الأدبيات الدينية

by الشيخ شفيق جرادي | يناير 17, 2023 12:25 م

اهتمت الأدبيات الدينية التي تلت عهد التنوير بنزع الموضوعات المفصلية، في ركائز المبحث الديني؛ من مثل الإيمان؛ عن علاقتها بالمضمون الديني المحوري “لله”، أو “العقائديات المقرَّرة”، وصوغها ضمن ما يبحث في جهاز الإدراك والشعور الإنساني. بحيث سعت هذه الأبحاث إلى قطع الصلة بين النفحة الدينية وهذه المرتكزات ووسمها بنفحة بشرية ذاتية موضوعها في أفضل الأحوال الذات الإنسانية عينها، إما بلحاظ القيم الوضعية، أو التكوين النفسي للناس والتأثيرات الاجتماعية والثقافية.. حيث بات الإيمان بلا موضوع لاهوتي يتعلق به. ولا يخفى ما للفلسفة الحديثة من أثرها الاستثنائي في صوغ فلسفة دين تقوم على القطيعة بين الموضوع الديني وبين ما يرتبط بالألوهة. لإعادة ربط موضوعة الإيمان الديني بالإنسانوية. إلا أنّ علماء الدين ولاهوتييه رفضوا الرضوخ إلى هذه النتيجة وعملوا على بناء مباحث استندت إلى منهجيات العقل التنويري والحداثوي فيما بعد، مع الحفاظ على روح الوجدان الديني والمبحث اللاهوتي الحافظ للتقليد الكنسي. ولعلّنا مع بول تيليتش أمام هذا النوع من الباحثين وإن بعدّة الفيلسوف الديني الذي يستقي روح الحداثة. يستطلع أفكارها والمناهج التي تقوم عليها ثم يعمل على الخروج منها بقراءة معاصرة، لوجدان أو تقرير ديني تراثي حافظ للتقليد. ومن المعلوم ما لهذا الباحث من تأثير في الكثير من القراءات التأويلية للدين والتي تجاوزت حدود الغرب الجغرافي لتطلّ في تأثيرها على حراك فكري عند بعض الباحثين من العالم الإسلامي. مما يدفعنا للتعرّف إلى هذا النموذج التأويلي في دراسته لموضوع ديني حسّاس مثل موضوع الإيمان.

معرفة الإيمان مدخل المعالجة

إن أول ما تجلّى من المفارقات المنهجية المعاصرة عن المبحث الديني التراثي؛ بحثُ موضوع الإيمان بشكل مستقل عن أن يكون دينيًّا من جهة، وبالتالي، بشكل لا يرتبط بالمتعلّقات الدينية من مثل: الله، الوحي، المصير، الملائكة، الغيب وإلى ما هنالك.

ولقد صاغ تيليتش تعريف الإيمان بما يتلاءم مع تعريف مضمون الإنسان نفسه؛ فعبّر عن الإيمان أنه “الانشغال بهمٍّ إلى أقصى حد، وبواعث الإيمان هي بواعث الهم الأقصى عند الإنسان”[1][1].

فمفردة (الهمّ) وبواعث الهمّ عند الإنسان فيه تحديد واضح لمنطلق التعريف وهو الأبعاد البشرية في الإنسان. فليس الأمر منّةً خارجية تطرأ على الإنسان، بل هي وليدة همّ عنده. وفي هذا ما يخالف ما تبانت عليه الكنيسة في لاهوتها خاصة منها الكاثوليكية التي تعتبر الإيمان منّةً وهبةً إلهية. إلا أن تيليتش أمسك بكلمة (الأقصى) وتركها دون قيد (الوسع الإنساني) لتكون مفردةٌ تقوم على مطلب لامشروط وهمٍّ لامتناهٍ.

ومن المعلوم أن اللاتناهي هو بعد يخالف التناهي الذي يحكم الإنسان، بل وكل مخلوق. رابطًا هذه اللامشروطية في التكوين بلامشروطية في الوعد لا يمكن التعبير عنه إلّا برموز تشير إليه، تلامسه من بعيد، دون أن تدركه أو تحيط به بالعين والتمام “وليس المطلب اللامشروط الذي يفرضه ذلك هو ما يكمن في قرار الهمّ الأقصى عند الإنسان، بل أيضًا الوعد بالتحقيق الأقصى الذي يُقبل بوصفه فعل الإيمان. لا يُحدَّد محتوى هذا الوعد بالضرورة. إذ يمكن أن يعبّر عنه برموز غير محدّدة، أو برموز عينية لا يفهمها حرفيًّا”[2][2].

وهنا النص لا يقتصر على مضمون وعد ديني حتى يكون إيمانًا، إذ هو يتحدّث عن أي مقصد ووعدٍ أقصى ولا نهائي يقيمه الإنسان لنفسه أمةً كان أو قومية أو إلهًا ما. وهذا التحديد سيفرض على تيليتش لاحقًا، أن يتحدّث بنبرة اللاهوتي ليفرّق بين لانهائي واقعي هو الخير، ولا نهائي وهمي هو الشر، وهذا ما يستوجب استجلاب معنى ما هو شيطاني، وما هو إلهي ومقدّس، إلا أنه قبل ذلك يقوم بتقعيد التعريف على أصول البناء الشخصي للإنسان ضمن خطوات منها:

أ. اعتبار الإيمان فعل ناتج عن تمام الشخصية وهو بنفس الوقت يشمل كل الشخصية وعناصرها. إلّا أنّ هذا لا يكفي لاعتباره إيمانًا مهومًا بالأقصى، لذا فهو يذهب إلى أن الإيمان يتجاوز ما يشمل من تمام الشخصية ويتعالى عنها.

ب. الإيمان يتداخل مع بواعث الحياة الشخصية في توتراتها وصراعاتها، وبأبعادها الشعورية والمضمرة اللاشعورية ليعيدها إلى مركز بناء الشخصية، وليعود مرةً أخرى فيتعالى عليها. وبهذا المعنى الذي ربط فيه الإيمان بناء مركزية الشخصية التي لا تنفصم عن الحرية، فإنه اعتبر أن الإيمان والحرية عنصران منسجمان، ولا بدّ منهما في تكوين الشخصية الإنسانية، وهذا ما يسمح بالحديث حول الإيمان الحر. وهو هنا يعلن أنه “يمكن حل النقاش المتكرّر الذي يوضع فيه الإيمان والحرية موضع التضاد عن طريق البصيرة التي ترى أن الإيمان حر، وأنه تحديدًا فعل متركّز للشخصية. من هذه الناحية تتماهى الحرية والإيمان”[3][3].

لكنّ ذلك لا يعني أن بإمكاننا أن نضبط معنى وحقيقة الإيمان، إذ لا يمكن إعادته إلى أي وظيفة من وظائف أو عناصر الشخصية، فهو وإن توافق والعقل، إلا أنه يذهب منه نحو فعل اللاشعور، وهو فوق هذا وذاك يتعالى عليهما.

إذ “الإيمان بوصفه فعلًا شاملًا ومتركّزًا للشخصية، فعل (انجذاب) ونشوة. فهو يتعالى على دوافع اللاشعور اللاعقلي، وبُنى الشعور العقلي يتعالى عنها، لكنه لا يدمّرها”[4][4]. وما هذا التجانس بين الإيمان والشخصية إلا بفعل الانجذاب الذي يحمله اتجاه العناصر الشخصية، وما هذا الانكفاء عن تدميرها رغم تعاليه عنها إلا لأنه “وعيٌ بالحقيقة وبالقيمة الأخلاقية”[5][5].

وبهذا المعنى، فإن الانجذاب يولّد الانفعال والإرادة في الشخصية، أما وعي الحقيقة فإنه يوفّر الوظيفة الإدراكية للحياة الشخصية للإنسان.

ج . انطلاقًا مما مرَّ، فلا بدّ من تحديد العلاقة بين الإيمان والإرادة، إذ لا يمكن فهم الإيمان بعيدًا عن معرفة التوتر الخلّاق بين الوظيفة الإدراكية من جهة، والانفعال والإرادة من جهة أخرى. إذ عبر الإرادة نتوفّر على تأكيد ما يهم المرء كحدّ أقصى، دون أن يعني ذلك أن الإرادة هي التي تتسبّب وجود الإيمان.

هذا في الوقت الذي يمتلك الإيمان محتوًى إدراكيًّا اعتبره تيليتش “فعل الإرادة”.

د . وبما أن الإيمان ليس مجرّد انفعال وانفجار عاطفييْن، وليس مجرّد إرادة بدون مضمون، فإن علاقته بالفهم والوعي والعقل علاقة بالغة الحساسية، وهو ما يأخذنا للبحث عن مدى إمكانية فهم الإيمان. وهو أمرٌ يمكن معالجته من خلال ربط الإيمان بتركّز الشخصية، وتركّز الشخصية فيما أفهمه هو التعبير عن الهوية الجمعية لكلّ ما ينتمي إلى محدّدات الإنسان، وهي؛ أي المحدّدات؛ ما يصح اعتبارها الممكنات الإنسانية بما هي قوًى وإمكانات استعدادية وتكاملية تنزع نحو التحقق والفعلية. وبمقدار معرفتنا لها بما هي حدود وتناهيات، بمقدار ما ندرك الفارق بيننا وبين اللامشروط واللانهائي، وبنوعية وعي الفارق نعي حقيقة الإيمان بما هو الأقصى واللامحدود.

والإنسان حسب تيليتش “قادر على فهم فعل المعنى الشخصي المركزي المباشر في الغاية القصوى، اللامشروطة، المطلقة، اللامتناهي. وهذا وحده يجعل من الإيمان ممكنًا إنسانيًّا”. إلا أن ما ينبغي قوله هو: إن المرء يعي الإيمان ولكنه لا يتملّكه.

هذا ويساعدنا الإيمان على أن نفهم أنفسنا أكثر، إذ إن التعبير عنه بالهمّ يشير “إلى جانبين من العلاقة، العلاقة بين الإنسان المهموم وهمّه الخاص. وتكشف واقعية الهمّ الأقصى لدى الإنسان شيئًا ما عن وجوده، وهو تحديدًا إنه قادر على التعالي بدفق التجارب النسبية والانتقالية في حياته الاعتيادية”[6][6]. فرغم كل موارد النسبية والحياة الاعتيادية في تجارب الإنسان النسبية، إلا أنّ هذا النزوع نحو التعالي المهجوس بهواجس الهمّ الأقصى هو ما يوفّر للإنسان فرص إعطائه سبل المعرفة الركينة بالذات.

 هـ . الواضح أن لا إمكانية لمعرفة الذات خارج الأنا والأنا الأعلى. وهو أمرٌ “مهمٌ أيضًا لفهم الإيمان. فمفهوم الأنا الأعلى مفهوم غامض تمامًا. فمن ناحية هو أساس الحياة الثقافية بأسرها… ومن ناحية أخرى، يقطع قوى الإنسان الحيوية، ويولّد القرف من نظام التقييدات الثقافي بكامله، ويحقّق حالة عصابية في العقل. من وجهة النظر هذه، تعدّ رموز الإيمان تعبيرات عن الأنا الأعلى، أو بعبارة أكثر عينية، تعبيرات عن صورة الأب الذي يعطي محتوًى للأنا الأعلى.. غير أن الإيمان الحقيقي، حتى لو كان يستخدم صورة الأب في تعبيراته يحوِّل هذه الصورة إلى مبدإ للحقيقة والعدالة، يتمّ الدفاع عنهما فيه حتى ضد الأب نفسه. ولا يمكن أن يتأكّد الإيمان والثقافة إلا إذا مثّل الأعلى معايير الواقع ومبادئه”[7][7].

إن ما يمثله هذا المقطع من كتاب بواعث الإيمان لتيليتش، يُعتبر من أهم ما ورد في الكتاب. إذ نحى فيه منحى التحليل النفسي والتأويل الثقافي للذات الإنسانية بتركّزها الشخصي الجمعي للخصائص والعناصر. ثم توظيف كلّ ذلك لفهم الإيمان مدلولًا ووظيفة وأثرًا. فمفهوم الأنا الأعلى سرٌّ غامضٌ يشابه بعض أسرار الوجود التي نلتقط تجلّياتها المشيرة إلى وجوب وجودها وتحصّلها دون أن ندرك تمام حقيقتها. إذ الأنا الأعلى مصدر للحياة الثقافية بأشكالها الفنية والأدبية والفكرية، بل إن التوجهات السلوكية للحياة المجتمعية والمفاهيم، كما العادات، الحاكمة فيها إنما تعود لهذا الأنا الأعلى. ولا يقتصر الأمر على ذلك، بل إن ضوابط الطاقات الحيوية للإنسان ترتبط بالأنا الأعلى كمصدر. في الوقت الذي يسمح بخرق القيود الثقافية السائدة. مما يوفِّر وعلى الدوام جدلية الالتزام والهجران لما هو سائد حتى يحفظ النوع الإنسان حراكه التطوري المتصاعد ونقده المنشئ البنّاء الذي يرسم مسارات التغيير في أفق المستقبل الممتد.

وهو إنشاء لمستقبل يتقوَّم بنحو من الوتر العقلي الذي أطلق عليه النص اسم “العصاب العقلي”.

من منطلق هذا الموقع التأويلي للأنا الأعلى يذهب تيليتش ليربط الأمر بتمامه بما تشي به وما تختزنه رموز الإيمان من تعبيرات عن الأنا الأعلى، ليتركنا صاحب النص أمام باب مفتوح على سؤال أو أسئلة باحثة عن المقصود بذلك. فهل ما يعنيه أن رموز الإيمان هي متعلّقات وأمور ومسائل تترابط بالهمّ الأقصى كشكل من أشكال البعد المباشر لحيثية الإنسان بما هو كائن ثقافي واجتماعي تتبدّل لديه القيم والمعايير السلوكية والثقافية بحسب موقعه من المكان والزمان، وهو ما يتجلى بالموقع المركز للإنسان، أي الأنا الأعلى؟ أم أن هذا الأنا الأعلى وجودٌ فطري تكمن لديه القدرة على الجري مع الزمان والمكان، وما رموز الإيمان إلا تعبيرات عن هذه الطاقة الفطرية والتجلّيات الثقافية؟

ومهما يكن من أمر، فإن المؤكّد أن النص أراد أن يربط بين رموز الإيمان وصورة الأب في مضمون الأنا لأعلى كموجّه ومرشد لينفذ من ذلك إلى تقديم معنًى عيني للإله أو الرب بما هو ربٌ سيّد مربٍّ. لكنّ منطق التجاوز يخرجنا هنا من عينية الشخص إلى المعنى والقيمة، لذا فإنه يعتبر أن الإيمان الحقيقي يحوّل هذه الصورة إلى مبدإ للحقيقة والعدالة، يتمّ الدفاع عنهما مما هما مبدأ حتى ولو ضد الأب نفسه – حسب تيليتش – وهو ما يضعنا مجدّدًا أمام منافذ السؤال المفتوح لتحديد المقصد فهل قيمة العدالة والحقيقة تفوق نفس الشخص الذي هو حسب المبنى اللاهوتي إله أو رب.

وإن كان الأمر كذلك فكيف يكون مسار الإيمان يقوم على اتباع الشخص؟ بل والأخطر من كل ذلك لو ذهبنا لنستوحي من النص أن المبدأ القيمي يعادل في قداسته نفس الوجود العيني للأب الإله إن لم نقل إنه يفوقه. خاصة أن الباحث يعتبر أن لا تأكّدٌ للإيمان ولا الثقافة إلا أن مثل الأنا الأعلى معايير الواقع ومبادئه. مما يشي أننا أمام لاهوت للإيمان يقترب نحو مركزية الإنسان بمقدار ما يبتعد عن جذر الإيمان الله والمقرّرات.

وللتأكّد من صحة هذه النتائج علينا أن نختبر الباحث في جملة موارد ومفترقات مفصلية في معالجة أمور الإيمان. قد نستطيع استجلاءها في طيّات مباحثه التفصيلية.

معنى الإيمان بحسب بعدي الذاتية والموضوعية

يتوجب علينا أن نحدّد المقصود من الإيمان في ركيزة التحليل الإنسانوي ونحن نقصد محاولة فهم إشكالية الذاتي والموضوعي في مبحث الإيمان. منذ البداية سعى الكاتب ليؤكّد مدخلية وعي معنى الهمّ الإنساني كأساس لوعي الهمّ بما هو ميزة تحدِّد معنى الإيمان ليقول: إن “الهم اللامشروط الذي هو الإيمان، هي العاطفة باللامتناهي”. فنحن هنا، ولأول مرة أمام ربط للامشروط واللامتناهي بقيد يوصل بالهمّ فليس الكلام فقط عن هم لا مشروط، بل “الهم باللامشروط”، وكذا الشأن بالعاطفة “إنها باللامحدود”، فهناك إذًا، هم وعاطفة ومتعلّق الهم والعاطفة وهو اللامحدود واللامشروط، وهو ما يوضح خصوصية وميزة الإيمان في المرتكز الشخصي عند الإنسان. إنه إحساس وقلق وهم مرتبك بما يتجاوز الذات وحدودها. لذا تصبح تجربة الانهمام في مثل هذا الحال غاية قصوى، وبذلك “نكون قد تحوّلنا من المعنى الذاتي للإيمان إلى معناه الموضوعي، إلى ما يقصد في فعل الإيمان”[8][8]. لكن من الحري القول: إن هذا الجانب الموضوعي يوصلنا – حسب تيليتش- إلى الألوهية في فكرة الله لا إلى الله نفسه؛ لأن هذه الألوهية هي العنصر اللامشروط والغاية القصوى.

وبهذا يعتبر الكاتب أن مصطلح الهمّ الأقصى يوحّد “الجانب الذاتي والجانب الموضوعي في فعل الإيمان: الإيمان الذي من خلاله يؤمن المرء، والإيمان الذي به يؤمن المرء… إذ لا يمكن أن يوجد أحد الجانبين دون الآخر. لا يوجد إيمان بلا محتوى يتوجّه إليه. وهناك دائمًا شيء ما مقصود في فعل الإيمان”[9][9].

فاللغة والنتائج العامّة التي وصل إليها الربط بالألوهية لا بالله نفسه، دمج الذاتي والموضوعي في فعل الإيمان القائم على القصد والمقصد، أمورٌ وإن حملت بعد المعالجة الفلسفية، لكنها تستبطن دومًا الانسجام والتماهي مع القناعات الدينية. وأهم ما يودّ الوصول إليه من نتيجة في هذا الشأن حينما يقرّر:

1 . “أن الله لا يمكن أبدًا أن يكون موضوعًا دون أن يكون في الوقت نفسه ذاتًا”[10][10]. وهو بهذا المعنى يستفيد أيضًا أن معرفتنا بالله هي معرفة لله.

2 . وفي فعل الإيمان يحضر منبع هذا الإيمان بمعزل عن انشقاق الذات والموضوع.. يحضر بوصفه كليهما بمعزلٍ عن كليهما”، وهذا منتهى الحصر على حفظ اللامحدودية حتى في اللامحدودية.

ثم لا يكتفي بذلك، بل هو يذهب إلى أن التوازن والانسجام في هذا اللاتناهي بين الموضوع والذات هو ما يكتشف عن زيف بعض ما أطلق عليه عنوان الغاية القصوى. إذ إيلاء أي موضوع؛ لا ينطوي على ذات لا نهائية؛ عنايةً مطلقة قد يسري على المدى القصير حينما يبتلع الموضع الذات.

إلا أن الذات سرعان ما تنتفض وتكشف عن وجهها الحقيقي وزيف ما كان يُدعى. واللطيف هنا، أن الكاتب يطبّق هذا المعنى على بعض المفاهيم القومية من مثل الأمة، وهذه الفكرة هي التي عبّر عنها الشهيد الصدر بتعبير إسقاط قيمة المثل الأعلى على آلهة صغيرة: الذات، الشخص، الفكرة، الدولة.. لكن منطق الأمور التي يسمّيها بالسنن الإلهية سرعان ما يعيد رسم الموقع الطبيعي من مثل هذا الواقع المخادع. وهذه الحالة يصطلح عليها الكاتب بالإيمان الوثني الذي يفضي إلى خيبة وجودية.. وهكذا نرى أن نظام المنهج الذي رسمه الصدر رغم اختلاف اللغة البيانية عند الطرفين فالأول يمارس لغة فلسفية تقارب الدينية، بينما الثاني يعتمد اللغة الدينية وإن بروح النقد الفلسفي مما سيفرض علينا السؤال أن معالجة الأمور الدينية كالإيمان بلغة دينية خاصة، هل يحرمها من جدية المنهجية الفلسفية في النقد والتحليل؟

[1][11] بول تيليتش، بواعث الإيمان، ترجمة: سعيد الغانمي، كولونيا(ألمانيا)- بغداد، منشورات الجمل، الطبعة 1، 2007م)، الصفحة 7.

[2][12] بواعث الإيمان، مصدر سابق، الصفحة 8.

[3][13] بواعث الإيمان، مصدر سابق،  الصفحة 11.

[4][14] المصدر نفسه، الصفحة 13.

[5][15] المصدر نفسه،  الصفحة 13.

[6][16] بواعث الإيمان، مصدر سابق، الصفحة 15.

[7][17] المصدر نفسه، الصفحتان 11و 12.

[8][18] بواعث الإيمان، مصدر سابق، الصفحة 16.

[9][19] المصدر نفسه، الصفحة 17.

[10][20] المصدر نفسه، الصفحة 17.

Endnotes:
  1. [1]: #_ftn1
  2. [2]: #_ftn2
  3. [3]: #_ftn3
  4. [4]: #_ftn4
  5. [5]: #_ftn5
  6. [6]: #_ftn6
  7. [7]: #_ftn7
  8. [8]: #_ftn8
  9. [9]: #_ftn9
  10. [10]: #_ftn10
  11. [1]: #_ftnref1
  12. [2]: #_ftnref2
  13. [3]: #_ftnref3
  14. [4]: #_ftnref4
  15. [5]: #_ftnref5
  16. [6]: #_ftnref6
  17. [7]: #_ftnref7
  18. [8]: #_ftnref8
  19. [9]: #_ftnref9
  20. [10]: #_ftnref10

Source URL: https://maarefhekmiya.org/15612/adabiat-diniya/