فلسفة المهدوية: العدالة ونهاية التاريخ

فلسفة المهدوية: العدالة ونهاية التاريخ

21st نوفمبر 2024

قد يكون من المبرّر منهجيًّا أن يُطرح أكثر من سؤال حول فلسفة المهدوية ومختلف أبعادها، وكيف يجب أن يُنظر إليها في إطار الرؤية الكونية الإيمانية، وفهمنا لحركة التاريخ وغائيّته، وعلاقة كلّ ذلك بإشكالية العدالة ومحوريتها في الرسالات الإلهية، والمسعى إلى إقامتها في الاجتماع البشريّ، وإخفاق التجربة البشرية في إقامة حضارة العدالة، نتيجة لإعراضها عن رسالة العدالة، المتمثّلة في الأطروحة الإلهية، وبيانها لجميع ما يتّصل بتلك العدالة وقضاياها، والذهاب مقابل ذلك إلى تسطير تجربةٍ تقوم على الإعراض عن تلك الأطروحة، ممّا أدّى إلى تكريس نظامٍ عالميٍّ من اللاعدالة، وإلى عولمة اللاعدالة، وتكريس ثقافتها، وما نتج عن ذلك من اختلالاتٍ بنيويّةٍ، وأزماتٍ، وحروبٍ، ومآسٍ، وأضرارٍ أصابت الاجتماع الإنسانيّ بأسره.

سوف نحاول في هذا السياق التعمّق في فلسفة المهدوية من حيث ارتباطها بقضيّة العدالة، ومحوريّتها في الفكر الدينيّ، وكونها امتدادًا لمشروع الإمامة القائم على إقامة القسط والدّين (في تفسيره الحضاريّ المتمحور حول العدالة)، لتُفهم الغَيبة في فلسفتها، والمنهج المعتمد في تحليلها في إطار السياق الحضاريّ لمسار البشرية، وصراعاتها، ونهاية تاريخها، والذي ينبغي أن يُنظر إليه في إطار الهندسة الإلهية لحركة التاريخ وغائيّته.

من هنا، فقد أردنا في هذا البحث تناول هذه الإشكالية، وجملة العناوين والموضوعات التي ترتبط بها، على أن نبدأ بقضيّة العدالة وصلتها بالفلسفة المهدوية.

إشكالية العدالة في الفكر الدينيّ والتجربة البشرية

إنّ جوهر ما جاء به الدّين في رسالاته السماوية، هو ثنائيّ الإيمان والعدل. الإيمان في المفهوم الدينيّ، ليس مقولةً تجريديةً، أو مجردَ فرديةٍ، بل هو مقولةٌ عمليةٌ، ذات أبعادٍ مختلفةٍ فرديةٍ، واجتماعيةٍ. هو ارتباطٌ بالله تعالى، ذي الكمال المطلق، وصفات الجمال والجلال، بما فيها صفة العدل. والعدل هو من أهم تجلّيات الإيمان بالله تعالى والقرب منه، في المجالين الفرديّ والاجتماعيّ. فمن كان مؤمنًا بالله تعالى حقيقة الإيمان، لا يمكن إلّا أن يكون عادلًا في سلوكه الفرديّ والاجتماعيّ. ومن يفعل عدلًا، لا يمكن لفعله هذا إلّا أن يكون ذا قيمةٍ دينيةٍ مهمّةٍ، وسبب قربٍ من الله تعالى، أو قربٍ من تقواه ﴿اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ﴾[1].

لكن، في الوقت الذي تُستمدّ فيه مقولتا الإيمان والعدالة من حقيقةٍ واحدةٍ، وتنطويان على علاقةٍ جدليةٍ في غاية العمق والجمالية؛ توجد بينهما مفارقةٌ جوهريةٌ، وهي أنّ مقولة الإيمان (والكفر) تدخل في إطار الاختيار الفرديّ، أي في الشأن العقديّ: ﴿مَنْ شَاَءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُر﴾[2]، حيث: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾[3]. أمّا مقولة العدل والظلم ببعدها العام، فلا تدخل في الاختيار الفرديّ، ليس بمعنى الجبر وسلب الاختيار، بل بمعنى أنّها ليست أمرًا قابلًا لأن يُحبس في الشأن الفرديّ، ولا يصح فيها القول: لا إكراه في العدل، بل هنا يجب أن تُفرض العدالة، في حين لا يصحّ فرض الإيمان. هنا يجب إقامة العدل، سواء على مَن قَبِل به أم لم يقبل، في حين لا يمكن فرض الإيمان على من لم يعتقد به.

صحيحٌ أنّ القرآن ربط ما بين فلسفة الخلق والعبادة: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾[4]، لكنّه صحيحٌ أيضًا أنّه ربط ما بين فلسفة الرسالة الإلهية، وما بين العدالة: ﴿لقد أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾[5]، حيث بيّن أنّ القسط وإقامة العدل هما هدف أساسٌ وجوهريٌّ لرسالة الأنبياء، على مدار التاريخ.

هذا من ناحية النصّ الدينيّ، ودلالاته الأصيلة، ومعانيه الصافية. لكن ماذا لو أتينا إلى الواقع الدينيّ وتجربة الاجتماع الإنسانيّ؟ فما الذي يمكن أن نجده في هذا السياق؟

للأسف لا بدّ من القول، إنّ أكثر من خطابٍ دينيٍّ يطمس مقولة العدالة، ويقتصر على مقولة الإيمان. بل لعلّ أكثرَ من فهمٍ دينيٍّ لم يدرك جوهرية العلاقة بين العدل والإيمان، وتجلّياتها المجتمعية والاقتصادية والتربوية والثقافية… لذلك تراه ينجح (بمعنًى ما) في صياغة مشروعٍ ذي مضمونٍ عباديٍّ-إيمانيٍّ، ولكنّه يفشل في صوغ مشروعٍ يحقّق مقولة العدالة الشاملة والبنيوية، في مختلف المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. ينجح في سَوق الناس إلى المساجد، لكنّه يفشل في توزيع الثروة وتحقيق التنمية بشكلٍ عادلٍ.

 إنّ أكثر من جماعةٍ دينيةٍ قد نجحت في إقامة الصلاة، لكنّها فشلت في إقامة العدالة في أكثر من ميدانٍ. مع أنّ حقيقة الصلاة تكمن في إقامة العدالة، بل لم يُقم الصلاة من يكسل في إقامة العدالة، أو قد يحصل أن تنجح تلك الجماعة في إقامة شعائرها وتقاليدها الدينية، لكنّها تفشل في تسييل مقولة العدالة بشكلٍ فاعلٍ في مختلف المجالات العملية، فضلًا عن حلّ المشكلات الاجتماعية والاقتصادية لمجتمعاتها.

ولعلّ من أسباب ما تقدّم، أنّ فهم تلك الجماعة للعبادة التي تؤدّيها، قد جنح بها إلى نوعٍ من الطقوسية، التي أخرجت عبادتها عن حقيقتها، وحرفتها عن أهدافها، وأفرغتها من مضمونها، والتي هي (أي العبادة) في جوهرها إقامة العدل، لأنّ السجود للعادل المطلق (الله تعالى)، لا تعني إلّا إقامة العدل في هذه البسيطة، وبين الناس.

كما إنّ تلك الجماعات قد تجنح إلى البعد الدعويّ في فهمها للدين وتطبيقها له، مع أنّ ذلك في مجمله – كما يمارَس – ينضوي في الفعل الاستقطابيّ واللفظيّ ليس إلّا، في حين أنها تنكفئ عن إقامة العدل، حيث تختبر حقيقة إيمانها، وصحّة فهمها للدين، ومدى التزامها به، وبقيمه الأخلاقية والإيمانية.

ما ينبغي قوله هنا، هو إنّ هذه الإشكالية ليست خاصّةً بالاجتماع الدينيّ، بل هي إشكالية ذات بعدٍ عالميٍّ. بمعنى أنّ كلّ الأطروحات الفكرية تحمل بشكلٍ أو آخر عنوان العدالة، لكنّها تفشل في تحقيقها في الميدان الاجتماعيّ والاقتصاديّ، إمّا لخلل في الرؤية الفكرية، أو لقصور في دراية جوهر الرسالة الإلهية (للمتديّنين)، أو لعجزٍ عن فهم الواقع ومتطلّباته، أو لأسبابٍ وعوامل أخرى ليس هنا محلّ ذكرها.

 في المحصّلة قد يستوي الجميع في العجز عن تحقيق ذلك الهدف، سواء العلمانيّ أو الدينيّ (بعض الإسلامييّن، تجربة الكنيسة في القرون الوسطى…). في الإطار العلمانيّ يمكن الحديث في الرأسمالية، التي قدّمت الحرية على العدالة في رؤيتها الفكرية، وأطاحت بها نظريًا، قبل أن تطيح بها عمليًّا. الاشتراكية في صورتها الأولى، أرادت أن تنتصر لعدالة فئةٍ، فظلمت أخرى. الكنيسة في القرون الوسطى، تحالفت مع الإقطاع والسلطة السياسية، فساهمت في ظلم عموم الشعب، وحرمانه من حقوقه، فضلًا عن كثيرٍ من التجارب البشرية الأخرى، التي لم تكن العدالة فيها جزءًا محوريًّا من مخزونها الفكريّ، أو لم تكن هدفًا أساسيًّا في مشروعها الاجتماعيّ والاقتصاديّ. وهو ما أدّى إلى إيصال قافلة البشرية إلى إرهاصات مرحلة الانسداد الحضاريّ، أو بداياتها، تلك المرحلة التي تنمّ عن خلوّ جعبة البشرية من كلّ الأطروحات الفكرية، التي يمكن أن تشكّل خشبة خلاصٍ لها من ذلك الانسداد، الذي وصلت إليه. وهو ما يدلّ على فشلها في تحقيق خلاصها الحضاريّ، بمعزل عن الهداية الإلهية الحقّة (المهدوية).

في التاريخ الإسلاميّ، لم يكن الأمر أفضل حالًا (عدا مرحلة التطبيق النبويّ وتطبيق المعصوم للعدالة)، حيث يغلب على كتب السيَر والتاريخ الحديث عن أحوال السلاطين وفتوحاتهم وبطولاتهم. لكن في المقلب الآخر، كم استطاعت هذه الدولة أو تلك أن تقيم العدالة؟ وكم كانت نسبة الفقراء لديها؟ وكيف كانت توزّع ثرواتها؟ وهل كانت تستخدم تلك الثروات لتحقيق مصالح عموم الناس، أو لمصالح السلطان وأعوانه…؟

إنّ الأسئلة الأخرى التي لا يصحّ طمسها، ينبغي أن تدور حول العدالة الاقتصادية، والعدالة الاجتماعية، والعدالة في السياسات الضرائبية، وفي الأعطيات (الأجور)، وفي توزيع الثروات، وإيجاد الفرص، وتحقيق التنمية العادلة في مختلف المجالات الاجتماعية…

إنّ هذا الأمر ليس مقتصرًا على تاريخنا المعاصر، أو هذا التاريخ وذاك، بل يشمل مجمل مراحل التاريخ البشريّ، حيث استطاعت البشرية اكتشاف قوانين المادة، وتقدّمت في مدنيّتها، وحقّقت تنميةً ما… لكنها فشلت في تحقيق العدالة، وتسبّبت فئاتها المتحكّمة بالمال والسلطة (المترفون) بكثيرٍ من المآسي، والمظالم، والحروب، والويلات، والمجاعات، والفقر، لكثير من أبناء البشر ومجتمعاتهم.

وهكذا، كلّما كانت البشرية تتقدّم في عمرها، كان يحصل مزيدٌ من العلم، ومزيدٌ من القدرة، ومزيدٌ من الرفاهية. لكن في المقابل، قليلٌ من العدالة، وقليلٌ من القسط، وقليلٌ من القيم الأخلاقية والإنسانية. أي كثيرٌ من الظلم، والجور، والفقر، والجوع، والأمّية، والمرض، واحتكار الثروات، والفوارق المالية-الاجتماعية، وزيادة الهوّة بين قلّة من الأغنياء المترفين، وكثير من الفقراء المستضعفين.

تاريخيًّا، وفي الواقع المعاصر، لم تكن المشكلة لدى المجتمع البشريّ اقتصاديًّا واجتماعيًّا في قلّة الموارد، بل كانت في لا عدالة التوزيع. ولعلّ العامل الأساس، الذي أدّى ويؤدّي إلى الوقوع في تلك المشكلة، هو البعد القيميّ والأخلاقيّ، في الأنانيّات المجتمعية على اختلافها، وفي مدى القدرة على لجم نوازع النفس البشرية إلى الاستئثار، والطمع، والجشع، وحبّ الاستزادة، فضلًا عن الأطروحة الفكرية، التي يجب أن ترتكز عليها مقولة العدالة، ومدى قدرة هذه الأطروحة على إنتاج معايير واقعيةٍ وشفافةٍ وواضحةٍ لإقامة العدالة، وفي القدرة على تسييل قيمها في الاستراتيجيات الاقتصادية، والرؤى الاجتماعية، وفي السياسات، والقوانين، والقرارات ذات الصلة.

إذًا، هذه هي الأزمة الأساس التي يعاني منها الاجتماع البشريّ في مجمل مراحله التاريخية، وهي الأزمة التي يعاني منها اجتماعنا المعاصر، والتي تُنتج مجمل الأزمات الأخرى. إنّها أزمة اللاعدالة التي انتشرت وتحكّمت، ولم تبقَ مجرّد فعل سلطةٍ يحكي نهمها وتغوّلها، أو تراثٍ سلطانيٍّ أنتجه فقهاء السلطان، أو مجرد وعيٍ سياسيٍّ عُمل على إفساده، أو ثقافةٍ مجتمعيةٍ عُمل على تشويهها، أو فكر عقيم ينظّر للطغيان واللاعدالة؛ بل تحوّلت تلك الأزمة إلى نظامٍ عالميٍّ يتحكّم بالعالم بأسره، وبجميع مرافقه ومجالاته. إنّه نظام من اللاعدالة، الذي يتحكّم بالاقتصاد، والمال، والسياسة، والثروات، والوعي، وبكلّ شيءٍ يمكن أن يصل إليه سلطانه.

إنّ ما هو قائمٌ في هذا العالم هو نظام بنيويٌّ من اللاعدالة. أزمة اللاعدالة أصبحت أزمةً بنيويةً. لقد عُمل على عولمة اللاعدالة، وإحكام سلطانها على هذا العالم. إنّ بنيوية اللاعدالة واختلالاتها المفرطة، قد شملت جميع أوجه الحياة البشرية على هذه البسيطة.

هذه هي الأزمة التي تريد المهدوية التغلّب عليها، واستئصالها، وعلاج تداعياتها، وهدم سلطانها، وكنس جميع آثارها، بل هي الأزمة التي لا يمكن تجاوزها إلّا بالمهدوية ومشروعها.

المهدوية في فلسفتها مشروعٌ لهدم بنية اللاعدالة ونظامها المعوْلَم، بهدف إعادة تشكيل بنية عالمية، تقوم على العدالة وقيمها في الثقافة، والسلوك، والاقتصاد، والسياسة، والحقوق، وفي جميع مظاهر الحياة البشرية على هذه البسيطة.

ومن هنا يمكن القول: إنّ المهدوية هي مشروع تغيير إلى العدالة في بنى الاقتصاد والمال والسياسة، وفي منظومات الوعي والفكر والثقافة، وفي أكثر من فهمٍ سائدٍ يُنسب إلى الدين، بل في معايير صناعة الهويات والانتماء، وفي طبيعة الانقسامات الأممية والمجتمعية وتمايزها[6].

وبناءً على هذه الثقافة المهدوية يمكن القول: إنّه إذا كانت الشعارات السابقة التي رُفعت تدور بين “يا عمّال العالم اتّحدوا”، أو “يا رأسماليّي العالم تحالفوا”؛ فإنّ نداء المهدوية هو: يا مظلومي العالم اتّحدوا، وتعاونوا على رفع الظلم عن كاهل البشرية، لأنّ الإرادة الإلهية ستكون حليفتكم ومعكم، وأنّه سيخرج قائد إلهّي (المهديّ)، ليقود جموع المظلومين والمستضعفين، لتحقيق العدل على هذه الأرض، بعد أن مُلئت ظلمًا وجورًا.

في المهدوية وفلسفة الغيبة

إنّ القراءة الدينية (الإسلامية) لمسيرة البشرية لا تقوم على أساس أنّ الفعل البشريّ فعلٌ جبريٌّ، كما لا تقوم على أساس أنّ مسير البشرية يتحرّك بشكلٍ عشوائيٍّ بعيدًا عن التدبير الإلهيّ، ذلك التدبير الذي يهدف عند نهاية التاريخ إلى تحقيق الأطروحة الإلهية على هذه الأرض، وإلى تحقيق “نظرية الاستخلاف” بأوسع معانيها، بما يشمل جميع أرجاء المعمورة.

ويمكن القول بتعبير ثانٍ: إنّ الاعتقاد الدّينيّ يرى أنّ رحلة قافلة البشريّة قد بدأت من محلٍّ ما، وسوف تنتهي في محلٍّ آخر. إنّ بداية ذلك المسير كانت آدميّةً، وسوف تكون النّهاية مهدويّةً. فلم تكن البداية صدفويّة، كما إنّ الخاتمة لن تكون عبثيّة، بل هناك تقدير إلهيٌّ لتلك القافلة ومسيرها، يقوم على الهداية وتوفير أسبابها من جهةٍ، وعلى الاختيار البشريّ وقيام الحياة البشريّة على البلاء من جهةٍ أخرى.

وكما إنّ بداية الحياة البشريّة كانت ابتلائيّة، فإنّ نهايتها سوف تكون ابتلائيّة، وكذلك الوصل ما بين البداية والنّهاية هو من طبيعتهما. يقول الله تعالى: ﴿خَلَقَ الْمَوُتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيّكُمْ أَحْسَن عَمَلًا﴾[7].

البلاء هنا بمعنى توفير الفرصة للإنسان للتّكامل وصناعة إنسانيّته وكمالاته المعنويّة، والقرب من الله تعالى، حيث يوفّر الله تعالى للإنسان كلّ العوامل التي تساعده على حسن الاستفادة من هذه الفرص للتّكامل إليه؛ أي إنّ الابتلاء يقوم على الهداية الإلهيّة بأفضل مراتبها، كتعبيرٍ عن رحمة الله تعالى، وحكمته، وجميل صنعه بالإنسان ومصيره.

وهذا يعني وجود الهادي (الحجّة)، الذي تتوفّر لديه القدرة على القيام بوظائف الهداية الإلهيّة، بتعليمٍ من الله تعالى وعصمته، حيث لا يمكن لهذه العصمة أن يشوبها خطأٌ أو شكٌّ، وإلّا سوف تنقلب إلى ضدّها، وتُفقد الثّقة بها، وقد لا تختلف كثيرًا عمّا في أيدي البشر.

 ومن هنا، كان في كلّ عصرٍ مَن يختاره الله تعالى لهداية تلك القافلة، وبيان حقائق الدين وحقائق الكتاب، وجميع ما يتّصل بمعاني العدل وقضاياه، دون خطأٍ أو زللٍ، حتّى لا يقولنّ أحد إنّ الله تعالى أوقعه في الخطأ، عندما لم يوفّر له أسباب الهداية كاملةً في عصره وزمانه[8]. لكنّ هذا البيان إنّما هو من أجل أن يُعمل به، وليُبنى الاجتماع الإنسانيّ على تعاليمه. أمّا إن عمل على رفضه وصدّه والإعراض عنه، فإنّ نتيجة ذلك سوف تتبدّى في إيكال ذلك الاجتماع إلى نفسه وتيهه.

ومن هنا يمكن القول: إنّ وجود هذا الحُجّة والهادي إلى الله تعالى، والمبيّن لحقائق الدين؛ إنّما هو من أجل إقامة الأطروحة الدينية في هذه البسيطة وفي جوهرها العدل، أي إنّ فعل الإيجاد وعملية الخلق في المعتقد الدينيّ ليست عمليةً عبثيةً، أو خاليةً من الحكمة. وإنّ الشأن الدينيّ ليس شأنًا ماورائيًا بحتًا، بل هو أيضًا شأنٌ دنيويٌّ، يتمظهر في مختلف مجالات الحياة بهدف تحقيق عبودية الإنسان للَّه تعالى، لأنّ كنه هذه العبودية للَّه تعالى يعني تعالي الإنسان باللَّه تعالى، وتساميه به، وتحقيقه لإنسانيّته، بينما خضوع الإنسان لميوله المنحطّة يعني تسافل الإنسان، وإن تمظهر هذا الخضوع بمظهر الحرية، أو أيّ مظهرٍ آخر.

لكن عندما يحصل أن يُعرض الاجتماع البشريّ عن الله تعالى، ويعبّر عن ذلك برفض الأطروحة الإلهية، فسوف تقتضي الحكمة الإلهية عندها أن يختبر الإنسان إعراضه ذاك، ورفضه لتلك الأطروحة الإلهية في مختلف المجالات الاجتماعية والسياسية والقانونية والحضارية… لتدرك البشرية بالتجربة والوجدان، عدم قدرتها على الوصول إلى خلاصها الحضاريّ، طالما بقيت بعيدةً عن التمسّك بالعبودية للَّه تعالى في مختلف المجالات، وطالما بقيت تتعامل مع الأطروحة الإلهية معاملةً نديّةً، تقوم على الإعراض عنها، والرفض لها.

إنّ التاريخ الدينيّ تاريخ قائم على أساس عدم انقطاع التوجيه الإلهيّ لقافلة البشرية، وذلك من خلال فعل النبوّة وحركة الأولياء والأوصياء. وهنا عندما نتحدّث عن التوجيه الإلهيّ (أو الهداية الإلهية) فهو ليس شأنًا وعظيًّا بحتًا، بل إنّ هذا التوجيه قائم على أساس فعل الاستخلاف، الذي يعني تمثّل الإرادة الإلهية في مختلف المجالات الحياتية وشؤون الناس. لكن الذي كان يحصل في التاريخ البشريّ كلّه، أنّه كلّما كانت الأطروحة الإلهية ترتقي في جملة مضامينها ومدياتها، كان يتعاظم الرفض لها من قِبَل مجتمع المترفين وغيرهم، هذا الرفض الذي تطلّب في نهاية المطاف حرمان البشرية من ذلك الوجود العصمويّ الظاهر، أي من وجود تلك الأطروحة في مرتبتها العصموية، ومن تطبيقها الواسع والشامل بتلك المرتبة.

 هذا وإنّ فلسفة الغيبة – غيبة الإمام المهديّ(عج) – تعني – فيما تعنيه – تجميدًا ظرفيًّا للأطروحة الإلهية في مرتبتها المعصومة، ومداها الشامل، وفي بعض وظائفها، بسبب رفض البشرية لهذه الأطروحة في شكلها النقيّ، وجوهرها الأصيل، في مقابل أخذها بأكثر من أطروحةٍ وضعيةٍ، في تدبيرٍ إلهيٍّ يهدف إلى اختبار البشرية لتعاليها أمام اللَّه تعالى، والرّسالات الإلهيّة على مدار التّاريخ.

ونستطيع أن نقول من جهة أخرى: إنّ هذا الرفض لتلك الأطروحة في مرتبة الوجود الظاهر للإمام المعصوم أدّى في الواقع إلى حرمان البشرية منها، لكنّ غياب ممثّل تلك الأطروحة، إنّما يعني بحسب الفهم الدينيّ إجراءً اختباريًّا لتعالي الإنسان، يهدف إلى تمهيد الظروف الموضوعية لعودة تلك الأطروحة بأعلى مراتبها، بعد أن تكتشف البشرية فشلها في إقامة العدل، وعدم قدرتها على إدارة نفسها بمعزلٍ عن الهداية الإلهية.

ومن هنا كانت غيبة الإمام المهديّ (عج) إجراءً اختباريًّا وهادفًا في الآن نفسه، أي إنّ غيبة الإمام (ع) تهدف إلى القول للبشرية: إنّه إذا كنتِ ترفضين الهداية الإلهية المتمثّلة في شخص الإمام، فما عليك إلّا أن تختبري أطروحتك الوضعية، باعتبار أنّ فشل هذه الأطروحة في تحقيق أهداف الإنسان، وما يؤدّي إليه هذا الفشل من ويلاتٍ، ودمارٍ، وآلامٍ، وحروبٍ، وظلمٍ، وقتلٍ، وخرابٍ، وصولًا إلى بلوغ مرحلة الانسداد الحضاريّ… كل ذلك سوف يفتح قلوب البشر، ويوجّه آمالهم إلى رجائهم الأخير. وهو ما سوف يهيّئ الظروف الموضوعيّة لمشروع الظهور، وأهدافه الواسعة في عودة البشرية إلى الهداية الإلهية بأرقى مراتبها، وتقبّلها لرسالة العدالة ومعانيها.

أمّا لماذا ينبغي للتاريخ البشريّ أن تطول أيامه قبل أن يعود عن تنكّبه ويستفيق من كبوته تلك؛ فقد يصح القول: أوّلًا، لا بدّ من أن تصل البشرية إلى مستوًى تقرّ فيه بفشلها وعجزها، وتاليًا حاجتها إلى تبيّن الهداية الإلهية الحقّة، عندما تصل إلى مرحلة الانسداد الحضاريّ. وثانيًا، لا بدّ من أن تصل العولمة الثقافية والمعرفية والإعلامية إلى مستوًى تصبح فيه مفاهيم الدين وقيمه الأصيلة ومعارفه الحقّة في متناول جميع المجتمعات البشرية. وثالثًا أن يصبح التقدّم المعرفيّ والعلميّ والتكنولوجيّ إلى حدٍّ، يتحوّل فيه العالم بأسره إلى قريةٍ كونيةٍ، حيث يمكن لجميع تلك المجتمعات البشرية أن تعاين ذلك الحدث المهدويّ، وتتفاعل معه، وتلتقي بوظائفه، وتلاقي تجلّياته.

الغيبة وفعل الإيكال الحضاريّ

يرتكز البحث في قضيّة الإيكال الحضاريّ على مقدّمة مفادها أنّ المشروع الحضاريّ الإلهيّ، والإسلاميّ تحديدًا، يختزن هذه الرؤية. إنّ الهداية الإلهيّة لا بدّ من أن تستمرّ بأرقى تجلّياتها وأكملها، في تصويب مسيرة البشريّة، وهو ما يقتضي بيان المعاني الدّينيّة الحقّة بشكلٍ دائمٍ، بيانًا لا خطأ فيه، ولا مجافاة لديه لما هو حقٌّ من الدين.

وهو ما يستلزم – كما ذكرنا – وجود من يبيّن – في بعض وظائفه – معاني الدّين بشكلٍ صحيحٍ، وهو الرّسول (ص) في زمانه، والإمام بعد زمان الرّسول (ص)، وهو ما يصطلح عليه بالحجّة، حيث يكون الحجّة عالمًا بالمعارف الإلهيّة، بطريقة لا يشوبها شكٌّ أو خطأٌ، بتعليمٍ من الله تعالى وإلهامٍ منه، ليبيّنه للنّاس، ويكون حجة الله عليهم.

وعليه يُطرح هذا السؤال، أنّه إذا كانت فلسفة وجود الحجّة فلسفةً وظائفيّةً، تقتضي قيام الحجّة – وهو الإمام المعصوم هنا – بوظائف بيان الدّين الحقّ، ومن ثمّ إقامته ﴿لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾[9]، فلماذا كانت تلك الغيبة للإمام المهديّ (عج)؟ ألا يتنافى هذا الأمر مع مبرّرات قيام الحجّة بتلك الوظائف المذكورة آنفًا؟

للإجابة على هذا السؤال، لا بدّ من مقدّمةٍ مفادها أنّ بيان الّدين والأطروحة الإلهيّة، هو من أجل أن يعمل بها الناس، وأن يأخذ الاجتماع البشريّ بمعانيها الحقّة. وهو ما يوصل إلى تحقيق الأهداف التي يتوخّاها الدّين، من تحقيق العدل وإقامة القسط. لكن ماذا لو أعرض الاجتماع البشريّ عن ذلك البيان، وعن الأخذ بتلك الأطروحة الإلهيّة، على مستوى هداية مسيرته وتصويبها؟ وماذا لو وصلت درجة الرّفض لهذه الأطروحة إلى حدّ الكفر بها، والعدوان على من يقوم بها، وهم – أي من يقوم بها في العصر الذي نتحدّث فيه – الأئمّة المعصومون من أهل بيت محمّد (ص)، وصولًا إلى الإمام المهديّ (عج)؟

هنا، سوف يُحرم ذلك الاجتماع البشريّ من تلك الأطروحة في مرتبتها المعصومة (المتمثّلة بالإمام المهديّ (عج) وحضوره)، ليتمّ إعمال سنّة الإيكال الحضاريّ، ومفادها: إنّ هذه البشريّة لا تريد أن تأخذ بأسباب الهداية الإلهيّة، وأن تعمل بتلك الأطروحة الإلهيّة الحقّة المتمثّلة في الإمام الحجّة (عج)، بل وتمادت في رفضها لتلك الأطروحة والعدوان عليها؛ إذًا، سوف يُعمل على تغييب تلك الأطروحة في تلك المرتبة، وسوف يتمّ إيكال مسيرة قافلة البشريّة وهدايتها إلى البشر أنفسهم، ليختبروا كلّ ما لديهم من معرفةٍ وقدرةٍ، وما وصلوا إليه من علومٍ وخبرةٍ، وليجرّبوا كلّ ما في جعبتهم من رؤًى حضاريةٍ في قيادة مسيرتهم وهدايتها، بمعزل عن الهداية الإلهيّة ومعانيها الحقّة.

إنّ ما ينبغي قوله هو: إنّ توفير أسباب الهداية الإلهية، ووجود الحجّة بين النّاس، هو من أجل أن تأخذ البشريّة بأسباب الهداية تلك، وتعمل بها؛ أمّا إن كفرت البشريّة بتلك الهداية، وأعرضت عنها، وتحديدًا عندما تكون تلك المرحلة هي مرحلة خاتمة النبوّات، أي النّبي محمّد (ص) والأئمّة من ذريّته، وصولًا إلى خاتم الأئمّة، أي الإمام المهديّ (عج)؛ فإنّ السُنّة الإلهية، التي سوف تأخذ مجراها، هي سنّة الإيكال الحضاريّ، والتي تعني أن توكل تلك المسيرة البشرية إلى أطروحتها الوضعية ورؤاها، بعيدًا عن الهداية الإلهية ومعانيها.

لقد كفرت البشريّة بتلك الأطروحة الإلهيّة، إذًا، فلتُحرم منها، ولتوكل إلى نفسها، ولتجرّب ما لديها.  لأنّ تلك الأطروحة هي من أهمّ النعم الإلهية، التي يجب أن تُشكر، وما شكرها إلّا بالعمل بها. أمّا الكفر بها، فلن يؤدّي إلّا إلى الحرمان منها. وهو ما قد حصل.

وبتعبيرٍ آخر، عندما أعرضت البشريّة عن مشروع الهداية الإلهيّة، وكفرت بها، كان أن حُرمت من أسباب تلك الهداية، وأُوكلت إلى نفسها، لتجرّب مسيرها بمعزلٍ عنها، وذلك من أجل أن تَجري سُنّة الإيكال الحضاريّ بأرقى مستوياتها، زيادةً في الابتلاء، وكنتيجةٍ لذلك الإعراض عن تلك الهداية، حتّى تستنفد قافلة البشريّة جميع ما في جعبتها من أطروحاتٍ فكريّةٍ وحضاريّةٍ، لتصل بعد مسيرٍ من التّخبّط والضّياع، إلى فشل جميع تلك الأطروحات، في إقامة العدل، وإلى حالةٍ من الانسداد الحضاريٍ، التي تدرك معها، أنّها لن تستطيع أن تقيم العدل بمعزلٍ عن تلك الهداية الإلهية، واستجابتها لأسبابها (الحجّة، الهادي).

وهذا الإيكال له بعدان: بعدٌ عقابيٌّ، نتيجةً لهذا الكفر بتلك الأطروحة، والعدوان عليها وعلى أئمّتها؛ وبعدٌ وظيفيٌّ، يتمثّل في تهيئة الظّروف الموضوعيّة لعودة الأطروحة الإلهيّة بأرقى مراتبها، وأقوى قوّتها، وأوسع مدى لها، لتُملأ الأرض قسطًا وعدلًا، بعدما مُلئت ظلمًا وجورًا.

إذًا، إنّ الذي دفع إلى إعمال سنّة الإيكال الحضاريّ، أنّ البشريّة قد رفضت مشروع الهداية الإلهيّة، ومدرسة الأنبياء والرّسل، بل ومارست العدوان عليها، فكانت غيبة الإمام المهديّ (عج) لتقول للاجتماع البشريّ: إنّ هذا التّكبّر على الأطروحة الإلهيّة والعدوان عليها، سوف يؤدّي إلى حرمانك منها، وإيكال أمرك إلى نفسك، لتختبر ما الذي سوف تصل إليه، عندما تُعرِض عن تلك الأطروحة، وتسعى إلى خوض صناعتك الحضاريّة بمعزلٍ عنها.

الانسداد الحضاريّ: مؤدّى الغيبة ومقدّمة الظهور

لقد ذكرنا أنّ الهدف من إعمال سنّة الإيكال الحضاريّ هذه، هو أن تستنفد البشريّة كلّ ما لديها من رؤًى حضاريّةٍ، لتكتشف فشل تلك الرّؤى في تحقيق مصالح البشريّة وقيمها الحقّة، في بسط العدل وكنس الظّلم، وفي إقامة القسط وإزالة الجور، وإيصال مجتمعاتها إلى سعادتها، إذا ما فارقت الهداية الإلهيّة تلك.

لقد رفضت البشريّة الهداية الإلهيّة، إذًا، فلتجرّب طريقها من دونها. حيث ستكتشف قيمة تلك الهداية، عندما تحرم منها؛ وتعرف أهميّتها، عندما تختبر نفسها من دونها؛ وتتبيّن مدى حاجتها إليها، عندما تفتقدها، وتعجز عن التغلّب على مشاكلها وأزماتها الحضارية؛ ويتّضح لها أنّها لا تستغني عنها، عندما تغرق في بحور من الظّلم والفساد، نتيجةً لإعراضها وتكبّرها، واغترارها بنفسها، والكفر بتلك الهداية، والعدوان عليها وعلى أئمّتها. لقد أُعملت سنّة الإيكال الحضاريّ، لأنّه لم يعد من وسيلةٍ لتدرك البشريّة حاجتها إلى تلك الهداية، إلّا بالحرمان منها.

هنا يصبح الحرمان من الهداية بذاك المستوى (حضور المعصوم)، الوسيلة المثلى للإعداد لقبول الهداية، وتهيئة ظروفها المؤاتية. إذا لم تعرف البشريّة قيمة الهداية تلك، من خلال وجودها (حضورها) بذاك المستوى، فلتعرف قيمتها من خلال فقدها؛ أي إنّ الفقدان هنا يضحى سبيلًا إلى الوجدان، أي أن تجد أهميّتها، وتدرك أهمّية العمل بها. هنا تكون الغيبة، كفقد جرم الشّمس إذا جلّلها السّحاب في زمن ظلمةٍ وضياعٍ، فيصبح فقده سببًا للشّوق إليه، والتّوق إلى عوده، واللّهف إلى استحضاره، عندما تشتدّ الحاجة إليه، وإلى انبلاج نوره.

إنّ البشرية لن تدرك هذا المعنى، ولن تصل إلى تلك الحقيقة، إلّا بعد أن تستنفد جميع ما في جعبتها الحضارية من رؤى، وتختبر مختلف أطروحاتها الوضعية، لتصل من خلال ذلك إلى حالةٍ من الانسداد الحضاريّ، الذي سوف تقف عنده عاجزةً أمام ما يواجهها، وما أوصلت إليه نفسها.

إنّ هذا الانسداد الحضاريّ، الذي يتبدّى في الاجتماع المعاصر، هو نتيجة خيارات هذا الاجتماع وبفعل إرادته، حيث كانت الغيبة في جانبٍ منها نتيجةً لذلك، ومن جانبٍ آخر قد ترقى تلك الغيبة إلى أن تكون عاملًا مساعدًا للوصول بذلك الاجتماع إلى غاياته ونهاياته، التي يراد فيها توجيه هذا الانسداد الحضاريّ وتثميره، ليخدم فعل الظهور المهدويّ، ومشروعه، والإعداد لظروفه.

وبيان ذلك بالقول: إنّ تحقيق المشروع المهدويّ – وفي جوهره العدل – لا يتأتّى إلّا من خلال تقبّل الاجتماع البشريّ في مجمله لهذا المشروع. وهذا التقبّل لا يتهيّأ إلّا عندما يصل ذلك الاجتماع إلى مرحلة الانسداد الحضاريّ، التي تنعدم فيها خياراته الحضارية. وعندها يجد نفسه معنيًّا بالعودة إلى الهداية الإلهية متمثّلةً بالمشروع المهدويّ آنذاك.

ومن هنا كانت الغيبة في دلالاتها وآثارها، وفي أبعادها الإعجازية والماورائية، وفي مجمل النتائج، التي تترتّب عليها في السياق الحضاريّ وحركة التاريخ؛ إنّما تهدف إلى التأسيس لفعل الظهور، وإنجاح مشروعه، وتحقيق الأهداف التي يتضمّنها، ويُعنى بالوصول اليها.

وعندما يكون من أهداف تلك الغيبة أن تدرك البشريّة مدى حاجتها إلى تلك الهداية وأهميّتها، يكون من المطلوب بيان فشل المشاريع الحضارية الأخرى، والعمل على اجتراح مشروعٍ حضاريٍّ دينيٍّ، يحاكي المعاني الحقيقيّة للدّين وقيمه الحقّة، وفي جوهرها العدل، وصولًا إلى إمكانيّة تقديم نموذجٍ ما، يكون قادرًا على التّعبير عن سموّ تلك المعاني والقيم في الاجتماع البشريّ، وفي الوعي الإنسانيّ العامّ.

فلسفة وظائفية الغيبة، وجدلية العلاقة بين الغيبة والظهور

لقد ذكرنا أنّه عندما أمعنت البشريّة في إعراضها عن تلك الهداية الإلهية، كان التّشديد في الابتلاء، وكانت غيبة الإمام المعصوم (عج) لتجرّب البشريّة ما لديها، ولتكتشف مدى حاجتها إلى الهداية تلك، وعدم قدرتها على الاستغناء عنها في مسيرها الحضاريّ ذاك.

ومن هنا تصبح فلسفة الغيبة بشكل أساس فلسفةً وظائفيّةً، هدفها إعداد جميع الظّروف الموضوعيّة لعصر الظّهور، والمشروع المهدويّ وعدله.

إنّ هذه الفلسفة الوظائفيّة للغيبة، تؤسّس لمشروعٍ وظائفيٍّ لمرحلة الغيبة، يعمد إلى الاستفادة من جميع ظروف ومعطيات مرحلة الغيبة للتأسيس لعصر الظّهور، والإعداد له، والتّمهيد لتحقيقه، حيث لا يكون فهم تلك العلاقة ما بين مرحلتَي الغيبة والظّهور فهمًا انقطاعيًّا، بحيث يُنظر إلى تلكما المرحلتيَن على أنّه تسود بينهما القطيعة الكاملة، بل ينبغي أن يكون فهم تلك العلاقة على إنّها علاقة تفاعليّة، تقوم على التّمهيد والاستلهام.

أي إنّ مرحلة الغيبة صحيح أنّها نتيجة لما أسلفناه من أسبابٍ وعلل، لكنّها مرحلة التّمهيد والإعداد لمرحلة الظّهور، وهذه المرحلة (الظّهور) هي نتاج وامتداد لمرحلة الغيبة، وهي تمثّل عامل إلهامٍ لها، وحافزًا قويًّا على بعث الرّوح والأمل فيها، وتحفيز كلّ الطّاقات للعمل والكدح لتحقيق أهدافها، لأنّ المستقبل لن يكون إلّا للعدل وأهله ومشروعه.

إنّ فهم مشروع الظهور وأهدافه بناءً على المنهج الحضاريّ، ومديات الأطروحة الدينية، وجوهرها القائم على محورية العدالة، كلّ ذلك سوف يصبغ فهمنا لمرحلة الغيبة، ويترك آثاره عليها، حيث لن تبقى هذه المرحلة مرحلةً منفصمةً عن دلالات مرحلة الظهور ومشروعه، ولن تكون عندها مرحلة جمودٍ أو قعودٍ، أو سقوطٍ للتكاليف التي تتّصل بالتمهيد لمرحلة الظهور وأهدافه، ولن يكون فهمنا لمرحلة التمهيد إلّا بشكلٍ متكاملٍ ومتفاعلٍ مع مرحلة الظهور ومقاصده.

هنا سوف يكون التمهيد للعدالة بالعدالة نفسها، في البيان الحقّ لها، وفي تخصيب علومها، وصناعة معارفها، وتسييل فكرها، ونشر ثقافتها، وممارسة نوعٍ من التمهيد المعرفيّ والثقافيّ لقيمها، والسعي إلى إعلاء كلمتها، وتقديم النموذج المجتمعيّ المعبّر عنها، وفي إيصال صوتها ومعانيها إلى جميع بني الإنسان، ليبقى الأمل يحدوهم بحتمية انتصارها وقادم أيامها.

إنّ إدراكنا لمشروع الظهور على أنّه مشروع إصلاح بنيويٍّ وجذريٍّ، يهدف إلى نقل مسيرة الاجتماع البشريّ من حضارة اللاعدالة إلى حضارة العدالة؛ كلّ ذلك يجعلنا ندرك سياقًا لمرحلة الغيبة، وتصوّرًا لوظيفتها، ووعيًا لمشروعها، يقوم على الوصل مع مرحلة الظهور، والتكامل معها، والاستلهام منها، والتمهيد لها، والعمل بموجب غاياتها ومؤدّياتها.

الغيبة وبعدها الماورائيّ، ودوره في مشروع الظهور

إنّ من يقرأ نصّ الظهور ومشروعه – بحسب ما ورد عن أئمّة أهل البيت (ع) – يجد أنّ هذا المشروع وحركته يتضمّنان العديد من العناصر الماورائية، والتي سوف يكون لديها دورٌ أساس ومهمّ في إنجاح ذلك المشروع، ووصوله إلى غاياته.

ومن الواضح أنّ العامل الغيبيّ كان حاضرًا بقوّةٍ في مسيرة الأنبياء والرسل وأوصيائهم. وقد ساهم ذلك العامل بفعاليّة في نجاح تلك المسيرة، وتحقّق أهدافها. وكلّما كان المشروع الإلهيّ أشدّ تحدّيًا، وأكثر بعدًا في أهدافه ومداه، كان العامل الماورائيّ أكثر حضورًا لتحقيق تلك الأهداف، وبلوغ ذلك المدى.

وبما أنّ الإمام المهديّ (ع) هو خاتم مسيرة الأنبياء والرّسل والأوصياء على مدار التاريخ، ومن خلاله سوف يتحقّق الوعد الإلهيّ بإقامة العدل في الأرض كلّها، ومحو الظلم منها – أي إنّ مشروعه هو مشروع عالميّ إنسانيّ، يشمل العالم كله، وهو ليس مشروعًا إقليميًّا، أو قاريًّا، أو فئويًّا، أو طائفيًّا…-؛ فهذا يتطلّب أن يكون حضور العامل الماورائيّ حضورًا نوعيًّا، وأن يكون مستوى الإشباع في وجود ذلك البعد الغيبيّ كبيرًا جدًّا، إلى حدٍّ يساعد على تحقيق ذلك المشروع العالميّ ونجاح أهدافه.

إنّ ما تعنيه الغيبة هو وجود الإمام المهديّ (ع)، على أن لا يكون وجوده وجودًا ظاهرًا، بل وجودًا مستورًا، حاله حال العديد من الأنبياء أو الأولياء الذين غابوا عن الاجتماع العامّ، وميدان عملهم الرساليّ، أو الذين غابوا عن الاجتماع البشريّ، بحيث لم يعودوا بمرأًى أو مسمعٍ من عموم الناس، بغضّ النظر عن الأسباب الداعية إلى هذه الغيبة أو تلك، أو مدّة غيبة هذا النبيّ أو ذاك الوليّ، وجملة المتعلّقات الأخرى. كلّ ما في الأمر، أنّ أصل الغيبة وجوهرها هو أمر موجود وممارس في التاريخ الدينيّ، وتاريخ الأنبياء والرسل والأولياء، وأنه ليس عزيزًا أو نادرًا في وجوده في ذاك التاريخ.

الإمام المهديّ (ع) هو واحد من أولئك الحجج الإلهيّين الذين كانت لهم غيبتهم، وإن كانت هذه الغيبة تختلف في جملةٍ من مفرداتها، تبعًا لاختلاف أهدافها، وأسبابها، وجملة مقاصدها، والتي تتّصل بالمشروع المهدويّ الهادف إلى أن يملأ الأرض قسطًا وعدلًا، بعدما ملئت ظلمًا وجورًا.

ومن هنا لا بدّ من الإلفات إلى أمرَين في هذا السياق:

الأمر الأوّل: إنّ مشروع الإمام المهديّ هو مشروع يهدف إلى تغيير البنية الحضارية على مستوى العالم، بما هي بنيةٌ تقوم على أساس من الظلم واللاعدالة في إدارة الاجتماع الإنسانيّ في مختلف مجالاته، وفي توزيع الثروات وتوظيفها، وإدارتها، واستثمارها، وفي توظيف السلطة وإدارتها، بل أيضًا اللاعدالة في توظيف واستثمار جميع الإمكانيات، والعلوم، والخبرات البشرية في شتّى المجالات. وهو ما يتطلّب إعادة بناء أنماطٍ حضارية، وسياساتٍ، وثقافاتٍ، تقوم على أساس من تلك العدالة وقيمها.

الأمر الثاني: إنّ حضور العنصر الغيبيّ والعامل الماورائيّ يجب أن يكون بمستوى ذلك المشروع ومداه. ومن هنا أكّدت النصوص الدينية ذات الصلة بحدث الظهور ومشروعه على جملةٍ من تلك العناصر والعوامل. واحدةٌ من تلك العوامل هو حصول الغيبة وإطالتها، وما يؤدّي إليه ذلك من إشباع ماورائيّ، يفي بحاجة ذلك المشروع إلى ذاك المستوى من التصعيد الماورائيّ، مع ما يترتّب على ذلك من حيث:

أولًا: وجود الإمام، لكن وجوده يكون وجودًا غير ظاهر.

ثانيًا: طول مدة غيبته، وما يعنيه ذلك من بُعدٍ إعجازيّ ماورائيّ.

ثالثًا: طبيعة ومستوى الانجذاب النفسي، والانشداد المعنوي إلى شخصيّة الإمام (الآداب والمفاهيم والقيم ذات الصلة)، والارتباط الفعّال به، باعتبار كونه موجودًا، وإن كان غائبًا.

رابعًا: شمول العناية الإلهية، والرعاية الربّانية للاجتماع البشريّ ومسيره، من خلال وجود الإمام، وصلته القوية بمسير ذلك الاجتماع البشريّ على هذه البسيطة رغم غيبته.

خامسًا: تقوية الوجدان الغيبيّ، وتعزيز الحسّ الغيبيّ من خلال غيبة الإمام، والإيمان به في غيبته.

سادسًا: إيجاد سيكولوجية انتظارٍ فاعلةٍ ونشطةٍ لحدث قد يكون قريبًا، من خلال تعزيز الوعي بوجود الإمام الغائب، وعدم انقطاعه عن مجريات الواقع وشؤونه.

إنّ ما تقدم قد يفضي إلى القول: إن مستوى الإشباع الغيبيّ، وحضور العامل الماورائيّ بأرقى مراتبه، إنّما يتحقّق من خلال وجود الإمام غائبًا، وغيبته المديدة عن الحضور الظاهر، أكثر ممّا يتحقّق من خلال أية صيغةٍ أخرى، لا تتضمّن تلك الأبعاد، ولا تترتّب عليها تلك الآثار والنتائج، التي ذكرناها آنفًا. أي إنّ غياب الإمام كان غيابًا في ظاهره، لكنّه كان حضورًا في مقصده، لأنه يستبطن الظهور في مشروعه، ولأنّه لم تغب في غيبته جملةٌ من وظائفه[10]، ولأنّه كانت للغيبة نفسها نتائجها وآثارها التي لا تتحصّل إلّا بغيبته.

ولذلك عندما نقول: إنّ غيبة الإمام كانت غيبةً إعجازيةً، وكذلك عودته سوف تكون عودةً إعجازيةً، فإنما يُراد من ذلك عودة الجذوة الدينية الأصيلة إلى الواقع الإنسانيّ بقوّةٍ وبأعلى مراتبها، بل لا بدّ أن تكون عودة الحسّ الدينيّ الهادف أمرًا متقدّمًا على عملية الظهور، باعتبار أنّ عودة ذلك الحسّ الدينيّ هي من أهمّ الأمور التي سوف تساعد على تحقيق فعل الاستخلاف بأرقى مراتبه على هذه البسيطة.

وخلاصة القول: إنّ ممّا تهدف إليه فلسفة الغيبة هو تصعيد العامل الماورائيّ في الطرح المهدويّ، بمعنى أنّ اشتمال ذلك الطرح على وجود شخصيةٍ (الإمام المهديّ (ع)) ذات بعدٍ غيبيٍّ قداسويّ هي خاتمة سلسلة الأنبياء والرسل وأوصيائهم، بهدف تحقيق مشروعهم في إقامة العدل في الأرض، وغياب تلك الشخصية لدهرٍ من الزمن، وطول مدّة الغيبة تلك؛ كلّ ذلك سوف يؤدّي إلى الإسهام بقوّةٍ في إنجاح مشروع الظهور وأهدافه، من خلال الاستفادة من العامل الماورائيّ بأقصى مراتبه، باعتبار أنّ الطبيعة البشرية تتأثّر إلى حدٍّ بعيدٍ بذاك العامل الماورائيّ، وتتفاعل معه لجهة الإعداد النفسيّ لتقبّل ذلك المشروع المهدويّ، وإيجاد البيئة النفسية المساعدة على التفاعل البنّاء معه ومع أهدافه، وخاصّةً عندما يكون حدث الظهور مسبوقًا بذاك المستوى من البيان النبؤاتيّ، والفعل الإعجازيّ – غياب المهديّ (ع) لمدّةٍ طويلةٍ -، ممّا يساعد على صدقيّة الطرح، وقوّة المشروع، وتحقّق مقاصده.

وإنّ وجود الإمام المهديّ (ع) غائبًا، وضرورة الإيمان به وبغيبته، يسهم في تقوية الحسّ الغيبيّ، والأخذ به إلى مستوياتٍ بعيدةٍ، وخصوصًا عندما تكون هناك منظومةٌ من القيم والمفاهيم التي تعمل على بناء ذلك الحسّ الغيبيّ وتعزيزه، بما يؤدّي إلى تنمية إطارٍ من الوعي الغيبيّ الهادف، والقادر على تحمّل جميع الأزمات، وتجاوز جميع التحدّيات، والإصرار على المضي قُدمًا في حمل ذلك المشروع والتمهيد له، وخاصّةً عندما يكون كلّ ذلك ممهّدًا له، من خلال عملٍ فكريٍّ، وثقافيٍّ، وتربويٍّ، ودينيٍّ، عابرٍ للملل والنحل، ولجميع الطوائف والمذاهب، وهادف إلى بناء الوعي المهدويّ، بما هو وعيٌ يقوم على فكرة حتمية انتصار العدل، وضرورة الخلاص الإنساني من الظلم والجور، وعلى محورية الأمل المفعم بالمستقبل، بأنّه لن يكون إلّا للمستضعفين والعاملين في سبيل ذلك الخلاص العدالتيّ، وعلى أن العدالة يجب أن تكون محور ذلك الإيمان، وعنوان ذلك الدّين، وشعار تلك الدعوة، ومضمون ذلك الفكر، الذي يجب أن تلجأ إليه شعوب الأرض، وتؤمن به جميع الأمم، وتسعى إلى تحقيقه جميع الملل، لأنه القادم إليها بفعل المهديّ (ع)، الحاضر بينها ومعها – على الرّغم من غيبته -. وهو ما يجب أن تلاقيه بجهدٍ منها، من خلال التمهيد للعدل بالعدل، وثقافته، ووعيه، وفكره، وقيمه. بما هو فكرة إنسانية قيمية، قد يجتمع حولها، ويؤمن بها جميع بني الإنسان.

المهدوية: في الدلالات ونهاية التاريخ

لقد تحدّثت أكثر من أطروحةٍ فكريةٍ عن نهاية التاريخ ووصوله إلى غاياته النهائية، بل نجد أنّ بعض منظّري الرأسمالية تحدّث في تلك النهاية، ومارس أدلجةً تعسّفيةً في قراءة التاريخ وحركته ونهايته، على الرغم من أنّ أطروحته الفكرية لا ترتكز إلى أيّ بُعدٍ دينيٍّ أو ماورائيٍّ، يساعد على تلك الأدلجة [11].

نعم، في الرؤية الدينية هناك نهاية للتاريخ، وهذه الرؤية تتّخذ معالمها الواضحة عندما نتلمّسها كما وردت في مدرسة أهل البيت (ع). لكنّ هذه النهاية ليست نهايةً رأسماليةً، بل هي نهايةٌ مهدويةٌ. وهذه النهاية لا تحمل نتيجة انتصار الرأسمالية في توحّشها وجورها، بل تحمل نتيجة انتصار العدالة في مقاصدها وقيمها، كما عبّرت عنها الرسالات الإلهية، وكما سوف تتمظهر في المشروع المهدويّ وحركته.

هنا يصح القول: إنّ هذا الفهم أو ذاك يرتبط بالفلسفة التي نعتقد بها للتاريخ، حيث يوجد أكثر من فلسفةٍ في هذا الشأن، ولعلّ اختلاف الرؤية إلى التاريخ ناشئٌ من اختلاف الرؤية الكونية، والتي سوف يتأثّر بها حكمًا فهمنا لفلسفة التاريخ، بل هو يقوم عليها.

توجد رؤية تعتقد بعشوائية التاريخ في حركته، وعبثيّته في غايته. وهذه الرؤية تتبنّاها أكثر من فلسفةٍ وضعيّةٍ أو أيديولوجيا مادية. وفي المقابل توجد رؤية ترى التاريخ على أنّه حركة تسير في انتظامٍ ما للوصول إلى غايةٍ ما، على أن يكون لسكّان التاريخ حرّيتهم في إطار هذا الانتظام وتلك الغاية.

وهذا أشبه ما يكون بقومٍ من الناس قد ركبوا قطارًا، وهذا القطار يتحرّك ضمن مسارٍ ما، للوصول إلى محطّةٍ ما في خطّ النهاية. هنا وإن كان راكبو القطار يمارسون حريّتهم في اختيار المقصورة وجملة تصرّفاتهم وأفعالهم داخل القطار، لكنّ كلّ ذلك لا يتنافى مع استمرار القطار في مسيرهِ ذاك، ووصوله إلى تلك الغاية المقدّرة له.

إنّ الرؤية الكونية الدينية تؤسّس لفلسفةٍ خاصةٍ في التاريخ، ترقى به عن العبثيّة في الغاية، وتربأ به عن العشوائية في الحركة. وهذا ما يُفهم من مجمل النصوص الدينية ذات الصلة بهذا الشأن، بما فيها النصوص المهدوية. بل هذا ما يُفهم من جملة المقدّمات الكلامية التي تنظر إلى المنظومة الكونية، وتاليًا إلى التاريخ في فلسفته على أساسٍ من حكمة الخالق في الخلق والفعل والغاية.

بل ربّما يمكن الذهاب إلى إيجاد نوعٍ من المقاربة بين هندسة الطبيعة وهندسة التاريخ، من حيث إنّ فهمنا لحكمة الصنع في الطبيعة وهدفه، سوف يساعد على فهمنا لحكمة الفعل في التاريخ وغايته، لأنّ الصانع في كليهما واحد، والحكيم في خلقهما غير متعدّد، وهما صفحتان في كتاب واحد، لكاتب واحد، ومقدّمة واحدة، وخاتمة واحدة[12].

وعلى ما تقدّم، فإنّ التاريخ البشريّ كما بدأ على هذه البسيطة بشكلٍ حكيمٍ وهادفٍ، فسوف ينتهي أيضًا بشكلٍ حكيمٍ وهادفٍ، فهو لن يستمرّ إلى ما لا نهاية، كما لن ينتهي بشكلٍ عبثيٍّ أو عشوائيٍّ، أو نتيجةً لخطأٍ بشريٍّ، بل إنّ هذه البسيطة التي (أوكلت) للإنسان الظلوم الجهول، لا بدّ من عودتها في نهاية المطاف إلى الإنسان المستخلَف، أي إلى الهداية الإلهية، والولاية الإلهية، وإلى تطبيق الأطروحة الإلهية بمرتبتها المعصومة، ومداها الشامل أي إلى المشروع المهدويّ، الذي سوف “يملأ الأرض قسطًا وعدلًا بعدما ملئت جورًا وظلمًا”[13].

وهذه العودة ليست عودةً تُفقد الإنسانَ عنصر الاختيار، بل هي عودة تتراكم فيها بعض العناصر الإعجازية (علامات الظهور)، في فعلٍ تمهيديٍّ للمشروع التغييريّ والإصلاحيّ للإمام المهديّ (ع).

أمّا لماذا يكون الظهور بمعية المسيح (ع) فيبدو أنّه فعل تقريبٍ بين العالمَين الإسلاميّ والمسيحيّ، بل توحيدٍ لهما على مشروع العدالة وقيمها، خصوصًا إذا ما التفتنا إلى أن طبيعة التربية الدينية المسيحية تدفع باتّجاه عدم التعالي أمام اللَّه تعالى ﴿ذَٰلِكَ … وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ﴾[14]. أمّا الخلاف الاعتقاديّ في موضوع النبي عيسى(ع)، فسوف تنتهي مبرّراته مع مجيء الشخص المختلَف فيه، لأنّه مهما كانت التراكمات الاعتقادية تدفع باتجاه الاختلاف في شأنه، فإنّ بيان الشخص عن نفسه، وهو الأعرف بحقيقته، سوف يحسم مادّة الخلاف.

في فلسفة المهدوية وصناعة الأمل

لقد ذكرنا أنّ المهدويّة تعني أنّ نهاية العالم هي نهايةٌ إلهيةٌ، كما كانت بدايته إلهيةً، وأنّها نهاية هادفة، تخضع للتقدير الإلهيّ، وليست خارجةً عنه. فكما كانت بداية الحياة البشرية آدميةً، فإنّ نهايتها لن تكون إلّا مهدويّةً.

ومن هنا، فإنّ المهدويّة تعني حتمية انتصار العدالة والخير والإصلاح في مسيرة البشرية، وأنّ مشروع الفساد والظلم لا بدّ له في حياة البشر من نهايةٍ، في يوم كان قدرًا مقدورًا.

إنّها تعني أنّه يجب أن يكون لدينا كلّ الأمل بأنّ المستقبل لن يكون إلّا لأهل العدل والخير، وأنّ قادم الأيام لن يحمل إلّا سيادة العدالة، في أرجاء المعمورة، ما بين مشرقيها.

هي تعني أن يكون لدينا كلّ الثقة بالله تعالى، أنّه لن يترك قافلة البشرية تسير إلى الأبد في ظلام الظلم والفساد، وأنّه لا مكان لليأس في مسيرة الكدح من أجل انتصار العدل والقسط، وزوال الظلم والجور.

إنّ الفشل الأكبر في مشروع العدل يبدأ من غلبة اليأس، وفقدان الأمل، بإمكانية زوال الظلم والفساد. فالمهدوية تعني ديمومة الأمل، وديمومة الأمل تهدي إلى بقاء العمل، ودوام العمل بإيمان وعزيمة يوصل إلى حتميّة انتصار العدالة، وإبقاء جذوتها إلى يوم الخروج. أمّا غلبة اليأس، فإنّها تدعو إلى الاستسلام للظلم والفساد، والانصياع الكامل للظالمين والمفسدين، والانكفاء عن طريق الكدح لإحلال القسط في الأرض.

إنّ المحرّك الأعظم لمشروع العدل هو الثقة بانتصاره. وإنّ الباعث الأكبر على إقامةِ القسط هو الأمل بغلبته. إنّ نداء المهدوية هو أن لا تهنوا، لأن المستقبل لكم، ولا تستسلموا، لأنّ النصر طوع إيمانكم. ولا تزولوا عن مقارعة الظلم، لأنّه زائل، ولا تتوانَوا عن نصرة العدل، لأنّه قريبًا تظهر رايته.

إنّ المهدوية هي النبع الفوّار للأمل المفعم والدائم بالمستقبل، أنّه لن يكون إلا لعشّاق العدل ومشروع القسط، وأنّ الظلم ومشروعه لا بدّ زائل، وقريبًا تُكسر رايته.

من هنا، فإنّ المهدوية تعني الانتظار المفعم بالأمل والعمل، لأنّ المستقبل هو للعدل، وليس للظلم. وهي تعني حتمية قيام العدالة، تلك التي عجز عنها البشر، وأنّ العدالة بأوسع تجلّياتها وأبعدها، لا تتحقّق بمعزل عن الهداية الإلهية الحقّة، وأنّ اللاعدالة في المجتمع البشريّ، لن تُترك تصول وتجول إلى ما لا نهاية، وأنّ الأمل بالعدالة على هذه البسيطة، ينبغي أن لا تنطفئ جذوته، وأنّ مستقبل الأيام ليس لمحتكري الثروات في العالم وللمترفين، بل هو للمستضعفين، والمظلومين، وضحايا اللاعدالة الكونية. وأنّه ليس صحيحًا لهؤلاء أن يرضخوا لناهبي ثرواتهم، ومستغّلي أقواتهم، وأنّ الإرادة الإلهية قد وعدتهم بتحقيق العدل، وأنّ عليهم أن يشكّلوا قوّة دفعٍ لتغيير عالمهم من اللاعدالة إلى العدالة.

إنّ روح المهدوية تعني الأمل الدائم بالانتصار المحتّم للعدالة على اللاعدالة، وأنّ مسار البشرية ليس أمرًا خارجًا عن الرعاية الإلهية، وأنّ نهاية الحياة البشرية على هذه البسيطة يجب أن تكون مسبوقةً بإقامة العدل، وكنس الجور، وهدم بنية النظام العالميّ الجديد، القائم على احتكار الثروات، ونهب الشعوب، والمزيد من الظلم، والاضطهاد، والعبودية المقنّعة، المشبعة بكثيرٍ من النفاق المعولم.

المهدوية تعني الاستعداد الدائم والدؤوب لذاك اليوم، الذي تشرق فيه الأرض بنور المهديّ (ع).  أمّا لماذا الكدح للعدل؟ فلأنّ الغد هو ثمرة اليوم، ولأنّ عدالة المهديّ لا تنفصم عن التمهيد لها بالعدالة نفسها. فلا تمهيد للعدل إلا بالعدل نفسه. ولا يغيبنّ عنّا جدل التمهيد والتصعيد، أي تصعيد الأمل بانتصار العدل، والعمل بقوّة الأمل لغلبة القسط، وتكامل تصعيد الأمل وتنمية العمل؛ لأنّ فلسفة المهدوية تعني التمهيد للعدل، بالكدح لغلبة العدل، وإعداد مجتمع العدل، بالتربية على العدل، والصناعة الدائمة للأمل، بمستقبل العدالة وانتصارها.

المهدوية وصناعة الوعي بالمسؤولية

قد يحلو لبعض الناس أن يقدّم فلسفةً ما للمهدوية، توصل إلى التواكل، والتحلّل من المسؤولية، من قبيل أنّ الإمام يخرج عند انتشار الظلم، فلندع الأمور على غاربها، حتّى تتهيّأ الظروف لخروجه، أو أنّ الأمر يرتبط بشخص الإمام، أو بحضوره فقط، بحيث لا يمكن الحديث عن مسؤوليةٍ ما في السعي لإقامة العدل، أو التمهيد له، أو الإصلاح في غيبته.

وهذا الفهم هو فهمٌ خاطئ، لأنّ فلسفة المهدوية لا تؤدّي إلّا إلى تصعيد الشعور بالمسؤولية والوعي بها، لإقامة العدل، والتغيير للأفضل، ومواجهة الظلم.

وبيان ذلك:

  1. أنّ المشروع المهدويّ هو مشروعٌ جمعيٌّ أمميٌّ، وليس مشروعًا فرديًّا أو شخصيًّا.
  2. يهدف هذا المشروع إلى التغيير في الأرض، أي هو مشروع عالميّ ذو مضمون حضاريّ، وليس مشروعًا فئويًّا.
  3. صحيح أنّ مرحلة غيبة الإمام تعني مرحلة الانحدار إلى الظلم، لكنّ هذا بما كسبت أيدي الناس. وهذا لا يعني الركون لهذا الظلم أو السكوت عنه.
  4. يمارس البعض خلطًا بين منطق التوصيف ومنطق التكليف، بمعنى أنّ توصيف نهاية التاريخ بأنّها غارقة في الظلم والجور قد يفهم منه أنّ عليه أن يتنصّل من مسؤولياته وتكاليفه، ليدع الأمور تصل إلى ما ينطبق عليه ذلك التوصيف. وهذا فهم ينطوي على تجاوز منطق التكليف بمنطق التوصيف، لأنّ وصف تلك النهاية بما جاء في النصوص الدينية، لا يعني إغفال منطق التكليف بضرورة مواجهة الظلم، والعمل على استئصال شأفته، وهدم سلطانه.
  5. ضرورة الفهم الموضوعيّ للنصوص المهدوية، وعدم فصلها منهجيًّا عن مجمل منظومة النصوص الدينية الإسلامية. وهذا يتطلب أن تؤخد بعين الاعتبار نصوص التمهيد لمشروع الظهور، ومجمل النصوص الدالّة على تلك التكاليف ذات الصّلة.

وعليه، فإنّ الإعداد للظهور، والتمهيد لإقامة العدل المهدويّ، لا يؤدّيان إلّا إلى المزيد من العمل، الذي يجب أن يرقى إلى مستوى ذلك المشروع، وأهدافه الإنسانية الكبيرة؛ إذ إنّ مشروعًا بذاك المستوى، يحتاج إلى عمل، وتمهيد بمستواه، حتّى تتهيّأ الظروف لخروج الإمام. وهذا الفهم لا ينتج إلّا المزيد من الوعي بالمسؤولية، وتخصيبها، وتحمّلها.

النظريات المفسّرة لغيبة الإمام المهديّ (ع): قراءة في المنهج

قد يكون من المفيد أن نعرض إلى ذلك المنهج، الذي نعتقد بمطلوبية اعتماده في معالجة النصوص الدينية ذات الصلة بالمهدوية، وذلك بهدف التأسيس للإجابة على بعض الأسئلة التي قد تُطرح في هذا الشّأن.

وهنا لا بدّ من القول: إنّ نظريّاتٍ عديدةً قد عُنيتْ بتفسير غيبة الإمام المهديّ (ع) وفلسفتها، حيث نجد أنّ بعضًا منها تناول البعد الشخصيّ لهذا الحدث، في حين أنّ نظريّاتٍ أخرى ركّزت على بعده الاجتماعيّ والعامّ. وهذا الاختلاف في التفسير يرجع إلى طبيعة المنهج المعتمد في قراءة نصوص الغيبة وفلسفتها، حيث تجب الإشارة هنا إلى أنّ النصوص الدينية قد أخذت الدور الأساس في توليد تلك النظريات المفسّرة للغيبة.

بدايةً لا بدّ من أن نشير إلى أهمّ تلك النظريات، ومن ثم نحاول الإلفات إلى المنهج المناسب في بنائها وفهم النصوص التي ارتكزت عليها، في محاولةٍ لتقديم رؤيةٍ شاملةٍ وموضوعيةٍ، تأخذ بعين الاعتبار الأسس الكلاميّة والدينيّة، التي ترتكز عليها تلك الغيبة.

يمكن تقسيم تلك النظريات إلى قسمَين: نظريّات شخصيّة، ونظريّات اجتماعيّة.

  1. النظريات الشخصية

والمراد منها تلك النظريّات التي تفسّر الغيبة بالاستناد إلى شخص الإمام المهديّ (ع)، وهي نظريات متعدّدة، يمكن استفادتها من الروايات الواردة عن أهل البيت (ع)، وأهمها:

أ. نظرية الخوف: تذهب هذه النظرية إلى أنّ الإمام (ع) قد غاب خوفًا على نفسه من القتل أو الذبح، وبالتالي، فإنّ حماية شخص الإمام قد اقتضت غيبته، منعًا من تعرّضه للقتل. يقول الإمام الصادق (ع): “يا زرارة لا بدّ للقائم من غيبة، قلت: ولِمَ؟ قال: يخاف على نفسه – وأومأ بيده إلى بطنه –”[15].

ب. نظرية البيعة: أي إنّ الإمام (ع) قد غاب حتّى لا يبايع أحدًا من الظالمين؛ لأنّه لو بقي ظاهرًا، فسوف يضطرّ إلى البيعة. رُويَ عن الإمام الصادق (ع): “صاحب هذا الأمر تغيب ولادته عن هذا الخلق، لئلّا يكون لأحدٍ في عنقه بيعةٌ إذا خرج”[16].

ج. نظرية الاعتزال: ومفادها أنّ اللّه تعالى يكره لأوليائه مجاورة الظالمين، ولذلك غاب الإمام (ع) كرهًا لأفعالهم، وكتعبيرٍ عن رفض ظلمهم وفسادهم. ورد عن أبي جعفر(ع): “إنّ اللّه تعالى إذا كره لنا جوار قوم نزعنا من بين أظهرهم”[17].

هذه أبرز النظريات التي يمكن تصنيفها في تفسير البعد الشخصيّ لقضية الغيبة.

  1. النظريات الاجتماعيّة

وهنا يمكن أن نعرض لبعضٍ من تلك النظريّات، وهي:

أ. نظرية التمحيص: حيث أكّدت بعض الروايات على أنّ الهدف من الغيبة هو تمحيص المؤمنين واختبارهم؛ لأنّ فلسفة الحياة قائمة على أساس الابتلاء، ومن أبلغ الابتلاءات ضرورة الإيمان بالقائم (ع) وهو في غيبته، بل وتحقيق جملة تلك الغايات والنتائج التي تترتّب على الابتلاء بالغيبة، حيث ورد عن الإمام الصادق (ع): “إنّ هذا الأمر لا يأتيكم إلّا بعد إياسٍ، لا واللَّه حتى تُمَيَّزُوا، لا واللَّه حتى تُمَحَّصُوا، لا واللَّه حتّى يشقى من يشقى، ويسعد من يسعد”[18].

ب. نظرية النصرة: أي إنّ الإمام (ع) قد غاب لعدم وجود الناصر، وهو ما يُستفاد من بعض الروايات، باعتبار أنّ الأمور تجري بأسبابها؛ ومن أسباب النصر وجود الناصر، ولذلك غاب الإمام لعدم وجود الناصر.

ج. نظرية الامتحان: والمراد بها امتحان النظريّات الوضعيّة واللادينيّة التي أريد لها أن تكون بديلًا عن الأطروحة الإلهية، فكان تغييب الإمام بمثابة تعطيل مرحليٍّ للأطروحة الإلهيّة في مرتبتها المعصومة، إفساحًا في المجال أمام تلك النظريات الوضعيّة حتّى تختبر صحّتها، وصولًا إلى مرحلة الانسداد الحضاريّ، واكتشاف عدم قدرة تلك النظريات على علاج جميع مشاكل الإنسان، وإيصاله إلى سعادته الحقيقيّة.

د. نظرية الإعداد: والمراد بها انتظار جميع الظروف الموضوعيّة، والإعداد لها للقيام بعملية التغيير الشاملة، وتمكين الدّين، وإحقاق العدل في جميع الأرض[19].

وبناءً على ما تقدّم، كيف يمكن الجمع بين كلّ تلك النظريات؟ وما هو المنهج، الذي يجب أن يعتمد في قراءة النصوص المفسّرة لحدث الغيبة، باعتبار أنّ تحديد المنهج والمقدّمات التي يمكن أن يرتكز عليها في تلك القراءة، كلّ ذلك يؤثر حكمًا في النتائج التي يُنتهى إليها؟

لذا لا بدّ من الإشارة إلى جملةٍ من النقاط المُهِمَّة في هذا الموضوع:

  1. إنّ تحديد المنهج المستخدم في قراءة نصوص الغيبة هو عملٌ سابقٌ منهجيًّا على قراءة النصوص نفسها، ولذا يجب أن يُقدّم عليها.
  2. إنّ المنهج، الذي يجب استخدامه هو المنهج الموضوعيّ وليس الموضعيّ، باعتبار أنّ وظيفة الإمامة -المعصومة – يتداخل فيها المعرفيّ مع الدينيّ والسياسيّ والاجتماعيّ والحضاريّ…؛ ولذا يجب أن يكون المنهج مستوعبًا لكلّ العوامل الدخيلة في الموضوع.
  3. بناءً على ما تقدّم، قد يصحّ القول بأنّ المنهج، الذي يجب أن يستخدم هو (المنهج الحضاريّ)، بمعنى أنّ الفهم الحضاري للدّين – والذي تندمج فيه الرؤية الكونية، مع رؤيتنا لفلسفة التاريخ وغائيّته، مع فهمنا لموسوعية الدين ووظائفه وعالميّته – هو الذي ينبغي أن يُستند إليه في فهمنا للمهدوية، وغيبة المهديّ (ع)، وفلسفة تلك الغيبة.
  4. يجب أن تُقرأ كلّ الروايات قراءةً موضوعيةً، باعتبار أنّ كل روايةٍ أو مجموعة رواياتٍ، ربّما تكون ناظرةً إلى جهةٍ من جهات الغيبة. وبالتالي لا يصحّ اختزال فلسفة الغيبة في هذه الجهة فقط، لأنّ تحديد سببٍ ما، أو حكمةٍ ما للغيبة، لا ينافي وجود سببٍ آخر أو حكمةٍ أخرى.
  5. إنّ النصوص التي قد يُفهم منها البعد الشخصيّ في حدث الغيبة لم تتناول الإمام المهديّ (ع) بلحاظ البعد الشخصيّ المحض لديه، إنّما باعتبار الجانب الحقوقيّ في شخصيّته، أي بما هو إمام. ولذلك يجب أن تدمج تلك النصوص ذات البعد الشخصيّ في الأبعاد العامّة، والجوانب الاجتماعية، والنظريات ذات البعد الجمعيّ.
  6. يجب أن تُفهم تلك النصوص على أساس أهداف الدين، ووظائف الإمامة المعصومة، والخصوصيّة الوظيفيّة للإمامة الخاتمة على مستوى إلغاء كلّ الأطروحات الوضعية، وتحقيق نهاية للتاريخ، يسبقها تحقيق الخلافة الإلهية (سيادة العدالة) بأرقى مراتبها، وأوسع معانيها، وأبعد مدياتها.
  7. يجب أن تُقرأ تلك النصوص والنظريات قراءةً تأخذ بعين الاعتبار الأبعاد الكونية والعالمية لحركة الدين وأهدافه. ولذا ليس صحيحًا أن تُفهم المهدوية ومشروعها على أنها محصورةٌ بفئةٍ خاصةٍ، أو جغرافيةٍ محدّدةٍ، وإنّما يجب أن تُفهم على أنّها حركةٌ عالميةٌ شاملةٌ. وهذا ما يُستنتج من مختلف النّصوص ذات الصّلة.
  8. إنّ كل ما تقدم لا يلغي المعنى، الذي يستفاد من بعض الروايات، وهو عدم إمكانية معرفة علّة الغيبة معرفةً كاملةً، تستوعب جميع تفاصيلها، إلّا عند ظهور الإمام (ع) وخروجه.

الخاتمة

إنّ المعنى الذي يريد هذا البحث الخلوص إليه هو أنّ فلسفة الخلق تقوم، في ما تقوم عليه، على العبادة ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾[20]، وتهدف، في ما تهدف إليه، إلى إقامة القسط في الأرض ﴿لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾[21]، وهذا ما يوصل إلى النتيجة التالية؛ وهي أنّ عبادة الله بإقامة القسط، وأنّ من أشرف العبادة أن يقوم الناس بالعدل، ويقوم اجتماعهم على العدالة.

ومن هنا كان البيان الدينيّ على مرّ التاريخ ليحقق هذا الهدف، ﴿أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾[22]. ولكنّ الذي حصل انحدارٌ متمادٍ في الظلم ومنهجه ونسقه، في إعراضٍ عن ذلك البيان الدينيّ وكفرٍ به، وإيغال في الطغيان والفساد.

وهذا الانحراف عن مسار العدالة، الذي انساقت إليه قافلة البشرية في تاريخها لن يدوم إلى ما لا نهاية، وإنّما هناك نهاية للتاريخ، وهناك أمدٌ لمسار اللاعدالة هذا.

ولذا، فإنّ المهدوية تعني الانقلاب في مسيرة البشرية وقافلتها من مسار اللاعدالة إلى مسار العدالة. وهي تعني في مشروعها أهمّ تحوّلٍ سوف يشهده التاريخ البشريّ من انحدار في نسق اللاعدالة، إلى انتهاج العدالة في نسقها وقيمها وجميع معانيها. وهي تعني العودة إلى الفطرة الإنسانية السليمة من مجمل التشوّهات التي تعرّضت لها على مدار التاريخ بسبب أكثر من تلبيسٍ فكريٍّ، أو فسادٍ معرفيٍّ، أو حتى تأويلٍ للدين جافى حقيقة جوهره الكامن في العدالة.

المهدوية هي المشروع الخلاصيّ للاجتماع البشريّ ممّا يصل إليه في مرحلة انسداد الأفق الحضاريّ أمام مسيره وفي نهايته. هي خشبة الخلاص الوحيدة التي سوف تتبدّى في نهاية ذلك التيه الحضاريّ أمام ناظري قافلة البشرية، وتوقها الأخير إلى الخلاص المهدويّ وظهوره.

هذا ويمكن إيجاز مجمل الموضوعات الواردة في البحث في ما يلي من نقاط:

  1. إنّ المهدوية هي بمثابة مشروعٍ لهدم بنية اللاعدالة في العالم، وتفكيك النظام العالميّ القائم على اللاعدالة في مختلف مجالات الاجتماع الإنساني، ليُبنى مكانه نظام جديد يقوم على العدالة وقيمها في مختلف ميادين ذاك الاجتماع.
  2. في المنظار التاريخيّ تعني المهدوية الانقلاب الجذريّ في مسيرة قافلة البشرية من مسار اللاعدالة إلى مسار العدالة، لتكون خاتمة التاريخ البشريّ بسيادة العدالة وحدها على البسيطة كلّها. يقول تعالى: ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾[23]، و﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾[24].
  3. إنّ اليوم المهدويّ إنّما يأتي بعد مسارٍ تاريخيٍّ طويلٍ من اللاعدالة، هذا المسار الذي يختزن فرصةً أو فسحةً حضاريةً للتجربة البشرية المتعالية على الهداية الإلهية، لتختبر خياراتها الحضارية بمعزل عن تلك الهداية، ولتستفرغ ما في جعبتها الوضعية من رؤى في هذا السياق.
  4. إنّ الهدف من ذاك الإمهال التاريخيّ هو إعمال سُنّة الإيكال الحضاريّ، والتي تعني أن يُوكل الاجتماع البشريّ إلى نفسه نتيجة لإعراضه عن الهداية الإلهية تلك، حتّى يعاين فشل خياراته في إقامة العدل، ويصل في نهاية التاريخ إلى حالة الانغلاق الحضاريّ، التي تنعدم فيها خياراته الحضارية بمعزلٍ عن الهداية الإلهية، ليعود إليها، وليبحث فيها ومن خلالها عن خلاصهِ وعلاجهِ.
  5. لقد جاءت الغيبة في فلسفتها كتجلٍّ لذاك الإيكال الحضاريّ، وكتعبيرٍ عنه. وهي تعني تجميد الأطروحة الإلهية في مرتبتها المعصومة في بعدها الظاهر، وتحديدًا في بعض وظائفها، وليس في جميعها.
  6. يمكن القول: إنّ الغيبة -كفلسفة- تقوم على الوجود الغائب، وما يعنيه هذا الوجود من معانٍ وآثار، وما له من وظائف ومهامّ، وما يستبطنه الغياب واللاحضور من معانٍ ونتائج، تعني في فلسفتها ومقاصدها إعمال سُنّة الإيكال الحضاريّ تلك، للوصول به إلى غاياته ونهاياته.
  7. إنّ فلسفة المهدوية تعني بقاء شعلة الأمل متّقدة بانتصار العدالة وحتميّة قدومها، وهي تعني تصعيد المسؤولية وتحمّلها لإقامة القسط، والتمهيد لمشروع العدل المهدويّ، لأنّ التمهيد للعدل لا يكون إلّا بالعدل نفسه ومن سِنخه.
  8. في الرؤية الدينية هناك نهاية للتاريخ، وهذه النهاية ليست عبثيةً، كما إنّ حركته ليست عشوائيةً، بل هي نهاية غائية، تتوّج حركةً تخدم تلك الغاية.
  9. ومن هنا يصح الحديث عن هندسةٍ إلهيةٍ للتاريخ ذات غايةٍ مهدويّةٍ، تقوم على أنّ مسار التاريخ لن يُترك في تيهه الحضاريّ إلى ما لا نهاية، بل سوف ينتهي بتسيّد العدالة، من خلال المشروع المهدويّ وفعله.
  10. بل يمكن القول: إنّ هذا التيه البشريّ في اللاعدالة، سوف يخدم، على مستوى مؤدّياته، ذلك التحوّل الجذريّ في التاريخ البشريّ من اللاعدالة إلى العدالة.
  11. إنّ ما نعنيه بأنّ نهاية التاريخ سوف تحصل ببناء حضارة العدالة، هو أنّ هذه النهاية سوف تتضمّن أمرَين:

الأمر الأوّل: هدم ذلك النظام العالميّ القائم على اللاعدالة في مختلف الميادين والمساحات.

الأمر الثاني: هو بناء نظامٍ جديدٍ يقوم على العدالة وقيمها في مختلف مجالات الاجتماع الإنسانيّ وشؤونه.

  1. من خلال جميع ما سلف وذكرناه، يمكن أن نعي معنى دولة الإمام المهديّ (ع) بأنّها تعني دولة العدالة، وحتمية قدومها في نهاية التاريخ، بعد أفولٍ لها بفعل إعراض البشرية عن الهداية الإلهية، وضياعها في تيهها الحضاريّ، ووصولها إلى ملاذها الأخير المتمثِّل في دولة العدل، وظهور الإمام محمد بن الحسن المهديّ (ع).

وعليه، لا بد أن نقول بأن هذه المعالجة لها ما يبرّرها، وهي ليست منفصمةً عن مجمل النصوص الدينية ذات الصلة، وإنما ترتكز عليها، وقادرة على حل ما يبدو من اختلافٍ وتعارضٍ بينها.

وبناءً على جميع ما تقدّم، يمكن لنا أن نقول بأنّ المحاولة التي سعينا إلى القيام بها في هذا البحث هي محاولة تملك تبريرها المنهجيّ، وترتكز منهجيًّا على المنهج الموضوعيّ، ذي الأبعاد الحضارية في فهم الخلق وغايته، والدين وجوهره، والتاريخ ونهايته، لتنتهي إلى أن جوهر الرسالات الإلهية في غايته يكمن في إقامة القسط، وأن حقيقة المشروع المهدوي في مقصده يتمثّل في تحقيق العدل، وأن هناك هندسةً إلهيةً للتاريخ للوصول به إلى جوهر تلك الرسالات من خلال ذلك المشروع، ومن هنا كان ذلك الوصل ما بين فلسفة المهدوية، وجوهرية العدالة، ونهاية التاريخ.

[1] سورة المائدة، الآية 8.

[2] سورة الكهف، الآية 29.

[3] سروة البقرة، الآية 256.

[4] سورة الذاريات، الآية 56.

[5] سورة الحديد، الآية 25.

[6] إنّ بناء النظام العالمي على أساس من العدالة، وإقامتها في أعلى مستوياتها وأبعد مدياتها، بعد فشل جميع الأطروحات البشرية في تحقيقها، حتى لا يبقى أحد يدّعي امتلاكه القدرة على فعل العدالة وإقامتها إلّا جرّب ما لديه، وأخفق في تحقيق ذلك الخلاص الإنساني؛ إنّ هذا الأمر يستفاد من العديد من الروايات التي وردت عن أئمة أهل البيت(ع)، والتي تحوي فلسفة ذات مضمون حضاري وتاريخي غاية في العمق للمهدوية والغيبة وفلسفتها ومقاصدها، حيث ينبغي تفسير مجمل نصوص المهدوية مندكّة في تلك الروايات ومن خلالها. حيث ورد عن الإمام الباقر(ع): “دولتنا آخر الدول، ولن يبقى أهل بيت لهم دولة إلّا ملكوا قبلنا، لئلّا يقولوا إذا رأوا سيرتنا: إذا ملكنا سرنا مثل سيرة هؤلاء، وهو قول الله عزّ وجلّ ﴿وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾”؛ الطوسي، الغيبة (قم: مؤسسة المعارف الإسلامية، الطبعة 1، 1411 هـ. ق)، الصفحة 472.

وعن الإمام الصادق(ع): “لا يكون هذا الأمر حتى لا يبقى صنف من الناس إلّا قد ولّوا على الناس، حتى لا يقول قائل: إنّا لو ولّينا لعدلنا، ثمّ يقوم القائم بالحق والعدل”؛ النعماني، الغيبة (قم: منشورات أنوار الهدى، الطبعة 1، 1422 هـ. ق)، الصفحة 282.

حيث من الواضح أنّ هذه النصوص تقدم تفسيرًا لنهايةٍ عدالية للتاريخ، ترتبط بالانسداد الحضاري، وفشل جميع الأطروحات الوضعية في تحقيق العدالة، ليفهم المشروع المهدوي على أساس من محورية العدالة تلك، وكونها ختم التاريخ في حركته وغايته.

[7] سورة المُلك، الآية 2.

[8] راجع في هذا الموضوع: محمد شقير، فلسفة الإمامة في الفكر الشيعي الاثني عشري (بيروت: دار المعارف الحكمية، 2017م)، الصفحات 21 – 40؛ المازندراني، شرح أصول الكافي (بيروت: مؤسسة التاريخ العربي، الطبعة 2، 2008م)، الجزء 5، الصفحات 75 – 107، والصفحات 121 – 129.

[9]سورة الحديد، الآية 25.

[10] نحن لا نقول إنّ غيبة الإمام تعني قعوده عن القيام بجملة من وظائف الإمامة، وإنما نقول إنه يوجد فرق بين قيام الإمام بمجمل وظائفه وهو في مقام الظهور، وبين قيامه بجملة من تلك الوظائف من خلف ستار غيبته، إذ إنّ وجوده خلف ستار الغيبة، لن يحول دون القيام بجملة من تلك الوظائف. وهذا القرآن الكريم يحدثنا في قصة العبد الصالح، الذي قصده موسى (ع) ليتعلم منه رشدًا (سورة الكهف، الآيات 66 – 82)، فكانت دروسه التطبيقية ذات دلالات، منها أنه كان يقوم بأكثر من دورٍ وعمل، رغم إنّه كان موجودًا خلف ستار الغيبة. وكذلك المهديّ (ع) فإنّه لن تحول غيبته دون قيامه بما يقوم به من وظائفه، ولن يعيقه استتاره عن فعله.

[11] يذهب الكاتب الأمريكي فرنسيس فوكوياما في كتابه نهاية التاريخ والإنسان الأخير، والذي صدر لأول مرة عام 1992م، باللغة الإنجليزية، إلى هذه النتيجة، وهي أنّ هناك نهايةً للتاريخ، ولكن هذه النهاية تحمل انتصار القيم الديمقراطية والليبرالية الاقتصادية وسيادة هذه القيم في العالم. وهنا لا بدّ من القول إنّه ليس من المستبعد أن يكون التنظير، الذي خلُص إليه هذا الكاتب قد جاء متأثرًا بالمناخات التي أثارها انتهاء الحرب الباردة بين المعسكرَين الشيوعيّ والرأسمالّي، وتفكّك الاتحاد السوفياتي آنذاك.

[12] لا يقتصر القول بغائية التاريخ وانتظامه على الفكر الديني والإسلامي؛ إنّما نجد أن بعضًا من الفلاسفة الغربيين يذهب إلى الرأي نفسه في هذا الموضوع، من حيث إنّ الله تعالى كما هو موجود في الطبيعة هو أيضًا موجود في التاريخ، وإنّ الله تعالى قد نظّم التاريخ تنظيمًا دقيقًا ليكون هذا التاريخ مظهرًا لوجود الله، كما الطبيعة. عطيات محمد أبو السعود، فلسفة التاريخ عند جامباتيستافيكو (بيروت: دار التنوير، 2006 م)، الصفحة 212.

[13] الصدوق، الخصال (قم: مؤسسة النشر الإسلامي، 1403 هـ. ق)، الصفحة 396.

[14] سورة المائدة، الآية 82.

هذا ويلحظ المدقّق أكثر من وصل بين البعد المحمدي (نسبةً إلى محمد (ص))، والبعد العيسوي (نسبة إلى عيسى (ع)) في شخص المهديّ (ع) ومشروعه. واحدة من تجليات ذلك الوصل يظهر في ما ذكرناه من العودة الإعجازية للمسيح (ع) مع الظهور المهدوي. وثانية تلك التجليات كون المهديّ (ع) من نسل محمد (ص) من ابنته فاطمة الزهراء (ع) من جهة، وكونه من نسل الحواريين من جهة أخرى.

وقد التفت إلى هذه الدلالة الكاتب الفرنسي (يان ريشار)، في كتابه بالفرنسية الإسلام الشيعي: عقائد وأيديولوجيات عندما ذكر ما نصّه: “إن أم الإمام الثاني عشر كانت، فيما يقولون لدى الإماميين، أمة بيزنطية، … وأنها ربما كانت ابنة للإمبراطور البيزنطي، إذن فهي من نسل سيمون بيير Simon Pierre؛ أي أول رئيس للكنيسة… وهكذا فإن ابنها كان يصل بين الدورتين الروحيتين: دورة عيسى (ع)، ودورة محمد (ص)”، (ترجمة: حافظ الجمالي، بيروت: دار عطية للطباعة والنشر والتوزيع، 1996م، الطبعة 1، الصفحة 69). أما في معجم أحاديث الإمام المهديّ (ع)، الموسوعة التي تتعلق بالإمام المهديّ (ع)، والتي تحتوي على سبعة مجلدات، والتي عمل عليها عشرون محققًا لمدة أربع سنوات كاملة، والتي تم استخراج أحاديثها من نحو ألف مجلد، كما جاء في مقدمة ذلك المعجم؛ فقد أُفرد في المجلد الخامس منها عنوانٌ هذا نصه: “أم الإمام المهديّ (ع) من نسل الحواريين” (قم: تأليف ونشر مؤسسة المعارف الإسلامية، 1428هـ، الطبعة 2، الصفحات 513 – 520).

[15] الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري (قم: مؤسسة النشر الإسلامي، لا طبعة، 1405هـ.ق)، الصفحة 481.

[16] المجلسي، بحار الأنوار (بيروت: مؤسسة الوفاء، الطبعة 3، 1983م)، الجزء 52، الصفحة 96.

[17] الصدوق، علل الشرائع (بيروت: مؤسسة  الأعلمي للمطبوعات، الطبعة 1، 1988م)، الجزء 1، الصفحة 285.

[18] محمد بن يعقوب الكليني، الكافي، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري (طهران: دار الكتب الإسلامية، الطبعة 5، 1362هـ.ش)، الجزء 1، الصفحة 370.

[19] في علل الغيبة ونظرياتها راجع (عدا ما ذكرنا من مصادر): الصدوق، علل الشرائع، مصدر سابق، الصفحات 284 – 288؛ محمد جواد خراساني، مهدي منتظر (قم: بُنياد بزوهشهاى علمي فرهنكى نور الأصفياء، 1380هـ. ش، جاب دوم)، الصفحات 72 – 88.

[20] سورة الذاريات، الآية 56.

[21] سورة الحديد، الآية 25.

[22] سورة الحديد، الآية 25.

[23] سورة القصص، الآية 5.

[24] سورة الأنبياء، الآية 105.



المقالات المرتبطة

الفرقة بين المسلمين… محاولة للتقريب

إنه لمن الضروري أن نحاول التقريب بيننا نحن المسلمين في ظل وجود القوى المترابطة لأعدائنا، وفي ظل القوى المترابطة لغير المسلمين في العالم كله

الحوار السياسي في خطب أمير المؤمنين (ع)

الحوار عند أمير المؤمنين (ع)، هو حوار رسالي سماوي، يرتبط بالأرض من خلال نشر قيم الإسلام في العدل والإخاء والمساواة، ولأن الإمام (ع) حكم الأمة الإسلامية، فقد كان له حوارات سياسية متعددة وكثيرة ومتنوعة، حتى قبل أن تؤول الخلافة إليه

الإيمان والمعرفة

أعتقد أن هناك تمييزًا بين العلم والمعرفة، فعلى الرغم من أننا نسمّي رجال الدين علماء، غالبًا ما يُظن أن المعرفة دينية، بينما العلم يختص بالعلوم الطبيعية والتجريبية.

لا يوجد تعليقات

أكتب تعليقًا
لا يوجد تعليقات! تستطيع أن تكون الأوّل في التعليق على هذا المقال!

أكتب تعليقًا

<