by الدكتور علي أبو الخير | أغسطس 11, 2021 2:59 م
مقدمة
ظهر الشيخ الوهابي محمد حسين يعقوب أمام القاضي ليدلي بشهادته يوم 16 يونيو|حزيران 2021، حيث تنظر المحكمة في قضية جماعة إرهابية قتلت وفجّرت، فطلب المتهمون شهادة محمد حسين يعقوب ومحمد حسّان، حيث قال المتهمون إنهم أخذوا فتاوى التكفير منهما، أي المنهج السلفي الوهابي، فطلبت المحكمة شهادة يعقوب، فجاء مضطربًا متهاويًا، وأنكر أنه عالم وأنكر أنه مفتي، رغم فتاويه الدموية هو وغيره من شيوخ الوهابية، المنشورة والمذاعة على الفضائيات ومواقع التواصل واليوتيوب[1][1].
ومن وحي اللحظة نكتب عن مراحل الوجود الوهابي في مصر، حيث تبدو العلاقة بين الوهابية والشعب المصري شائكة، فهي علاقة البداوة بالحضارة، العقل بالنقل، السياسة بالتاريخ، كلها عوامل تتابع بين الفكر البدوي والفكر الحضري، ومن الملاحظ أن المذهب الحنبلي؛ نسبة للإمام أحمد بن حنبل، ظل بدون أتباع من الشعب المصري، ولم يقم الأزهر بتدريسه أسوة بالمذاهب الأخرى، حيث ساد المذهب الشافعي عند المصريين، ومعه المذهبان الحنفي والمالكي وإن كان بصورة أقل، ولكن المذهب الحنبلي ظل بعيدًا خاصة بتفسير ابن تيميه، الذي حوكم بالأزهر في العصر المملوكي ومات في سجن القلعة بدمشق.
وعندما ظهر المذهب الوهابي المتشدد في نجد وضواحيها على يد الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ثم تمددت أكثر في عهد من جاء بعده، وتحالف الوهابيون منذ البداية مع الأمير محمد بن سعود، وتمكن الوهابيون من غزو العراق والشام والجزيرة العربية، ولكن الجيش المصري في عهد محمد علي باشا، تمكن بقيادة ابنه إبراهيم أن يهزم الوهابية ويقضي على الدولة السعودية الأولى، ويضم الحجاز ونجد للسلطة المصرية، وكانت تلك بداية من عام 1818، أن يحدث توتر بين الوهابية والشعب المصري متمثلًا في الأزهر الشريف، لأن الوهابيين كفّروا كل من ليس وهابيًّا، وكفّروا العقيدة الأشعرية، التي يدين بها الأزهر، وكل المصريين.
اختفت الوهابية، ولكن ظل الفكر الوهابي باق، ولكن بعيدًا عن مصر، ولكن منذ عام 1926 بدأ التغلغل الوهابي يظهر في مصر بطيئًا، ففي عام 1926 تم إنشاء وتأسيس جمعية أنصار السنة المحمدية في القاهرة، وكانت بداية الاعتراف بالمذهب الحنبلي وتدريسه في الجامع الأزهر الشريف.
لكن ظل دور جمعية أنصار السنة في مصر بطيئًا ومتعثّرًا، ولم يتمكن من الانتشار، وذلك لأسباب كثيرة سوف نتعرف عليها في هذا البحث، وظلت الوهابية في مصر في فترة كمون وخمود حتى عام 1979 أو قبلها بقليل، حتى بدأت في الانتشار والتمدد والتوغل، بحث صار شيوخ الوهابية المصريين يدعون في المساجد والزوايا وشاشات الفضائيات، غزو متكامل شرس، انتشر النقاب وانتشرت فتاوى تحريم كل شئ من أول الموسيقى وحتى مباريات كرة القدم، لأن الوهابية تحمل في فكرها ما يمكن أن نسميه فقه الكراهية وفقه القتل وإذلال الغير، لأن الكراهية الوهابية واضحة ومعلومة ومفهومة من خلال فتاوى شيوخها، فقد لعب وما يزال يلعب شيوخ الوهابية دورًا تثقيفيًّا واسعًا في تعميق ونشر فقه الكراهية ونشر هذا الفكر المحرض على الإرهاب والعنف، والأخطر هو ما يقوم به الوهابيون من قتل وذبح الأبرياء من المسلمين، لا لشيء إلا لكونهم مخالفين في الرأي والفكر والمذهب، إن فتاوى القتل والتحريض عليه سمة من سمات الفكر الوهابي، ولم تدخل الوهابية بلدًا، إلا وكانت الفتنة التي يروح فيها الأبرياء قتل، ولم تدخل الوهابية أرضًا، إلا وتمزقت الأواصر الاجتماعية بين الشعب الواحد، لأن الوهابية تكفر الغير وتحاول إذلاله، ومن الطبيعي أن يرد الغير عليهم، فتحدث الفتنة الكبرى الذي لا يستفيد منها سوى أعداء الإسلام.
لقد دخلت الوهابية مصر بقوة المال والكتب المجانية، فأفسدت كل شئ داخل أرض المحروسة، وعرف المجتمع المصري التشدد والإرهاب والقتل بسبب اختلاف المذهب أو الدين، ولقد قامت الوهابية مدعومة بالمال السعودي بنشر أفكارها، وأصبح للوهابية رجالها وشيوخها، لها الإمكانيات المادية من فضائيات وكتب وأشرطة كاسيت التي جعلتها أكثر تأثيرًا وعدوانية على المسيحيين والمسلمين داخل أرض الكنانة، في سابقة لم يحدث مثلها في مصر، فلم يستطع الاستعمار البريطاني أن يفرق بين المسلمين والأقباط كما فعلت الوهابية.
لم يهتم الوهابيون بالسياسة، ولكنهم ركّزوا على تحويل مجتمع مصري متعدد متناغم إلى مجتمع أحادي النظرة ـ تكفيري، يسب المسيحيين ويلعن الصوفية، ودام هذا الوضع حتى عام 2011، منذ الثورة، فانتهز السلفيون الفرصة، فتحالفوا مع جماعة الإخوان المسلمين، تحالف ثم خلاف، ولكن في النهاية سقطوا مع الإخوان، واختفى شيوخ السلفية الوهابية من المشهد الإعلامي والسياسي والديني معًا، بعضهم اختار الوقوف مع الدولة يومي 30 يونيو و3 يوليو عام 2013.
في هذا البحث نكتب عن مراحل الوجود الوهابي في مصر، اعتبارًا من عام 1926، وهو عام تأسيس جمعية أنصار السنة، وحتى اليوم، حيث بدأت بالتأسيس والكمون، ثم الانتشار والتمدد، ثم اللعب بالسياسة، وهو ما نراه في هذه الصفحات.
المرحلة الأولى
التأسيس والكمون
1926 – 1979
منذ اندحار الوهابية بقوة الجيش المصري وضمها للسلطة المصرية عام 1818، ابتعد الفكر الوهابي عن مصر تمامًا، خاصة وأن مصر كانت بدأت خطوات التنوير، وظهر نوابغ المصريين من الكتّاب والمفكرين، بداية من رفاعة الطهطاوي، ثم محمد عبده، وقاسم أمين، وأحمد لطفي السيد، ومصطفى كامل، ومحمد فريد، وطه حسين، وعباس العقاد، ونبوية موسى، ومصطفى مشرفة، وعلي عبد الرازق، ومحمد حسين هيكل، وأحمد أمين، وغيرهم يفوقون الحصر.
ثم حدثت الثورة الشعبية الكبرى عام 1919 بقيادة سعد زغلول، وانتشر الفكر المدني والديني التنويري بصورة غير مسبوقة، ودام هذا الوضع في مصر مع ثورة 1952 بقيادة الرئيس جمال عبد الناصر، فالفكر القومي ضم تحت جناحه كل طوائف الشعب المصري، مسيحيون ومسلمون.
في مثل هذا الجو العام، كان لا يمكن للوهابية أن تنتشر، وقد استغلت بالفعل فترة التسامح للموافقة على تأسيس وافتتاح جمعية أنصار السنة عام 1926، ولكن ظلت في كمون تام، وإن أطلت ببعض الفتاوى، ولكن شيوخ الأزهر الكبار، ردّوا عليها، وماتت فتاوى الوهابية في مهدها، فقد كان شيوخ الأزهر عظام من أمثال الشيوخ الدجوي والمراغي وحسن الشناوي والخضر حسين وشلتوت.
وللحقيقة نؤكد على أن مصر ظلت طوال تاريخها الإسلامي مسؤولة عن الحرمين الشريفين في الحجاز، خلال ألف عام لم ينقطع المحمل المصري، وظلت مصر مسؤولة محملية وطبية ومعمارية واقتصادية، وظل المحمل المصري يذهب كل عام.
كان المحمل يحمل كسوة الكعبة المطهرة، ومعها الفريق الطبي والطعام، وفريق هندسي يقوم بمعاينة الكعبة والمسجد النبوي إن كان يحتاج إلى ترميمات أو توسعات.
ظل هذا الوضع موجودًا، حتى بدأ الفكر الوهابي في الانتشار، بداية من تأسيس جمعية أنصار السنة ثم فروعها الممتدة عبر أرض مصر.
وهو ما نكتب عنه في المرحلة الوهابية الأولى.
جمعية أنصار السنة
تأسست جماعة أنصار السنة المحمدية عام 1926م بمدينة القاهرة، على يد الشيخ محمد حامد الفقي، وبمشاركة مجموعة من إخوانه منهم: الشيوخ محمد عبد الوهاب البنا، ومحمد صالح الشريف، وعثمان صباح الخير، وحجازي فضل عبد الحميد، في الوقت الذي كانت تعج فيه مصر ومعظم بلدان العالم الإسلامي بالشركيات والبدع (كما يزعم الوهابيون تمامًا) بسبب تسلط التصوف والصوفية على المناحي الفكرية والمؤسسات الدينية، فكان تأسيس الجماعة للدعوة لتجديد الدين، كما روج هؤلاء المؤسسون، على أساس من التوحيد الخالص والسنة الصحيحة ومحاربة الشرك والبدعة في كافة صورها كما روجوا لها، فهي كما يرون جماعة إصلاحية على منهج وعقيدة أهل السنة والجماعة في التلقي والاستدلال، والاعتقاد والاتباع، وفي مناهج السلوك والسير إلى الله جملةً وتفصيلًا من خلال الدعوة إلى التوحيد الخالص، ونبذ البدع والخرافات، وإحياء دعوة الإسلام بالقرآن والسنة، واتباع سلف الأمة[2][2].
بدأ التفكير بجدية في إنشاء جمعية أو دارًا تحمل فكرتهم وتنشر مبادئهم، وافتتحت في ديسمبر 1926م تحت اسم “دار جماعة أنصار السنة المحمدية”، واختير الشيخ محمد حامد الفقي رئيسًا لها، فأخذت الدعوة بعدًا آخر وزاد عدد أتباعها، مما أثار حنق كبار العلماء في الأزهر، فسافر للسعودية، وأثناء سفره إلى الحجاز لمدة ثلاث سنوات اعترت الجماعة فترة ركود[3][3].
وبعد عودة الشيخ من الحجاز دب النشاط في الجماعة مرة أخرى، حيث وضع لها قانونًا وكوّن لها إدارات جديدة، فزاد عدد الفروع داخل القاهرة والجيزة، وانتقلت إلى الإسكندرية وبعض المحافظات وبلغ أتباعها الآلاف.
بعد أن استوى عود الجماعة وبلغ أشده، أسس الشيخ محمد حامد الفقي مجلة الهدي النبوي لتكون لسان حال الجماعة، والمعبرة عن عقيدتها ودعوتها والناطقة بمبادئها، وتولى هو رئاسة تحريرها، وشارك في تحريرها مجموعة من الشيوخ المعروفين أمثال أحمد شاكر، ومحب الدين الخطيب، ومحي الدين عبد الحميد.
ومع تطور أعمال الجماعة الدعوية، أنشأ الشيخ الفقي مطبعة السنة المحمدية لنشر كتب السلف وبوجه خاص كتب ابن تيمية وابن القيم[4][4].
بدأت الفتنة مباشرة بسبب تهجم الجماعة على غيرها من المسلمين من الصوفية والأزهريين، عندما قالوا بشرك الصوفية وكفر الأشعرية، فاشتد الصراع بين الجماعة وأصحاب الطرق الصوفية، فعلا صوت الشيخ الفقي في الإنكار عليهم واتهامهم بالكفر والشرك، وكانت تلك البداية لتفكيك أواصر المجتمع المصري، ولكن الأزهر كان لها بالمرصاد، وانتهت الفتنة عندما لم يستمع عوام المسلمين إليها، فضلًا عن تفنيدها من قبل علماء الأزهر، فكمن الوهابيون كمونًا شديدًا. ولكنهم استغلوا أيضًا تأسيس جماعة الإخوان المسلمين عام 1928، فحاولوا التقرب من مؤسسها حسن البنا، اختلفوا حول العقيدة ولكنهم وافقوا على نشر الإسلام السياسي، ومحاربة الأحزاب خاصة حزب الوفد الشعبي، فأيدوا الملك فؤاد ثم الملك فاروق، واتهموا حزب الوفد وزعيمه سعد زغلول ومن بعده مصطفى النحاس بالعلمانية الكافرة.
توفي الشيخ الفقي يوم 16يناير 1959م في دار الجماعة، وتواكب على رئاسة الجماعة بعد وفاة مؤسسها مجموعة من الشيوخ أمثال:
الشيخ عبد الرزاق عفيفي
1904 – 1932م الذي حصل على شهادة التخصص في الفقه وأصوله (الماجستير)، ثم العالمية (الدكتوراه) من جامعة الأزهر، وعمل مدرّسًا في المعاهد العلمية الأزهرية، كما عاصر تأسيس الجماعة، ويعد الشيخ عفيفي من كتّاب العدد الأول في مجلتها الهدي النبوي، وأحد علماء أول هيئة لكبار العلماء بالجماعة، مع جمع من العلماء أمثال: الشيخ أحمد شاكر، والشيخ عبد الحليم الرمالي، والشيخ حامد الفقي.
اختير الشيخ عفيفي نائبًا أولًا لرئيس الجماعة في فبراير 1946م، في الوقت الذي كان فيه شغل رئيس الجماعة لفرع محرم بك بالإسكندرية، وبطلب خاص من مفتي المملكة العربية السعودية آنذاك الشيخ محمد بن إبراهيم، سافر الشيخ ومعه الشيخ محمد خليل هراس إلى السعودية، للتدريس بدار التوحيد بالطائف، ثم انتقل للتدريس بالمعاهد العلمية وكلية الشريعة بالرياض[5][5].
في 29 أغسطس 1959م اختير الشيخ عبد الرزاق عفيفي بالإجماع رئيسًا عامًّا للجماعة خلفًا للشيخ محمد حامد الفقي بعد وفاته، واختير الشيخ عبد الرحمن الوكيل رئيسًا لتحرير مجلة الهدي النبوي.
في عام 1960 انتدب مرة أخرى للتدريس في المملكة العربية السعودية، وتدرج في سلك التدريس إلى أن أصبح مديرًا للمعهد العالي للقضاء عام 1965، كما شارك في اللجان المتخصصة لوضع مناهج التعليم بالمملكة السعودية.
وفي عام 1972 نقل إلى الإدارة العامة للبحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، وعُيّن نائبًا لرئيس اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالسعودية، مع جعله عضوًا في مجلس هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية، والذي ظل يشغله حتى يوم وفاته 1 أغسطس 1994م.
وقد تخرج على يديه جيل من علماء المملكة والعالم الإسلامي المعروفين بالتكفير للغير واتهامهم بالشرك مثل: الشيخ عبد الله بن جبرين، الشيخ صالح اللحيدان، الشيخ عبد الله بن حسن بن قعود، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ صالح السدلان، الدكتور صالح الفوزان، الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، والشيخ مناع القطان وغيرهم… وطيلة هذه الفترة لم تنقطع صلته بالجماعة.
الشيخ عبد الرحمن الوكيل
(1913م – 1971م): تلقى تعليمه في الأزهر، وحصل على الإجازة العالية من كلية أصول الدين ولم يكمل دراسته العليا لمرضٍ ألم به، في عام 1936م التحق بجماعة أنصار السنة المحمدية بتزكية خاصة من السيدة نعمة صدقي صاحبة كتاب التبرج، حيث شارك بعدها في أعمال الجماعة المختلفة، إلى أن أصبح وكيلًا أولًا للجماعة، وزادت مكانته الخاصة عند الشيخ محمد حامد الفقي[6][6].
انتدب للعمل بالمعهد العلمي بالرياض بصحبة الشيخ محمد عبد الوهاب البنا، أحد المؤسسين الأوائل للجماعة عام 1952م.
بعد انتخاب الشيخ عبد الرزاق عفيفي رئيسًا عامًّا للجماعة، عين الشيخ الوكيل نائبًا له في 27 أغسطس 1959م، وبعد سفر الشيخ عبد الرزاق عفيفي إلى السعودية، انتخب رئيسًا عامًّا للجماعة في 9 يوليو 1960م وانتخب الدكتور محمد خليل هراس نائبًا له.
في عام 1969م أدمجت الحكومة المصرية جماعة أنصار السنة المحمدية في الجمعية الشرعية لتجمد نشاطها وتتوقف رخصة افتتاحها، وبذلك توقفت مجلة الهدي النبوي، التي كان يشغل الشيخ الوكيل رئاسة تحريرها.
وفي تلك الأثناء انتدب الشيخ الوكيل للتدريس في كلية الشريعة بمكة المكرمة، وظل يشغل وظيفة أستاذ للعقيدة بقسم الدراسات العليا إلى أن توفي عام 1971م.
ملاحظاتنا
هؤلاء أهم شيوخ جماعة أنصار السنة المحمدية طوال فترة الكمون الوهابي في مصر، ونلاحظ أنهم جميعًا وثيقي الصلة بشيوخ الوهابية بالسعودية، بل هم أساتذة الشيوخ الوهابيين المعروفين، ولهم باع طويل في إطلاق فتاوى التكفير، ومهاجمة الصوفية بشيوخها ومريديها.
كما أن تأسيس الجماعة تزامن تقريبًا مع تأسيس المملكة العربية السعودية بعد سيطرتها على الحجاز والحرمين الشريفين، وقبلها سقوط الخلافة العثمانية عام 1924، وبعد تأسيس جماعة الإخوان المسلمين عام 1928.
كما نلاحظ أن ظهور الوهابية في مصر قريب أيضًا من معركة السبلّة عام 1929 بين الملك عبد العزيز آل سعود وجماعة الإخوان الوهابيين بقيادة الشيخ فيصل الدويش، الذين كانوا الداعمين الأوائل للملك عبد العزيز، وبسبب تشددهم ورفضهم سياسة الملك عبد العزيز، قام بالقضاء عليهم، وكان البديل تأسيس جماعة السلفيين عبر جمعيات أنصار السنة في مصر، ربما للانتقام من الجيش المصري الذي دمر قواعد الدولة السعودية الوهابية الأولى.
ومنذ تأسيس جمعيات أنصار السنة، لم يجد الفكر الوهابي أرضًا ينتشر فيها بكثافة، وتوجد بعض الأسباب لعدم التمدد أو الانتشار.
أسباب عدم انتشار الوهابية
نرى عدة أسباب منعت انتشار الوهابية في مصر في تلك الفترة، منها:
1 . وجود التيار المدني الديني التنويري في مصر، ووجود أحزاب شعبية مدنيةكبرى، أهمها حزب الوفد، وظهور قادة فكر وتنوير دامت حوالي مئة عام، التيار المدني كان قبل ثورة 1952، وكان من جرّاء ذلك التقارب السني الشيعي، الذي رعاه الشيخان محمود شلتوت ومحمد تقي الدين القمي، وتم تأسيس دار التقربب عام 1946، وأصدرت الدار مجلة “رسالة الإسلام” عام 1949، ولكنها توقفت عام 1972، أي عندما بدأ التغلغل الوهابي في مصر.
ووسط هذا المناخ، كان من الصعب على الفكر السلفي الوهابي من الانتشار داخل مصر.
2 . بعد ثورة يوليو عام 1952، ظهر الفكر القومي العروبي، وهو فكر يجمع بين المسلمين والمسيحيين، طالما أن الفكرة مدنية وليست دينية، هذا وقد دخل الفكر القومي في مصر في صدام سياسي مع المملكة السعودية طوال فترة الستينات، وكان صدام حضاري قبل أن يكون صدامًا سياسيًّا، صدام بين الرجعية والتقدمية، بين الثورة وضدها، وكان من الطبيعي أن يكمن السلفيون المصريون، ولا يجاهرون بوهابيتهم، بل إن السعودية حضنت جماعة الإخوان المسلمين في أرضها، وبالتالي توهبن أو صار وهابيًّا، كل من كان إخوانيًّا، ومعهم جماعة الوهابيين المصريين.
المرحلة الثانية
التمدد والانتشار
1979 – 2011
لقد اعتبرنا الفترة عام 1926 إلى عام 1979 فترة كمون، رغم أن ما حدث هو أن بداية التوغل الوهابي في مصر بدأ بعد وفاة الرئيس جمال عبد الناصر عام 1970، وبدأ تقارب سياسي مصري سعودي، واستفاد الوهابيون في مصر من ذلك، فتم إعادة إشهار جمعية أنصار السنة، بعد أن ظلت مغلقة لمدة سبعة أعوام، عندما تم دمج الجمعية في الجمعية الشرعية عام 1969.
إعادة الإشهار
يعد الشيخ محمد عبد المجيد الشافعي المعروف بـ “رشاد الشافعي” (1919م – 1990م) المؤسس الثاني للجماعة، الذي كان يشغل منصب سكرتير عام للجماعة والمشرف على الفروع قبل تجميد نشاطها، بجانب عمله مديرًا عامًّا لمديرية التموين بمحافظة الجيزة، إذ بذل قصارى جهده في السعي لإعادة إشهار الجماعة مرة أخرى، وقد تم له ذلك في عهد أنور السادات في عام 1972م.
وبعد ثلاث سنوات أي عام 1975 من إعادة الإشهار، أصدر العدد الأول من مجلة التوحيد، لتكون بديلًا عن مجلة الهدي النبوي، وتولى هو رئاسة تحريرها، ثم الشيخ عنتر حشاد، ومن بعده تولى الشيخ أحمد فهمي رئاسة تحريرها، ومن ثم عاد نشاط الجماعة إلى سابق عهده، وزاد عدد أتباعها وكثرت عدد الفروع المنتسبة إليها.
في عام 1975م وفي حياة المؤسس الثاني للجماعة محمد رشاد الشافعي، تم انتخاب الشيخ محمد علي عبد الرحيم رئيسًا للجماعة خلفًا له، ومن ثم ترأس فرع الجماعة بمحافظة الجيزة حتى وفاته عام 1990م.
في عام 1943م أسس الشيخ محمد رشاد الشافعي جماعة إخوان الحج بالإسكندرية ومن خلالها تعرف على الشيخ محمد حامد الفقي عام 1948م أثناء أحد رحلات الحج، وقد جمع حبه للسنة والتوحيد بينه وبين الشيخ محمد عبد السلام الشقيري، صاحب كتاب السنن والمبتدعات، والشيخ أبو الوفاء درويش علامة الصعيد، والشيخ عبد العزيز بن راشد النجدي، وعلى أيديهم انتشرت دعوة التوحيد في الإسكندرية وما حولها، وله دور بارز في تأسيس المعاهد العلمية ووضع مناهجها بالمملكة العربية السعودية، ويذكر أنه ظل لسنوات طويلة يدرس بالحرم المكي.
تولى الشيخ الشافعي رئاسة الجماعة في حياة رئيسها السابق نتيجة لانتخابه من أعضاء الجمعية العمومية، وفي عهده توسعت الجماعة في بناء المراكز الإسلامية التي تقدم خدمات متكاملة لعموم المسلمين، وبناء المستشفيات والمستوصفات الإسلامية، بالإضافة إلى تقديم المساعدات والكفالات للأيتام والمحتاجين، وتضاعفت أعداد مجلة التوحيد في عهده من 5 آلاف إلى 36ألف نسخة[7][7].
وفي فترة رئاسة الشيخ محمد علي عبد الرحيم، عادت مؤتمرات الجماعة لسابق عهدها، فعقد المؤتمر الأول للدعاة، وانتخب الشيخ صفوت نور الدين لمنصب الرئيس العام للجماعة، خلفًا للشيخ محمد على عبد الرحيم بعد وفاته 1991م.
وقد تميزت فترة رئاسته بالاهتمام بإنشاء المعاهد العلمية لتخريج الدعاة، وتقديم الكفالات لطلاب العلم، كما توسعت الجماعة في إنشاء المساجد، وتسيير القوافل الدعوية وإنشاء مراكز تحفيظ القرآن وإقامة الأسابيع الثقافية بشكل دوري في جميع فروع الجماعة على مستوى القطر المصري، في الوقت الذي لم تهمل الاهتمام بتقديم المساعدات الاجتماعية المختلفة للمحتاجين وكفالة اليتيم، مع الاهتمام بإبراز قضايا المسلمين والأقليات الإسلامية، والتعريف بها من خلال مجلة التوحيد، الذي ترأس تحريرها الشيخ صفوت الشوادفي.
برز خلال مسيرة الجماعة عدد من العلماء أمثال: الشيخ عبد الظاهر أبو السمح إمام الحرم المكي، ومؤسس ومدير دار الحديث الخيرية بمكة المكرمة، والشيخ عبد الرزاق حمزة عضو هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية سابقًا، والشيخ أبو الوفا درويش رئيس فرع الجماعة بمدينة سوهاج، والدكتور محمد خليل هراس أستاذ العقيدة بجامعتي الأزهر وأم القرى، الشيخ محمد عبد الوهاب البنا المدرس بالحرم المكي، والدكتور محمد جميل غازي الرئيس العام للجماعة سابقًا، وغيرهم[8][8].
هذا وقد تمددت الوهابية في مصر، بشكل غريب وغير مسبوق، خاصة خلال فترة حكم الرئيس حسني مبارك، مع العلم أن السلفية الجهادية أو الحركية الوهابية، هي التي قامت باغتيال الرئيس أنور السادات، بعد أن أخذوا الفتاوى التكفيرية للرئيس السادات من شيوخهم في مصر والسعودية، رغم ما قدمه السادات لهم من فتح أبواب الدعوة لكل تيارات الإسلام السياسي.
وفي كل الأحوال، فقد توسعت الجماعة الأم (أنصار السُّنّة) وبلغت فروع الجماعة في مصر أثناء فترة الانتشار وحتى عام 2010 أكثر من 150 فرع، وبلغ عدد المساجد التابعة للجماعة ما يقرب من 2000 مسجد في جميع أنحاء مصر، وانتشرت دعوتها منذ تأسيسها وذاع صيتها في داخل مصر وخارجها وتأسس لها فروع في عدد من البلدان الإسلامية في أفريقيا[9][9].
أسباب التمدد الوهابي
إن الوهابية التكفيرية تعلم علم اليقين أن الشعب المصري هو شعب ميال بدرجة كبيرة لحب أهل البيت والتعلق بهم، وحب الصحابة الكرام جميعهم، فقامت الوهابية بالتالي:
2 . قامت الوهابية قبل ذلك بتخريج الآلاف ممن يسبحون بحمد ابن عبد الوهاب وابن تيمية، ودعت المئات من أساتذة الجامعات والمدرسين والموظفين الذين سبق لهم العمل في السعودية، وأرجعتهم إلى مصر كي يقوموا بالدور المسنود لهم، وأغدقت الأموال على العديد من أئمة بعض المساجد وأدخلت الكثير من عناصرها إلى بعض المراكز الحساسة كالجامعات والأوقاف والأزهر ومجمع البحوث الإسلامية.
شيوخ الوهابية في مصر
بعد أن عرضنا للفكر الوهابي الذي انتشر في مصر من خلال الرعيل الأول المتمثل في جمعيات أنصار السنة والجمعيات الشرعية، نكتب عن الشيوخ الحاليين، وهم إما من أتباع أنصار السنة، أو مستقلين عنها، ولكنهم في النهاية يمثلون جميعًا الفكر الوهابي تنفق عليه مملكة آل سعود.
ولا يختلف فكر الوهابيين إذن، مهما تخفوا في أسماء مختلفة، لأن صفاتهم واحدة، ومن أمثالهم المنتشرين المعروفين خلال تلك الفترة الذهبية للوهابية في مصر، محمد حسان – محمد حسين يعقوب – أبو إسحاق الحويني – مسعد أنور – محمد عامر – محمد إسماعيل المقدم – مصطفى العدوي – ياسر برهامي – وغيرهم صاروا نجومًا في السماء المصرية.
موقف الحكومة الداعم لانتشار الوهابية
خلال فترة الانتشار زادت دعوات الحسبة ضد الكتب والمفكرين ونجوم السينما والمسرح، وراح ضحية التكفير الوهابي الدكتور فرج فودة عام 1992 وتم الاعتداء على الأديب نجيب محفوظ، وقتلوا السائحين الأجانب في مدينة الأقصر عام 1997، والهجوم على الكنائس وبيوت الأقباط في الصعيد، وغيرها، ومع ذلك ظل الفكر الوهابي منتشرًا بكثافة غير مسبوقة في التاريخ المصري كله، دخل الإرهاب مصر في التسعينات، ومع ذلك ظل الوهابيون ينتشرون في ربوع مصر.
وعندما نريد التعرف على أهم رموز الدعوة الوهابية في مصر في فترة الانتشار والتمدد، وكيف انتشر الفكر الوهابي، بموافقة حكومية ضمنية، نقرأ للأستاذ محمد رشدي الدسوقي في جريدة اليوم السابع تحليلًا وافيًا للوهابيين الجدد، فيتساءل: لماذا تترك الحكومة المساجد لأئمةالسلف؟[11][11].
ويجيب: من المؤكد أن ما يقدمه لنا الشيخ محمد حسان والشيخ الحوينى ومن معهما في الشرائط التي تملأ الأرصفة والكتب التي توزع أمام المساجد، والخطب التي تُبكي وتداعب أوتار الحماسة قبل أن تخاطب العقل، يختلف عن دين نبينا محمد(ص)، ففي الوقت الذي نسمع الواحد من هؤلاء يخطب الجمعة ويسب ويلعن في النصارى، وهو يعلم أن العمارة التي بها المسجد تسكن بها أسرة مسيحية أو أكثر، لم نكن نسمع عن رسولنا الكريم، إلا أنه زار اليهودي الذي كان يتعمد إيذاءه حينما علم أنه مريض.
وفى الوقت الذي كان رسولنا الكريم يجهز أهل دينه لبناء دولة قوية، وينهاهم عن توافه الأمور، نجد هؤلاء وقد نشروا دينًا لا يهتم إلا بمعرفة رأى رجل الدين في طريقة الدخول إلى الحمام، وطبيعة القبلة بين الزوج والزوجة.. هل تكون طويلة أم قصيرة، وكيف ننام.. هل ننام على الجانب الأيسر أم الأيمن؟ وكيف نسير؟ وكيف نركب السيارة؟ وأين نضع أيدينا ونحن نصلى؟ وهل نفتح باب الشقة قبل البسملة أم بعدها؟ وما هو الشكل الصحيح للذقن الإسلامية؟ وهل يمكن للطفل المسلم أن يشاهد الكارتون؟ وهل كرة القدم حرام أم حلال؟ وهل كانت النملة التي كلمت سيدنا سليمان ذكرًا أم أنثى؟ وهل يعني ذلك أن قتل النمل حرام على اعتبار أنها تحدثت مع نبي؟[12][12].
هذه الأسئلة وغيرها من قصص الثعبان الأقرع والعذاب المخيف، هي أغلب ما يقدمه لنا فريق الشيخ محمد حسان، حتى أنهم عادوا بمصر إلى عصور الظلام في أوروبا، تلك التي كانت الحركة أو الهمسة فيها لا تتم إلا بإذن الكنيسة، هكذا فعل مشايخ السلف فينا وهكذا يسعون.. إلى أن يكون كل سؤال خاضعًا لإجابة رجل الدين، شاهد الفضائيات واستمع جيدًا لخطب الجمعة في مساجد مصر، لتكتشف أن الخطاب الديني سواء كان يحمل الصفة الرسمية أو حتى الشعبية يثير فضول الناس ويتسبب في خروج تلك الأسئلة من على الألسنة، قم بجولة بسيطة على الإنترنت على مواقع شيوخ السلف لتكتشف أنه لا حركة للإمام أو للخلف تتم الآن إلا بناءً على خطبة للشيخ فلاني أو فتوة للداعية العلاني..
والغريب في هذا الأمر أن كل هذا الجمهور وكل هؤلاء الأتباع، وكل هذا الزحام أمام مساجد هؤلاء المشايخ لم يشغل بال الحكومة.
كان هناك شبه اتفاق إذن، كما يقول بعض المتابعين لسير الأمور في مصر بين ممثلي التيار السلفي الوهابي القادم من المملكة السعودية أن يعمل بحرية، ليطغى على الإخوان وينقل إلى مصر[13] التجربة السعودية في إخضاع المحكوم للحاكم بفقه عدم جواز الخروج على الحاكم.. شبه اتفاق منح مشايخ بهذه اللحى الطويلة حق الظهور على الفضائيات، وحق امتلاك المساجد والسيطرة عليها.. شبه اتفاق كان سببًا في ظهور هؤلاء المشايخ وتحويلهم إلى نجوم شباك، إذا حاولت تتبعهم ستكتشف الكثير والكثير من الخبايا والكثير من التفاصيل عن هذا الدين الذي يحمل رائحة وهابية ولكنة سعودية[13][14].
الشيخ محمد حسان والشيخ أبو إسحاق الحوينى والشيخ محمد حسين يعقوب والشيخ مسعد أنور.. الأربعة يمثلون مجلس قيادة التيار السلفي في مصر، ربما لأنهم الأشهر أو لأنهم الأكثر سيطرة وظهورًا على شاشات الفضائيات الدينية، بداية من قناة الناس وحتى مشكاة الأنوار، وإن كان هؤلاء الأربعة هم الأشهر، فإن أشهرهم على الإطلاق هو الشيخ محمد حسان، ربما لأنه أبلغهم أو يعود الأمر إلى كاريزما خاصة، تميز الرجل الذي نجح في أن يستغل دراسته بكلية الإعلام جامعة القاهرة جيدًا، في صناعة صورة إعلامية مميزة له، أصبحت مدرسة، يدرس بها كل من أراد أن يخرج إلى الناس عبر شاشة قناة الناس أو الرحمة ليخطب في[15]هم..
محمد حسان بالنسبة للسلف كما كتبوا عنه في أحد المنتديات الإسلامية على الإنترنت الشيخ الأجل، أسد المنابر، خطيب الأكابر، السلفي الأثري، المجاهد الصبور، المربى القدوة.
نتعرف على أهم رموز العمل الوهابي في مصر، نكتب عن بعضهم، لأن فكرهم واحد لا يتغير، وفتاواهم واحدة لا تتبدل.
محمد حسان
من مواليد قرية دموه بمحافظة الدقهلية من مواليد عام 1962، وبخلاف القصة التقليدية التي تحكى كيف كان نابغة في صغره حفظ القرآن صغيرًا، فقد بدأت شهرته منذ أول خطبة له حينما كان عمره 13 سنة في مسجد قرية جده لوالدته.
أما شهرته الحقيقيةكخطيب سلفي مفوه فقد بدأت من مدينة السويس، محمد حسان طبعًا وارد ثقافي من السعودية حيث نقل الثقافة الوهابية، فنظرة واحدة إلى الأسماء التي تعلّم على يدها تخبرك ببساطة عن طبيعة تكوين الشيخ محمد حسان ونوعية الإسلام الذي يريده، فالرجل تعلم على أيدي أمراء الوهابية في المنطقة وشيوخ التعصب الأكبر في المملكة العربية السعودية.. الشيخ عبد العزيز ابن باز وابن صالح عثيمين وعبد الله بن الجبرين وبالتبعية لمشايخه، لأن حسان يرى أن المرأة سبة في جبين المجتمع لا ظهور لها، ويرى أن قيادتها للسيارة نوع من الإثم، ومشاركتها في أي شيء خارج نطاق بيتها ذنب لا يغتفر، وبالطبع هو يتمنى أيضًا وجود هيئة في مصر تضر بأصحاب المحلات المفتوحة أثناء الصلاة، وتستجوب كل شاب وفتاة يسيران في الشارع، وتقتحم منازل كل من سولت له نفسه وفكر في الاحتفال بعيد ميلاد أحد أولاده، وربما كانت هذه الصبغة السعودية، هي السبب التي جعلت حسان مرحبًا بإجراء حوارات وكتابة مقالات على صفحات الصحف السعودية، بينما يرفض أي حوار لصحيفة مصرية اللهم إلا ما ندر[14][16].
الشيخ حسان كان أشهر من هاجم الدعاة الجدد، ووصف بعضهم بالتخلّف، ضاربًا مثلًا لأتباعه عن كيف تكون السماحة ومدى تقبل الآخر، هذا بخلاف أن الشيخ حسان أعاد تقديم نموذج آخر للتعصب، حينما تطاول على المسيحيين والإنجيل، وقال في أحد شرائطه التي حملت عنوان: “تحريف الإنجيل”، وشريط آخر حمل عنوان: “قصة الصليب”: إن الإنجيل كتاب جنسي: (لو قرأت فقرات من مضمون الأناجيل.. لو قرأتها.. والله العظيم تستفرغ.. فقرات جنسية.. أنا بقيت خايف إن زوجتي تقرأ هذا الكلام.. كلام من أخطر كلام في كتاب جنسي موجود في السوق)، مما دفع أحد المحامين الإسلاميين العاقلين أن يتبرع ليرفع دعوى على الشيخ سنة 2007 اتهمه فيها بالإساءة للإسلام قبل الإساءة للمسيحية.[15][17]
وفى المسألة الدينية يبقى الشيخ حسان من هؤلاء الذين يضربون العلم بالحذاء، ففي خطبته الشهيرة عن الزلازل نفى العلم تمامًا من قاموسه، وقال مهما تكلم العلماء، وخبراء الأرصاد، وعلماء الجيولوجيا والمتخصصون في الزلازل إلى غير ذلك، فإن الأمة تظل منتظرة، أن تسمع كلمة علماء الدين، تظل الأمة تنتظر أن تسمع الحق من كتاب الله، ومن كلام الصادق سيدنا رسول الله، معتبرًا أن ما يقوله المتخصصون عن أن الزلزال هزة أرضية تصيب الأرض، بسبب حدوث خلل في بعض أجزاء القشرة الأرضية، أو بسبب فوران البراكين، تفسير لا معنى له، وأن التفسير الحقيقي هو أن الزلازل والبراكين والعواصف الثلجية إلى غير ذلك، إنما هي آيات من آيات رب البرية، إنما هي جند من جند الله يرسلها الله تخويفًا للكافرين، وابتلاءً للمؤمنين، وعتابًا للمقصرين والمذنبين.
بل إنه عاد ودلل على ذلك بأن أحدهم حكى له أن الحيوانات في حديقة حيوان دولة سيريلانكا لم تمت من الزلازل والأمواج، في الوقت الذي مات فيه كل البشر المتواجدين بالحديقة، وهو الكلام الذي لم يرد له أصل في الأخبار الواردة وقتها، وكان مجرد شائعة منتشرة على المنتديات الإسلامية التي يقوم عليها أناس مؤمنون بأن الإسلام في حاجة إلى مثل تلك الأكاذيب، لكي يثبت وجوده، وهؤلاء هم جمهور الشيخ محمد حسان، الذي ظهر عليهم في إحدى الحلقات وهو يتكلم عن قشرة لب مكتوب عليها لا إله إلا الله ليضعها في دفتر سجلات إثبات صحة الإسلام[16][18].
أبو إسحاق الحوينى
ومن الشيخ حسان إلى كاريزما أخرى اسمها الشيخ أبو إسحاق الحوينى الذي إذا قال أو حتى عطس، تحولت عطسته هذه أو كلمته إلى واجب إلهي، يمرره الإخوة السلفي[15]ون إلى بعضهم على الإنترنت أو مقاطع فيديو، أو عبر كتيبات صغيرة وكأنها صك الإنقاذ من الدنيا، ومفتاح أبواب الجنة.
كان الحويني يحمل اسم حجازي في[15]ما مضى، وقام بتغيير اسمه وكنيته لزوم الفخامة ومواءمة تعاليمه السعودية وتلمذته على أيدي كبار رجال السلف.
بدأ الحويني طريق الدعوة كما يقول هو على موقعه الشخصي عن طريق صدفة جمعته بالشيخ عبد الحميد كشك، حيث حضر في إحدى المرات خطبة للشيخ كشك، الذي ذكر حديثًا تشكك في[15]ه الحوينى، فبحث عن ذلك فوجد أن ابن القيم ضعفه، فذهب ليخبر الشيخ كشك فرد عليه كشك ردًّا أدهشه حينما قال له لقد أخطأ ابن القيم، ثم قال له الكلمة التي كانت سببًا في أن يعلو أبو إسحاق الحوينى إلى قائمة مشايخ السلف، حينما قال له يا بني تعلم قبل أن تعترض، وهو المبدأ الذي يبدو أن الحوينى طبقه فقط على علوم الحديث، على اعتبار أنه دائم الاعتراض على الآخرين وتصرفاتهم، حتى ولو كانوا أصحاب مجالات بعيدة عنه.
ولكن ذلك لا ينفي أن أبو إسحاق الحوينى هو الشيخ الأكثر تأثيرًا في المجتمع السلفي المصري، الكل يستشهد به، والكل يأخذ كلمته دون أن ترد، ولمَ لا وقد نجح في إقناع الناس بأنه تلميذ الشيخ الألباني، أبو إسحق الحوينى لم يتوقف عند تقديس الأفكار القديمة، ولم ينادِ فقط بأن يتوقف العالم الإسلامي عند قرنه الرابع أو الخامس، بل هاجم بضراوة كل من طالب بإعادة تنقية وتحقيق كتب التراث الإسلامي والفقه والحديث، أو تجرأ وتكلم خارج حدود النص القديم، ويمكنك بجولة بسيطة على الإنترنت أن تجمع مئات من مقاطع الفي[15]ديو التي ينشرها رواد الشيخ تحت عنوان ردود أبو إسحاق الحوينى على الجهال والمضللين من الشيوخ، حتى أن جمهور الشيخ بدأ يستحل تكفي[15]ر خصومه فأصبح كل من يتعرض له الحوينى بالنقض في خطبه جاهلًا جهولًا ومضلًّا ضالًّا وأحيانًا كافرًا.
حدث هذا مع الكثير من المشايخ الذين حاولوا تبسيط الأمور إلى الناس مثل الدكتورة سعاد صالح ومن بعدها عمرو خالد الذي وصفه الشيخ الحوينى قائلًا: (رجل يقال عنه داعية مشهور وهو في الفضائيات مشهور، هو مفتي الفنانات، هؤلاء الملايين الذين يسمعونه على منهج رديء وسيء ويطيل الطريق على دعاة الإصلاح)[17][19].
يتبع الحويني المنهج القديم في الخطابة.. ترهيب ولا شيء آخر حتى إنه قال في إحدى الخطب: (اللي يهتدي يهتدي واللي يروح في داهية يروح في داهية)[18][20].
وهو واحد من الذين وصفوا إعصار “تسونامى” بأنها غضب من الله، وتمنى كذا تسونامى غيرها حتى يفي[15]ق الناس، وقال إن إبادة الشعب البوسني كانت خيرًا لأنه كان يعيش طبقًا للعادات الأوروبية حسب وجهة نظر الشيخ..
وتحريم الحوينى لهمسات وحركات الناس وإصراره على تضييق الحياة ومتعها عليهم جعل من شيخ سعودي مشهور بتطرفه أن يقول رأيه التالي في أبو إسحاق الحوينى، وهو رأى صادم إذا وضع في اعتبارك المنطقة القادم منها.. الشيخ كان هو مفتي جنوب المملكة أحمد بن يَحيى النجم وقال حينما سأله أحدهم عن رأيه فى أبو إسحاق.. “الذي أعرفه أن أبو إسحاق الحوينى تكفيري”.
أبو إسحاق الحوينى هو القائد الأول لمدرسة التحريم في مصر، يأتي من بعده الشيخ محمد حسان بآراء مشابهة ترفض عمل المرأة، وتؤكد على عورة صوتها، لدرجة أنه وأبو إسحاق وصفا مذيعات قناة الحافظ المتنقبات بـ “العو”[19][21]، والعفاريت ورفضا فكرة عملهن من الأساس.
محمد حسين يعقوب
هو النسخة الشعبية لهذا الدين الذي كان يقدمه مشايخ السلف في مصر بنكهة سعودية، ولهذا فمن الطبيعي أن تسمع أن الخطبة الفلانية هي لؤلؤة الشيخ يعقوب، ومن الطبيعي أن تكون أسماء خطبه وشرائطه على النحو التالي: (الإسعاف، الاعتكاف عقد احتراف، العناية المركزة، ساعة لقلبك وساعة لربك، أهوال يوم القيامة، وحكم الاستمناء وأسبابه وعلاجه)، وأن تأتي تعبيراته في الخطب على نفس الوتيرة بشكل صنعت منه نجمًا شعبيًّا، كان سببًا في أن ظهر داخل مصر[13] جيل جديد من السائقين الملتحين ويرتدون الجلباب، يقومون بإجبار الركّاب على الاستماع لشرائط الكاسيت في أي وسيلة مواصلات، كان الشيخ يعقوب يخطب خطبة يوم الجمعة، وتنتشر في كل الأرض يوم السبت، وهذا أدى لشيوع صورته.
ويمتاز محمد حسين يعقوب عن بقية المشايخ بمعاركه مع الفنانين والمشاهير وسخريته منهم. الانتشار الذي حققه يعقوب جزء منه يعود إلى خطبه التي تشبه مسلسلات الإذاعة زمان، يعقوب ينتمي للمدرسة السلفية ويهاجم بضراوة دعاة التجديد، وربما يكون هو أكثر من قال للناس كلمة حرام عبر سلسلة شرائطه.
إن محمد حسين يعقوب وتشدده تتوافق تمامًا مع كون والده أحد المؤسسين للجمعية الشرعية، ومع حياته في السعودية، ونشأته في منطقة إمبابة التي ولد بها عام 1956 وشب في[15]ها ونشأ في عز انتشار الجماعات الإسلامية.
مسعد أنور
وعلى نفس طريق يعقوب يسير آخرون يتقدمهم الشيخ مسعد أنور. والشيخ مسعد أنور على وجه التحديد له صولات وجولات، ليست فقط مع الفنانين ولاعبي الكرة، ولكن مع الشعب المصري كله، فالرجل له خطبة شهيرة تحولت إلى سلسلة فيما بعد، قام من خلالها بإثبات أن نصف الكلام والأمثال التي يتحدث بها المصريون، إما أنها تدخل في نطاق الشرك الأصغر، أو أنها تحملهم الآثام الكبرى بداية من المثل الشهير “طور الله في برسيمه”[20][22]، وحتى كلمة “يا لهوى”[21][23]، طبعًا قد يكون لدى الشيخ مسعد أنور بعض الحق بسبب جهل الناس بمعاني هذه الكلمات أو الظروف التي قيلت فيها، ولكنه ليس له أي حق في أن يحمل سياط الترهيب ليرهب بها الناس، لأن الدعوة كما علّمنا الله تكون بالموعظة الحسنة لا بالتهديد، وهو نفس المبدأ الذي تسير عليه بقية الكتيبة كما قلنا.
وإن كنا نلمح ابتسامة دائمة على وجوههم، ولكنها ابتسامة غير مقتنعة في ظل وجودها طوال الوقت، حتى أنك تشعر أنها هي والبكاء أصبحا شعارًا رسميًّا لكل شيخ سلفي وهابي، ولم يكن واحدًا من هؤلاء الذين حرموا التلفزيون وأطلقوا عليه “المفسديون” (راجع خطب يعقوب ومسعد أنور والحوينى) قبل عشر سنوات في عز سنوات الانتشار، ثم عادوا الآن منذ عام 2009 ليطلوا على الناس عبر شاشاته بعد شرح طويل يؤكد أن التلفزيون مش حرام خاصة تلك الشاشات التي تأخذ الناس للجنة كما تقول قناة الناس، بينما الواقع يقول إنها تأخذ الناس إلى العزلة.
هؤلاء أهم شيوخ السلفية خلال فترة الانتشار، ورغم تغلغلهم في المجتمع وانتشار فكرهم، إلا أنهم على المستوى السياسي لم يتدخلوا في السياسة، لأن فكرهم تركز على نشر الدعوة وخطف المجتمع المصري.
تنوعات السلفية الوهابية
نعلم جيدًا أن الوهابية تمنع الخروج على الحاكم المسلم حتى لو كان عاصيًا، ولكن في فترة الانتشار الوهابي السلفي في مصر، خرجت جماعات سلفية تدعو للخروج على أي حاكم مسلم، وبعد أن كان العدو البعيد متمثلًا في الصهيونية العالمية هو الذي يجب محاربته وغزوه، صار العدو القريب هو الذي يجب محاربته وقتله، صحيح أن النظرية الوهابية السياسية ظلت قائمة في تحريم الخروج الدموي، لكن أخذوا فتاوى التكفير والخروج، ثم أسسوا جماعات إسلام راديكالي متهور دموي، ولنقرأ هذه الاختلافات السلفية فيما بينهم، وذلك في مصر تحديدًا.
بعد انفصال المدرسة السلفية عن تيار الجماعة الإسلامية في الجامعات، وتخرج هؤلاء الطلاب أطلقوا على أنفسهم الدعوة السلفية في عام 84-1985؛ وذلك لإثبات شمولية دعوتها. على حد تعبير الشيخ عبد المنعم الشحات المتحدث الرسمي لها..
بينما تتصاعد وتيرة الحركة الطلابية الإسلامية في الجامعات المصرية أوائل السبعينيات، بدأ في الإسكندرية محمد إسماعيل المقدم، طالب كلية الطب، درسه الأسبوعي بمسجد عمر بن الخطاب بالإبراهيمية، الذي أصبح نواة لتجمع مجموعة صغيرة لا تتجاوز عشرة من الطلبة المتدينين- أبرزهم أحمد فريد- المتأثرين بدروسه عن التوحيد والعقيدة.
مع نمو نشاط الطلاب الإخوان في الجامعة، قدّم عماد عبد الغفور، الطالب بكلية الطب آنذاك، ورئيس حزب النور السابق، اقتراحًا لتطوير العمل السلفي وبدء النشاط داخل الجامعة، عام 1980، فاختارت المجموعة اسم “المدرسة السلفية”، واختير محمد عبد الفتاح (أبو إدريس) مسؤولًا عنها.
مع منتصف الثمانينيات، توسع النشاط السلفي في المدينة واعتمد اسم “الدعوة السلفية”، التي سرعان ما شكَّلت مجلسًا تنفيذيًّا لها، يضم: محمد عبد الفتاح أبو إدريس قيِّمًا؛ أي مسؤولًا أولًا، والشيخ ياسر برهامي نائبًا له، وعضوية كل من: الشيخ محمد إسماعيل المقدم، الشيخ أحمد فريد، الشيخ أحمد حطيبة، الشيخ سعيد عبد العظيم، والشيخ علي حاتم.
كما شكّلت لجان عمل (المحافظات اللجنة الاجتماعية، لجنة الزكاة، ولجنة الشباب)، حظيت الدعوة السلفية عام 1986 بزيارة استثنائية من الشيخ أبي بكر الجزائري، الذي زار كل مقراتها تقريبًا بالإسكندرية، ودعم موقفها في مواجهة الإخوان المسلمين، كما صحب بعضُهم أبرزَ علماء السعودية (الشيخ بن باز، الشيخ بن عثيمين) لعدة أشهر في المملكة، ما أكسبهم ثقة وتمسكًا بمنهجهم، كما اتصلوا بمشايخ أنصار السنة المحمدية المؤسسين، وإن اختلفوا مع الجمعية في بعض الآراء الفقهية.
ثم أصدرت الدعوة السلفية في هذه المرحلة مجلة (صوت الدعوة) وهي مطبوعة إسلامية شهرية ظلت تصدر دون انتظام إلى حين تم إيقافها نهائيًّا سنة 1994م، وكانت تهتم بكل ما يتعلق بالمنهج السلفي من خلال مقالات شرعية مطولة يكتبها الدعاة السلفيون.
ولم يتوقف النشاط السلفي في الإسكندرية على الجوانب التعليمية والدعوية فحسب، بل تعداه إلى جوانب اجتماعية وإغاثية، ككفالة الأيتام والأرامل، وعلاج المرضى، وغير ذلك من النشاطات، جرى العمل فيها من خلال “لجنة الزكاة”، التي كان لها فروع في كل منطقة وحي من مناطق وأحياء الإسكندرية.
وتمثلت قوة معهد الفرقان لإعداد الدعاة في 1986 في أنه شرع دعاته السلفيون في الإشراف عليه، ويضعون مناهج التدريس لطلابه، وقد لاقى هذا المعهد سمعة كبيرة حتى ذاع صيته بين الراغبين في طلب العلم الشرعي بكافة فروعه (فقه، تجويد، حديث، أصول، توحيد، قرآن) حتى من بين خريجي الأزهر. وفي فترة وجيزة خَرَّج المعهد عددًا من الدعاة حملوا مشعل الدعوة السلفية في مصر، انتشروا في عدد من المحافظات والأقاليم حتى صارت الدعوة السلفية تصدر دعاتها إلى كل أقاليم القطر المصري وخارجه، وهم الذين هيئوا لها فيما بعد هذا المدد السلفي الذي بات ملحوظًا، على الرغم من أنهم اختاروا منهجًا دراسيًّا متعمّقًا يفوق عمقه المناهج التي تدرس في المعاهد الدينية الرسمية وغير الرسمية.
ثم تطورت لجان الزكاة والنشاط الاجتماعي، والعمل الدعوي بالمساجد، إلى أن تم حل كل هذه اللجان والمجلس التنفيذي نفسه في 1994، على خلفية توقيف قيِّم المدرسة الشيخ محمد عبد الفتاح، وتسلمت وزارة الأوقاف معهد الفرقان، ومُنع من بعدها مشايخ الدعوة من إلقاء الدروس والمحاضرات، أو حتى السفر خارج الإسكندرية.
اختارت الجمعية العمومية “القيم”- وهو المسؤول الأول عن الدعوة- ونائبه ومجلس الإدارة بالاقتراع السري المباشر، وانتهى الأمر باختيار الشيخ “محمد عبد الفتاح أبو إدريس” قيّمًا، والشيخ “ياسر برهامي” نائبًا، وعضوية كل من: الشيخ محمد إسماعيل، والشيخ أحمد فريد، والشيخ أحمد حطيبة، والشيخ سعيد عبد العظيم، والشيخ علي حاتم، وكانت قرارات المجلس التنفيذي تُتخذ بالأغلبية مع ترجيح جانب “القيِّم”- الذي هو بمثابة رئيس الدعوة السلفية- عند التساوي.
ولما كانت الدعوة “جزءًا من واقع مليء بالحسابات المعقدة”، على حد تعبير الشيخ ياسر برهامي، فقد استفز توسعُ السلفيين الأجهزةَ الأمنية التي شرعت في التضييق عليهم، محاولة تفكيك الروابط التنظيمية لهذا التجمع الأصولي الذي جذب في فترة محدودة عشرات الآلاف من الشباب المتدينين، وبلغ هذا التضييق ذروته في القضية التي تم فيها توقيف قيّم الدعوة السلفية “الشيخ أبو إدريس”، و”الشيخ سعيد عبد العظيم” عام 1994، وهي القضية التي تم فيها وقف مجلة “صوت الدعوة”، وإغلاق معهد “إعداد الدعاة”، الذي جرى تسليمه لوزارة الأوقاف، على أساس أن الوزارة سوف تستمر في العمل وهي التي سوف تشرف عليه، إلا أن ذلك لم يحدث وتوقف العمل فيه تمامًا، كما جرى حل “المجلس التنفيذي”، واللجنة الاجتماعية، ولجنة المحافظات[22][24].
ولم يبق للسلفيين من مجالات عمل سوى الجامعة وبين الطلائع، وهو ما لم يتم الاعتراض عليه من قبل الأجهزة الأمنية في هذه الفترة وظل مستمرًّا حتى عام 2002، العام الذي تم فيه إيقاف العمل في الجامعة والطلائع والعمل خارج الإسكندرية، وقد كان السفر والتنقل ممنوعًا على الدعاة السلفيين خارج الإسكندرية منذ أواسط التسعينيات.
رفضت الدعوة السلفية الديمقراطية واعتبرتها كفرًا، واعتبرت من يقبلها يضحّي بعقيدة التوحيد؛ لأنها قد تأتي برئيس ملحد أو كافر، وتعرض تطبيق الشريعة على الخيار الشعبي. ولكنها لم ترفض المشاركة السياسية والانتخابات من حيث المبدأ.
وتعلل ابتعادها عن المشاركة السياسية إلى ما يسميه مُنظّرها الأول الشيخ ياسر برهامي “موازين القوى المنحرفة التي لا تعرف معروفًا ولا تنكر منكرًا، وتفرض على المشاركين التنازل عن عقائد ومبادئ لا يرضى أحد من أهل السنة بالتضحية بها”.
وتطورت الدعوة السلفية لتنحاز إلى التصدي مرة أخرى للعدو البعيد، فنشأ تنظيم القاعدة، وعادوا إلى العدو القريب فنشأ تنظيم داعش وبوكو حرام، ولكنهم يستقون فكرهم ودينهم من الدعوة الوهابية، وذلك في براجماتية شديدة التعقيد والدهشة… ولكن كل هذه الأمور تغيرت بعد ثورة 25 يناير.
اعتراف باختراق الوهابية للأزهر
سعى الوهابيون منذ البداية اختراق مؤسسة الأزهر الشريف، خاصة بعد ثورة يناير، وقد اعترف الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر الدكتور أحمد الطيب أن الوهابيين اخترقوا خلال سنوات الانتشار الأزهر بالمال السعودي، وهو يقصد فترة الرئيس حسني مبارك.
صحيح أن الحالة السلفية تفتقد التنظيم العالمي أو الإقليمي كما على غرار جماعة الإخوان المسلمين[23][25]، ولكنهم حاولوا الدخول في أروقة الأزهر منذ البداية في أوائل الثمانينات، ولم يتحدث أحد داخل المؤسسة الأزهرية عن ذلك السعي الوهابي للاختراق والتوغل، ولكن تم الكشف عن ذلك بعد ثورة يناير 2011، وقد كشف الدكتور صلاح فضل كواليس اجتماعات المثقفين مع علماء الأزهر بعد ثورة يناير 2011، مفصحًا عن المناقشات التي شابت هذه الاجتماعات حول موضوعات، من بينها “العلمانية والتكفير”.
فقد سرد “فضل” كلمة الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، خلال هذه الجلسة التي تعد من أخطر ما قيل أو ما سيقال عن علاقة الأزهر بالسعودية، وتوغل التيار الوهابي داخل أكبر مؤسسة دينية في العالم[24][26].
سرد الدكتور فضل في كتبه وثائق الأزهر أجواء الاجتماع، الذي دار حول مفهوم المدنية ومفهوم العلمانية، والفرق بينهما، حتى توصل المجتمعون إلى صيغة توافقية لتوصيف الدولة المصرية باعتبارها “دولة ديمقراطية حديثة”، ثم التقط الكلمة الدكتور أحمد الطيب شيخ الجامع الأزهر، حيث تطرق إلى العديد من القضايا، ومن أهمها مكانة الأزهر في العالم والتحديات التي تواجهه من قبل التكتلات الدينية الأخرى ومن أهمها تكتل “الوهابية”[25][27].
وقال الدكتور الطيب:”إننا أنشأنا الرابطة العالمية لخريجي الأزهر، وأحصينا ما يقرب من أربعين ألف خريج أزهري على مستوى العالم، وعقدنا عدة مؤتمرات،كان رابعها “الإمام أبو الحسن الأشعري”، باعتبار أن منهج الأشعري هو منهج الأزهر، فقد استطاع بهذا المذهب أن يلم شعاب المسلمين جميعًا، ثم مضى الإمام الأكبر ليتحدث عن أهمية هذا المذهب ومدى ملاءمته للمسلمين الآن قائلًا: “هذا المذهب لا يجيز التكفير، وقاعدته الأولى أننا لا نكفر أحدًا من أهل القبلة، وقاعدته الثانية أنه لا يخرجك من الإسلام إلا جَحدُ من أدخلك فيه “أي الشهادة”، وعنده أن العبد إذا مات على معصية فأمره مفوض إلى الله تعالى إن شاء عاقبه وإن شاء عفا عنه، وهذا من التطبيقات العملية التي ترك رسول الله (ص) الأمة عليها”.
وأضاف شيخ الأزهر في كلمته: عقدنا هذا المؤتمر ودعونا إليه بعض إخوتنا من المملكة العربية السعودية، لنتفاهم معهم في أن هذا المذهب هو المؤهل لقيادة الأمة الإسلامية إلى الوحدة بعد تفرقها وتمزقها، وعقدنا النية على عقد مؤتمر خامس، وتوقعنا أن تحدث بيننا وبين الوهابية مصالحة، بسبب الضغط الوهابي الذي تغلغل في مصر والأموال المتدفقة من الخليج، حتى أصبح الطالب في كلية أصول الدين يجهر بأن “الأشاعرة كلاب” مع أن هذا مذهبه.
وقال الدكتور أحمد الطيب: “واسمحوا لي أن أقول إن عندنا القدرة على مجابهة هؤلاء بمثل وسائلهم، مكتبة الأزهر بها أكثر من مئتي مخطوط لعلماء الأزهر في القرن الماضي، يردون بها على محمد بن عبد الوهاب، بل وصل الأمر لتكفيره، ومن الممكن أن نطبع هذا ونوزعه على أبواب المساجد، ولكن هذا ليس منهج الأزهر، نريد أن نجمع الكل تحت عباءة أهل السنة، وليس هناك الآن سلفية حقيقية، هناك وهابية، وهم يحاولون هدم الأزهر، والله غالب على أمره[26][28].
جانب آخر يكشف عنه الدكتور صلاح فضل في كتابه حول أول اجتماع لكوكبة من المثقفين في مكتب الإمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب، يوم الأحد 15 مايو 2011، أي بعد اندلاع ثورة يناير بثلاثة أشهر فحسب، تصدر منصة اللقاء الدكتور “الطيب”، وجلس إلى يمينه فيما يذكر الدكتور محمود حمدي زقزوق وزير الأوقاف الأسبق، يليه المفكر الإسلامي الكبير الدكتور أحمد كمال أبو المجد، ودعا شيخ الأزهر المفكرة القبطية الدكتورة ليلى تكلا لتكون إلى يساره، يليها الدكتور حسن الشافعي مدير المكتب الفني للشيخ الدكتور الطيب.
ويضيف الدكتور فضل: أذكر أنى ألقيت نظرة على المدعوين لهذا الاجتماع، فوجدتهم يمثلون أطيافًا عدة، في مقدمتهم نجوم الأدب، بهاء طاهر، وجمال الغيطانى ويوسف القعيد وجابر عصفور، يليهم عدد من كبار كتاب الإعلاميين مثل نبيل عبد الفتاح، ونعم الباز، وعمرو عبد السميع، وحلمي النمنم، وعدد من الشخصيات المسيحية مثل ليلى تكلا، وسامح فوزي، وسمير مرقص، وبعض كبار العلماء مثل محمود عبد الفضيل القوصى، وعبد المعطي بيومي، ومحمد كمال إمام وشخصيات مهمة مثل جلال أمين ومصطفى الفقي.
ثم دار حديث مفتوح عن الثورة والأزهر والتيارات الدينية المخيفة التي أطلت برأسها بعنف على الحياة العامة المصرية، ولفت انتباه الدكتور فضل بشدة أن الدكتور أحمد الطيب قد عبر عن سعادته الخاصة بهذا اللقاء مع المثقفين، وقال إنه يجد نفسه حقيقة بينهم، بينما يشعر بالاغتراب عندما يزوره أفواج السلفيين والجماعات الدينية، ثم تحدث طويلًا عما تعرض الأزهر له في الفترة الماضية من اختراق، وكيف تسللت إليه بعض الدعوات الغريبة عن طابعه الوسطي المستنير المأثور، فحاول بعض أنصار التيارات السلفية الوهابية جذب بعض شيوخه وإغرائهم بالتدخل في مناهجه عن طريق تحريف كتب العقائد الأشعرية، لتتوافق مع مبادئهم بالتواطؤ مع ورثة الناشرين القدامى، وكيف تصدى بحزم لهذه المحاولات كي يعيد للأزهر طبيعته النقية المعتدلة.
ما نريد قوله:إن السعي الوهابي لاختراق الأزهر الشريف، كان سعيًا محمومًا منذ بداية الانتشار، وزاد كما هو معلوم بعد ثورة 25 يناير|كانون الثاني 2011، والدكتور الإمام الأكبر أحمد الطيب أعلن هذا كما رأينا، خاصة أنه استطاع الإعلان عن السعي الوهابي لدخول الأزهر وتغيير عقيدته، ولم يكن يستطيع إعلان ذلك أثناء حكم الرئيس حسني مبارك بسبب اعتبارات السياسة، وهو كما نعلم تأكيد ما هو معروف، وتوكيد على ما أخفاه البعض، ثم أعلنوا عنه.
المرحلة الثالثة
الدخول في عالم السياسة
تحالف وهابي مع الإخوان المسلمين
من2011 – 30 يونيو 2013
بعد أن حدثت ثورة يناير 2011، بدأ السلفيون يتحسسون طريقهم، الكل يريد السلطة، وهم أيضًا يريدوها، وبالتالي انقلبت رؤيتهم، فبعد أن كانوا يحرمون العمل السياسي، فقد أباحوه في نفاق سياسي رهيب، كما سنرى.
ولكن قبل ذلك نكتب عن الحكم كما يراه الوهابيون.
نظرية الحكم لدى السلفيين
تعددت الأقوال والتصريحات من فصائل مختلفة للتيار الإسلامي حول ما يسمى بـ “نموذج الحكم الإسلامي”؛ ولأننا هنا نتناول الفصيل السلفي، فقد نعرض تصريحات عبد المنعم الشحات المتحدث باسم الدعوة السلفية والذي يطلقون عليه “أسد السنة” حول هذا الموضوع من خلال تفريغ مجموعة من حلقاته المسجلة على موقع “أنا سلفي” والتي يتدارسها أعضاء الدعوة السلفية[27][29].
في 31 أكتوبر 2010، وتحت عنوان: “لماذا نقاطع الانتخابات؟” تساءل عبد المنعم الشحات في بداية الحلقة: “إذا كنا ممكنين هل نبني النموذج الديمقراطي؟[28][30]“،وقد أجاب على نفسه بالقول: “ما نجزم به، لا.. لا نبني النموذج الديمقراطي.. بل نبني النموذج الإسلامي، والنموذج الإسلامي يخالف النموذج الديمقراطي تمامًا.
ثم استطرد فقال: أحد المشاكل أن إخواننا الذين يدخلون الانتخابات يضطرون إلى الثناء على النموذج الديمقراطي ويضطرون إلى أن يجعلوا أسمى أمانيهم هو تطبيق النموذج الديمقراطي.
لدينا نظام إسلامي مقيد بالشرع، والشورى فيه مقيدة بالشرع، بينما النظام الديمقراطي ليس فيه كذلك، وإن كان هناك نظام ديمقراطي الشورى فيه مقيدة بالشرع، فلم تكن هذه ديمقراطية؛ لأن قوام الديمقراطية حكم الشعب،، فحينما نقيدها بالشرع فأنت تهدم الركن الأعظم للديمقراطية، فإذا نحن سنقيم نظامًا فسوف نقيم نظامًا إسلاميًّا وليس ديمقراطيًّا.
والنظام الإسلامي الشورى فيه مقيدة بالشرع، والشورى، لا تلزم بوجود أحزاب، بل لا يجوز وجود أحزاب، فكل كتب العقيدة تنص على التحذير من الفرقة، فالشورى أن يشاور الإمام الأمة، فليس هناك من هو جالس في كراسي المعارضة، ومن هو جالس في كراسي الحكومة، وليس هناك تداول سلطة، فعقد الإمامة عندنا عقد أبدي، إلى أن يموت الإمام أو يطرأ عليه ما يوجب انخلاعه.”
ويتساءل مرة أخرى عبد المنعم الشحات: “فماذا تبقى من الديمقراطية؟ ولماذا ننقح إسلامنا من غيرنا؟
ليس هناك مجلس مخصص للشورى بل الإمام يستشير أهل الحل والعقد، والإمام يحتاج في النظام الإسلامي إلى مجتهدين دائمين ليشاورهم في الأمر الشرعي”.
هذا النموذج الإسلامي للحكم طبقًا لرؤية الدعوة السلفية، وذراعها السياسية متمثلًا في حزب النور، والتي تؤكد على:
1 . ليس هناك تداول للسلطة.
2 . عدم وجود أحزاب سياسية.
3 . عقد الإمامة أبدي ينتهي بموت الإمام.
4 . ليس هناك مجالس نيابية.
5 . الإمام يختار المجموعة التي يحق له مشاورتها.
6 . رأي الشورى ليس ملزمًا للإمام؛ لأنه رأي استشاري وليس قرارًا أو قانونًا.
7 . الإمام هو الذي يسن القوانين.
وعن موضوع الديمقراطية، يقول عبد المنعم الشحات في مقطع فيديو آخر في 3 أغسطس 2011 على موقع “أنا سلفي”: “في الواقع بعض المصطلحات لا يصلح الإجابة عليها إجابة مجملة منها (الديمقراطية) فلا نقول فقط بأن الديمقراطية حرام بل الديمقراطية كفر.. لأن المراد بها حكم الشعب بنفسه، والتي من أصولها النظرية أنه إذا الشعب اختار الشذوذ يقر الشذوذ، فهذه الديمقراطية تتناقض مع الإسلام”[29][31].
خلاصة القول عند الدعوة السلفية:
1 . لا يجوز ترشح المرأة للانتخابات.
2 . لا يجوز ترشح المسيحي للانتخابات.
3 . الديمقراطية كفر.
ومن أجل هذه العقيدة السلفية التي تكفر الديمقراطية، ليس فقط بل تحرم مشاركة المرأة والمسيحي بشكل عام في أي عمل سياسي به شبهة الولاية، لم تعمل الدعوة السلفية في السياسة طيلة حكم حسني مبارك، بينما كانت أداة طيعة في أيدي المؤسسة الدينية لمحاربة المعارضة المصرية سواء كانت من داخل الصف الإسلامي أم من خارجه.[30][32]
تلك هي رؤية الوهابية للحكم، والواقع أنهم عندما رأوا نجاح الثورة، بدأوا يتكالبون عليها، واعتبروها مناسبة للوصول للحكم، ثم القضاء من بعدها على النظام الديمقراطي كله، أي الانتخابات توصلهم للحكم فقط، ثم يستبدون بالأمر، وهي انتهازية سياسية كما نرى.
الموقف الوهابي من الثورة
لفهم موقف السلفيين من الثورة لا بدّ من النظر إلى عاملين مهمين:
العامل الأول: هو أن موقف التيار السلفي من المشاركة في المظاهرات، فمنهم من يحرمها مطلقًا، ومنهم من يرى أنها ليست حرامًا في ذاتها، ولكن الواقع يثبت أنه لا جدوى لها، وأن الأضرار الناتجة عنها أكثر من المكاسب التي قد تنتج منها إن وجدت مكاسب، لذلك لا ترى خروج للسلفيين للتظاهر في عصر مبارك إلا على استحياء.
العامل الثاني: لرفض السلفيين المشاركة في المظاهرات هو سياق اندلاع ثورة 25 يناير، وكيف عاش السلفيون الفترة التي سبقت اندلاع الثورة مباشرة، تحديدًا من أول يناير 2011، فبعد أن قضى نظام مبارك على كل الخصوم في انتخابات 2010 الهزلية، كانت حادثة كنيسة القديسين مبررًا لضرب التيار السلفي في مصر، فبعد التفجير مباشرة اُعتقل بعض المنتسبين لأفراد الدعوة السلفية في الإسكندرية.
هذان العاملان: الرفض المبدئي للمظاهرات، والتضييق الأمني على السلفيين مع مطلع العام 2011 جعل السلفيين[33] ينظرون بحذر وريبة شديدة من الإعلان إلى مظاهرات في الخامس والعشرين من يناير، ودائمًا ما يرفض سلفيو الإسكندرية مبدأ الصدام، معتبرين أن أي مواجهة مع النظام – أيًّا كان نوعها- ستزيد خسائره عن مكاسبه، فمن ثمّ رأت الدعوة السلفية أن المشاركة في التظاهرات غير مجدية، فهي لن تحدث تغييرًا، بل سيدفع السلفيون الثمن الفادح عندما تفشل هذه التظاهرات في صورة اعتقالات وانتهاكات وتضييق فوق التضييق الناشئ عن أزمة كنيسة القديسيين.
جدير بالذكر أن الدعوة السلفية الوهابية في الإسكندرية رفضت المشاركة في مظاهرات 25 و28 يناير، بل واستمرت في رفض المظاهرات إلى آخر يوم عاشه نظام مبارك، ورأت أن دورها يقتصر على حماية المنشآت العامة وتوفير السلع الأساسية للناس، وكانت قد عقدت مؤتمرًا ضخمًا في الإسكندرية قبل تنحي مبارك بثلاثة أيام، وأصدرت بيانًا بعنوان: “توصيات المؤتمر السلفي الحاشد بالإسكندرية حول أحداث 21 صفر 1432، 25 يناير 2011″، حوى البيان تسعة نقاط لم يكن من ضمنها المطالبة برحيل مبارك[31][34].
الظهور الأول للسلفيين بعد الثورة
كان أول ظهور للتيار السلفي في مصر على الساحة السياسية هو الاستفتاء الذي أجري في 19 مارس على التعديلات الدستورية التي وضعها المجلس العسكري، كان ظهورًا مفاجئًا للكثيرين، حيث ظهرت قدرة السلفيين على الحشد، لا سيما أنهم ربطوا الموافقة على التعديلات ببقاء المادة الثانية من الدستور، بعد أن خرجت تصريحات وقتها من رموز للتيار المدني في مصر تدعو إلى تعديل المادة الثانية من الدستور.
حشدت الدعوة السلفية الجماهير لتصويت بـ “نعم” للتعديلات، ورفعوا شعار المحافظة على الهوية المتمثلة عندهم في المادة الثانية التي تنص على أن “دين الدولة الإسلام، ومبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع”، وكانت رؤيتهم قائمة على انتخاب البرلمان أولًا، الذي سينتخب أعضاؤه اللجنة المخولة بوضع دستور جديد للبلاد.
لم يكن حزب النور أُنشئ بعد، ولم يكن ظهر وقتها اختلاف السلفيين وتشعباتهم، أحدث تصريح الداعية محمد حسين يعقوب جدلًا واسعًا، بعد أن وصف الاستفتاء بغزوة الصناديق، هوجم بعدها بشدة، وكانت بداية لهجوم إعلامي استمر قرابة الشهرين على التيار السلفي بأكمله، وظهر بوضوح الفارق بين أطروحات جماعة الإخوان والتيار السلفي، فخرجت تصريحات من الإخوان تبين اختلاف منهجهم السياسي عن السلفيين[32][35].
من المهم هنا إيضاح رؤية الدعوة السلفية إلى الواقع السياسي الجديد في مرحلة ما بعد سقوط مبارك مباشرة، والتي يجدر أن نذكر منها ثلاثة مواقف إزاء ثلاث قضايا مهمة:
أولها: ألا يدفع الإسلاميين بمرشح إسلامي للرئاسة.
ثانيها: السعي لإصدار دستور يحافظ على الهوية الإسلامية، والطريق إلى ذلك هو إجراء الانتخابات البرلمانية أولًا، والتي سينتج عنها مجلسي الشعب والشورى، المخولين باختيار الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور.
ثالثها: أنهم لم يكونوا قرروا بعد هل سيشاركون في العملية السياسية أم لا، وهل ستكون هذه المشاركة بإنشاء حزب أم جماعة ضغط أم ماذا؟
إنشاء حزب النور
أصدرت الدعوة السلفية في 22 مارس 2011 بعد أن تمت الموافقة على التعديلات الدستورية أعلنت فيه “أنها بعد التشاور والمحاورة في ضوء المتغيرات الجديدة قد قررت المشاركة الإيجابية في العملية السياسية، وأنها بصدد تحديد الخيار المناسب لصورة هذه المشاركة”.
وفي مايو 2011 أُعلن عن تأسيس حزب النور برئاسة الدكتور عماد عبد الغفور الذي كان وكيلًا للمؤسسين، واُعتبر الحزب الذراع السياسية للدعوة السلفية بالإسكندرية.
المبادئ فوق الدستورية وجمعة قندهار 29 يوليو 2011 التحالف السلفي الإخواني
موطن مهم من مواطن الاتفاق بين الإخوان والسلفيين قد تم بالدعوة إلى مظاهرة مليونية بميدان التحرير تحت اسم “جمعة الإرادة الشعبية”، وسماها غيرهم “جمعة قندهار” نسبة إلى مدينة قندهار الأفغانية، التي تمثل التطرف الديني، وهو لوم سياسي من القوى المدنية لتحالف الإخوان مع السلفيين، حيث أُصدر بيانًا بالاشتراك بين جماعة الإخوان المسلمين والدعوة والسلفية والجماعة الإسلامية وعدة كيانات إسلامية أخرى، دعا البيان إلى التظاهر بميدان التحرير وأعلنت أربع أهداف لتلك المليونية[33][36]:
1 . رفض “فكرة وضع وثيقة مبادئ حاكمة وفوق دستورية، وذلك لما تتضمنه من فرض إرادة ووصاية على إرادة الشعب المصري”.
2 . استنكار التشكيل الوزاري الذي أعلن عنه المجلس العسكري وقتها، والذي تضمن وزراء من “الليبراليين” و”الفلول”، وتم استبعاد الإسلاميين.
3 . مطالبة المجلس العسكري بإنجاز محاكمات عادلة وسرعة إنهاء التحقيقات مع قتلة الثوار ورموز الفساد في النظام البائد.
4 . توجيه رسالة إلى المجلس العسكري أن حجم الإسلاميين في الشارع السياسي أكبر كثيرًا من التيار المدني الذي دعم وقتها إصدار وثيقة المبادئ الحاكمة للدستور.
يجدر بنا التأمل ولو قليلًا لنرى الاتفاق في الموقف من المجلس العسكري وأولويات المرحلة، حيث كانت نبرة الخطاب فيها شيء من الحدة، وكذلك التأكيد على إجراء الانتخابات البرلمانية أولًا، ورفض إصدار أي وثيقة دستورية تقلص من صلاحيات البرلمان القادم الذي سيختار اللجنة التأسيسية المخولة بوضع الدستور.
ثمة زاوية أخرى لتفكيك مشهد 29/7، والذي إن أبدى اتفاق المشاركين فيه إجمالًا إلا أن هناك فروقًا ليست بالهينة بين الاتجاهات التي صنعت هذا المشهد، هذه الفروق الشاسعة التي ظهرت فيما بعد نستطيع أن نفهمها من الشعارات التي رُفعت يومها في ميدان التحرير.
فقد شارك في المليونية فريق رفع لافتات كُتب عليها “يا مشير أنت الأمير”، ويمثل هذا الشعار التيار السلفي المدخلي الذي يرى من يمسك بزمام الحكم هو ولي أمر المسلمين، وظهر في الميدان كذلك هتاف “يا أوباما يا أوباما…كلنا هنا أسامة”.
وبين فريق ولي الأمر، والفريق المؤيد لتنظيم القاعدة تقف الدعوة السلفية[37] في الوسط، وتبتعد عنهم جميعًا بمسافات متفاوتة جماعة الإخوان المسلمون، التي أصدرت بيانًا في اليوم التالي للمليونية، تضمن كلامًا يوضح رفض الجماعة لبعض الشعارات التي رُفعت، وأوضحت أن هذا بسبب “الكبت الشديد الذي عانت منه القوى الإسلامية الأخرى الذي دفعهم لاعتزال السياسة ثلاثين عامًا أو أكثر”، ومن ثمّ فلم يترك الإخوان الأمر يمر دون التأكيد على وجود اختلاف بينهم وبين من شاركهم في تلك المليونية.
التجهيز السلفي للانتخابات البرلمانية
في يونيو 2011 دعا حزب الحرية والعدالة الذراع السياسي لجماعة الإخوان لعمل قائمة موحدة تضم توجهات مختلفة تحت مسمى “التحالف الديمقراطي من أجل مصر”، شارك حزب النور الوهابي في اجتماعاتها الأولية، إلا أنه انسحب في أوائل سبتمبر 2011، وفضل حزب النور التحالف مع حزب البناء التنمية المعبر عن الجماعة الإسلامية، وكذلك حزب الأصالة وهو حزب سلفي يترأسه اللواء عادل عبد المقصود أخو الداعية السلفي المعروف محمد عبد المقصود[34][38].
انسحب النور لأنه رأى دخوله الانتخابات تحت مظلة التحالف سيقلل من عدد المقاعد التي يتوقع أن يحصدها في الانتخابات لحساب أحزاب ليبرالية وعلمانية أقل شعبية من النور، ومن ثمّ قرر الدخول في تحالف إسلامي “نقي” بعيدًا عن الأحزاب غير الإسلامية[35][39].
أحداث شارع محمد محمود
شارك كل من الإخوان والسلفيين في مظاهرات التحرير يوم 18 نوفمبر 2011[36][40]، إلا أن تنظيمهم للفعاليات كان ينتهي في السادسة مساء، لأن المتظاهرين يأتون من كافة أنحاء الدولة، فيعودون مسرعين ويفرغ الميدان، ولكن اشتعل الموقف في الميدان ليلًا، بعد انسحاب حزبي النور والحرية والعدالة كما هو متفق عليه، نشبت مواجهات بين قوات الأمن والمتظاهرين، واستمرت المواجهات لعدة أيام.
كان الموقف الرسمي للإخوان هو عدم المشاركة، في حين أصدرت الدعوة السلفية بيانًا في الثلاثاء الموافق 22 من الشهر نفسه 2011، أعلنت فيه مشاركتها في المظاهرات.
على عكس موقف الإخوان، كانت الدعوة السلفية أصدرت بيانًا تضمن عدة نقاط، أولها دعوة موجهة إلى المجلس العسكري –الذي كان يتولى السلطة وقتها- وقوات الداخلية إلى عدم استعمال العنف، والذي وصفته بـ “أساليب الطواغيت الإجرامية” في قمع المتظاهرين المسالمين، لأن ذلك سيزيد من اشتعال الموقف، وجددت رفضها لدعوات تشكيل مجلس رئاسي مدني أو إيقاف الانتخابات البرلمانية، وطالبت المجلس العسكري الإعلان عن موعد الانتخابات الرئاسية.
ثم أصدرت بيانًا في نفس اليوم أعلنت عن مشاركتها في مظاهرة مليونية بميدان التحرير “نصرة للمظلومين، وحقنًا للدماء”، ولمطالبة المجلس العسكري بالتحقيق في الانتهاكات التي حدثت، والإعلان عن موعد للانتخابات الرئاسية[37][41].
انتهت أحداث محمد محمود بإعلان المجلس العسكري عن تسليم السلطة في الثلاثين من يونيو 2012، وأجريت الانتخابات البرلمانية التي حصل فيها تحالف النور على ربع المقاعد البرلمانية تقريبًا، بعد أن حصل الحرية والعدالة على الأكثرية من مقاعد البرلمان.
سير الانتخابات البرلمانية
شهدت الانتخابات منافسة شرسة في عدة دوائر بين مرشحي حزب النور ومرشحي حزب الحرية والعدالة، فقد قدم كل منهما قوائم في كافة الدوائر، وكذلك قدم الحرية والعدالة مرشحين على المقاعد الفردية في معظم الدوائر، وبنسبة أقل للحزب السلفي، ولم تشهد الانتخابات البرلمانية أي تنسيق يذكر بين كلا الحزبين، بل على العكس؛ قد يدعم أحد الحزبين مرشح على مقعد فردي لا ينتمي له على حساب مرشح من الحزب الآخر، وأبرز مثال دعم الحرية والعدالة للمحامي حسني دويدار -وهو غير منتم للحزب- أمام المهندس عبد المنعم الشحات المتحدث الرسمي باسم الدعوة السلفية وقتها والذي خسر بفارق ضئيل في جولة الإعادة، فيما عُد ضربة قاصمة لحزب النور.
لم يختلف الأمر كثيرًا في انتخابات مجلس الشورى عن مجلس الشعب، فلم يحدث تنسيق بين الإخوان والسلفيين في القوائم أو في المقاعد الفردية، وحصل النور على المركز الثاني في مجمل عدد المقاعد بعد حزب الحرية والعدالة.
إذًا، فقد شهدت مرحلة الانتخابات البرلمانية عدم اتفاق بين النور والحرية والعدالة، لا سيما في القوائم، وقد سُئل الدكتور ياسر برهامي عن جواز التصويت لقائمة التحالف الديمقراطي، والتي تضم تسعة أحزاب علمانية بخلاف حزب الحرية والعدالة، فأجاب أن هذا تحالف لم يقصد به نصرة المظلوم وإحقاق الحق، وليس كحزب الفضول، بل هو تحالف على تقسيم “الكعكة” في البرلمان وأن يلزم التصويت لقائمة التحالف الإسلامي بقيادة حزب النور.
انتخابات الرئاسة
رأت الدعوة السلفية ألا يتقدم الإسلاميون للمنافسة على مقعد الرئاسة في هذه المرحلة، إلا أن تغير الواقع السياسي دفع الدعوة السلفية لإعادة النظر في هذا الأمر، لا سيما مع إعلان الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل نيته الترشح، واستقطابه لنسبة لا يستهان بها من القواعد السلفية، بل وبعض قاداتها، وكذلك إعلان عبد المنعم أبو الفتوح ترشحه، ثم إعلان جماعة الإخوان بعدهما الدفع بالمهندس خيرت الشاطر نائب المرشد كمرشح رئاسي[38][42].
أعلنت الدعوة السلفية في التاسع عشر من مارس 2012 عن مبادرة لاختيار شخص واحد تدعمه جميع الحركات والأحزاب الإسلامية في مصر، حيث تشكل لجنة من أهل العلم والفقه والخبرة من مختلف الكيانات الإسلامية -ومن ضمنها الأزهر الشريف- لعقد لقاءات مع المرشحين الذين يعلنون عن مشروعهم الإسلامي، ويتم اختيار مرشح واحد فقط، على أن يتنازل جميع المرشحين الآخرين له، ووضعت الدعوة السلفية عدة معايير لشخصية الرئيس القادم، كان أولها ألا يكون “متهورًا، صداميًّا، مندفعًا بطبيعته”، في إشارة واضحة للمرشح حازم صلاح أبو إسماعيل، الذين أيدته قطاعات سلفية واسعة.
أعلنت جماعة الإخوان المسلمين ترشح خيرت الشاطر لمقعد الرئاسة في 31 مارس 2012، فأصدرت الدعوة السلفية بيانًا في نفس اليوم من سطرين، قالت فيه:إنها “تتمسك بمبادرتها لاختيار مرشح الرئاسة وتعتبر المهندس خيرت الشاطر أحد المرشحين الذين تتعامل معهم المبادرة” كرد فعل سريع لتراجع الإخوان عن قرارهم بعدم الدفع بمرشح رئاسي، ولتعلن أنها لن تقبل بفرض الإخوان مرشحهم على الدعوة السلفية ومبادرتها لجمع الإسلاميين على مرشح رئاسي[39][43].
أدى ترشح خيرت الشاطر إلى تجميد مبادرة الدعوة السلفية عمليًّا، فجماعة الإخوان لن تتنازل عن مرشحها لأجل آخر، ولن تبحث عن توافق إلا على مرشحها، إلا أن الدعوة السلفية أكملت ما أعلنت عنه، وقامت بعقد لقاءات مع كل المرشحين الإسلاميين، ومنهم حازم أبو إسماعيل، ومحمد سليم العوا، وعبد المنعم أبو الفتوح، وخيرت الشاطر، ثم مرشح الإخوان البديل محمد مرسي.[40][44]
في الأخير استقر دعم حزب النور في الجولة الأولى للانتخابات على الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، في بيان أصدره مجلس إدارة الدعوة السلفية، أعلنت أنها اختارت أبو الفتوح بعد دراسة علمية دقيقة بعد عقد عدة لقاءات مع جميع المرشحين، وبعد اقتراع سري شارك فيه أعضاء مجلس الشورى العام للدعوة السلفية، وهو القرار الذي أثار جدلًا واسعًا نظرًا لرفض واستنكار بعض القواعد السلفية لبعض آراء وتصريحات أبو الفتوح التي تتضاد كثيرًا مع الفكر السلفي.
مع ظهور نتيجة المرحلة الأولى، ووصول كل من الدكتور محمد مرسي والفريق أحمد شفيق، أصدرت الدعوة السلفية بيانًا، أعلنت تأييدها لمرسي انطلاقًا من “مبادئ الدعوة بدعم المشروع الإسلامي”، وبنهاية الفترة التي تولى فيها المجلس العسكري يمكننا أن نجد الآتي:
1 . “اتفق السلفيون مع الإخوان في الموافقة على التعديلات الدستورية، وإجراء الانتخابات البرلمانية أولًا، ورفضوا سويًّا فكرة إنشاء مجلس رئاسي مدني، واتفقوا على شكل الجمعية التأسيسية قبل أن يتم حلها في أبريل 2012، واتفقوا على دعم مرسي في جولة الإعادة للانتخابات الرئاسية”.
2 . خالفت الدعوة السلفية وذراعها السياسي حزب النور جماعة الإخوان في مرحلة الانتخابات البرلمانية، فكون كل منهم تحالفًا في مواجهة الآخر، وفي الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية دعم السلفيون عبد المنعم أبو الفتوح في مواجهة محمد مرسي مرشح جماعة الإخوان المسلمين.
تلك هي الخلافات والاختلافات بين تيارات الأحزاب الوهابية مثل حزب النور وحزب الأصالة، ثم حزب العدالة الممثل السياسي للإخوان المسلمين، في النهاية دعم جميع الوهابيون محمد مرسي، فقط لأنه يمثل الإسلام السياسي، ومعهم بعض من التيارات المدنية، اختاروا محمد مرسي نكاية في أحمد شفيق، لأنه يمثل نظام حسني مبارك، وهكذا حدث التلاقي بين تيارات الإسلام السياسي، ونافق الوهابيون أنفسهم، فخاضوا الانتخابات رغم أن عقيدتهم تحرمها.
السقوط الإخواني والابتعاد الوهابي
سيظل يوم الثلاثين من يونيو 2013، يومًا فارقًا في تاريخ الدولة المصرية، وتاريخ جماعة الإخوان المسلمين في وقت واحد، ففي هذا اليوم خرج ملايين الشعب المصري في تظاهرات تفوق بكثير من مظاهرات ثورة يناير 2011، وكانت التظاهرات ضد الرئيس محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين، بعد حكمهم لمصر لمدة عام واحد فقط، بعد أن ظلوا في المعارضة طوال حوالي ثمانين عامًا، اصطدموا خلالها بكل الحكومات في مصر الملكية والجمهورية، تعاطف معهم الكثيرون من المصريين وغير المصريين، انتشروا في البلاد المختلفة، واصطدموا بالحكومات، حتى في داخل البيت السعودي الذي احتضنهم، وعمل ونجح على وهبنتهم، فتوهبنوا بالفعل، ولأن المسلمين رآهم مظلومين بسبب خطبهم من فوق المنابر وفي الإعلام الداخلي والخارجي، وبسبب هذا التعاطف الشعبي فقد سيطروا على النقابات العمالية والمهنية، ولكن هذا التعاطف تلاشى خلال عام واحد من الحكم، وهو من أغرب الأمور في الساحة الشعبية الإسلامية عندما تصطدم بالإسلام السياسي الجماعاتي.
وللبحث عن أسباب الانهيار السياسي السريع والمفاجئ للجماعة، نجد أسبابًا كثيرة أهمها أن أعضاء الجماعة أوصلوا رسالة إلى الشعب المصري بأن مجرّد انتمائهم إلى الجماعة هو “جهاد في سبيل الله”، وأن الحفاظ على هذه الجماعة، هو هدف وغاية في حدّ ذاته، وقد تحول هذا المفهوم بعد وصولهم إلى السلطة إلى عنصر ضعفٍ، لأن القناعة أصبحت عامل انغلاق وعزلت أعضاء الجماعة عن باقي أفراد المجتمع، وتحوّلت في فترة قليلة إلى عاملٍ رئيسي في كراهية الناس لهذا التنظيم، الذي رأوه يحرص على مصلحة أعضائه قبل المجتمع، كما تحوّلت الرابطة التنظيمية والتربية الدينية لدى الجماعة إلى شعورٍ بالتمايز والتفوّق على الآخرين، أي عنصرية إخوانية، ثم تحوّلت الطاقة الدينية، التي حافظت على تماسك الجماعة حين كانت في المعارضة، إلى طاقة كراهية وتحريض على المنافسين والخصوم، وتسبّبت بانغلاق الجماعة وعزلها عن باقي المجتمع.
هذا بالإضافة إلى اصطفاف القوى السلفية الوهابية إلى جانب الجماعة، فظهر إرهابيون سابقون على الملأ فخورين بأنهم قتلوا الرئيس أنور السادات، كما قتلوا الأقباط في الصعيد ورحلّوهم من المدن الكبرى فيها، وظهر منهم من قال: “إن الحضارة الفرعونية حضارة نجسة وعفنة”، ومنهم من طالب بهدم أضرحة أهل البيت في مصر، وهشّم بعضهم تمثال الدكتور طه حسين في مدينة “المنيا” في الصعيد، ومنهم من وضع نقابًا على وجه تمثال “أم كلثوم” في مدينة المنصورة، ومنهم من ألقى تماثيل مصرية قديمة في نهر النيل بحجة أنها أصنام، كما بدأت الفتن الطائفية بين المسلمين والأقباط في مدن مختلفة، ونادى الإخوان والسلفيون بتفعيل المجالس العرفية بدلًا من المحاكم، أي العودة بالدولة إلى العصور القبلية، فخلص الضمير المصري إلى أن السلفية والإخوان لا يمثلوهم، في وسطية الأزهر والمزاج المصري المتسامح.
ثم ظهر الرئيس الإخواني محمد مرسي يوم 15 يونيو 2013 أي قبل السقوط بأسبوعين فقط لا غير، في مؤتمر ما يُعرف بمؤتمر نصرة سوريا، وطلب فيه من قائد الجيش الفريق عبد الفتاح السيسي أن يدرب عناصر من المعارضة السورية تمهيدًا لدخول الجيش ضد الرئيس بشار الأسد، وألقى خطابًا في وجود عناصر إخوانية وسلفية وهابية مثل محمد حسن ومحمد عبد المقصود، الذين طالبوا بدخول حرب طائفية في سوريا مدّعين أن الشيعة روافض كفار، وهو ما رفضه الجيش وباعد بين الفريقين للموعد القريب.
نظر المصريون للجماعة التي كانوا يعتبرون عناصرها من أولياء الله، أنهم ليسوا بأكثر إسلامًا منهم، وأنهم لا يهتمون إلا بالجماعة وأعضائها فقط، الأهل والعشيرة، وإحياء مصطلحات أهل الذمة والولاء والبراء وغيرها من أدبيات الجماعات التكفيرية.
وهنا ظهر الرفض الشعبي للإخوان ولكل صاحب لحية سلفي أو إخواني، وهابي أو جماعة إسلامية، وفي الاحتفال بذكرى النصر الذي حققه الجيشان المصري والسوري في حرب 6 أكتوبر 1973، قام الرئيس الإخواني بتجاهل كل قيادات الجيش في ذكرى الحرب يوم 6 أكتوبر 2012 فلم يدع أحدًا منهم، وتجاهل ذكرهم في خطابه، وفي عناد منسوب لمكتب إرشاد الجماعة، تم دعوة من شارك في قتل الرئيس السادات، عبود الزمر – طارق الزمر – عاصم عبد الماجد – محمد عبد المقصود – أشقاء عمر عبد الرحمن، وهم من أعضاء الجماعة الإسلامية الوهابية التي قتلت أنور السادات، وقتلت أكثر من مئة بعد مصرع السادات في مدينة أسيوط، وقد شكّل وجودهم صدمة للوجدان الشعبي المصري، الذي في كل بيت منه شهيد في الحرب ضد العدو الصهيوني.
ولذلك غضب المصريون وغضب معهم الجيش المصري وعوائلهم، وهم بالملايين يمثلون كل طوائف الشعب المصري، ومن هنا بدأ الرفض المبكر للجماعة ثم توالت الأمور، حيث بدأت شبه جزيرة سيناء تمتلئ بالإرهابيين من كل دول العالم، ودخل سلاح متنوع من ليبيا المنهارة، وانتشرت الفوضى، وكان من المتوقع أن ينتشر الإرهاب شرق قناة السويس بما يهدد الملاحة فيها، ومنها وجود عناصر إرهابية تنتقل بأزياء عسكرية مشابهة لملابس الجيش المصري من ليبيا إلى شمال غرب مصر، والسيطرة على مدينة السلوم في الحدود الغربية، واعتبارها مدينة محررة وأنهم الجيش المصري الحر، وكان لانتشار هذه الأخبار عامل يأس، فطالب الجميع الإعلام والقضاة، المفكرون والسياسيون، إنهاء حكم الإخوان، وطالبوا الجيش بالتدخل، مع اليقين أن الجيش المصري لم يحدث أن تدخل وضرب النار في الشعب، لم يحدث على الإطلاق، ولذلك يجله المصريون كثيرًا، فلا هو جيش ديني أو عرقي أو طائفي، ولكن رأى المصريون مرشد الإخوان المسلمين محمد بديع يصف هذا الجيش بالفأر، كما سمعوا الرئيس محمد مرسي يسب الرئيس جمال عبد الناصر بشعبيته المستمرة، كل هذا جعل المصريين يرتابون في حقيقة الجماعة، ومن ثم انساق الجميع في حملة “تمرد”، التي بدأها شباب ثائر، ففتحت الأحزاب والنقابات والنوادي والجمعيات أبوابها للتوقيع على استمارة تمرد، ووصل عدد الموقعين عليها أكثر من ثلاثين مليونًا، وطالبوا بالخروج الشعبي يوم 30 يونيو 2013، وهو اليوم الأخير في عام حكم الجماعة ومحمد مرسي.
وفي يوم 3 يوليو تم إقصاء الإخوان عن الحكم، وتم غلق كافة الفضائيات السلفية والإخوانية، التي كادت تشعل الفتنة في ربوع مصر، ومنذ ذاك اليوم، اختفى شيوخ السلفية من المشهد، لا فضائيات ولا كتب ولا صعود للمنابر، ولا تمويل سعودي جديد، ومن هنا بدأ أفول الوهابية في مصر، وربما في المنطقة بأسرها، ورغم الإرهاب الوهابي، الذي تقوم الدولة المصرية بمحاربته، والإرهابيون وهابيون في الأول والآخر، وبالتالي خفتت فتاوى التكفير، بعد أن ابتعد الشيوخ الوهابيون عن المشهد العام.
المرحلة الرابعة
الكمون الجديد
منذ 30 يونيو 2013 وحتى الآن
كان تواجد ممثل لحزب النور السلفي في مشهد الإطاحة بالرئيس المعزول محمد مرسي أمرًا مثيرًا للجدل، ومثّل بداية لإحداث فجوة تزداد اتساعًا يومًا بعد يوم بين كل من الدعوة السلفية في الإسكندرية وجماعة الإخوان المسلمين الممثلين الرئيسيين للتيار الإسلامي بعد ثورة يناير في كافة الاستحقاقات الانتخابية[41][45]. ففي يوم 3 يوليو 2013 حضر بيان القوات المسلحة المصرية مندوب سلفي عن حزب النور هو الشيخ جلال المرة، نيابة عن رئيس الحزب يونس مخيون، وهذا يدل على عودة الفصيل الوهابي لسياسته، وهو ما باعد بينهم وبين الإخوان من جديد، ومن يراقب العلاقة بين الفصيلين بعد ثورة 30 يونيو و3 يوليو 2013 يكاد يجزم أنهما لم يتفقا مطلقًا في مرحلة من المراحل، نظرًا لارتفاع حدة التوتر، ورمي كل فصيل الاتهامات المتنوعة للفصيل الآخر، ولكن المؤكد هو سقوط الإسلام السياسي أولًا، ثم أفول الدعوة السلفية الوهابية ثانيًا، وهو ما نكتب عنه في هذا البحث.
الملاحظ هو دخول الوهابيين عباءة الدولة المصرية، وبعد أكثرهم عن الإخوان المسلمين، عادوا لفكرهم الرافض للخروج على ولي الأمر أو الحاكم، وضرورة البيعة، وتحريم الديمقراطية، ولكن باقي فتاواهم لم تعد تنتشر، كما كان يحدث من قبل، هذا بالإضافة إلى عودة الأزهر الشريف بميراثه الممتد، وبدأ عملية تنقية الأزهر من الشيوخ الوهابيين، وبعضهم تخفى ولم يدل بآرائه، وعادت الطرق الصوفية لطرقها وميريديها، بدون أن يعكر الوهابيون صفو عقيدتهم، وما يروه صوابًا، كل ذلك أخذ في القرب، والوهابيون في الابتعاد.
وخلاصة القول: إن المصريين لم يفرقوا كثيرًا بين الإخوان والوهابية، فكلهم أصحاب لحى طويلة، ورغم أن المصريين كانوا يأخذون بفتاوى الوهابيين، لكنهم صُدموا عندما تم قتل الشيخ حسن شحاته ومعه ثلاثة آخرون يوم 24 يونيو 2013، وسحلهم في الشوارع لأنهم فقط من شيعة أهل البيت، وهو أمر مهول، نبرأ من الله منه، وقد حدث بتحريض من شيوخ الوهابية في حضرة رئيس الجمهورية محمد مرسي، خاصة محمد حسن ومحمد عبد المقصود ووجدي غنيم، كلهم محرضون على القتل، وهو أخاف المصريين على وطنهم.
بعد يوم 3 يوليو اختفى الوهابيون من المشهد، خاصة بعد أن تم ضم كافة فروع جمعية أنصار السنة لوزارة الأوقاف، وتم منع أي خطيب وهابي من خطب الجمع والجماعات، فتوارى الوهابيون، ودخلوا في مرحلة كمون حالي ممتد.
ولا ننسى أيضًا أن التمويل السعودي قد انقطع، ومن ثمّ بدأ التلاشي مؤقتًا للدعوة السلفية، هذا وقد برّر ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان سبب قيام المملكة بنشر الوهابية، فقال نصًّا: “عن نشر الوهابية بالتعاون مع الحلفاء خلال فترة الحرب الباردة؛ بهدف منع الاتحاد السوفياتي من التغلغل أو كسب نفوذ في دول العالم الإسلامي، وقد جاءت تصريحات ابن سلمان أثناء زيارته لواشنطن، وخلال رده على سؤال لصحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية[42][46] عن الاتهامات بالإرهاب الموجهة للوهابية، حيث أجاب ابن سلمان بأن “جذور الاستثمار السعودي في المدارس والمساجد تعود إلى فترة الحرب الباردة، عندما طالب الحلفاء السعودية باستخدام مواردها لمنع الاتحاد السوفياتي من تحقيق نفوذ في الدول الإسلامية”، وفي ما يتعلق بتمويل الوهابية، أشار ابن سلمان إلى أن هذا “التمويل اليوم يأتي بنسبة كبيرة من مؤسسات خاصة تتخذ من المملكة مقرًّا لها، وليس من الحكومة”، ولكن ابن سلمان منع تلك المؤسسات الخاصة أيضًا من تمويل دعاة الوهابية في العالم، ومن ضمنها مصر.
ولذلك فإن مستقبل التيار الوهابي والسلفية الوهابية في الوطن العربي والعالم الإسلامي، صار من الأخبار القديمة، ويمكن القول إن الوهابية تتلاشى تدريجيًّا.
لا يموت الفكر، ولكن يكون في متاحف التاريخ البشري، وابن سلمان لم يقل كل الحقيقة، لأن الوهابية تم نشرها في كل ربوع الأرض، منذ الحرب الأفغانية عام 1979، وجلب الشباب المسلم من كل مكان ليكون مجاهدًا في أفغانستان، ثم يتحول لإرهابي بعد أن يعود إلى وطنه.
إن نشر الوهابية ليس كما قال ابن سلمان، لأن نشر الوهابية كان عن قناعة سعودية كاملة، فهي عقيدتهم، ويمكن القول إن نشر الوهابية اندمجت مع الاستعمار العالمي والصهيونية، لنشر الفتن في البلاد الإسلامية، فتلاقى الفكران، لتصنع مأساة من مآسي الأمة عبر عصورها.
لقد تعامل النظام السعودي في عهد الملك عبد العزيز مع الاستعمار البريطاني، ونشر الفكر الوهابي من خلاله، ثم تعاون مع الدولة الأمريكية، وبالتالي لا نثق كثيرًا في تبرير دفاع ابن سلمان عن نشر الوهابية بفتنها وقلاقلها.
ويبقى فلول الوهابية الدمويون الإرهابيون في مصر وغير مصر، ولكن يبقى الضمير الإنساني المصري الرافض لأي وصاية وهابية، بعد أن نفذ رصيدها.
خاتمة
حتى لا يعود الوهابيون
إن مصر في فترة الانتشار كانت هي بالفعل عاصمة السلفيين، إذ أن أقوى أقطاب السلفية كانوا موجودين في مصر، مثل “محمد حسان وياسر برهامي، ومحمد إسماعيل المقدم، ومحمد عبد المقصود”، فضلًا عن امتلاكهم 5 قنوات فضائية في الفترة ما قبل ثورة يناير مكنتهم من نشر فكرهم بين العامة[43][47].
إن الأحداث التي وقعت بعد الإطاحة بالرئيس “مبارك” وتولي الإخوان الحكم، جعلت جزءًا كبيرًا من الشعب المصري ينفر من الفكر المتشدد، ما أدى إلى تراجع تواجد السلفيين في الشارع، وعدم قدرتهم على استقطاب الشباب من 20 إلى 30 عامًا إلى صفوفهم، والذي يُعد الدافع لأي فكر يبغى الاستمرار والانتشار، ما أدى إلى ارتفاع أعمارهم حاليًّا، وفقدانهم ميزة تتابع الأجيال.
كما رأى الشعب المصري شيوخًا كانوا يعتقدون بإخلاصهم، ولكنهم ظهروا روّاد فتنة، مثل الشيخ أبو إسلام أحمد عبد الله، الذي أمر حفيده بالتبول على الإنجيل فسبب فتنة مع الإخوة المسيحيين، والشيخ الحويني الذي سبّ مفتي مصر الدكتور علي جمعة، ومثل طلاب الجامعة الذين شتموا أيضًا علي جمعة أثناء إلقائه محاضرة، ومثل عاصم عبد الماجد الذي يفتخر بأنه كان من ضمن الذين قتلوا الرئيس السادات، وأيضًا عبود وطارق الزمر، وغيرهم كثيرون، خاف منهم المصريون، ولم يفرقوا بين وهابي أو سلفي أو إخواني، وصل الحال إلى الخروج لإسقاط الإسلام السياسي برمته.
وخلال عام 2013، كشف فيديو مسرب عن تلقي إحدى الجمعيات السلفية الكبيرة والمنتشرة في كافة ربوع مصر تمويلًا بمليارات الجنيهات من دول خليجية، وتوقف الدعم السعودي سيكون له تأثير كبير جدًّا على الفكر السلفي سيؤدي إلى تراجعه إلى حد كبير.
وقد بدا ذلك واضحًا بشكل كبير، وأدى إلى اختفاء أقطاب السلفية وحزب النور عن المشهد “الإعلامي والسياسي”، فلم نعد نرى محمد حسان أو محمد يعقول أو برهامي أو غيرهم من دعاة الوهابية، لأن السنوات العشر الماضية أثّرت عمومًا في معظم التيارات الإسلامية الموجودة في مصر، لذلك فإنه من الصعب أن تصبح مصر عاصمة السلفيين، خاصة في ظل الانفتاح الموجود حاليًا بين الشباب بسبب وجود الفضاء الإلكتروني ووسائل الاتصال المنتشرة.
وإذا كنا نريد عدم عودة الوهابية والوهابيين، فلا بد أن تتخذ الدولة المصرية خطوات سريعة وقوية وجادة لملء تلك الفراغات، وضرورة تطوير المناهج التعليمية ووسائل الإعلام في اتجاه التنوير، عوضًا عن المناهج الموجودة حاليًا والتي تُخرج أجيالًا مقتنعة بفكرة الخلافة الإسلامية.
وعلى أن المؤسسات الدينية والتعليمية في مصر بحاجة إلى ثورة تطوير، خصوصًا مؤسسة الأزهر، لأن الأزهر ما زال يسير بمدرسة النقل، ويحتاج إلى فكر تجديدي، وأكثر ما سيؤثر في الأزهر هو قبول أديان أخرى، وتصبح الدراسة فيه لاهوتية بشكل أكاديمي علمي بحت، وضرورة عودة الفكر التنويري، والإعلاء من دور المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، ثم التعاون مع الكتّاب والمفكرين، من أجل تجديد أو تحرير الخطاب الديني.
ولا ننسى أهمية الدور الإعلامي والفني، والدور التربوي والتعليمي، والأهم هو محاربة التشدد، وتفنيد الفتاوى الشاذة، كما يفعل مرصد الفتاوى الشاذة التابع لدار الإفتاء المصرية..
مرحبًا مصر بدون تكفير… بدون وصاية دينية… بدون وهابين…
مصادر البحث:
[1][48]للمزيد، راجع وقائع شهادة الشيخ محمد حسين يعقوب على المواقع المختلفة صوتًا وصورة، وقد رفع بعض المحامين عدة قضايا ضده، وأن فتاويه وغيره من شيوخ الوهابية هي السبب الرئيسي في انتشار الإرهاب العابر للدول.
[2][49]مجموعة شيوخ، كتاب حول جمعية أنصار السنة، طبع المكتبة السلفية، القاهرة 1996.
[3][50] مجموعة شيوخ، كتاب حول جمعية أنصار السنة، المصدر السابق.
[4][51]المكتبة السلفية طبعت مئات الكتب من تأليف ابن تيميه وابن القيّم الجوزية وابن كثير الدمشقي، وكانت توزع الكتب مجانًا على من يرغب ومن لا يرغب.
[5][52]مجموعة شيوخ، كتاب حول جمعية أنصار السنة، المصدر السابق.
[6][53] مجموعة شيوخ، كتاب حول جمعية أنصار السنة، المصدر السابق.
[7][54]موقع أهل القرآن www.ahl-quran.com
[8][55]مجموعة شيوخ، كتاب حول جمعية أنصار السنة، المصدر السابق.
[9][56]موقع أهل القرآن، المصدر السابق – www.ahl-quran.com
[10][57]كل ما يورد في بحثنا عن شيوخ الوهابيين اعتبارًا من عام 1979 وحتى اليوم، هي من جملة متابعاتنا لهؤلاء الشيوخ، فقد التقينا بهم وقرأنا لهم، واستمعنا إلى خطبهم وفتاواهم، ومن خلال موقع أنا السلفي، وغيرها من المواقع والقنوات الوهابية، وذلك قبل غلقها، وحاورناهم، وكفرونا بطبيعة الحال.
[11][58]محمد رشدي الدسوقي، لماذا تترك الحكومة المساجد لأئمة السلف؟ بحث منشور في جريدة اليوم السابع المصرية، تاريخ 2 سبتمبر 2009، ونلاحظ أن حديث الأستاذ محمد رشدي كان أثناء انتشارهم الرهيب، قبل الثورة وظهور السلفيين على سطح الأحداث قبل كمونهم الجديد.
[12][59] محمد رشدي الدسوقي، لماذا تترك الحكومة المساجد لأئمة السلف؟ المصدر السابق.
[13][60] اتفق الجميع من كتّاب ومؤرخين وشيوخ ومتصوفة على وجود دور سعودي سياسي لتمويل الدعوة الوهابية.
[14][61]من استماعنا لخطب الشيوخ محمد حسّان ومحمد حسين يعقوب وأبو إسحاق الحويني ومصطفى العدوي وياسر برهامي، وغيرهم من شيوخ الوهابية، التي كانت توزع مجانًا، وهو متوافرة في الشبكة الدولية للمعلومات – الإنترنت.
[15][62]المصدر السابق، من استماعنا لخطب الشيوخ محمد حسّان ومحمد حسين يعقوب وأبو إسحاق الحويني ومصطفى العدوي وياسر برهامي.
[16][63] المصدر السابق، من استماعنا لخطب الشيوخ محمد حسّان ومحمد حسين يعقوب وأبو إسحاق الحويني ومصطفى العدوي وياسر برهامي.
[17][64]من خطب الشيخ الحويني المسموعة في قناتي الرحمة والناس.
[18][65]من خطب الحويني المسموعة في قناتي الرحمة والناس وشرائط الكاسيت.
[19][66]العو بفتح العين باللهجة المصرية = العفريت.
[20][67]طور الله في برسيمه = جملة مصرية تعني من لا يفهم أي شيء.
[21][68]يا لهوي = عبارة مصرية تعني التعجب والدهشة.
[22][69]من متابعاتنا للنشاط الوهابي المستمر بصورة دائمة.
[23][70]عبد الرحيم علي، موقع بوابة الحركات الإسلامية،https://www.islamist-movements.com/[71] – 28يناير/2016.
[24][72]اختراق الوهابية للأزهر، تحقيق بدون مؤلف في جريدة اليوم السابع المصرية، 17 فبراير 2017.
[25][73] اختراق الوهابية للأزهر، تحقيق بدون مؤلف في جريدة اليوم السابع المصرية، المصدر السابق.
[26][74] اختراق الوهابية للأزهر، تحقيق بدون مؤلف في جريدة اليوم السابع المصرية، المصدر السابق.
[27][75]موقع أنا السلفي الوهابي https://www.anasalafy.com/
[28][76] أنا السلفي، المصدر السابق، وأيضًا من متابعاتنا للشأن السلفي الوهابي باستمرار.
[29][77]موقع أنا السلفي،https://www.anasalafy.com/
[30][78]من متابعتنا للأحداث أولًا بأول بالشأن الوهابي وبصورة مستمرة ناقدة ومفندة.
[31][79]علي أبو الخير، أحلى 18 يوم في العمر كله، مركز الفارابي للدراسات، 2012، وهو كتاب عن أحداث الثورة.
[32][80]من خلال متابعة أحداث ما بعد الثورة، في كل وسائل الإعلام في وقتها.
[33][81]من متابعاتنا للأحداث في كل وسائل الإعلام مقروءة ومرئية ومسموعة.
[34][82]انتشرت الأحزاب الوهابية في ذاك الوقت، منها حزب النور وحزب الأصالة، وحزب البناء والتنمية، ومعهم حزب الحرية والعدالة الإخواني.
[35][83]كنا متواجدين في ميدان التحرير في ذات اليوم، وشاهدنا الأحداث بأنفسنا.
[36][84] كنا متواجدين في ميدان التحرير في ذات اليوم، وشاهدنا الأحداث بأنفسنا، المصدر السابق.
[37][85] كنا متواجدين في ميدان التحرير في ذات اليوم، وشاهدنا الأحداث بأنفسنا، المصدر السابق.
[38][86]من متابعاتنا للأحداث أولًا بأول في كل وسائل الإعلام.
[39][87]من متابعاتنا للأحداث أولًا بأول في كافة وسائل الإعلام.
[40][88]من متابعاتنا للأحداث أولًا بأول في كافة وسائل الإعلام.
[41][89]محمد الديب، الوهابيون والثورة، موقع webcache.googleusercontent – 04 أغسطس 2015.
[42][90]نقلًا عن وسائل الإعلام المختلفة ومتابعتنا للأحداث وموقع https://webcache.googleusercontent.com/
[43][91]سامح عيد، حوار منشور في موقع webcache.googleusercontent
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
Source URL: https://maarefhekmiya.org/13537/salafiwahabi/
Copyright ©2024 معهد المعارف الحكمية للدراسات الدينية والفلسفية unless otherwise noted.