القائمة الرئيسة

الانتظار الثوري والشورى في ولاية الفقيه (4)

الانتظار الثوري والشورى في ولاية الفقيه (4)

التطبيق العملي لولاية الفقيه

تأسيس ولاية الفقيه في الدستور الإيراني

من أجل التعرف على حقيقة ولاية الفقيه، وكيف أنها تقترب من النبوي في الحكم وإقامة العدل، وأنها تشمل الشورى بمعالمها الرسالية ومفاهيمها المعاصرة أيضًا، نقترب مما تحقق منها، فمع قيام الجمهورية الإسلامية المباركة، دخلت مسألة ولاية الفقيه في القانون الأساسي للدولة في تطور تاريخي جديد لهذه المسألة، وقد أُحصي ستة عشر موردًا في دستور الجمهورية الإسلامية في إيران تتناول موضوع ولاية الفقيه، فقد ورد في مقدّمة الدستور اعتبار القيادة بيد الفقيه، وأنه ضمانة عدم الانحراف للأجهزة المختلفة في نظام الجمهورية ووظائفها الأصلية[1].

كما ورد في المادة الخامسة: أنه وفي زمن غيبة الإمام المهدي (عج) تكون ولاية الأمر وإمامة الأمة في جمهورية إيران الإسلامية بيد الفقيه العادل المتقي البصير بأمور العصر الشجاع القادر على الإدارة والتدبير…

وتتصف تركيبة نظام الحكم في الجمهورية الإسلامية الإيرانية بالتعدّد والتنوع، والتداخل، ويلاحظ الناظر في مؤسسات الحكم الإيرانية أن مؤسسة القيادة (المرشد) تلعب دورًا مفصليًّا. ويبلغ عدد مؤسسات الحكم سبعًا وهي[2]: القيادة، السلطة التنفيذية، السلطة التشريعية، القضاء، مجلس الخبراء، المجمع الأعلى للأمة القومي، ومجمع تشخيص مصلحة النظام. وما يعنينا هنا في المقام الأول هو القيادة المتمثّلة في المرشد، فينصّ دستور جمهورية إيران الإسلامية على أن المرشد أو القائد هو أعلى سلطة في إيران، وقد منحه الدستور السيادة السياسية والدينية.

ماهية القيادة.

نصّت المادة (5) من الدستور الإيراني على أن ولاية الأمة في ظل استتار الإمام تؤول إلى أعدل وأعلم وأتقى رجل في الأمة، ليدير شؤون البلاد وفق ما جاء في المادة (107) من الدستور، ونصّت المادة نفسها على تساوي المرشد مع عامّة الشعب أمام القانون.

مؤهلات المرشد.

وفق ما ورد في المادتين (5) و(109) من الدستور فإنّ مؤهلات من يختار لمنصب القيادة هي:

1.  العلم ليقوم بدور المفتي في النوازل.

2. العدالة والمروءة.

3. الفقه الواسع بظروف العصر.

4. الشجاعة، والفطنة والذكاء، والقدرة على إدارة الأمور.

انتخاب المرشد.

اختار الشعب آية الله الخميني أول مرشد للثورة الإيرانية، وبعد وفاته في عام 1989 انتخب مجلس الخبراء (المنتخب من قبل الشعب) آية الله علي خامنئي مرشدًا ثانيًا للثورة. ولإتمام عملية انتخاب المرشد يراجع أعضاء مجلس الخبراء كل الأشخاص المرشحين لهذا المنصب آخذين بعين الاعتبار الصفات المطلوبة والواردة في المادتين (5) و(109)، وبعد الاختيار تؤول كل سلطات ولي الأمر للمرشد المنتخب، أما في حالة توافر هذه الصفات في أكثر من شخص، فإنه يختار من بينهم الأعلم في الشريعة، والأكثر خبرة بالسياسة.

مهام المرشد وصلاحياته.

1.                   إقرار السياسات العامة للدولة، بعد استشارة مجلس تشخيص مصلحة النظام لتحديد الأهم والمهم، وللمرشد القرار النهائي.

2.                   مراقبة تنفيذ السياسات العامة للدولة.

3.                   إصدار مرسوم الانتخابات العامة.

4.                   يحتفظ بحق إصدار القرارات المهمة للقوات المسلحة.

5.                   إعلان الحرب والسلام، والتعبئة العامة للقوات المسلحة.

6.                   تعيين وإقالة الشخصيات التالية:

–           فقهاء مجلس الأوصياء.

–           رئيس الهيئة القضائية.

–            مدير الإذاعة والتلفزيون.

–            رئيس أركان الجيش، وقائد قوات حرس الثورة الإسلامية. 

–           جميع قادة أسلحة الجيش المختلفة.

7.                   فض النزاعات بين أجنحة القوات المسلحة بالاستعانة بمجلس تشخيص مصلحة النظام.

8.                   حل المشاكل التي لا تحل بالطرق العادية، بالاستعانة بمجلس تشخيص مصلحة النظام.

9.                    المصادقة على مرسوم الانتخابات الرئاسية، وعلى استكمال مرشحي الرئاسة للصفات المذكورة في الدستور، والتي يجب المصادقة عليها من مجلس الأوصياء قبل بدء الانتخابات.

10.               إقالة رئيس الدولة من منصبه تحقيقًا للمصلحة العامة بعد أن يدينه القضاء في مخالفة قانونية، أو بعد أن يحجب مجلس الشورى الثقة عن الرئيس في ضوء ما ورد في المادة (89) من الدستور.

11.               إسقاط أو تخفيف الأحكام القضائية على المدانين وفق ما تسمح به الشريعة الإسلامية، وبتزكية من رئيس الهيئة القضائية. وللمرشد أن يعطي بعض صلاحياته لشخص آخر.

عزل المرشد.

يقوم مجلس الخبراء بعزل المرشد في الحالات التالية:

1.                   عجز المرشد عن أداء واجباته الدستورية.

2.                   فقدانه صفة من صفات الأهلية التي نصت عليها المادتان (5) و(109) من الدستور، أو إذا تبين أنه لا يملك تلك الصفة من الأساس.

مجلس القيادة

يتكون مجلس القيادة لفترة مؤقتة في الأحوال التالية:

1.                   موت المرشد.

2.                   عجزه المؤقت عن القيام بمهامه.

3.                   صدور قرار من مجلس الخبراء بإقالة المرشد لعدم تحققه بصفات الأهلية الواردة في المادتين (5) و(109).

ويضم المجلس في عضويته رئيس الدولة، ورئيس الهيئة القضائية، وفقيه من أعضاء مجلس الأوصياء يختاره مجمع تشخيص مصلحة النظام. ويمارس مجلس القيادة مهام المرشد حتى انتخاب مرشد جديد.

هيئات تتبع المرشد

هناك العديد من الهيئات، والمؤسسات التي لا تتبع أي جهة حكومية، بل يشرف عليها مرشد الثورة عبر ممثليه. ومن هذه المؤسسات:

1.                   مؤسسة الشهيد.

2.                   مؤسسة الإسكان.

3.                   حركة التعليم.

4.                   المجلس الأعلى لثقافة الثورة.

5.                   منظمة الدعاية الإسلامية.

6.                   لجان الأرض.

7.                   مؤسسة المظلومين[3].

مما سبق، يتضح أن الولي الفقيه هو نائب عن المعصوم، وأنه يأتي من خلال مجلس الخبراء، ومجلس الخبراء منتخب من الشعب، وأنه يجوز عزل الولي الفقيه، وأن له صلاحيات وعليه واجبات، وفي الأول لا بدّ أن تكون له صفات فطرية علمية يتحلّى بها كما جاء في المادتين 5 و 109، وهو ما رأيناه في الإمام الخميني (رض)، وهو ما نراه في الإمام الخامنئي (أدام الله تعالى ظله)، وعندما نقول: إن ولاية الفقيه لا تتعارض مطلقًا مع الشورى أو مع الديمقراطية بمفاهيمها المعاصرة، وليس كما يروج الأعداء ضدها من أكاذيب وأوهام، فولاية الفقيه تعنى حرية الفرد والمجتمع، وولاية الفقيه تعني الانتظار الثوري، وولاية الفقيه تعني حمل المشروع المقاوم ضد أعداء الأمة الإسلامية بأسرها، ولم يحدث على المستوى العملي في إيران أن أقيمت المعتقلات ضد المعارضين، ولم يحدث أن ظهر رجال فاسدون داخل أروقة الحكم، بل لم يحدث أن تدخّل المرشد وحل البرلمان، حتى في أشد الأوقات عصبية وشدة، عندما خاضت الجمهورية الإسلامية حربًا ضروسًا ضد كل قوى العالم لمدة ثمان سنوات عجاف، كان خلالها صدام حسين وكيلًا عن قوى الظلم في العالم عندما شنّ الحرب، ورغم ذلك لم يحدث أن أُلغيت انتخابات أو حُلّ برلمان، أو تدخّل المرشد في الشأن الحكومي إلا بما يتعلق بالإسلام والمسلمين، ونذكر هنا فتوى الإمام المرشد علي الخامنئي التي حرّم فيها استخدام القنابل الذرية، حتى لو جاء الاستخدام من مسلمين، وكذلك الفتوى التي قالها الإمام الخامنئي عندما حرّم سب الصحابة أو أمهات المؤمنين، وهي الفتوى التي استقبلها الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر الشريف بكل ترحاب وقال عنها إنها فتوى من عالم جليل فقيه مرجع… وقد ثبت أن الولاية الفقهية لا تتعارض مع الشورى، وهو موضوعنا في المبحث التالي.

[1] الشيخ مالك مصطفى وهبي العاملي، الفقيه والسلطة والأمة، نسخة إلكترونية.

[2] مصدر نفسه.

[3] من موقع الجمهورية الإسلامية الإيرانية الإلكتروني.



المقالات المرتبطة

كتاب “حروب الرحماء”… لإبراهيم عيسى بعد دم الحسين والقتلة الأوائل في رحلة الدم

رغم أن كتاب “حروب الرحماء.. القتلة الأوائل” صدر منذ فترة، أي عام 2018، في دار نشر كرمة بالقاهرة، ولكنه أُعيد طبعه مرات، وهو في النهاية، لشدة الإقبال عليه، فهو جدير بالعرض

القوة  المسلحة الإيمانية النبي سليمان (ع) أنموذجًا

مقارنة طفيفة بين القوة العسكرية الأمريكية الباطشة كنموذج للقوة المسلحة الاستكبارية، وبين القوة العسكرية للنبي سليمان كنموذج للقوة المسلحة الإيمانية

إدارة المؤسسة الكونية بعين اللانظم

هذا المقال أقدّمه كقراءة – أخرى – لبرهان النظم (أو ما يطلق عليه التصميم الذكي المطروح في البحوث الخاصة بفكرة التطور الدارويني، الذي يقابل الانتقاء الطبيعي

لا يوجد تعليقات

أكتب تعليقًا
لا يوجد تعليقات! تستطيع أن تكون الأوّل في التعليق على هذا المقال!

أكتب تعليقًا

<