الولاية من تقليد المكلف إلى تقليد النظام السياسي والإداري لمفاصل الحياة

الولاية من تقليد المكلف إلى تقليد النظام السياسي والإداري لمفاصل الحياة

الهدف

نقل الحديث عن نظام ولاية الفقيه من المنطقة التقليدية المشهورة في إثبات حجيتها الدينية وتقليد المكلف، إلى منطقة الجرأة في عرضها كنظام سياسي إداري يتكفل ببناء دولة، هذه الدولة والنظام هما المكلف على حد سواء، فلا يمكن الفصل بينهما مهما حاولنا.

مقدمة

في عالم متدين مليء بالمشاكل تبرز الحاجة إلى نظام سياسي إداري يتولى شؤون ونواحي الحياة كافة، وكذلك للجواب على التساؤلات التي تنشأ بسبب فقدان الوعي التديني، الذي يصوِّر التنوع في اتباع التعليمات الدينية صراعًا دائرًا بين اتجاهي الفتوى المتمثل في الحسبة وولاية الفقيه. ولا أدري ما الداعي للبقاء في طرح المسألة بحياء وتوجس خيفة وحصرها في المناقشات الدينية وقد أثبتت وجودها من خلال حضورها في الساحتين الإداريتين للملفين الخارجي كسياسة، والداخلي كإدارة.

تعريف التقليد

رجوع الجاهل إلى العالم عند الحاجة إلى جواب تام، وهو أمر عقلي لا عقلائي. مثاله أن من يريد أن يضع زجاجًا على شبابيك بيته يذهب إلى بائع الزجاج وليس إلى الحداد. وأغلب المسائل التي ذُكِرت في بابه عقلائية.

  1. المتصدي يكون مرجعًا علميًّا.
  2. لا يصح أن يقال علمي متجزي أو علمي مطلق.
  3. يطلق على المذكور في (2) أعلاه متخصص وعام.
  4. تقسيم المذكورين إلى مجتهد ومحتاط ومقلد لم يصدر عن معصوم لذلك فرضه على الآخرين وجعله من المسلمات لا يوصف إلا بالضعف.
  5. الأعلمية المطلقة لا تثبت إلا للمعصوم (ع) حيث وفوق كل ذي علم عليم.
  6. عند وجود متخصص تثبت الخبرة المستندة إلى التجربة.
  7. عدم التصدي للمرجعية ليس دليلًا على عدم القدرة العلمية.
  8. ولاية الفقيه ما دامت مدعومة بمجلس الخبراء لمناقشة أحداث الساعة أو العصر ثم إصدار التعليمات النهائية من المختار للقيادة كافية في الرصانة خير من التفرد في اتخاذ القرارات مهما كان المتصدي، فضلًا عن كون القرار غير نابع من خبراء في مجالات الحياة.

التمييز بين العقلي والعقلائي

  1. العقلي ما لا يختلف ولا يتخلف، والعقلائي يختلف ويتخلف، والأول لا يسأل عن حجيته، والثاني تطلب حجيته وإلا فلا مسؤولية شرعية اتجاهه.
  2. العقلي لا يقبل التخصيص، بل هو بعينه تخصص، بخلافه في العقلائي الذي صفته أنه يخضع للاستثناء بحسب الظرف والحال.
  3. معرفة الأفضل في التخصص من خلال الاستقراء ينقض عليه بظرف دراسة المستقرئ فيبقى منقوضًا عليه.

أمثلة

الرجل في اسكتلاند يرتدي التنورة التي متعارف بيننا أنها من ملابس النساء، ويرتدي البدلة الرجالية التي في أوروبا، أو الرداء العربي فهذا أمر عقلائي يختلف ويتخلف.

العقلي مجموع زوايا المثلث تساوي 180 درجة متى ما كان هناك شيء اسمه مثلثًا لا يختلف ولا يتخلف.

العقلي قواعده لا تقبل التخصيص بل فيها تخصص.

النتيجة

كل شخص لا يرجع إلى أهل الخبرة في شؤونه هو من الأساس لا يمكنه أن يحيا حياة بشرية. فيجب عقلًا الرجوع فيها إلى من هو أهل لننال منه جوابًا تتوصل من خلاله إلى براءة الذمة يوم الحساب.

التبعيض في التقليد

  دليله في سيرة الفقهاء: عندما يسأل المكلف مرجع تقليد، فالمرجع لا يسأله أنت تقلد أيا من المراجع، ولو كان التبعيض غير جائز لوجّه السائل بسؤال من يقلده المكلف المذكور فإن المسألة الابتلائية ليست عارضة للمرجع بل للمقلد نفسه. والمرجع الذي وجهوا إليه السؤال ليس من واجبه أن يعلم بفتاوى غيره.

إضافة إلى أن الفقيه استند في الوصول إلى فتاويه اعتمادًا على التراث الروائي فلم يعدل عن الصراط المستقيم.

  مسألة الرجوع إلى الميت 

بحثه من جوانبه:

  1. الدليلية: فليس من العقل يسأل المكلف فقيهًا متوفيًّا، فدليل تقليده الذي يعني توجيه السؤال إليه ومن ثم انتظار الإجابة منه، باطل عقلًا.
  2. الفقهية: فإذا ثبت الأول انتهى البحث الفقهي.
  3. العقائدية: وهذا تابع بالرجوع إلى قادة المذاهب التي برزت فيسمى الشخص حنفيًّا أو حنبليًّا، أو غير ذلك، وحتى هذه التسميات قد تغيرت ببروز أشخاص يفتون وفق آرائهم وإن يطلق عليهم أحناف أو حنابلة، وغير ذلك، على أن الرجوع إليهم في مسائل الدين لا يعتبر مجزيًا كما هم يرون ذلك.
  4. التاريخية: إن التقليد بهذا الشكل لم تعهده القرون السابقة إلى بعد سنة 1900 تقريبًا، بل حتى الموسوعات الفقهية كانت تبدأ بكتاب الطهارة، ومن بعد ظهور أوائل مسائل التقليد في كتاب العروة الوثقى وبدء الحواشي عليها.

ولم يثبت أي منها، بل إن مستند الفقيه روايات أهل البيت (ع) كاف في الرجوع إلى تلك الفتاوى، وإلا ما جاز الأخذ بروايات الرواة لأنهم توفوا أو استشهدوا، ومن جهة التاريخ لم يبوب التقليد بهذا الشكل إلا قبل ما يقرب من 200 سنة أو أقل، ومن الناحية العقائدية أن الميت أو الحي ما لم يرجع إلى المعصوم ما جاز الرجوع إلى فتاواه، وأغلب أدلة التقليد في تفرعات كتابه أي التقليد استحسانية لا دليل عليها…

الخلاصة

  1. التقليد أمر عقلي وهو رجوع الجاهل إلى العالم.
  2. المستند إن لم يكن أهل البيت (ع) فلا حجية لأي فتوى.
  3. عند ثبوت الرجوع فموت المجتهد ليس مانعًا من الرجوع إلى ما استنبطه من قبل. الأعلمية المطلقة لا تثبت إلا للمعصوم (ع)، حيث وفوق كل ذي علم عليم، نعم لا يصح عقلًا الرجوع إلى الجاهل لاستلزامه الجمع بين النقيضين، حيث الفاقد يطلب من الفاقد ما يجعله واجدًا، وفاقد الشيء لا يعطيه، والعطاء فرع الوجدان وهو فاقد يلزم اجتماع الفاقد والواجد.

 

ولاية الفقيه

أهم ميزة فيه تتمثل في نظام المشورة التي تميزه عن نظام التفرد لأنه نابع من المجتمع، الممثَل في مجلس الخبراء.

من الناحية الفقهية نوقش بشكل مستفيض، ومن ناحية الوجود على أرض الواقع لا يتضارب مع نظام الحسبة ولا يتقاطع معه، لكنه من حيث إدارة شؤون الدولة ثبتت الحاجة له، لم يطرح بشجاعة كافية كمنهج سياسي، هذا ليس مهمًّا بقدر أهميته كنظام حاله حال الأنظمة، وهو نظام مختلط حاله حال باقي الأنظمة المختلطة حتى النافذة الآن كالنظام الديمقراطي ففيه تعيين لجنة تنظر في ملفات المرشحين، فقد يسمح للمرشح المشاركة في الانتخاب إن كان موافقًا للنظام السياسي ولا يسمح بخلافه، وكذلك الحال بالنسبة إلى نظام ولاية الفقيه السياسي فيه تعيين وفيه انتخابات وأغلبية وأقلية. ومن هنا وما دام الولي الفقيه:

  1. هو الأكفأ في إدارة شؤون الدولة.
  2. قراراته تابعة إلى ما توصل إليه باتباع الطرق المعترف بها.
  3. فيه نظام رقابي مهم ومتنفذ في الرقابة وليس في التدخل، حيث يراقب مجريات الأحداث وهو نظام ممثلية الولي الفقيه.

علاج مهم

تنتهي مشكلة البحث عن صفة الأعلمية لـ:

  1. خضوع المنصب إلى الرقابة والاختيار عن طريق مجلس الخبراء.
  2. نظامه هو الأكفأ والأفضل في إدارة شؤون المكلفين.
  3. إن نظام ولاية الفقيه يطبق فيه مبدأ العصف الذهني وإن لم يصرح به علنًا، والذي ثبت أنه من أكثر الأنظمة علمية في استقراء أفكار وأذهان وحاجات الناس.

فرضية البحث

إن المكلف في ولاية الفقيه هو الدولة والنظام سياسة وإدارة، ومسائل العبادات يتصدى لبيانها إما نفس من تولى القيادة العامة، أو كل فرد مكلف يرجع في عباداته إلى مرجع تقليد تصدى لهذا الباب، وأما في المعاملات فيختلف التكليف من تكليف فرد إلى تكليف فرد ونظام (السياسة كإدارة خارجية وإدارة شؤون الدولة على المحور الداخلي).

محمد جواد فاضل عبد الرسول أبو الشعير الموسوي

محمد جواد فاضل عبد الرسول أبو الشعير الموسوي


الكلمات المفتاحيّة لهذا المقال:
التقليدالولاية

المقالات المرتبطة

كلمة الأستاذة أمل بدرا في ندوة مدرسة الإيكوية

إنّ الكتاب الموسوم بعنوان: “المدرسة الإيكويّة” في الكتابة – ما لا يمكن تنظيره ينبغي سرده- شكّل نقلة في دراسات الدكتور علي زيتون بعد أن ركّز اهتمامه سابقًا على نقد الشعر والرواية العربيّين

مفهوم الهويّة عند قرم (قراءة نقديّة)

ينظرُ الدكتور قرم للهويّةِ الغربيّةِ باعتبارِها: “رؤيةً تاريخيةً وفلسفيّةً لمسارٍ تاريخيٍّ متواصلٍ”(1)، بدأَتْ تَظْهَرُ معالمَه مع شارل الكبير، وتطورَ بعدَ

مطالعة في كتاب الإسلاموقراطية: السلفية وامتحان الديمقراطية

يُبرز الكاتب موقف الإخوان المسلمين (مسثنيًا سيد قطب من القراءة)، فبالرغم من غياب الديمقراطية في حياة التنظيم الداخلية إلا أنه انخرط في الواقع السياسي وارتضى الديمقراطية شكلًا ومسارًا للوصول إلى السلطة.

لا يوجد تعليقات

أكتب تعليقًا
لا يوجد تعليقات! تستطيع أن تكون الأوّل في التعليق على هذا المقال!

أكتب تعليقًا

<