أشكرك على أن جعلتني سائرًا على درب عبد صالح آخر من عبادك الصالحين،… رجلٌ هو حكيم الإسلام والتشيُّع وإيران وعالم الإسلام السياسي اليوم، الخامنئي العزيز روحي لروحه الفدا.. إلهي لك الشكر على أن جمعتني بأفضل عبادك، وتكرّمت عليَّ بتقبيل وجوههم الجنائنية واستنشاق عطرهم الإلهي، ألا وهم مجاهدو وشهداء هذا الدرب”.
كل هؤلاء الذين شكر الله أن منَّ عليه ليكون بينهم كان يراهم مظهرًا يُرخي عالم الأمر والحقائق الحاكمة على الزمن والوقائع أسداله عنهم، فيبرزهم من ثماره التي هي روح هذا العالم. ألا وهم آل بيت رسول الله (ص) (الحقيقة المحمّديّة): “فإني وإن لم أحظَ بتوفيق صحبة رسولك الأعظم محمّد المصطفى (ص) ولم يكن لي نصيبٌ من فترة مظلوميّة عليّ بن أبي طالب وأبنائه المعصومين والمظلومين (ع)، فقد جعلتني في نفس المسار الذي بذلوا لأجله أرواحهم التي هي روح العالم والخلقة”.
الزمن بما فيه من أحداث، وبمن فيه من مرجعيات يرتبط بها عاشق الشهادة سليماني؛ هو زمن يرتكز وجود معناه على روح العالم محمد الرسول (ص)، وأهل بيت العصمة. عليه، روحه هناك؛ وإقراره بالشكر، إذ رأى في الإمامين الخميني (قده) والخامئني (حفظه المولى) تمثيلًا حقيقيًّا لنعمة “الولاية” ولاية محمد وآله (ع). وما الشهداء إلا سادة قافلة الصراط الإلهي إذ يراهم دربًا للولاية، ويشتم فيهم رائحة الجنة وعطرها، حتى لكأنما كان الشهداء الذين عايشهم بمثابة الروح والريحان اللذين إذا ما تعلقت النفس بهما وفدت جنة النعيم ﴿رَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ﴾[21]. فكان رضوان الله عليه كلما رأى مجاهدًا أو ودّع شهيدًا تفاعلت نفسه طالبةً عبقري حياة الموت؛ الشهادة.
الركيزة الثالثة: الإقرار بالافتقار والعبودية. “إلهي! أيّها القادر العزيز والرّحمن الرزّاق، أمرّغ جبهة الشّكر والاستحياء على عتبتك”؛ والحياء هنا، واحدٌ من سُبُل السير والسلوك العبودي. إنه غارق في محبة واهب كل شيء، بحيث يخجل أن يسأله شيئًا، لكن المثير للانتباه هو دمج الشكر والاستحياء في حالة من الإحساس العميق بالنعمة الولائية، بحيث يقول: “أن جعلتني أسير على درب فاطمة الزكية وأبنهائها (والزهراء فضلًا عن كونها مخزن الأسرار هي منبع شهادة الولاية العلوية)؛ وجعلتني أنال توفيق ذرف الدموع على أبناء علي بن أبي طالب وفاطمة الزكية (ع)، أيّ نعمة عظيمة هذه التي هي أرفع نعمك وأثمنها، وهي نعماك للنور والمعنوية، وهياج يحمل في طياته أرفع درجات السُّكنى والطمأنينة، وحزنٌ يختزن الهدأة والروحانية”. مقطع عجيب وعميق ومحيِّر. فهو يبرز فيه فلسفة البكاء في الإسلام، كما يُبرز فيه فلسفة تغيُّر كينونة النفس وحقيقة صورتها بفعل البلاء المفجع والحزن العميق؛ إذ البكاء سلاح الداعي في محضر السؤال والطلب من الله سبحانه. وهو مظهر وأثر الحب البليغ المشارك أهل البيت (ع) في مصابهم، ومواساةً لهم. مما يطرح قضية القرابة الروحية لأهل البيت، وعهد الصحبة الصدوقة الثابتة بميثاق الروح لهم (ع)، مما يجعلهم فرصة لرزق معنوي عظيم وبركة وجود متعلق بمصدر الوجود. الأمر الذي يجعل المواساة تتجاوز حدود الاعتبارات لتكون منشأ لتغيير واقعي في الوجدان الإيماني والمعنوية الروحية. مما يُحدث انقلابًا لحالة الضجيج والحزن ليكون هدوءًا وسكينة لنفس مطمئنة.
وقبل أن أطوي الصفحة عن هذه النقطة؛ ينبغي أن نلتفت فيها إلى أمر بالغ الحساسية؛ وهو أصالة الحب والوفاء في البر. فحب الله سبحانه الذي يتجلّى بحب الرسالة والرسول وخزنة الوحي والذكر الحكيم. ينبسط رحمانيًّا على كامل صفحة الموجودات؛ والعنوان الأهم، هم الناس، عباد الله سبحانه، ومن جعل الله رضاهم رضاه “الوالدان”.
وهو ما يؤكد إنسانية المعنوية الإسلامية. فبدون هذا العمق الإنساني لا شيء يؤكد وجود المعنوية الروحية الإسلامية.
من هنا يقول رضوان الله عليه: “إلهي! أشكرك على أن رزقتني والدين فقيرين، إلّا أنّهما كانا متديّنين وعاشقين لأهل البيت وسائرين دائمًا في درب الطّهر والنّقاء. أطلب منكَ متضرّعًا أن تسكنهما في جنّتك ومع أوليائك وترزقني لقاءهما في عالم الآخرة”. إنه يطلب شفاعة الله لهما وشفاعتهما له. وأن يكون لقاؤه بهما رزقًا إلهيًّا ومنًّا من عنده سبحانه.
إذن، الولاية المبنية على الحب والبر والوفاء هي عناوين مسير سلوك العارف الشهيد، ومظهر من مظاهر إقراره بالعبودية لله سبحانه.
ثم تتصاعد لغة العبودية والافتقار عند الشهيد القائد بحيث يعلن “أنا خالي الوفاض وحقيبة سفري فارغة، لقد جئتك دون زاد وكلّي أمل بضيافة عفوك وكرمك. لم أتّخذ زادًا لنفسي؛ فما حاجة الفقير للزّاد في حضرة الكريم؟!”.
كل هذا المسير الجهادي المتفاني ويقول: “أنا خالي الوفاض”، “حقيبة سفري فارغة”، “جئتك دون زاد”. ومن يتابع بعضًا من سيرة حياته رضوان الله عليه، يعرف كم كان يتسول بفقر عند أعتاب الأئمة، ويناجيهم بدموعه راجيًا شفاعتهم، وكم بكى الشهداءَ حبًّا وطلبًا لشفاعتهم، بل كان إن أحسّ من إنسان ما خيرًا طلب منه أن يشفع له، وكان يحمل قطعة قماش من كفنه ليطلب من أهل العلم والمعنى والجهاد أن يوقعوا على مقولة: اللهم لا نعرف عنه إلا خيرًا. كل هذا كان يمارسه بإصرار وبمسارعةِ من يسعى كيلا تفوته فرصةُ خير.
رغم ذلك يناجي ربه بحكمة بالغة واتضاع واثق بسيده “ما حاجة الفقير للزاد في حضرة الكريم”.
ويبدأ الشهيد باستحضار معالم الفقر عنده والثقة بما عند سيده ومولاه. هو يعلم أن أعضاء البدن ستشهد، فقدّمها قرابين في محضر العشق والحب والتفاني “جئتك بعينين مغلقتين رغم كل ما حملتاه من أوزار فإن ثروتهما ذاك الذخر العظيم المتمثل بجوهرة الدموع المسكوبة على الحسين (ع)… على أهل البيت (ع).. جوهرة ذرف الدموع عند الدفاع عن المظلوم واليتيم، والدفاع عن المظلوم المحصار في قبضة الظالم”، يبكي أهل البيت والحسين (ع) كما يبكي وجع الإنسان المحتاج والمظلوم. أيُّ روح عبقرية هي هذه التي حملت أنّات الموجعين والمظلومين وعذاباتهم. أيُّ حبٍّ هو هذا؟ أيُّ حميّة هي هذه؟ لقد علّمه الدمع الحسيني أن يحفظ حب كل موجود حي وحر ومستضعف وجاء به قربانًا إلى الله.
“إلهي يداي خاويتان… لكنني ادّخرت في يداي شيئًا وأملي معقود على هذا الشيء، إنهما كانتا ممدودتين إليك… وعندما كنت أضعهما لأجلك على الأرض وعلى ركبتي، وعندما حملت السلاح بيدي لأجل الدفاع عن دينك” سخّر يداه للطلب والوصال عند رفعهما، وللعبادة عند وضعهما، وللدفاع عن الدين عندما حملتا السلاح.
“إلهي قدماي مترنحتان لا رمق فيهما، لا جرأة لهما على عبور الصراط الذي يمر فوق جهنم”: ما عادت أعضاء الجسد إلا ذكرى وتذكّر لحقيقة تحيط بهذا العالم المتمحور بالإنسان، حقيقة أن الآخرة محيطة بالدنيا.
فما عاد عند العارف الشهيد من معنى للدنيا خارج إطار الارتباط بوقائع وحقائق في الآخرة. لذا فإنه يسعى ليبدِّد خوفه ببارقة الرجاء. ورجاؤه أنه طاف برجليه في الحج، وركض حافيًا وجاب سياحة الولاء بين حرمي الحسين والعباس، وأنه ثبت بهما في متاريس الجهاد.
“إلهي رأسي وعقلي وشفاهي وأذني وقلبي وكل أعضائي وجوارحي غارقة في هذا الأمل”. أيّ أمل؟ “اقبلني طاهرًا، اقبلني أن أكون لائقًا للوفود إليك”. “لا أرغب في شيء سوى لقياك، فجنتي جوارك يا الله”. بعدها يخاطب الله بلغة العارف العاشق قائلًا: “يا محبوبي ويا معشوقي الذي لطالما طلبت منه أن يغمر وجودي بعشقه [احرقني وأمتني بفراقك]. وهنا تصل روح العارف الشهيد إلى مرحلة التيه والحيرة بعد استتباب اليقين في مرائي العظمة والحب فيصرخ “لقد تهت في الصحاري نتيجة اضطرابي وتخلفي عن هذه القافلة (الشهداء)، وأنا أتنقل من هذه المدينة إلى تلك المدينة، ومن هذه الصحراء إلى تلك الصحراء، في الصيف والشتاء، بدافع أمل يخالج قلبي. أيها الحبيب والكريم لقد عقدت الأمل على كرمك وأنت تعلم أني أحبك. وتعلم جيدًا أني لا أريد سواك فدعني أتصل بك”.
إنه جنون عبقري العارف إذا تداعت عليه نسائم العشق فأسكرت عقله، وهيّمت قلبه، وأثارت مآقي دمعه، فجاب في البلدان يبحث عن وصال، أفناه بدلال الفراق، ثم أذابه، ثم ابتعثه، ثم أبقاه في وصال عاشق لا حدَّ له ولا سكون. وفي عقيدة العاشقين العارفين أن الله إذا جاءه عبده متقدّمًا نحوه مترًا سارع الله إليه أميالًا.
لذا عاجلته الرحمة الإلهية، وانسكبت عليه من ألطاف الحب حتى أوقع الله بيده قلب الشهيد العارف رضوان الله عليه، ورأسه وعيناه وأذناه ويداه ورجلاه وكامل جسده ليتلقاه كأقرب ما يكون من مشهد تلقيه جسد الحسين والعباس (ع) وصحبهما. وبدفعة واحدة، ليصير بقتله وموته الذي أسس له الشهيد بعبقرية فذة (سيد شهداء محور المقاومة)، وأيقونة قافلة التمهيد لبزوغ شمس الحرية والولاية “لتشرق الأرض بنور ربها”.
وهكذا رسم الشهيد عرفان الوصال القاضي ببناء الحياة على النصر وصدق وعد الله سبحانه.
[1] سورة الملك، الآية 2.
[2] سورة آل عمران، الآية 191.
[3] سورة يونس، الآيات 62- 65.
[4] من وصية الشهيد قاسم سليماني.
[5] سورة آل عمران، الآية 191.
[6] سورة آل عمران، الآيات 169- 174.
[7] سورة آل عمران، الآية 172.
[8] وسور الشرح، الآية 6.
[9] سورة آل عمران، الآية 173.
[10] سورة آل عمران، الآية 174.
[11] سورة آل عمران، الآية 174.
[12] سورة التوبة، الآية 71.
[13] سورة المائدة، الآية 55.
[14] سورة ص، الآية 26.
[15] سورة المجادلة، الآية 21.
[16] سورة الأنبياء، الآية 105.
[17] سورة الزمر، الآية 69.
[18] سورة البقرة، الآية 30,.
[19] سورة النحل، الآية 97.
[20] سورة الفجر، الآيات 27- 30.
[21] سورة الواقعة، الآية 89.
الكلمات المفتاحيّة لهذا المقال:
عبقرية الشهادةجدلية الحياة والموتفلسفة الشهادةالشهادةالشهيد أبو مهدي المهندسمكتب الحاج قاسمالشهيد قاسم سليماني المقالات المرتبطة
البرهان الفلسفي والعرفان الذوقي في فكر الشيخ ميثم البحراني
تقديم لم يتفق العلماء ـ على اختلاف مذاهبهم ـ في العالم الإسلامي حول إحدى الشخصيات العلمائية كما اتفقوا على شخصية
الخلاص الإنسانيّ والظهور السياسيّ
جذور الانتظار تضرب في أعماق التاريخ، والمعتقد الدينيّ، وهي فكرة مرادفة لمفهوم الخلاص، والخلاص شعور إنسانيّ عامّ
الحوار مع الغرب بين الصدام والوئام
يدور الجدل في الدوائر الإسلامية والأوروبية حول كيفية التوصل إلى حوار جدّيُّ بين الطرفين، ليحلّ السلام ويبعد الخصام، ويتأصّل التواصل
سلام عليكم أرجو إنضمامي لقناتكم الكريمة وإرسال إشعارات كل جديد على بريدي الألكتروني أدناه..مع الشكر والتقدير
عليكم السلام ورحمة الله، نتشرف بكم. يمكنكم الدخول إلى القناة عبر الرابط التالي: معهد المعارف الحكمية