الجمل الاعتراضية في القرآن الكريم

مقدمة:
نُظِرَ إلى الجمل الاعتراضية في المجالات اللغوية من حيث المواقع والإعراب، ومن الزاوية الدلالية والبلاغية، وكذلك نُظِرَ إليها في القرآن الكريم من خلال بحوث تخصصية دقيقة، ولم ينل هذا الصنف من الجمل – على حد علمي – الاهتمام الذي يليق به وبأدائه وأدواره في البحوث القرآنية الخاصة بمجال الوقف والابتداء، من هنا تأتي الانطلاقة لتتبنى الإنباء عن هذا المجال بنحو أرجو أن يؤدي ولو شيئًا يسيرًا من الغرض.
فلقد بُحِثَت هنا من جهة العلاقة بينها وبين الوقف والابتداء علامة وموضعًا وتحليلًا، إضافة إلى الجانب الدلالي، والكشف عن معاني الآيات الكريمة وتفسيرها وبتركيز على بحث الوقف والابتداء.
فكرة عن البلاغة.
إن قوانين البلاغة وقواعدها من قبيل أدلّة ما بعد الوقوع، فهي استنباطية أكثر منها تأسيسية، كونها خاضعة لفهم من تبنى تدوين القواعد المعنية، وأما التأسيسية فكما في علم النحو والصرف وبنية الكلمة الذي أقرّه الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)، والإمام جعفر بن محمد الصادق (ع)، وبناء على هذا ستتغافل هذه المقالة عن الجوانب التي يطلقون عليها الجوانب البلاغية في هذا الصنف من الجمل.
تعريف الجملة الاعتراضية.
جملة[1] تأتي بين تعبيرين متلازمين لا محل لها من الإعراب ولا يتغيّر معنى مجموع العبارة بعد حذفها، وتقع في أماكن عدّة كما لو وقعت بين:
- الفعل والفاعل.
- المبتدأ وخبره.
- اسم إنّ وخبرها.
- فعل الشرط وجوابه.
- القسم وجوابه.
- بين الحرف وتوكيده.
- الصفة وموصوفها.
- المضاف والمضاف إليه.
- الموصول وصلته.
- الفعل ومفعوله.
دور الجملة الاعتراضية في القرآن الكريم.
لم يقتصر دور الجمل الاعتراضية في القرآن الكريم على ما في اللغة، بل تضاف إلى مهامها مهام أخرى[2]، فمنها ما هو أبعد مما في اللغة، بل تكون من مقتضيات الكلام، ومن متطلبات المقام، ولو أسقطت من السياق سقط معها جزء أصيل من المعنى، فهي تحمل بجانب كونها جزءًا من المعنى الأصلي معاني فرعية أخرى، تلتحم جميعًا في تكوين المعنى الكلي، وأن الجملة القرآنية عمومًا قد اختيرت بعناية، ثم نسقت في سلك واحد، فلا ضعف في تأليف، ولا تعقيد في نظم، ولكن حسن تنسيق، ودقة ترتيب. فإن الجملة المعترضة في القرآن الكريم وردت لأغراض متعددة ولمعاني شتى تستخدم في كل مقام وموضع لمقصدٍ وغرضٍ يقتضي ذلك المحل ولو أهملت مراعاة الجملة المعترضة في تلك المواضع يستلزم ضعف التأليف والتعقيد في النظم.
أما في النصوص القرآنية فقد تأتي الجمل الاعتراضية لتؤدي أدوارًا أُخَر غير المتعارف في اللغة، وبُحِثَ ذلك في أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه “دلالة الجملة الاعتراضية في القرآن الكريم”، تحت عنوان: “الاعتراض وفكرة الاقتصاص”، حيث بيّن الباحث ذلك عند الحديث عن هذا الأمر تحديدًا: (أن يكون هناك كلام في سورة مُقْتَصًّا من كلام في سورة أخرى أو في السورة معها)، إلا أنه وبعد مراجعة كتاب البرهان للزركشي المشار إليه في الدراسة المذكورة، كان ذلك في النوع السادس والأربعين: أساليب القرآن وفنونه – وليس السابع والأربعين كما ذُكِر في الرسالة – فالصحيح هو (النوع السادس والأربعين: أساليب القرآن وفنونه).
ولعل ذلك قريب من منهج تفسير القرآن بالقرآن، ومن هنا نجد أن الجمل الاعتراضية يأتي دورها في مثل هذا المورد من موارد التفسير، فيستفيد من تطبيق شرائطها ومميزاتها المتفكر والمتدبر[3].
أخيرًا يؤتى بالجملة الاعتراضية لإفادة الكلام تقوية وتسديدًا وتحسينًا، وهي كثيرة قد يصعب تحديد أطرها العامة أو إحصاؤها، إذ تتعدد بعدد دواعي المتحدث، وكأمثلة على ذلك ما يلي:
- الإتيان بها يكون ناجمًا عن الأغراض الطارئة كـ:
- الاختصاص: قالوا لنا أنتم – المؤمنين – إخوةٌ.
- المدح: قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع): “كن في الفتنة كابن اللبون…”[4].
- الذم: قال اللص – خذله الله (تعالى) – للشرطة اتركوني وشأني.
واضح أن ما بين – – تضمن الذم (خذله)، وكذلك المدح (تعالى).
- الاقتصاص: ﴿فَأُولَـٰئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ﴾. (سورة الروم، الآية 16). قيل في محله مقتصة من قوله تعالى: ﴿ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا﴾. (سورة مريم، الآية 68).
وإن كنت لا أرى ذلك، فكلام الله الخالق عز وجل غير خاضع لقوانين موضوعة من قبل المخلوق، وكما أسلفت في المقدمة عن القواعد البلاغية.
- تفيد الأمر بالقول: ﴿قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ﴾. (سورة الرعد، الآية 30).
- التذييل: ﴿إِنَّ اللَّـهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾. (سورة القصص، الآية50).
- الفصل.
- الجملة الاعتراضية للمبالغة في الخصوصية. سيأتي ضمن البحث.
- الالتفات كما في تغيير الخطاب من (الجمع إلى المفرد، من المخاطب إلى الغائب، من المذكر إلى المؤنث) أو العكس للجميع.
علاقة الجملة الاعتراضية بالوقف والابتداء.
يتولد تساؤل يأخذنا نحو تساؤل بعده، أما التساؤل الأول فمفاده:
هل كل جملة اعتراضية يجدر أن يُعَيَّنَ لها وقف وابتداء؟
فإذا كان الجواب بالإيجاب، ما نوع ذلك الوقف والابتداء؟
الجواب:
إن الحاجة إلى تحديد موضع ونوع وقف وابتداء تبرز في حالة ما إذا كان هناك أثر في التفسير أو التأويل، وإلا فلا حاجة إلى ذلك، ففي قوله تعالى: ﴿قَالُوا تَاللَّـهِ لَقَدْ عَلِمْتُم مَّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ﴾، فإن:
- ﴿تَاللَّـهِ﴾.
و
- ﴿لَقَدْ عَلِمْتُم﴾.
الأصل: أنهم أخبروا المعنيين فقالوا: ما جئنا لنفسد في الأرض وما كنا سارقين.
وأما الجملتان فهما اعتراضيتان، وكما يلي:
- أما ﴿تَاللَّـهِ﴾، فهو قَسَمٌ لا تأثير له على بحث تفسير أو تأويل في السورة نفسها أو في موضع آخر من سور القرآن الكريم.
- ولكن قد يأتي باحث يريد أن يتوصل إلى كيفية علمهم (لَقَدْ عَلِمْتُم)، عندها يهتم بهذه الجملة تحديدًا ليصل إلى غايته للكشف عن ذلك، أي عن طريقة علم المخاطبين بـ(لَقَدْ عَلِمْتُم)، خاصة أن فيه تأكيد على العلم (لقد).
وفي قوله تعالى: ﴿يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ ۚ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا﴾. (سورة الأحزاب، الآية 32). تحديد موضع ونوع وقف وابتداء له أثر في القراءة والتفسير على حد سواء، كما سيتضح إن شاء الله تعالى عند التطرق إلى هذه الآية الكريمة.
شواهد على الجمل الاعتراضية.
إن أدوار الجمل الاعتراضية في القرآن الكريم كثيرة بحسب الحاجة إليها، وبناء على ذلك يجدر توضيح هذه الأدوار بعرض ومناقشة الشواهد وكما يلي:
سورة البقرة الشاهد الآيتان (21، 22).
قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ* الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ ۖ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّـهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾.
عرض وتحليل.
- قوله تعالى: ﴿وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾، لا يحسن أن تكون جملة حال من قوله تعالى: ﴿فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّـهِ أَندَادًا﴾.
- إن قوله تعالى: ﴿فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّـهِ أَندَادًا﴾ التي تضمنت النهي الإرشادي عن اتخاذ الأنداد.
- عبارة ﴿وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾، جاءت تعبيرًا عن: العلم بأنه: ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ﴾، ولقد عالجها علماء التفسير من أتباع مدرسة أهل البيت (ع)، ولم تعالج من حيث القراءة ولا من حيث الوقف والابتداء، فعبارة النهي هذه لو وضعت بين وقوفين يبينان أن هذه العبارة جملة اعتراضية لإفادة التركيز على تجنب اتخاذ الأصنام آلهة.
- تتضح الصورة أكثر عندما نراجع ترجمة القرآن الكريم بالفارسية والإنجليزية[5]، ونراجع مصادر الإعراب المتاحة وكتب التفسير، الخاصة بهذا المقطع تحديدًا ﴿وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾، نجد أنهم قد تعاملوا مع هذا المقطع على أنه جملة حالية، واختلفوا حتى في تعلق حاليتها، فهناك من جعلها جملة حالية من ﴿فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا﴾، وآخرون من ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ*الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ﴾، والحق أن هذه الجملة حالية من هذا المقطع ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ﴾، لأنه هو الملائم لما جاء بيانه من أن الفطرة تقضي بهذا المعنى، فكلنا يعلم أن: ﴿.. خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ …. * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ﴾، أما جملة: ﴿فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا﴾، فهي اعتراضية تفيد التشديد والتأكيد على هذا الأمر تحديدًا. وببيان آخر كما جاء في تفسير التبيان: [قوله: ﴿وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً﴾: يعني مطرًا فأخرج بذلك المطر مما أنبتوه في الأرض… تنبيهًا على أنه هو الذي خلقهم، وأنه الذي يرزقهم ويكلفهم دون من جعلوه ندًّا وعدلًا من الأوثان والآلهة، ثم زجرهم أن يجعلوا له ندًّا مع علمهم بأن ذلك كما أخبرهم، وأنه لا ندّ له ولا عدل، ولا لهم نافع ولا ضار ولا خالق ولا رازق سواه بقوله: ﴿فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّـهِ أَندَادًا﴾ ][6]. وفي التفسير الأصفى: [﴿فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّـهِ أَندَادًا﴾ … ﴿وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾، قال: (إنها لا تقدر على شيء من هذه النعم الجليلة التي أنعمها عليكم ربكم)][7]، بدليل قوله تعالى: ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ﴾[8].
- وأما الترجمة بالفارسية: [لذا بلا فاصله اضافه مى كند: (اكنون كه چنين است براى خدا شريكهائى قرار ندهيد درحالى كه مى دانيد) ﴿فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّـهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾][9].
- في نسخة القرآن الكريم المترجمة إلى الفارسية، طبعة مجمع الملك فهد: (شما بیرون آورد پس برای خدا همتایان مقرر مکینید در حالیکه شما میدانید)، نجد أن (در حالیکه شما میدانید)، وهذا لا يستقيم إذا كانت جملة حال لما قبلها والتي هي ﴿فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّـهِ أَندَادًا﴾، بينما يستقيم إذا كانت حال لما سبق قوله تعالى: ﴿فَلَا تَجْعَلُوا﴾، وهي ﴿.. خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ …. * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ﴾، ففي تبيين القرآن: [فإن الله وحده خلقكم وهيأ لكم كل شيء ﴿وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾؛ أي والحال أنتم تعرفون أن الله خلقكم ورزقكم دون غيره][10]، بل ويستقيم أكثر لو كانت ﴿فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا﴾ اعتراضية ﴿قلى فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا قلى﴾.
- في تفسير العسكري التفسير: [﴿فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّـهِ أَندَادًا﴾ أي أشباهًا وأمثالًا من الأصنام التي لا تعقل ولا تسمع ولا تبصر، ولا تقدر على شيء ﴿وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ أنها لا تقدر على شيء من هذه النعم الجليلة التي أنعمها عليكم ربكم][11]، فلم يجعلها حالًا لفاعل (تجعلوا).
- في تسنيم في تفسير القرآن[12]: اعتبر ﴿وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ جملة حال لفاعل (تجعلوا)، وفي ترجمتها إلى اللغة الإنجليزية[13]، والجملة فيها حالية لقوله تعالى: ﴿فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّـهِ أَندَادًا﴾:
. Then do not set up rivals unto Allah (in worship) while you know (that he alone has the right to be worshipped).[14]
ولأن ترجمة القرآن الكريم إلى اللغات الأخرى، حقيقتها كما يعبرون عنها أنها ترجمة معاني القرآن[15]، فإن ترجمة هذه العبارة يدل على كون الجملة حالية كما اشتهر، فتكون ترجمة المقطع من الإنجليزية إلى العربية مرة أخرى لاختبار صحتها هو: (فلا تجعل لله أندادًا في العبادة وأنت تعلم أنه له حق العبادة وحده)؛ أي (فلا تجعل لله أندادًا في العبادة وأنت تعلم أنه له حق العبادة وحده).
وفي نسخة أخرى:
So do not set up rivals to Allah while you know
كانت الترجمة على اعتبارها حالية دون تعيين مرجعية الحال.
(while you know).
محذور الحالية لفاعل تجعلوا.
إن إعراب قوله تعالى: ﴿وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ على أنها جملة حال لفاعل قوله تعالى: ﴿فَلَا تَجْعَلُوا…﴾، فيه المحاذير التالية:
- شمول خطاب ﴿فَلَا تَجْعَلُوا…﴾ – المخاطبين – الذين تلقوه فقط، فيحصل التعارض مع آيات الفطرة، ولقد حلها قسم من المفسرين أنهم فسروا: ﴿وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ أنه هو: ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا﴾، وقسم أبقاها على أنها حالية وأشار إلى حاليتها لما قبلها، ولكن لا يزال المحذور قائمًا بأن يتحول العلم بوجود الله تعالى علمًا حصوليًّا عن طريق الخطاب وليس حضوريًّا فطريًّا، فيكون عرضة للخطأ والصواب، فإن أصاب فنعم، وإلا فهو معذور، وهذا فيه معارضة واضحة لقوله تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ﴾[16]، ﴿قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّـهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾[17]، فيدخل مجال التحريف بالمعنى. إذن قوله تعالى: ﴿وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ يشير أساسًا إلى العلم بالخالق علمًا فطريًّا فلا يبقى مجال للشك في الإلحاد وإنكار الخالق.
- إن ترجمة هذه الآية المباركة لهذا الخطاب تصورها بهيئة الجمل الشرطية كما في الفارسية (در حاليكه)، والإنجليزية بـ(While)، وهذا أشد مما ورد في (1).
لمعالجة الموقف:
- وضع عبارة ﴿فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّـهِ أَندَادًا﴾ بين وقوفين (قلى)، فيأتي حل الجملة الاعتراضية تأكيدًا على نبذ جعل أو اتخاذ الأنداد لله تبارك وتعالى.
- مع ما جاء في (1) أعلاه يُعمل على استحداث وقف تبديل طريقة قراءة في هذه الآية وأمثالها، أعني (طبقة صوت أو لحن) قبل ﴿وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ والتي هي: ﴿فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّـهِ أَندَادًا﴾ لكي يفهم السامع أن السياق قد تغير.
سورة البقرة الشاهد الآية (الآية: 102).
قوله تعالى: ﴿وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ قلى وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ قلى وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾[18].
معالجة.
﴿قلى وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ قلى﴾، هذه الجملة يجدر أن تكون اعتراضية لكي تتماشى مع الاحتمالات الكثيرة التي نوّه عنها السيد الطباطبائي في تفسيره.
فيكون ما بين الوقوفين يصلح أن يكون:
- استئنافًا. عطفًا.
وتكون (ما) إما:
- موصولة.
- نافية.
على ما احتمله المفسرون.
أو يمكن أن تكون:
- نكرة تامة. شيء أنزل على الملكين فتكررت حال: ﴿قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَٰلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي﴾[19].
التفسير: ﴿وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ قلى وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ قلى﴾.
والذي أنزل على الملكين.
أو
وشيء أنزل على الملكين.
أو على النافية.
وما أنزل السحر على الملكين تنويه إلى نفي نزول السحر على الملكين.
وهذا الشاهد كذلك يأخذ الوقف والابتداء فيه تصنيف التحريف بالمعنى، قال صاحب الميزان (رحمه الله تعالى)[20]: “واختلفوا في قوله: فيتعلمون منهما، فقيل أي من هاروت وماروت، وقيل أي من السحر والكفر، وقيل بدلًا مما علماه الملكان بالنهي إلى فعله، واختلفوا في قوله: ما يفرقون به بين المرء وزوجه، فقيل أي يوجدون به حبًّا وبغضًا بينهما، وقيل إنهم يغرون أحد الزوجين ويحملونه على الكفر والشرك فيفرّق بينهما اختلاف الملة والنحلة، وقيل إنهم يسعون بينهما بالنميمة والوشاية فيؤول إلى الفرقة، فهذه نبذة من الاختلاف في تفسير كلمات ما يشتمل على القصة من الآية وجملة، وهناك اختلافات أُخر في الخارج من القصة في ذيل الآية وفي نفس القصة، وهل هي قصة واقعة أو بيان على سبيل التمثيل؟ أو غير ذلك؟ وإذا ضربت بعض الأرقام التي ذكرناها من الاحتمالات في البعض الآخر، ارتقى الاحتمالات إلى كمية عجيبة وهي ما يقرب من ألف ألف ومائتين وستين ألف احتمال _ مليون ومائتين وستين ألف _. وهذا لعمري من عجائب نظم القرآن تتردد الآية بين مذاهب واحتمالات تدهش العقول وتحيّر الألباب، والكلام بعد متكٍّ على أريكة حسنه متجمل في أجمل جماله متحلّ بحلي بلاغته وفصاحته، وسيمر بك نظيرة هذه الآية وهي قوله تعالى: ﴿أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰ إِمَامًا وَرَحْمَةً ۚ أُولَـٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ۚ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ ۚ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ ۚ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ﴾[21]. الذي ينبغي أن يقال: إن الآية بسياقها تتعرض لشأن آخر من شؤون اليهود؛ وهو تداول السحر بينهم، وأنهم كانوا يستندون في أصله إلى قصة معروفة أو قصتين معروفتين عندهم فيها ذكر من أمر سليمان النبي، والملكين ببابل هاروت وماروت، فالكلام معطوف على ما عندهم من القصة التي يزعمونها إلا أن اليهود كما يذكره عنهم القرآن أهل تحريف وتغيير في المعارف والحقائق، فلا يؤمنون ولا يؤمن من أمرهم أن يأتوا بالقصص التاريخية محرّفة مغيرة على ما هو دأبهم في المعارف يميلون كل حين إلى ما يناسبهم من منافعهم في القول والفعل، وفيما يلوح من مطاوي جمل الآية كفاية، وكيف كان فيلوح من الآية أن اليهود كانوا يتناولون بينهم السحر ينسبونه إلى سليمان زعمًا منهم أن سليمان (ع) إنما ملك الملك، وسخّر الجن والإنس والوحش والطير، وأتى بغرائب الأمور وخوارقها بالسحر الذي هو بعض ما في أيديهم، وينسبون بعضه الآخر إلى الملكين ببابل هاروت وماروت فرد عليهم القرآن بأن سليمان (ع) لم يكن يعمل…”.
الاعتراضية التي تفيد الأمر بالقول.
كما في (سورة آل عمران، الآيتان 73و 74):
﴿وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ﴾.
﴿ــ قُلْ إِنَّ الْهُدَىٰ هُدَى اللَّـهِ ــ﴾.
﴿أَن يُؤْتَىٰ أَحَدٌ مِّثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِندَ رَبِّكُمْ﴾.
﴿ــ ۗ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّـهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۗ ــ ﴾.
التذييل.
﴿– وَاللَّـهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ –﴾.
﴿يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ﴾.
﴿- ۗ وَاللَّـهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ –﴾.
الفصل.
(سورة البقرة، الآية 177):
﴿وَآتَى الْمَالَ﴾ .
﴿- عَلَىٰ حُبِّهِ -﴾.
﴿ذَوِي الْقُرْبَىٰ﴾.
شاهد ثانٍ: (سورة الإنسان، الآية 8):
﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ﴾.
﴿- عَلَىٰ حُبِّهِ -﴾.
﴿مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا﴾.
الجملة الاعتراضية للمبالغة في الخصوصية.
قال تعالى: ﴿ذَٰلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّـهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ۗ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ۗ ﴾[22]، فهناك خصوصية[23] للقربى من المعنيين هنا وليس كل قربى، فإن الأمر بالقول له خصوصية استدعت وتطلبت أن يأتي خطاب ينبغي بموجبه تطبيق هذا الأمر، ولقد أكد هذا المعنى أحمد مرغم في رسالته دلالة الجملة الاعتراضية في القرآن الكريم نقلًا عن ابن الأثير قوله: “وقد ورد الاعتراض في القرآن كثيرًا، وذلك في كل موضوع يتعلق بنوع من خصوصية المبالغة في المعنى المقصود”[24].
الالتفات.
كما في تغيير الخطاب من (الجمع إلى المفرد، من المخاطب إلى الغائب، من المذكر إلى المؤنث)، أو العكس للجميع.
أمثلة على الالتفات
﴿وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّـهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا * يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ ۚ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ ۖ وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا * وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَىٰ فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّـهِ وَالْحِكْمَةِ ۚ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا﴾[25].
التحليل.
﴿يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ
ۚ
إِنِ اتَّقَيْتُنَّ
فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا﴾.
جملة اعتراضية.
ۗ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ ۗ
وليس
ج
أو يخصص وقوف معانقة
وكما يلي:
﴿يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ ۚ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا﴾.
الخطاب موجه إلى نساء النبي (ص) وفيه تطرق إلى شرط التقوى على شكل وقوف معانقة:
؞ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ ؞
﴿يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ ؞ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ ؞ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا﴾.
شكل القراءة:
﴿لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ ؞ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ ؞
إِنِ اتَّقَيْتُنَّ ؞ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ﴾
فنساء النبي (ص) لسن كأحد من النساء في الحالين إن:
- تحققت التقوى منهن.
- لم تتحقق التقوى.
فيكون معنى ﴿لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ﴾ على الحالين وهو أشد دلالة على المراد مع التأكيد على شرط تقواهن.
آية التطهير المباركة
(سورة الأحزاب الآية: 33)
﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ ۖ وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾.
التحليل.
إن تحول الخطاب من المؤنث في هذه الآية الكريمة[26] إلى جمع الذكور فيه تغيير واضح للهدف من الخطاب بعد هذا التحول، وهذا ما يعبّر عنه في باب الجمل الاعتراضية في القرآن الكريم بـ(الالتفات)، وعلى هذا يقتضي أن يكون المقطع: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ جملة اعتراضية لأنها لم تأتِ لبيان الأمور المتعلقة بالسياق، بل لأمر آخر مهم، وعلى هذا يأتي المقترح الخاص بتعديل الوقف والابتداء.
الوقف والابتداء.
بناء على ما تقدّم يحسن أن يكون هذا المقطع وهو المقطع الخاص بالتطهير بعد التغيير من مخاطبة جمع النسوة إلى جمع الذكور وقوفين من نوع (قلى):
﴿ قلى إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا قلى﴾، ولمزيد من التوضيح ذكر العلامة الطباطبائي (رح)، في كتابه الميزان تفسير الآية الكريمة بما يفي بالغرض وبما يؤيد مقترح تعديل الوقف والابتداء في هذه الآية الكريمة.
إشارة مهمة.
أن سيدة نساء العالمين مشمولة بخطاب التطهير هذا بموجب حديث الكساء، وكون الضمير في المقطع لجماعة الذكور لا يساعد على إشكال عدم شمولها (ع) لاختصاص الخطاب بالذكور، فهذا بحث لغوي مدفوع ببحث التغليب[27]، كما في قوله تعالى في كل خطاب بصيغة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾، فيكون الخطاب شاملًا نداء المؤمنين الذكور والمؤمنات الإناث على حد سواء.
شكل آخر من الالتفات.
كان هذا في (سورة الأنعام (6) الآية: 84).
﴿وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ۚ كُلًّا هَدَيْنَا ۚ وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ ۖ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَىٰ وَهَارُونَ ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾.
﴿وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا﴾
إن هذا المقطع يشير إلى حدث خارج السياق فتضمن:
﴿قلى وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ قلى﴾.
ثم يعود إلى السياق ليخبر عن الذرية كما كان قبل هذه الجملة الاعتراضية ﴿وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ﴾.
﴿وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾.
علاقة الجملة الاعتراضية بالوقف والابتداء.
يتولد تساؤل مفاده: هل كل جملة اعتراضية يجدر أن يُعَيَّنَ لها وقف وابتداء نوعًا وموضعًا؟ وجوابه أن الحاجة إلى تحديد موضع ونوع وقف وابتداء تبرز إن كان هناك أثر في التفسير أو التأويل، وإلا فلا حاجة إلى ذلك، كما في قوله تعالى: ﴿قَالُوا تَاللَّـهِ لَقَدْ عَلِمْتُم مَّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ﴾، فإن: ﴿لَقَدْ عَلِمْتُم﴾ جملة اعتراضية، لا تأثير لها على بحث تفسير أو تأويل في السورة نفسها، أو في موضع آخر من سور القرآن الكريم كما سيتضح فيما بعد بين طيات البحث.
تفريع خامس: علامة وقف الجملة الاعتراضية.
إن الجملة الاعتراضية في النصوص اللغوية – كما تقدم أول التفريع الثاني – غير التي في القرآن الكريم، أما في النصوص المتعارفة فقد اشتهرت علامتها بـــ(- -).
ولما كان دورها في القرآن الكريم غير تلك الأدوار التي أُحصيت في سائر النصوص، فقد يقال: إن العلامة (ۗ) هي العلامة الأنسب لهذا النوع من الوقف ثم الابتداء، ولكن مع ذلك يترك أمر تحديد علامة الوقف ثم الابتداء إلى اللجان التي تتولى التعيين أو التحديد، وذلك حسب الدور والمعنى الذي تؤديه الجملة المعنية أو قيد النظر.
وما جاء بالفعل في تحديد نوع وموضع الوقف والابتداء في قوله تعالى: ﴿ ۗ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ۗ ﴾، أن العلامة هي (ۗ)، بينما في سورة التحريم كانت العلامة الأنسب (ج) كما سيتبين من خلال البحث.
العلامة المناسبة للجملة الاعتراضية.
إن الجملة الاعتراضية في النصوص اللغوية غير القرآن الكريم اشتهرت علامتها بـ(- -)، وأما في الرسم القرآني فإن العلامة (ۗ) هي العلامة الأنسب لهذا النوع من الوقف ثم الابتداء، وهذا ما جاء بالفعل في تحديد نوع وموضع الوقف والابتداء في قوله تعالى: ﴿ۗ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ۗ ﴾.
أولًا: علامة وقف وابتداء الجملة الاعتراضية في القرآن الكريم.
يؤخذ بنظر الاعتبار الدور الذي تؤديه تلك الجملة الاعتراضية من حيث إمكان الجمع بينها وبين مقاطع أو آيات كريمة أخرى، فيبقى هذا الأمر متروك إلى اللجنة المسؤولة عن ذلك.
ملحق صور.
الترجمة إلى اللغة الفارسية.
وفيه:
- محل وقف وابتداء وعلامات الترقيم مشار إليه بمستقيم عمودي المسقط كلمة (ندهيد).
- الجملة الحالية في الآية 22 الشريفة التي تحتها خط.
هوية ملحق الترجمة إلى اللغة الفارسية.
ملحق الترجمة باللغة الإنجليزية.
وفيه:
- محل وقف وابتداء وعلامات الترقيم.
- الجملة الحالية في الآية 22 الشريفة.
- هوية الطبعة المترجمة إلى اللغة الإنجليزية.
* محقق وتدريسي في جامعة المصطفى (ص) العالمية.
[1]. ينظر:
- الميداني الدمشقي، عبد الرحمن بن حسن حَبَنَّكَة، البلاغة العربية، نشر: دمشق، الدار الشامية، بيروت، دار القلم، الطبعة1، 1416 هـ – 1996 م، الجزء1، الصفحة 574.
- بابتى، پديدآور، عزيزة فوال، المعجم المفصل في النحو العربي، بيروت-لبنان، دار الكتب العلمية، الطبعة 1، الجزء1، الصفحتان 422و423. بتصرف غير مخل، وذلك بحذف الأمثلة والشواهد.
[2] . ينظر:
- إسلام، صاحب، مجلة الإيضاح، الجملة المعترضة في القرآن الكريم، دراسة بلاغية، الصفحة269، تاريخ صدور العدد 32، يونيو 2016.
- مرغم، أحمد، دلالة الجملة الاعتراضية في القرآن الكريم، أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه السنة الدراسية 2013 – 2014، كلية الآداب واللغات، قسم اللغة والأدب العربي، جامعة سطيف 2، الجزء 2، الصفحة 383.
[3] . قال أبو هلال العسكري: (الفرق رقم (469) الفرق بين التدبر والتفكر: أن التدبر تصرف القلب بالنظر في العواقب، والتفكر تصرف القلب بالنظر في الدلائل. العسكري، أبو هلال الحسن بن عبد الله بن سهل بن سعيد بن يحيى بن مهران، حققه وعلق عليه: محمد إبراهيم سليم، الفروق اللغوية، القاهرة- مصر، دار العلم والثقافة للنشر والتوزيع، الصفحة 75.
[4] ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، الجزء 18، الصفحة 82.
[5] . مراجعة الملحق الذي احتوى النسخ المصورة من ترجمة معاني القرآن الكريم إلى الفارسية والإنجليزية.
[6] . ينظر: الطوسي، محمد بن الحسن بن علي بن الحسن، التبيان في تفسير القرآن، بيروت، إحياء التراث العربي، مكتبة مدرسة الفقاهة، الجزء1، الصفحة 102.
[7] . ينظر:
الكاشاني، الفيض، التفسير الأصفى، تحقيق: مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية، مطبعة مكتب الإعلام الإسلامي، الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي ردمك، الطبعة1، سنة 1418، الجزء1، الصفحة 20.
[8] . سورة الزخرف: الآية9.
[9] . الشيرازي، ناصر مكارم، برگزيده تفسير نمونه، طهران، نشر دار الكتب الإسلامية، الطبعة 13، 1382 ه. ش، الجزء1، الصفحة 51.
[10]. الحسيني، محمد، تبيين القرآن، بيروت، دار العلوم، الطبعة3، 2003، الجزء1، الصفحة 13.
[11] . تفسير الإمام العسكري، تحقيق: مدرسة الإمام المهدي (ع)، قم المقدسة، مطبعة مهر، نشر: مدرسة الإمام المهدي (عج)، قم المقدسة ردمك، الطبعة 1، 1409، الجزء1، الصفحة 143.
[12] . الآملي، عبد الله الجوادي الطبري، تسنيم في تفسير القرآن، بيروت، دار الإسراء، مكتبة مؤمن قريش، الطبعة 2، 2011، الجزء 2، الصفحة 474.
[13] . القرآن المترجم إلى الإنجليزية/ مجمع الملك فهد.
[14] . المصدر نفسه.
[15] . ترجمة معاني القرآن الكريم، مكتبة السهروردي للدراسات والنشر الجمهورية الإسلامية في إيران، سنة 2007.
[16] . سورة الأعراف، من الآية 172.
[17] . سورة إبراهيم، من الآية: 10.
[18] . سورة البقرة، الآية 102.
[19] . سورة طه، الآية 96.
[20] . الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، منشورات مؤسسة الأعلمي، الطبعة 3، الجزء1، الصفحة 234.
[21] . سورة هود، الآية 17.
[22] . سورة الشورى، الآية 23.
[23] . ابن الأثير، ضياء الدين نصر الله بن محمد، المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر، تحقيق: أحمد الحوفي، بدوي طبانة، الفجالة- القاهرة، نشر دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، الجزء 3، الصفحة 42.
[24] . مرغم، أحمد، دلالة الجملة الاعتراضية في القرآن الكريم، أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه، السنة الدراسية 2013 – 2014، الصفحة 115، كلية الآداب واللغات قسم اللغة والأدب العربي، جامعة سطيف 2.
[25] سورة الأحزاب، الآيات 31- 34.
[26] . الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، منشورات إسماعيليان، الجزء 16، الصفحات 309- 313.
[27] . الأنصاري، عبد الله بن هشام الأنصاري المصري، مغني اللبيب، مكتبة مدرسة الفقاهة، محمّد محيي الدين عبد الحميد، منشورات مكتبة الصادق للمطبوعات، الجزء 2، الصفحة 350.
المقالات المرتبطة
التعدّدية الدينية قراءة مسيحيانية
جون هيغ تعريب عن الإنكليزية: سامية داهود إسماعيل بدأت حياتي المسيحية كمتشدّد. عُمِّدتُ طفلًا رضيعًا في كنيسة إنكلترا، وكرّست
لا دويلة داخل الدولة
الإشكالية المطروحة اليوم هي أن المقاومة تقيم دويلة داخل الدولة، وما هو دور الثنائي الوطني، أو كما يسميه البعض الثنائي الشيعي؟
رجاءُ الفقيه ونبضُ الفلسفة الفقهية
في زحام العالم الذي تطغى عليه أصوات الماديات، يتوارى الرجاء بين دهاليز الألم، وينكفئ الفقه في عيون بعض الناس على صورة قوانين جامدة