قراءة في كتاب: عقل الإخوان

قراءة في كتاب: عقل الإخوان

عقل الإخوان… والأسس الفكرية للإرهاب

كتاب جديد ينتقد ويهاجم الإسلام السياسي (الجماعات التكفيرية)

عن دار نشر “كتابنا” بالقاهرة، صدر حديثًا كتاب “عقل الإخوان” للباحث المصري الدكتور طبيب محمد حسيني الحلفاوى، ويُفهم من الكتاب أنه يكتب عن عقل جماعة الإخوان المسلمين، ولكن في الحقيقة كتب عن كل جماعات الإسلام السياسي (الجماعات التكفيرية).

وهذا الكتاب يناقش فكريًّا حوالي 50 كبسولة فكرية وفقهية يتم إدخالها في عقول أعضاء جميع تيارات الإسلام السياسي (الجماعات التكفيرية)، حتى يتم برمجة عقولهم ونفوسهم وتحويلها في المخرج النهائي لعقول مفخخة وقنابل بشرية تتصادم مع مجتمعاتها وقابلة للانفجار في الوقت الذي يحدده قادة التنظيم ومن يحركهم.

ولم يفرق المؤلف بين جماعة الإخوان المسلمين وغيرها من جماعات الإسلام السياسي (الجماعات التكفيرية)، أو بمصطلح “المتأسلمون”، الذي شاع عن جماعات الإسلام التي تنشد الحكم، كما نقاش فكرة الخلافة من أساسها.

الكتاب عبارة عن مجموعة من الأبحاث حول فكرة الحاكمية وما جاءت به، وأيضًا الوهابية وما فعلته من تدمير وتكفير، وهي التي أنتجت داعش وبوكو حرام وغيرها، والإخوان المسلمون كما يرى توهبنوا عندما عاشوا في المملكة العربية السعودية في الستينات، وأمسوا أيضًا وهابيين.

أهدى المؤلف كتابه إلى الإعلامي الراحل “وائل الإبراشي”، خاصة لدوره في كشف الفكر المتطرف، عندما استضاف كثيرين من أعضاء جماعات الإسلام السياسي (الجماعات التكفيرية)، منهم من هدد بهدم الأهرامات، ومنهم من اعتبر الحضارة المصرية حضارة نجسة، ومنهم من كفّر الصوفية والشيعة والسنة المخالفين لهم، وكان لوائل الإبراشي دور في ذلك، وهو ما قاله الحلفاوي في إهدائه: “إلى روح الإعلامي وائل الإبراشي، الذي حارب الاستبداد والفساد والإرهاب بقلمه ولسانه”.

رغم أن المؤلف اعتبر ما في الكتاب كبسولات، إلا أنه شرح كثيرًا من أفكار وفقه الطوائف والمذاهب المختلفة، فجاء الكتاب كبيرًا نسبيًّا، 270 صفحة من القطع الكبير…

الكبسولات

حدد المؤلف ما يريده، وأسماها كبسولات، وكلمة كبسولة في مصر تُطلق على التلخيص والسرعة والإيجاز، حيث قام الباحث بمناقشة ما يقرب من خمسين قضية، وهو عدد كبير، ولكنها كبسولات في فكر المؤلف، وهي كالتالي: (التفسير السياسي للإسلام –  الحاكمية – الفرق بين مبادئ الشريعة والأحكام الفقهية –  الطاغوت – الطائفة الممتنعة – تقسيم العالم لدار حرب ودار إسلام – حتمية وجود جماعة وتنظيم ديني – العصبة المؤمنة – الفرقة الناجية – طاعة المرشد والأمير – الولاء والبراء – فقه الاستضعاف – العزلة الشعورية – الاستعلاء بالإيمان – الغاية تبرر الوسيلة – التقية والفهم المغلوط – علاقات جماعة الإخوان الملتبسة بالغرب وأمريكا – استحلال الكذب مع المخالف – استحلال السرقة من المخالف – استحلال الأعراض – استحلال الشماتة – استحلال قتل المعارضين – حتمية الصدام مع الأنظمة الحاكمة والشعوب – الإخوان وبراءة اختراع الانقلابات العسكرية “انقلاب اليمن 1948م ” – إحياء سنة الاغتيالات للمعارضين للجماعة – التترس – يبعثون على نياتهم وتدليسات ابن تيمية – دفع الصائل – آية السيف  – الرسول والسيف – هل الرسول أتى بذبح غير المسلمين؟ – هل يصح وصف الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بالضحوك القتال – هل الرسول قتل أعمامه؟ – حلم الخلافة – فكرة غزو العالم في عقلية أعضاء الجماعة – فكرة تعبيد الناس لله – فكرة يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن – الإخوان وسلاح المنامات – فكرة الدعوة لعودة الرق والسبايا – هل عائد البنوك حرام وربا؟ – شرعنة البذاءة الجنسية – الكرامة الإنسانية – إنسانية الإسلام – حدة الردة – الدعوة والسلطة – فكرة النسخ لآيات التسامح والتعايش في القرآن.

وأهم ما جاء بالكتاب من كبسولات فكرية وفقهية هي كالآتي:

  • الخطأ المنهجي التي وقعت فيه جماعات الإسلام السياسي وفى القلب منها الإخوان، من أنها جعلت الوصول للحكم هو هدفها الأسمى، وفى سبيل تحقيق ذلك قدمت تفسيرًا سياسيًّا للدين؛ وفى سبيل تحقيق ذلك قاموا بالصراع السياسي مع الأنظمة الحاكمة في البلدان العربية، وأصبحت الصراعات والمؤامرات وليس الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة هي أسلوب هذه الجماعات.
  • ناقش “الحاكمية” موضحًا ما وقع فيه قادة التنظيم من تحريف تفسير القرآن لتكفير الشعوب والحكام، ثم قيامهم بتحريف مصطلح “الطاغوت” من أنه كل ما يعبد من دون الله إلى الحكام والدستور والجيش والإعلام وغير ذلك.
  • ثم ناقش قيامهم باتهام المجتمعات العربية بالجاهلية: سيرًا على نهج الخوارج كلاب أهل النار تاركين منهج الأئمة الأعلام من الصحابة والتابعين وعلماء الأمة، المحذر من تكفير من نطق بالشهادتين والتحرز من التكفير وحرمة دماء وأعراض وأموال بني الإنسان عامة والمسلمين خاصة.
  • وناقش فكرة حتمية التنظيم وتحريفهم لمفهوم الحديث: من مات وليس في عنقه بيعه مات ميتة جاهلية، والذي يقصد البيعة الدينية وليس السياسية.
  • ناقش نظرية العصبة المؤمنة المنحولة على الفكر الإسلامي الصحيح موضحًا الكوارث الكثيرة فكريًّا وعمليًّا المترتبة عليها.
  • ناقش فكرة الطاعة العمياء للمرشد، موضحًا خطورة فكرة تقسيم العالم لدار حرب ودار سلام؛ حيث إن دار الكفر في كتب الفقهاء هي “دار حرب” الكل فيها مباح الدم والعرض والمال، فالبشر مهدرو الدم، والنساء سبايا ورقيق، والأموال غنيمة، بل يحرم الإقامة فيها أو الهجرة إليها إلا عند الضرورة القصوى وغير ذلك من القضايا المهمة.
  • ثم ناقش فكرة فقه الاستضعاف مبينًا خطورتها وإعطائها أسوأ انطباع عن المسلمين، بأنهم يغيرون مواقفهم طبقًا للضعف أو القوة، ويجعل العالم لا يثق في عهودهم ومواثيقهم، مع أن القرآن الكريم والسنة المطهرة بهما أدلة لا تعد ولا تحصى تدعو المسلم للتحلي بالصدق والحفاظ على العهود والمواثيق مع العدو قبل الصديق.
  • ناقش فكرة العزلة الشعورية التي صكها سيد قطب وكيف إنها تنتج إنسانًا مشوهًا نفسيًّا، يدمن الكذب والنفاق ويرتدى قناعين ويتعامل بوجهين: وجه زائف وكاذب بأنه مواطن طبيعي، ووجه حقيقي يكفر المجتمع، ثم أكد أن الولاء والبراء ليس عقيدة بل بدعة خارجية، وأن الولاء والبراء يكون للمبادئ وليس للأشخاص.
  • نقد مصطلح الاستعلاء بالإيمان الذي صكه سيد قطب مستندًا لتفسير مغلوط للآية القرآنية الكريمة: ﴿ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين﴾، (سورة آل عمران، الآية 139)، وتسبب ذلك في نظرة الكبر والاستعلاء واحتقار المعارضين ورفض الحوار وتذكية النفس التي يتعامل بها عضو التنظيم مع الناس.
  • فنّد فكرة تعبيد الناس لله واستشهاد قادة الجماعة بكلمة ربعي بن عامر كأنها يقين مطلق لا يقبل الشك، وأثبت أن هذه المقولة ضعيفة السند ومتنها يخالف القرآن الكريم وآياته المحكمات التي تؤكد حرية العقيدة وعدم إجبار الناس على الدخول في الإسلام.
  • وفنّد أيضًا مقولة إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن وأثبت ضعف سندها، وشذوذ متنها، الذي يدعي أن تأثير السلطان أقوى من تأثير القرآن، وبناء على هذه المقولة “الأيقونة” تربى الأعضاء منذ نعومة أظافرهم أن طريق التغيير لإصلاح الأمة العربية والإسلامية ليس إلا طريق واحد هو “وصول تلك الجماعات للحكم” حتى يحدث “التمكين” وعندئذ سيتغير كل شيء إلى الأفضل بمجرد قرارات ملزمة يصدرها “الخليفة أو الأمير”.
  • وكانت النتيجة أن أعضاء هذه الجماعات لا يؤمنون بالتغيير عن طريق التنوير الفكري والثقافي وإصلاح التعليم ونشر الوعي المجتمعي، مع أن منهج القرآن الكريم – دستور الإسلام – واضح جلي: ﴿إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم﴾ (سورة الرعد، الآية 11)، و﴿ذلك بأن الله لم يك مغيرًا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم﴾ (سورة الأنفال، الآية 52)، ومعروف أن المدينة فتحت بالقرآن وليس السيف.
  • وأوضح الفرق بين الدعوة والسلطة مفندًا الإدعاءات بأن “السلطة هي السبيل لنشر الفكرة والدعوة”؛ فالسلطة وسيلتها القسر والإكراه والإيمان بالدعوات والأفكار لا يتأتى إلا بالإقناع بالعقل والمنطق والموعظة الحسنة فقط، وأن “النبي صلى الله عليه وآله وسلم دخل المدينة حاكمًا ولم يدخلها داعية، فالنبي صلى الله عليه وسلم بعث رسولًا نبيًّا وليس حاكمًا”.
  • والقرآن الكريم والسنة الصحيحة يؤكدان ذلك:

“﴿وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل……﴾ (سورة آل عمران، الآية 144).

” هون عليك فإني لست بملك، إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد”، (رواه الحاكم).

” مهلًا يا عمر ! أتظنها كسروية ؟ إنها نبوة لا ملك”.

ومكانة النبوة والرسالة أنبل من منصب الحكم، بل إننا عندما نقارنها بالنبوة فإننا نقع في خطيئة دينية وعلمية.

  • وناقش فكرة التمكين موضحًا كيف قامت جماعات الإسلام السياسي (الجماعات التكفيرية)، بتحريف المفهوم الصحيح والسامي للتمكين كما جاء بالقرآن الكريم، إلى مفهوم مغلوط يجعل التمكين هو الوصول لكرسي الحكم ولأجل الوصول لهذا الهدف، يتم تكفير المسلمين، وإهدار دمائهم، والتخطيط لكل أنواع المؤامرات السياسية، واستحلال الكذب، ونقض العهود والمواثيق، وتفتيت الأوطان وخديعة الشباب بألفاظ قرآنية راقية تم تحريف معناها الصحيح إلى مفهوم منحول مغلوط.
  • ثم تكلم عن فكرة غزو العالم وكيف تسيطر على فكر هذه الجماعات، موضحًا أن القتال شرع في الإسلام للدفاع فقط وليس للهجوم والاعتداء على المسالمين، وأن من يروجون أن الإسلام أقر بل أوجب ” القتال الهجومي” يقفون على نفس أرضية “المستشرقين أعداء الإسلام” الذين يروجون أن الإسلام انتشر بحد السيف.
  • وتحدث عن ما يطلق عليها آية السيف وأنها أبطلت عمل 200 آية تدعو للتعايش والتسامح في القرآن مبينًا خطأ هذا الفهم وخطورته منهجيًّا وعمليًّا، مؤكدًا أنه لا يوجد في القرآن الكريم آية تدعو لقتل المخالفين لمجرد الكفر، وأن هذا المسمى أطلقه بعض العلماء – برأيهم – متأثرين بواقع عصر الفتوحات والإمبراطوريات ولا يجوز نسبته للوحي الإلهي فلفظ السيف لم يرد نهائيًّا بالقرآن الكريم ويجب العدول عن هذه التسمية نهائيًّا لأنها تعطى انطباعًا خاطئًا عن رسالة الإسلام الذي بعث رحمة للعالمين.
  • وناقش وفنّد فكرة التترس التي يبرر بها الإرهابيون قتل الأبرياء، مبينًا تدليسهم وتزييفهم، ولمخالفتهم لما ورد عن الفقهاء في شروط التترس، وكشف تدليس ابن تيمية في إباحته قتل الأبرياء تحت شعار يبعثون على نياتهم، وكيف أن هذا تدليس على المسلمين وإعطاء الإرهابيين سلاح للاستخفاف بحرمة الدماء بدعوى أن المقتولين ظلمًا وعدوانًا سيبعثون على نياتهم، تاركًا الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تحرم القتل وتعظم حرمة الدماء.
  • وتحدث عن استحلال هذه الجماعات للكذب ونشر الشائعات والتخريب والسرقة والشماتة وقتل المعارضين وبيّن كذب ذلك.
  • وناقش فكرة الطائفة الممتنعة عند ابن تيمية مبينًا خطأها وكيف أحياها خوارج العصر، لقتل الحكام والمحكومين، وكيف يعتبرون الاغتيالات سنة نبوية يجب إحياؤها.
  • وأوضح أن نظام الخلافة التاريخي نظام حكم بشري غير ملزم للمسلمين.
  • وتحدث عن الفرق بين مبادئ الشريعة الخالدة وأحكام الفقهاء الاجتهادية البشرية وفخ المادة 219 في دستور الوهابية والإخوان 2012م.
  • وتحدث عن مصطلح التقية بمعناه القرآني وكيف حرفته هذه الجماعات.
  • ثم أوضح أن الإسلام دين إنساني يدعو للشفقة والرحمة والوفاء بالجميل واحترام عاطفة الحب والبكاء عند مصيبة الموت، واحترام النفس البشرية أيًّا كان دينها، والصدق والأمانة والتواضع والعفو عند المقدرة والمروءة والحلم والكرم والشهامة والعدل.
  • ثم ختم الكتاب بالتأكيد على كرامة الإنسان أيًّا كان دينه أو لونه أو عرقه.
  • ثم أثبت ضعف الروايات الآتية: حديث افتراق الأمة إلى 73 فرقة سندًا ومتنًا – حديث “بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري”، وحديث “أما والذي نفسي بيده لقد جئتكم بالذبح “.

واختتم الحلفاوي كتابه بالتأكيد على كرامة الإنسان وأن النبي كان حريصًا على نشر التسامح، كما أكّد على ضرورة محاربة الفكر بالفكر والتربية والثقافة القرآنية، كما أشار إلى فكر أهل البيت(ع) وأنه فكر راقي لم يستفد المسلمون منه طوال تاريخهم، رغم أنه يخدم المسلمين ويخدم الإنسانية بأسرها..

يؤخذ على الكتاب أنه لم يسهب في نشر فكر الإمام علي(ع) وأنه الامتداد الطبيعي للنبوة، فكان عليه أن يكتب بشيء من التفصيل عن الفكر الرسالي، كما كتب عن باقي الأفكار، ولا يكتفي بالإشارة السريعة لفكر أهل بيت النبوة (ع).


الكلمات المفتاحيّة لهذا المقال:
عقل الإخوانالجماعات التكفيريةالإسلام السياسيّ

المقالات المرتبطة

مراجعة لكتاب خلافة الإنسان وشهادة الأنبياء

يشكّل كتاب خلافة الإنسان وشهادة الأنبياء على صغر حجمه نصًا تأسيسيًّا للاجتماع السياسي على أسس إسلامية، فالسيد الشهيد أعاد تعريف الاجتماع الإنساني وربطها بالغاية التي وُجِد بسببها الإنسان على الأرض،

قراءة في كتاب “العروج إلى اللامتناهي”

فما هو العروج الذي أراده الكاتب؟ هل هو انفصال النفس عمّا هي عليه على نحو لاإرادي كما الموت؟ أم هو عبور واعٍ يتمكّن فيه السالك أن يلحظ ساعات الانتقال؟

قراءة في كتاب: “خلافة الإنسان وشهادة الأنبياء”

هذا الكتاب وبالرغم من صغر حجمه، إلّا أنّه يفيض بعمق الإشكاليّة وعمق المعالجة التي تحتضن مشروعًا فكريًّا خاصًّا طرحه الشهيد الصدر (رضوان الله عليه) مبنيًّا على أساسين: محوريّة الإنسان، والولاية.

لا يوجد تعليقات

أكتب تعليقًا
لا يوجد تعليقات! تستطيع أن تكون الأوّل في التعليق على هذا المقال!

أكتب تعليقًا

<