دور جهاد التبيين في إعادة تشكيل المجتمع

دور جهاد التبيين في إعادة تشكيل المجتمع

أطلق الإمام الخامنئي مفهوم جهاد التبيين كعنوان للمواجهة مع الحروب التي تستهدف البعد المعنوي والمعرفي، ويتحقق هذا الجهاد عبر تصحيح المعرفة والإدراك بعد التعرض للتشوه والالتباس بفعل الهجوم المعرفي الإعلامي، لكن آثار هذا النوع من الحرب يترك آثارًا عميقة تطال أبعاد الحياة الإنسانية المختلفة، ومنها البعد الاجتماعي، فالاختلال المعرفي يترك أثره في التواصل والتعارف والتفاعل، ومن يصل إلى البنية الاجتماعية وشبكة العلاقات فيؤثر في حركتها واستقرارها وكينونتها، وهذا ما يتعرض له هذا البحث. منهجية التحليل تقوم على أساس مكونات بنية التفاعل الاجتماعي، ومن ثم تحديد تأثير الحروب الإدراكية على كل واحد من هذه المكونات، وكيف يعمل التبيين على إعادة تشكيل ذلك المكوِّن، مع الإشارة إلى تأثير المكونات في بعضها بعضًا حينما تتفكك وعند إعادة تشكلها.

أولًا: تعريف التبيين

هو عملية اجتماعية تهدف لحفظ حضور ووصول الحقيقة بأبعادها المختلفة إلى كل الأفراد والفئات والشرائح، يسميها الإمام الخامنئي الحفاظ على سلسلة التواصي بالحق. “أَوْلوا أهمية لقضية التبيين. هناك حقائق كثيرة ينبغي تبيينها. في مواجهة هذه الحركة المضللة التي تتدفق من مئة اتجاه نحو الشعب الإيراني وتؤثر في الرأي العام – هذا أحد الأهداف الكبيرة لأعداء إيران والإسلام والثورة الإسلامية – وإبقاء الأفكار ملتبسة وترك أذهان الناس وخاصة الشباب، فإن حركة التبيين تحبط مؤامرة العدو وحركته”[2].

التبيين يؤدي إلى إعادة حيوية التواصل وتطوير التفاعل المعرفي والمعنوي على أساس الحقيقة والعدالة، وهو بمثابة عملية توحيد للجماعة البشرية التي يقسمها الانحراف عن الحقائق والوقائع، في ظل تنامي التدخلات الخارجية المرتكزة إلى ثورة الاتصالات الحديثة، والتي تعمل على إعادة تركيب العلاقات الداخلية للجماعة من خلال تعديل المعلومات المتداولة عبر التشويش والتضليل، وتجميد دور العقل، وتقديم دور الغريزة، وتشتيت التوجهات الفكرية والعبث بمنهج التقييم والتحليل، وتعديل مبادئ العلاقات والروابط والتلاعب بالأولويات.

ثانيًا: بنية التشكل الاجتماعي/المعرفي

ترتكز حياة الجماعة إلى تركيب من مستويات التعامل المعنوي والإدراكي، في هذا البعد تجري الكثير من التفاعلات المفصلية التي تحدد مصير الجماعة وطبيعة عيشها المعنوي والمادي، ويمكن تشخيص مرتكزات هذا التعامل المعنوي والإدراكي بالعناوين التالية: المنطق، الوعي، آداب الاعتراف المتبادل، التخادم المشترك، الثقة بالمعلومات والسلوكيات، القضايا العامة، القوانين الشرعية السماوية، البنى والأدوار والمسؤوليات، الاتفاقيات الجماعية، التعاطف القرابي العمومي. 

  1. المنطق: قواعد التحليل والاستنتاج، وتحكيم العقل والرأي، واتخاذ الموقف المعرفي من الوقائع.
  2. الوعي: الإدراك المستديم والمتدفق والمتصل بالوقائع الجارية والحيثيات الاجتماعية وقدرة تمييز المعلومات المنسجمة مع الوقائع وسياق تدفقها.
  3. آداب الاعتراف المتبادل: الأخلاقيات التي تحدد كيفية اعتراف الأفراد والجماعات بالحرمات والحدود.
  4. التخادم المشترك: تبادل المنافع والمكتسبات بشكل مقنن أو بشكل تطوعي غير محتسب.
  5. الثقة بالمعلومات والسلوكيات: ثقة الأفراد بأقوال الآخرين والسلوكيات المتوقعة من قبلهم في المواقف.
  6. القضايا العامة: الشؤون والهموم التي تشكل نقطة مشتركة في السعي والاشتغال بين الأفراد والجماعات.
  7. القوانين الشرعية السماوية: التوجيهات والحدود الإلهية المقدسة التي تحدد المعاملات المناسبة والمحققة للسعادة الفردية والاجتماعية.
  8. البنى والأدوار والمسؤوليات: المؤسسات التي تحدد توزيع الأدوار الاجتماعية والمسؤوليات الملحقة بها.
  9. الاتفاقيات الجماعية: التوافقات الفكرية والقانونية والعملية والإدارية التي تشكل مساحة الانتظام الجماعي.
  10. التعاطف القرابي والعمومي: التفاعل النفسي والعاطفي داخل العائلة وخارجها واتجاه الجماعة الكلية.

ثالثًا: منهج التحليل

وضع الإمام الخامنئي إطارًا عامًّا للاستراتيجية التي تستهدف الجمهورية الإسلامية، “الهدف هو تركيع الجمهورية الإسلامية. هذا هو الهدف. ما الاستراتيجية؟ بث الخلاف وتغييب الثقة: غياب ثقة التيارات السياسية ببعضها بعضًا، وغياب ثقة الناس ببعضهم بعضًا، وغياب ثقة الناس بنظام الحكم، وغياب ثقة نظام الحكم بالناس، وغياب ثقة هذا بذاك، أي ألّا تثق هذه المؤسسة بتلك، أو أن يكون هناك سوء ظنّ اتجاه بعضهم بعضًا. عندما تغيب الثقة، يزول الأمل في المستقبل أيضًا”[3]. مقابل هذه الاستراتيجية، يقف جهاد التبيين كمهمة تقع على عاتق الدولة والمؤسسات والأفراد، لتعيد بناء الروابط وتشكيل الثقة المتبادلة والاعتمادية بين كل مستويات البنية الاجتماعية.

يقوم المنهج المعتمد في هذا البحث على أساس تحديد المسارات المولدة للأزمة المعرفية ومصادرها، ومن ثم استقراء التأثيرات الاجتماعية الناتجة عن تلك الأزمة وتداعياتها، وعمليات التفكيك التي تجري تبعًا للمؤثرات الخارجية السلبية، وبناءً عليها احتياجات التبيين والعمليات الإيجابية التي تسمح بإعادة التشكل وترميم الاختلالات البنيوية في المجتمع.

رابعًا: التفكيك وإعادة التشكل

ستعمل القراءة التحليلية على أساس كلي دون الدخول في معالجة التطبيقات الواقعية والأمثلة التاريخية، إلّا أنه من المناسب هنا الإشارة إلى بعض الأمثلة المتعلقة بكيفية استهداف البنية الاجتماعية، وسنأخذ تلك الأمثلة من البيئة الإيرانية لأنها تشكل إطارًا مجتمعيًّا تام العناصر، ولأن مفهوم جهاد التبيين نشأ ضمن تلك البيئة، وكذلك نظرًا لتعرضها لعمليات تفكيك منتظمة كان آخرها الأكثر دقة وتعقيدًا. في المنطق كمثال، تم تحميل الدولة الإيرانية مسؤولية الفقر وإغفال الحصار الخارجي وتأثيراته، وفي مجال الوعي، اتهمت الدولة بعدم مراعاة حقوق المرأة نتيجة حادث جزئي رغم ما للمرأة من موقع بارز في المجتمع الإيراني، أما في آداب الاعتراف المتبادل، فجرى العمل على تسفيه المقدّسات وتفكيك مبررات وجود العائلة واستمراريتها، وفي التخادم المشترك، ظهر استهداف قيمة المنتجات المحلية التكنولوجية والثقافية، وفي مجال الثقة بالمعلومات والسلوكيات، فبرزت فكرة ضرورة قتل الشرطي قبل أن يقتلك، وفي القضايا العامة، انتشرت فكرة تقول بأن علاج المشكلات الاقتصادية منحصر بالاستسلام للغرب، وفي القوانين الشرعية، تم الترويج لفكرة أن النظام الإسلامي يعتمد الاضطهاد والظلم كسياسة ضرورية تناسب مفاهيم الشريعة، أما في البنى والأدوار فظهر استهداف مؤسسة الحرس الثوري والتعبئة داخل إيران ودورها في الخارج، وفي الاتفاقيات الجماعية، استهدفت بعض الأبعاد الإسلامية الشرعية من دستور وقوانين الجمهورية الإسلامية خصوصًا تلك المتعلقة بالأخلاق العامة والحشمة، وفي ميدان التعاطف القرابي والعمومي، استهدفت علاقة المرأة بالعائلة وبالمجتمع.

  1. المنطق: قواعد التحليل والاستنتاج وتحكيم العقل والرأي واتخاذ الموقف المعرفي من الوقائع.

يحتاج المنطق العقلاني إلى الانسجام بين القواعد المدرَكة وبين المعلومات، وكذلك إلى قدرة تشخيص المغالطات والانزياحات في بناء الاستنتاج، ويمكن أن يعتاد العقل على ممارسة الخطأ نتيجة رواجه والاعتياد عليه والتداول به والتأثر بحركته.

المجريات: تعمل برامج الإقناع والتغيير الثقافي على مجموعة واسعة من الأساليب التي تتجاوز القواعد العقلانية؛ وذلك بهدف تسيير المجتمع المستهدف نحو التخلي عن المصالح التي يقررها العقل والمنطق السليم لكي تسهل السيطرة على تلك المصالح والمكتسبات المتعلقة بها، ومن هذه الأساليب: إعادة توصيف الفاعل (المقاوم إرهابي)، اجتزاء الحقائق الظاهرة (الدولة المحاصرة تقوم بإفقار شعبها)، تجريم صاحب الحق (ضحية الإرهاب التكفيري لكنه متشدد)، تحييد الفطرة البشرية (فاعل الخير المحلي والشرقي مغرض لا محالة، المرأة يمكن أن تصبح رجلًا)، تعظيم السفاهة (الرموز المنحرفة الدنيئة تظهر كقيمة سامية)، تغيير تقدير مثاقيل الأمور (التضحية بالأمور الجوهرية مفيد وقليل الخسائر)، مزاوجة الترغيب مع الانزياح في التثقيل بحيث يقبل العقل الانحراف وهو يدرك ذلك (التخلي عن الحق يخفف المخاطر).

عمليات التفكيك: تتم إعادة تشكيل نظام التقييم والاستنتاج وكيفية اختيار الشواهد والأدلة وكيفية النظر إلى الظاهرة وتحديد الموقف منها، وتتم هذه التحولات عبر طرق لا تحصر، منها تغيير بنية المنطق النظري عبر إلغاء طبقة البديهيات العقلانية وقطع سلسلة الاستدلال، أو عبر تعديل أولويات التقييم ومثاقيل الأشياء واستبدال الأعلى بالأدنى، أو من خلال استخراج استنتاج مبالغ فيه من ظاهرة غير وافية، أو بتعديل فهم وتقييم الظواهر والتركيز على جهة واحدة أو بعد منفرد، ومن خلال اختزال الواقع واختيار الشواهد المفيدة للغرض حصرًا. بناءً على هذا التغيير في مدخلات ومخرجات عملية التفكير والتقييم، يصبح العقل غير قادر على النظر إلى الأمور كما هي، ولذلك فإن عدد الخلافات يصبح غير محدود، وإمكانية التحكيم والتوضيح تصبح عسيرة لاعتياد العقل على مداومة الانحراف.

عمليات التبيين: نحتاج هنا إلى دائرة كاملة من المعالجة القادرة على إعادة تأهيل الشرائح المختلفة والتعامل مع الإشكاليات المتنوعة والظروف المتفاوتة، لإعادة ترميم ما انقطع من الانتظام العقلاني المنطقي، الذي يسمح للإنسان بالتعامل الواقعي بالمعنى الوجودي والقيمي والعملاني. تحصل عمليات التبيين هنا عبر إعادة البناء وكذلك في المعالجة المباشرة. تحتاج إعادة البناء إلى التعريف بالاختلالات التي حصل الوقوع فيها دون التفات، فتحولت إلى عادة عقلية لاحقًا، وتحولت النتائج التي أفرزتها إلى مسلمات تحليلية ومعلوماتية. وبعد التعريف وتشكيل موقف من الانحراف يبدأ العمل على بناء عادة جديدة منطقية وعقلانية مستندة إلى قواعد بيِّنة، هنا التبيين يتصل بإعادة الوعي بالمنطق السليم وكيفية حراسته، ومع المداومة يتم ترميم الاختلال، ويحتاج هذا العلاج إلى مسار إضافي مستمر لا نهاية له، وهو معالجة ما يطرأ من حالات تتضمن مغالطات أو تحيزات أو اضطرابات فكرية، وهو مسار المعالجة الآنية المباشرة. مثال على ما تقدم هو عملية الخروج من السياق عند تحليل الحالات السلوكية الفردية أو السياسية، بحيث يتم الترويج لإطار معرفي مختزل، يتضمن جزءًا من المشهد ليعيد تعريف الظاهرة سياسيًّا وأخلاقيًّا، ويأتي دور المفردات البديلة الجاهزة لتعريف الظواهر.

إعادة التشكل: يمكن أن يتم دفع فئة أو مجتمع بكامله إلى اعتماد مسلمات ناتجة عن حركة تفكير لا منطقي، مع الإبقاء على الهوية العامة لهذه الفئة أو هذا المجتمع، لكن سيكون لذلك تأثير هدام على المعايير التي تحكم البنية الداخلية، وكذلك على العلاقات الخارجية مع الفئات أو المجتمعات الأخرى، وهذا الاختلال يمكن التخفيف منه عبر القوانين وتنظيم المصالح، إلا أن هذه المعالجة لا تصل إلى المستويات العميقة، وفي حال طغيان حالة تفكك المنطق تصبح المؤسسات والقوانين أدوات في خدمة هذا الطغيان. تقع نتيجة هذا الانحراف العقلي الكثير من المظالم فيُرى الحق باطلًا والظالم مظلومًا، والفساد إصلاحًا والحقير عظيمًا، ويحصل التفكيك الاجتماعي بالرغم من وجود الأنظمة ومؤسسات الدولة.

  1. الوعي: الإدراك المستديم والمتدفق والمتصل بالوقائع الجارية والحيثيات الاجتماعية وقدرة تمييز المعلومات المنسجمة مع الوقائع وسياق تدفقها.

يستند الوعي إلى الانتباه والذاكرة بحيث يتشكل تيار الإدراك المنسجم والمتصل بين الحالات والمتغيرات والأفكار والذوات، ويمكن أن يتقلص الوعي ليصبح محدودًا، وتنحسر قدرة الربط فينقطع تيار الإدراك وتصبح المعرفة مضطربة وتتعذر إمكانية تشكل صورة كلية مستقرة عن الخارج الآني أو المستمر.

المجريات: تعمل عمليات الإقناع وإعادة صناعة الحقائق والوقائع في ساحات عديدة على تعديل نظرة المجتمعات إلى مواردها وقدراتها وإنجازاتها، وتحقق انفصامًا بين الإدراك والوقائع رغم وجود الوعي الكامن المطابق للوقائع، وبهدف السيطرة على تلك المصالح يتم التلاعب بالمعطيات البديهية المتشكلة في الوعي البسيط، ومن خلال هذا التمزق في الوعي يمكن أن تتعرض سائر العناصر القائمة في الوعي للاهتزاز والضعف، وصولًا إلى المسائل القيمية التي تمليها الفطرة البشرية لتصبح قابلة للشك والتساؤل، ومن طريق آخر، ومن خلال استهداف القيم الأخلاقية، الذي سيمر معنا في البحث، يمكن أن تتعرض ثوابت الوعي للاهتزاز بفعل تشكل استعداد الفرد أو الجماعة للتشكيك في الأمور الفطرية البسيطة.

عمليات التفكيك: لا تحصل عمليات الانزياح في المنطق العقلاني بشكل دفعي أو شمولي، وإنما بشكل تراكمي ونسبي، لكن مع غياب أجزاء من حقائق المشهد الكلي وقيام التناقض بين الوقائع والمدركات على المستوى الذهني نتيجة الوقوع في الخداع والانحراف في آلية الاستنتاج والتقييم، فإن الصورة الكلية تضطرب وتصبح متابعة حركة الوعي عسيرة وتشوبها الصراعات الداخلية، ومن هنا يتولد الانشطار في الصور الكلية ويتفرع منها الانقسام في المواقف بين الشرائح، وهو أمر لا يمكن تفاديه، لكن عندما يحصل الخلاف حول المصالح الجوهرية والأمور البديهية والقضايا الفطرية، فإن الهوية المجتمعية تبدأ بالتآكل والتفكك. تتأثر المستويات الثلاث ببعضها بشكل تراكمي، المصالح الجوهرية تستند في تقييمها إلى الأمور البديهية وإلى القضايا الفطرية، والشريعة الإسلامية تحدد النظم الكلي لهذه الشؤون، لكن عمليات الإقناع والتغيير الثقافي تعمل أحيانًا كثيرة بعيدًا عن الاستهداف المباشر للمرجعية الإسلامية، وتحاول تفادي العقبة الثقافية لتستهدف الجوانب العملية المباشرة التي تسمح بالسيطرة على الموارد، فتسعى إلى إعادة تعريف وتقييم المصالح وتضطر في هذا السبيل إلى تعديل بعض الأمور البديهية والإخلال بالقضايا والمسلمات الفطرية.

عمليات التبيين: إعادة الفرد والجماعة إلى الوعي المنسجم والمتطابق بالحدود الممكنة مع الوقائع الكلية والأساسية في الزمان المعاش وتبعًا لضروراته وتحدياته، تستند إلى عمليات ترميم المنطق وتصحيح منتجاته واستنتاجاته، ومن خلال إعادة رسم المشهد الكلي للواقع المعاش تتم إعادة تصحيح الوعي المشترك، والتعريف التلقائي على المصالح الجوهرية بما يتلاءم مع المعطيات الأولية البديهية وينسجم مع الفطرة السليمة. تستند عمليات التبيين في هذا المستوى كذلك إلى بناء مصفوفة مؤشرات ومعايير تساعد الفرد والمجتمع على تصنيف وتشخيص عمليات إدارة الإدراك وإزاحة الوعي، ويتم تعريف المجتمع هنا على العملية وأهدافها السياسية والاقتصادية ومخاطرها الواقعية وآثارها الحياتية وتداعياتها على وجود الإنسان ووعيه لذاته وواقعه وحضوره المعرفي ومصالحه الدنيوية والأخروية وعقلانيته وفطرته، كون هذه العمليات تجري بشكل متلاحق ومتصل بالمجالات المختلفة بالاعتماد على وسائل الاتصال الحديثة، فتترك تأثيرها العميق في كل أبعاد الإنسان.

إعادة التشكل: وعي المجتمع عمومًا بطبيعة الاستهداف الذي يتعرض له، وغايات عمليات تعديل الإدراك الانتهازية والناهبة، يفترض أن يولد إوالية دفاعية حيوية مستدامة، إلا أن التغيير الدائم في وسائل تعديل الإدراك لناحية المرسل والكيفية والمحتوى والمصدر، يحتم تغذية تلك الإوالية بشكل دائم، خصوصًا مع تقدم أجيال جديدة إلى ساحة المواجهة والاستهداف، بل ضرورة عدم الاكتفاء بالكشف عن الخداع وتفريغه من قدرة التأثير، بل الانتقال إلى الفعالية والمبادرة والهجوم الإدراكي لمنع الوقوع في حالة الاستنزاف الدفاعي.

  1. آداب الاعتراف المتبادل: الأخلاقيات التي تحدد كيفية اعتراف الأفراد والجماعات بالحرمات والحدود.

تنتظم العلاقات الاجتماعية وفق قواعد أخلاقية يعبر من خلالها الفرد عن اعترافه وإدراكه لخصوصية واختلاف وحيثية الآخرين، وهي عملية متبادلة توجد الاستقرار ويقظة الإدراك، يمكن أن تتعرض عملية الاعتراف إلى الاختلال نتيجة مواقف مسبقة أو مشكلات الانعزال والتطرف في الموقف أو الصراع وإنكار حيثيات الآخرين كفعل نزاعي.

تقوم النظم الأخلاقية على التواصل العادل والمتوازن، وتتصل العدالة والاتزان بالمعرفة والإدراك للوضعية الاجتماعية، سواءً في عمقها الفطري وبنيتها الواقعية، أو في وقائعها ومجرياتها، ذلك أن تحديد نقطة توازن العدالة يعتمد على معرفة وتبني المعايير القيمية المناسبة للاعتراف المتبادل، وكذلك على إدراك موقع الآخر ومقتضيات ومتطلبات التعامل العادل معه.

مجريات: تتأثر نظم الاعتراف المتبادل وأخلاقيات التعامل بين الأفراد ضمن الجماعة الواحدة، وبين الفرد والجماعة التي ينتمي إليها، وكذلك بين الجماعات في احتكاكاتها الفردية أو الكلية بالتواصل الإدراكي القائم داخل هذا التفاعل، فكل تغير معرفي متصل بالبيئة الاجتماعية يمكن أن يؤثر في النظرة المتبادلة والسلوك التفاعلي. تقوم البرامج الإعلامية الهجومية التي ينظمها التحالف الغربي ووكلاؤه ضد المجتمعات الملتزمة بهوية خاصة على عدة مسارات تؤثر جميعها في عمليات الاتصال الاجتماعي والاعتراف المتبادل، وأهم هذه المسارات: تغيير الوقائع، تبديل الذاكرة، إثارة الكوامن المؤدية للنزاعات، التذكير بالسلبيات الاجتماعية، تغيير المعايير الأخلاقية، طرح النماذج المفككة اجتماعيًّا، تعديل الهوية، التهجين الثقافي، نشر الاضطراب المعرفي.

عمليات التفكك: تتفكك العلاقات الاجتماعية بفعل انزياح واضطراب المعلومات المتعلقة بالبيئة الاجتماعية بطريقة سلبية، كما يؤثر تعديل اتجاهات الاسترجاع في الذاكرة في الإخلال بمرتكزات الاتصال المتبدل، وتؤدي إثارة الكوامن المؤدية للنزاعات إلى إعطاب العلاقات الضعيفة والهشة، وتنشر الرسائل السلبية عن الذات الاجتماعية والهوية العامة إلى تعميم النظرة السلبية حتى ضمن الجماعة نفسها كأثر نفسي، وبين الجماعة والجماعات الأخرى كذلك، وبشكل مباشر تدخل الجماعة في صراعات داخلية حينما يتم تداول معايير أخلاقية بديلة، أو إقناع فئة بالتخلي عن الأخلاق برمتها وتقديم حالات مفككة كنماذج مقبولة، وتدخل عمليات تعديل الهوية من خلال القوة الناعمة واستثمار عمليات القوة الصلبة في إنتاج فئة منعزلة عن المجتمع وفي صراع مع تراثه، ويعمل التهجين الثقافي في مستوى أدنى يؤدي إلى تعميم حالة فوضى الهوية، ويؤسس الاضطراب المعرفي من خلال المناهج والفلسفات الفوضوية والتشكيكية في قطع أواصر التواصل المنتج للخدمة العامة ومصالح الجمهور.

إعادة التشكل: يرمم التبيين والتعريف الواقعي والمتوازن للأحداث والذوات والفئات والأفكار والمعايير الاجتماعية العلاقات في كل مستوياتها، ينبغي أن يعاد تنظيم المعرفة ووضع المجريات في سياقها المتوازن وتحديد العناوين السلبية لتفادي الانفلات داخلها ومعالجتها حيث يمكن، هذا في مستوى المعرفة الزمنية الجارية، ويبقى على التبيين مسؤولية على صعيد البنية الاجتماعية وتعديل الانحرافات والاضطرابات وملاءمة المعارف والمواقف مع الفكرة والوحي والعقل المتوازن، فيضبط المعايير والنماذج وتركيب الهوية ويصل إلى تكريس الاستقرار المعرفي، المؤدي إلى زيادة فرص الاستقرار الاجتماعي.

  1. التخادم المشترك: تبادل المنافع والمكتسبات بشكل مقنن أو بشكل تطوعي غير محتسب.

تقوم الحياة الفردية والاجتماعية وكذلك العلاقات الدولية على التخادم وتبادل المنافع والمكتسبات الحياتية الضرورية أو الكمالية الرفاهية نظرًا لعدم اكتفاء الإنسان عمومًا بما لديه، وعدم امتلاكه لكل ما يلزمه، يمكن أن تنقطع الصلات النفعية بفعل حركة التفضيلات والخيارات وتتحول إلى صلات بديلة.

المجريات: يعمل الطغيان المادي على الإخلال بتوازن عمليات التبادل والتخادم المشترك، فيقطع أوصال كل علاقة تبادلية لا تصب في صالحه، ويستبدل تلك العلاقة بالارتباط به وتبادل الخدمات معه بشكل يكون له التفوق فيه لناحية نسبة المكتسبات فلا يرضى بالعلاقات العادلة والمتوازنة. فصل الشبكات التخادمية عن بعضها البعض يؤثر على البنى الاجتماعية المتداخلة مع تلك الشبكات، ما ينتج حالات اضطراب في الروابط والصلات، ويؤدي إلى النزاعات، ويدفع البعض إلى الارتباط بالمهيمن المادي، وينفصل عن البنية والشبكات القريبة جغرافيًّا والمتماثلة أو المتشابكة ثقافيًّا، أو تلك المتوازنة في المكتسبات.

عمليات التفكيك: تستخدم في هذا السبيل عمليات الإقناع والدعاية المتصلة بالأولويات والمعايير المعتمدة في الاختيار والتفضيل، وتسهم الموارد والثروات التي يجمعها من يتحرك في ركب الطغيان المادي في الدفع نحو اعتماد خياراته والتعامل مع شبكاته التبادلية، التي تحصر اهتمامها بإشباع رغبات نخبة محددة تصبح جزءًا حيويًّا من الشبكة، فيما يخسر الجمهور العام في كل الاتجاهات، ما يشكل تربة خصبة للنزاعات الداخلية، وعندما يتأثر العموم بهذا الاختلال ويفقد قدراته الإنتاجية ينظر إلى حالة الطغيان بعين الإعجاب والتقدير، كما هي حالة المهزوم عادةً، ويسهم ذلك في تهجين الهوية الثقافية واضطرابها، فكل اختلال في العدالة على صعيد تبادل المنافع يؤدي إلى اضطراب هوياتي واختلال في البنية الاجتماعية. 

إعادة التشكل: تتحرك مسارات إعادة التشكل ضمن أربعة مراحل:

  1. حسم النزاع الداخلي.
  2. استعادة النخبة.
  3. معالجة الانبهار بالطغيان.
  4. بناء الإنتاج الذاتي.

 مراحل مثالية نظرية يعسر نظمها في الحركة الواقعية، لكن ترتيبها هو من باب تظهير الانتظام الموضوعي للأولوليات، فحسم النزاع الداخلي، الذي يتطلب جهودًا مكثفة وظروفًا مؤاتية، هو مقدمة ضرورية لاستعادة التشكل الاجتماعي، ويمكن أن يتحقق بشكل جزئي أو بنسبة معقولة تسمح بالتحرك نحو التشكل الجديد، لكن عدم حسمه نهائيًّا يترك الباب مفتوحًا للتدخل الخارجي الذي يستثمر الصدوع الاجتماعية. بعد حسم النزاع، سواءً كليًّا أو نسبيًّا، تأتي مرحلة ضرورية في مسار التبيين هي استعادة النخبة التي ارتبطت فكريًّا واقتصاديًّا بالمؤثر السلبي الخارجي، ولا يمكن ذلك من خلال التبيين وحده، بل من خلال سياسة تقطع الصلات المادية بالمؤثر السلبي وباحتواء اجتماعي شامل لا يمكن استكماله إلا بتبيين الصلة بين الأفكار والمفاهيم، وبين التبعية الواقعية بآثارها الهدامة على كل صعيد. تترسب حالة الانبهار بالطغيان بشكل عميق في الوعي الجماعي تحتاج معه إلى معالجات وتبيين يوافي المؤثرات العمقية واستمرارية الإغراق المعرفي للمؤثر السلبي الخارجي والأجيال التي لم تخض مرحلة حسم النزاع. نظريًّا نحتاج لبناء الإنتاج الذاتي إلى تجاوز المراحل الثلاث الفائتة، لكن النجاح الجزئي في بناء قدرة الإنتاج المستقل تسهم في تبيين إمكانية التحرر من المؤثر السلبي الخارجي، وبناء الإنتاج يعبّر عن نجاح تبيين القدرة الذاتية والمساواة في الإمكانيات البشرية كنقطة انطلاق محورية.

  1. الثقة في المعلومات والسلوكيات: ثقة الأفراد بأقوال الآخرين والسلوكيات المتوقعة من قبلهم في المواقف.

تتوطد العلاقات والمعاملات الناتجة عنها من خلال الشعور بالثقة البينية لناحية تبادل المعلومات والثقة بها، ومن خلال الثقة بالنوايا التي تحرك سلوك الأفراد والمجموعات، ويمكن أن تتعرض الثقة للاهتزاز أو التفكك بفعل التجارب السلبية أو الاشتباه والتحليل الخاطئ للنوايا أو تعارض المعلومات.

المجريات: تعمل برامج الحرب الناعمة، المختلفة العناوين والشعارات والمتنوعة في الأشكال والتقنيات والمتعددة المستويات والمسارات والمدى الزمني، على الاستهداف المباشر للثقة الاجتماعية من خلال التشكيك في أصل وجود الخير في الحياة الاجتماعية عبر التحليل الفلسفي أو المعرفي أو الأخلاقي، أو من خلال عرض نماذج تاريخية منتكسة، أو باصطناع نماذج غير واقعية عبر الفنون والآداب المختلفة، أو عبر التشكيك في النماذج الاجتماعية من نظم أو تجارب أو رموز لناحية مصداقية سردياتها أو خطابها ومعلوماتها، أو بإغراق البيئة التواصلية بالرسائل غير الواقعية وإنتاج حالة من التفاوت الحاد في الإدارك بين الأفراد والفئات بما يخل بالثقة الضرورية لعمليات التواصل المعلوماتي المتعلق بالحوادث الجارية أو الماضية، وعندما يتغلب الإغراق على عمليات التوافق والمعالجة يحصل الانقسام والتحزب تبعًا لمسارات تدفق المعلومات، انقسام فوضوي غير منتظم يولد اضطرابًا وانخرامًا في الهوية والتوافق.

عمليات التفكيك: التباعد الاجتماعي الناشئ بفعل اضطراب التلاؤم المعرفي الجماعي في عدد كبير من القضايا يفكك الثقة الاجتماعية بين الأفراد على المستوى الشخصي، وبين الفرد والجماعة، وبين الفئات والجماعات، وتهيمن صورة الإنسان السلبي الفرداني المتعلق والمختنق غير القادر على التفاعل والتواصل ولا اكتساب الثقة ولا إعطائها، وبذلك يتم إعطاب الروح الجماعية وتدمير الشبكات الواصلة والمشكلة للقدرة الجماعية التي توفر العناية بالشؤون العامة والحماية للمصالح الكلية، وبذلك يتيسر للاستكبار الهيمنة على الموارد التي تقع ضمن نطاق سيادة تلك الجماعة دون أن تتمكن الأخيرة من القيام بالجهود الجماعية الضرورية لمنع الاستيلاء.

إعادة التشكل: تعالج حركة التبيين الانقطاع في الصلات والنواقل المعرفية المعلوماتية، فهي تحيد مصادر المعرفة الملوثة والمشوبة بالخلل عن نقطة التموضع المؤثر، وتعيد توحيد المعرفة بالوقائع والظروف عبر التذكير والتعليم وتفكيك المغالطات والشبهات، وتعيد الثقة بالمصادر الصافية للمعرفة، وترمم الصور والانطباعات المتشكلة بين الفئات اتجاه بعضها، وكذلك فيما بين الأفراد وبين الفرد والجماعة. لا تتطلب إعادة الثقة الاجتماعية منع التفاوت والاختلاف في المعلومات أو في تحليلها، لكنها تتطلب إحداث التغيير في البنية التي تتحرك حالة التنوع والتعدد، فتحولها من بنية قائمة على أساس غياب الخير الاجتماعي، والافتراض المسبق للسلبية وانعدام المصداقية، إلى بنية طبيعية متوازنة تتحمل التنوع وتحيله إلى الحوار العلاجي الواثق، بعيدًا عن حالات التطرف المتبادل.

  1. القضايا العامة: الشؤون والهموم التي تشكل نقطة مشتركة في السعي والاشتغال بين الأفراد والجماعات.

تجتمع الجهود والمساعي الفردية حول التحديات الرئيسية المشتركة التي تتسع للجماعة الكلية، فتتشكل من تلك الجهود قدرة موازية للتحديات تمكن الجماعة من التعامل معها بقدر ما تستطيع، يتعرض الاشتغال بالقضايا العامة المشتركة للتصدع بفعل الاختلاف حول الأولويات أو الكيفيات أو النتائج المطلوبة أو الشبهات التي قد تحيط بهذه العناصر.

المجريات: تعمل أجهزة الاستكبار على تشتيت وإرباك الرؤيا الجماعية اتجاه القضايا العامة من خلال التأثير على المباني الفكرية والنفسية للجماعة، بحيث ينتج عنها تصورات مختلفة ومتعددة توجد الاختلافات على صعيد الأولويات الكبرى للجماعة، وتخلق نقاشات مستمرة حول القضايا الدفاعية والاقتصادية والدبلوماسية بما يعطل القدرة على مواجهة التحديات ومعالجة المشكلات، وتحت مستوى الأولويات يتم العمل من قبل تلك الأجهزة على طرح سبل مختلفة لتحقيق تلك الأولويات وستفيه جدوى السبل التي تضر بمصالح الاستكبار، وكذلك على درجة ومساحة الممكن تحقيقه من تلك النتائج.

عمليات التفكيك: التعددية والتحزب والآراء المتصارعة التي يقوم الاستكبار بتغذيتها ودفعها نحو التطرف تفتح المجال للمزيد من التدخل الخارجي والنفاذ عبر الصدوع السياسية الاجتماعية، ويهدف هذا التدخل إلى تغليب ودعم وجهات النظر التي تخدم مصالح المستكبر، أو إلى زيادة حدة الصراع الداخلي وصولًا إلى الصدام السياسي أو الأمني ومنع المؤسسات من احتواء وتنظيم الصراع. الخلاف على القضايا الرئيسية التي تشغل الجماعات والدول يؤسس لانقسامات حادة وعامودية على أساس الخيارات، وبناءً على تأثر بعض الفئات بالرسالة الخارجية السلبية يتكوَّن التحول الثقافي لديها وتتموضع ضمن حركة الفكر المادي الاستكباري المولِّد بذاته للصراعات ويؤسس للتفكك الاجتماعي بما يكتنفه من حمولات ثقافية غير ملائمة للسياقات الثقافية الاجتماعية القائمة في الساحة المستهدفة.

عمليات التبيين: تستدعي عمليات التبيين إعادة اللحمة إلى النخبة والجمهور بعد الانقسام حول القضايا العامة الرئيسية إلى معالجات متعددة الأبعاد، خصوصًا مع التأثير الثقافي والعقائدي الذي تتركه هذه التحولات في الخيارات الكبرى، ثمة حاجة إلى إعادة بناء لمناهج الحساب الاستراتيجي واتخاذ القرار وتشخيص المصلحة والأولوية، وإعادة قراءة التاريخ بعيدًا عن تأثير المستكبر، وصياغة مفردات تناسب السياق الثقافي والسياسي والمصالح المستقلة، يتزامن ذلك مع بناء مرجعيات ومصادر معرفة نقية، وإدارة حوار داخلي هادئ ومنفصل عن التأثير الخارجي.

إعادة التشكل: تحدث عمليات تغيير الحسابات الاستراتيجية تأثيرًا بعيد المدى في البنى السياسية والاجتماعية، وتنال النخبة الخطر الأكبر من تلك التأثيرات، فيما يمكن تبيين الحقائق للجمهور غير المرتبط فكريًّا ومصلحيًّا بمصادر التضليل الاستكباري، لتشكيل حالة تبيين جماعي تعيد احتضان النخبة التي انساقت مع تدفق التحليلات والحسابات الهادفة لعزلها عن الرؤية الجماعية، فتحصل عملية الدمج التدريجي التي تعالج حالة التفكك التي أصابت المجتمع.

  1. القوانين الشرعية السماوية: التوجيهات والحدود الإلهية المقدسة التي تحدد المعاملات المناسبة والمحققة للسعادة الفردية والاجتماعية.

تهيء القوانين السماوية الأفراد للاندماج مع الآخرين دون أن يلغي أو يقلص أحدهم حضور الآخر أو حقوقه، بحيث تفتح المجال للتسامي الفردي والجماعي ما فوق الذاتية الحسيرة، ويطلق روح الإنسان للسير نحو السعادات المتنامية، يتعرض الانتظام الشرعي الاجتماعي للاضطراب بفعل اختلال الإيمان أو الشعور بفقدان مصاديقه التطبيقية، أو انتشار الشبهات حول الجزئيات القانونية أو مصادر استنباطها.

المجريات: تشكل الشريعة الإلهية طبقة صلبة في البنية الاجتماعية لدى الشعوب الإسلامية الملتزمة، كما تدخل في تركيب هوية وشخصية المجتمع وتحدد معايير التدخل مع الدخيل الثقافي والمتعدي السياسي والاقتصادي، وتعطي للشخصية القدرة والطاقة المعنوية الضرورية لمواجهة الاستكبار. بناءً على معرفة الأخير بدور الشريعة في تقدم وتراكم تلك المعرفة بفعل قرون الاحتكاك الثقافي والعمليات الاستشراقية والاحتلال المباشر، وتجنيد النخب الفكرية المحلية كأدوات للتحليل والاستخبار، وبالاستفادة من وسائل التواصل لدراسة الحوافز والدوافع والمعطيات الثقافية المؤثرة في الرأي العام. بناءً على هذه المعرفة المتشكلة من المصادر والمسارات المختلفة، فقد كان من الطبيعي أن يضطر التدخل الخارجي إلى التعامل مع هذه الطبقة الصلبة في البنية الاجتماعية إذا أراد الوصول إلى تطوير النفوذ عبر تفكيك البنية الاجتماعية ومحاصرة الحالة المعارضة للتدخل.

عمليات التفكيك: يشتغل الاستكبار بشتى السبل على دفع الشعوب إلى التخلي عن الثقافة الدينية، مستندًا إلى ترسانة ثقافية وعلمية وأدبية تشكلت في ساحة الصراع مع الكنيسة الأوروبية، لتستخدمها في البيئة الإسلامية لتفكيك النظام الاجتماعي وتبديد القدرة على مواجهة الهيمنة الاستكبارية. تستخدم في هذا الميدان أساليب متعددة منها المباشر والهجومي اللاذع ضد الحالة الدينية، ومنها ما هو الفكري والحواري والتربوي، وآخر سلوكي يتعلق بترويج النماذج والرموز الاجتماعية. فقدان الانتظام الاجتماعي المتأتي من تلاشي القواعد المتفق عليها نتيجة مرجعيتها الإلهية ومقبوليتها الفطرية، يفقد المجتمع إمكانية التوافق وكذلك يقوض عنصر التلاحم والتعارف المعنوي والعقلاني، ذلك أن المقولات الإسلامية مبنية على أساس يقظة العقل وانتظام المنطق.

عمليات التبيين: معالجة تأثيرات البرامج المتعددة المستويات والسبل التي تستهدف الشريعة والالتزام الشرعي والهوية الثقافية الدينية، عملية واسعة وشديدة التعقيد، لأن هذه البرامج متصلة بالبنى التحتية للحياة الاجتماعية المعاصرة، في المجال الاقتصادي والعلمي والإداري والمؤسساتي والمديني والاتصالي والتكنولوجي والمعرفي والفني. بناءً على سعة هذه التحديات فإن عملية التبيين لا يمكن أن تعمل بشكل عمومي، بل تحتاج إلى العناية بكل الشؤون مع مراعاة خصوصيات واحتياجات تلك البنى التحتية كل منها على حدة. تعمل مسارات التبيين هنا في إعادة التعرف على غاية الشريعة وفائدتها للإنسان فردًا ومجتمعًا في الحياة المعاصرة خصوصًا مع تزايد تعقيدات الحياة ومشكلاتها واضطراباتها، وبصفتها كذلك بنية جاهزة للوقوف في وجه الاستكبار من خلال تهيئة الروح الإنسانية لمواجهة القوة المادية المتغطرسة، عبر إعادة التعريف بالأبعاد والرموز والتجارب الدينية التي تولت الأجهزة الاستكبارية طمسها أو إضعاف الإعجاب والاهتمام بها أو عملت على تقديمها بما يخالف واقعها.

إعادة التشكل: تتفاوت درجة تأثر الفئات الاجتماعية المختلفة بالعمليات الناعمة التي تستهدف الهوية الدينية وذلك نظرًا لاختلاف القدرات الدفاعية النفسية والفكرية للأفراد والمجموعات. ونظرًا لعمق الارتباط بين الشريعة الإلهية والفطرة الإنسانية فإن جزءًا من المجتمع المستهدف يبقى متمسكًا بهويته رغم التحديات الكثيرة، فيما يتأثر الجزء الآخر الأقل رسوخًا وتجذرًا، ما يؤدي إلى الانقسام والتحزب والنزاع، ولذلك تمر عملية إعادة التشكل بدايةً بمرحلة ترميم الصدوع وتهيئة الفئات المختلفة لتقبل مسار التوافق التدريجي، ويشترط في هذا السبيل تحديد القضايا محل الأولوية، وتحديد المراحل التدريجية لإعادة الالتزام الطوعي بالشريعة الإلهية.

  1. البنى والأدوار والمسؤوليات: المؤسسات التي تحدد توزيع الأدوار الاجتماعية والمسؤوليات الملحقة بها.

يعطى الأفراد اعتبارًا بحسب أدوارهم ومسؤولياتهم في البنى والمؤسسات الاجتماعية، وهذا الاعتبار هو الذي يسمح لهم بأداء الوظائف الاجتماعية التي تشكل عصب الاجتماع والتواصل وتنظيم العلاقات وتحقيق الاحتياجات، وتعاني هذه البنى الاعتبارية من الضعف والتفكك بفعل إسقاط هيبتها وتوهين دورها، أو إضعاف موقع أفرادها أو تسفيه جدواها وفعاليتها.

المجريات: تستند المجتمعات التي تتعرض للتنمر والاستهداف الناعم إلى مؤسسات وبُنى تشكل حاجزًا أمام التهديد المعنوي، ويمكن أن تكون مؤسسات عامة أو شبه عامة أو خاصة، تعترض طريق التدخل الخارجي التفكيكي، بما تمتلكه من موارد وبرامج ورموز مقبولة اجتماعيًّا وقدرة على التوجيه والفعالية الشعبية، وبما تشكله من إطار مساعد على حفظ الانتظام الاجتماعي. مقابل هذا الدور الدفاعي يحتاج المتدخل الخارجي إلى سياسات تذلل الاستحكامات الدفاعية وتلينها، وتتوسل لهذا الهدف ما لا يحصى من الطرق، منها تقويض مصداقية تلك البنى في نظر مشغليها وجمهور المستفيدين، والإضاءة على نقاط ضعفها وإخفاقاتها حصرًا، وإثارة النزاعات فيما بينها، وإحباط آمال الجمهور وتخفيض توقعاته منها، واستقطاب القيمين عليها واستدراجهم نحو تبني المصالح الاستكبارية.

عمليات التفكيك: يرتكز المجتمع الحديث إلى إطار مؤسساتي ينظم شؤونه الكلية والتفصيلية بحيث يتمكن المجتمع الكثيف والمتشابك من المحافظة على اعتداله وتوازن تحقيق حاجاته المختلفة في درجتها وقيمتها وأهميتها. تمثل هذه المؤسسات الإطار الذي يوجه قدرات المجتمع ويوزعها ويصل بينها بحيث تتكامل وتتوازن في سبيل الدفاع والبناء. السيطرة على قدرات المجتمع تستدعي تفكيك هذه البنى وتعطيل الأدوار وتشتيت المسؤوليات، بحيث يتمكن الطامع من الوصول إلى مآربه في سلب المجتمع موارده ونقاط قدرته، ذلك أن الدفاع عن الممتلكات العامة ونواحي الأقطار غير متيسر إلا بجهد جماعي منتظم ضمن بنى تؤطر الأدوار وتحدد المسؤوليات، فمتى اختلت تلك البنى تعرضت البلاد للمخاطر وتعذر رفعها والتصدي لها، وبذلك تفتح الأبواب لكل متدخل يريد التحكم بالموارد وإخضاع المجتمع.

عمليات التبيين: تعاني المؤسسات العامة في المجتمعات والدول التي لا تخضع للاستكبار من تحديات مختلفة الاتجاهات، فهي تتحمّل مسؤوليات تفوق مقدرتها نتيجة طغيان القدرة المادية للمستكبر، وتعيش حالة استنزاف الموارد والجهود في المواجهة المتواصلة، ومن شمولية المواجهة بحيث تصبح تلك البنى معرضة لضغط مزدوج من المتدخل الخارجي والجمهور الداخلي المستهدف بالمواجهة الشاملة. يعمل التبيين هنا على إعادة النظرة الواقعية إلى تلك البنى وإدارة التوقعات التي يتبناها الجمهور اتجاهها، وتحديد دوره في المواجهة إلى جانب المؤسسات العامة، والتثقيف على طبيعة تلك المسؤوليات ومشكلاتها وأزماتها في مراحل المواجهة خصوصًا.

إعادة التشكل: استعادة ثقة الجمهور بالمؤسسات، وكذلك إعادة الثقة بين المؤسسات الفرعية والثقة من العاملين عليها وفيها بجدوى وجودها وسلامة أعمالها بشكل واقعي، ما يعيد إلى البنية المؤسساتية – الاجتماعية حيويتها وفعاليتها المتأتية من الثقة المتبادلة وإمكانية العمل الجماعي السلس والتفاعلي الذي يخفف الجهود والموارد المبذولة والوقت المطلوب لإنجاز وظائف المسؤولية العامة.

  1. الاتفاقيات الجماعية: التوافقات الفكرية والقانونية والعملية والإدارية التي تشكل مساحة الانتظام الجماعي.

يحصل التوافق والتواضع على الضرورات أو المنافع لتيسير المعاملات ونظمها وتثبيتها مع مرور الزمان وتخفيف الاحتكاكات والنزاعات في المجال العمومي أو الخاص أو حتى الشخصي بطبيعة الحال، ويتعرض التوافق للضعف عند التشكيك في مشروعيته أو جدواه أو الالتزام التطبيقي به.

المجريات: في سياق الهجوم على الفضاء المعنوي للشعوب والثقافات، يتم استهداف الاتفاقيات العامة التي تنظم العلاقات الداخلية والخارجية، مثل الدستور والقوانين الرئيسية والتفصيلية والمعاهدات الدولية. تعمل الرسائل السلبية والعبثية على الدفع نحو إهمال الالتزام بالاتفاقيات، أو إلى العمل على إلغائها أو تعديلها أو استبدالها، وذلك تبعًا لما تتضمنه من عوائق مباشرة ومقصودة، أو لما يعد بمثابة أعراض جانبية لبنودها ومحتواها تمنع المتدخل العدواني من التحكم، أو التأثير أو سلب الموارد والممتلكات، وتعتبر الاتفاقيات بحد ذاتها عنصرًا مانعًا للتفكك الذاتي أو التفكيك الخارجي في حال الالتزام بها، ولذلك يحتاج الهدم إلى تجاوزها أو تعطيلها ليصل إلى العقد الأساسية ويمسك بها ويعيد تشكيل المجتمع بما ينسجم ومصالحه واستهدافاته.

عمليات التفكيك: تعمل الاتفاقيات بنصوصها كلغة تواصل ومنصة لحل الخلافات والمشكلات الاجتماعية، وكإطار حاضن للهوية الجماعية وكاعتراف من قبل الفئات المختلفة المكونة للتعددية الجماعية بأن الهوية الكلية تعلو على الهويات الفرعية، وتشكل صلة وصل بين تلك الهويات، وبذلك تشكل مساحة أمان اجتماعي تحجز عوامل الصراع الداخلي عن التحول إلى عوامل تفكيك للبنية. بناءً على هذا الدور الذي تلعبه فإنها تشكل مرجعية تعود إليها الفئات المكونة للمجتمع لمعالجة تأثيرات التدخل الخارجي الرامية إلى إثارة النزاعات وتشتيت القدرات وتعريف الأصدقاء والأعداء وتحديد أولويات بديلة. مع تجاوز الاتفاقيات تنهار الثقة الاجتماعية ولو لم يتم إلغاؤها بشكل رسمي توافقي، يتجه المجتمع إلى إعادة التشكل التي قد تمر بمسار عنيف يحدد مساحة نفوذ كل فئة وميزان قوتها الجديد.

عمليات التبيين: تبعًا للمرجعيات التي تستند إليها الاتفاقيات والتي تسوغ وتشرع وجودها واستمرارها وتطبيقها، يمكن أن تصمَّم عمليات التبيين التي توضح الرؤية التي قامت تلك التوافقات على أساسها، وتحدد الغايات العليا التي تخدمها، فترفع التشويه والتشتت الذي يحيط بها بسبب عمليات التأثير المعرفي التي يمارسها التدخل الخارجي. تتعقد عمليات التبيين في حال وصل التأثير إلى تبديل المرجعيات المشكلة للتوافقات، وهو ما تتعرض له النخب التي لا تهتم بالنتائج، بل تتعداها إلى الأصول وتعمل عليها.

إعادة التشكل: تجديد الثقة والشعور بمصداقية وجدوى وضرورة التوافقات الجماعية، باعتبارها ناظمًا حياتيًّا وأخلاقيًّا عموميًّا، يمهد الطريق لعودة الاستقرار إلى البنية الاجتماعية، وبانزياح شوائب الاضطراب والتشكيك في استمرارية التوافق تتراجع نسبة الهواجس والقلق في التواصل والتفاعل والتخادم بين الفئات المتعددة، وتتحقق مجددًا اللغة المنطقية المشتركة التي توزع الحقوق والمسؤوليات والمصالح المادية والمعنوية للعموم، ويتمكن المجتمع من العمل بشكل تكاملي في مواجهة المشكلات، وكذلك في صياغة السرديات التاريخية المناسبة للتشكل الاجتماعي، وبناء أدبيات للحوار بين الطبقات والمجموعات، ومعالجة التحديات الفكرية والثقافية بهوية واضحة وواثقة.

  1. التعاطف القرابي والعمومي: التفاعل النفسي والعاطفي داخل العائلة وخارجها واتجاه الجماعة الكلية.

مضافًا إلى الانتظام المعرفي أو العملاني يقوم البعد الشعوري على تجسير المسافة بين الأفراد والمجموعات والفئات والمجتمعات عندما يحصل الخلل في الأوضاع الحياتية أو النفسية، ويعيد إحياء الإحساس بالهوية الواحدة، وينقطع هذا التعاطف بفعل الاختلالات الروحية والأخلاقية والنفسية والانعزال والتقسيم الاجتماعي على أساس فئوي أو طبقي أو التشكيك في قيمة الهوية الجماعية وإضعاف الانتماء إليها.

المجريات: تحمل الثقافة المادية بذور التفكك الإنساني وترمي بروح الإنسان نحو الحضيض، فإن وضع الإنسان في موضع القطب من هذا العالم قد هشم روحه؛ إذ وضعه في غير موضعه، وأفقده مشاعره الفطرية إذ يمارس الادعاء والتوهم لما ليس له. الاستكبار ينشر أجزاءً من ثقافته بما يحقق مصالحه، تلك الأجزاء التي تبعث الوهن في المجتمعات التي لا تحمل الثقافة المادية، فتشكل رسائله عامل صدمة ثقافية، أما البنية التي يعتمدها لتبرير استقلاليته وتفوقه وبناء القوة والتدخل في شؤون الآخرين فتبقى خارج برامج التغيير الثقافي إلا في إطار تكريس الاعتراف بقوة المستكبر. كذلك ينشر الأخير رسائل ثقافية وفنية تؤدي إلى اختلالات روحية وأخلاقية، كما يشرع لنمط حياة فرداني انعزالي يؤدي إلى التقسيم والتجزئة والتفكيك الاجتماعي، ويتقاطع ذلك مع استهدافه للثقة بالهوية العامة والاتفاقات الجماعية الذي ينسجم مع الاتجاه الفرداني المرتكز إلى تلاشي الشعور بالجماعة وأهميتها.

عمليات التفكيك: بتغير نظرة الفرد إلى حقوقه وأولوياته وغاياته ومجالات اهتمامه تتأثر روابطه مع الآخرين، وعندما يتبنى بشكل غير واع الثقافة الفردانية فإنه يعيد تنظيم حياته على أساس تراجع قيمة المشاعر الإنسانية في أولويات سلوكياته واهتماماته، ما يؤثر تلقائيًّا على عنايته بالقضايا العمومية ومشكلات الآخرين، بل يمكن أن ينظر إلى القضايا العامة من منظاره الخاص ومصلحته الفردية حصرًا، ويوظف الموارد العامة ومشكلات الآخرين لصالحه عندما يتمكن من ذلك، ما يؤدي إلى التفكك الأفقي الشامل وسريان النزاعات في الدوائر الخاصة والعامة على اختلاف سعتها ومستوياتها. يعمل التفكك العاطفي/النفسي رغم وجود الأطر المؤسساتية والاتفاقيات الجماعية، فهو تفكك يتحرك كتيار داخلي يمكن أن يغير في البنية العامة عند نضجه وتعمقه وتحوله إلى موجه رئيسي لنمط السلوك واتخاذ القرارات.

عمليات التبيين: عملية الإحياء الشعوري والعاطفي تستند إلى أبعاد متعددة، فهناك موئل العترة الطاهرة لرسول الله (ص)، الذي يشكل محضرًا روحانيًّا وشعوريًّا مثاليًّا، وتتنوع دواعي التبيين من نمط الحياة ونظام العيش الفردي والأسري، وإحياء الحياة المعنوية الفكرية والعبادية والروحية، وترميم الهوية الجماعية وشعور الانتماء الأخلاقي المتوازن إليها. يفترض أن تنضبط هذه العمليات في نطاق لغة شعورية وعاطفية تعيد الثقة النفسية والمعنوية وتشتد الروابط بين الدائرة القرابية الخاصة والمستوى العام.

إعادة التشكل: لا يرجح عادة أن تحصل حالة التحفز واليقظة العاطفية والشعورية بشكل دفعي، فذلك يحتاج إلى ظروف خاصة تحرك المشاعر الجماعية مثل الثورات الأخلاقية أو الحروب العادلة، أما إعادة الحالة الإنسانية إلى الفطرة الحية الحساسة فهو في الظروف العادية ينطوي ضمن مسارات متعددة يرفد بعضها بعضًا، بدءًا من الالتفات والاهتمام بالبعد الشعوري في الحياة الفردية والاجتماعية، ومرورًا بتبيُّن السبل لنظم دوائر المجتمع بحيث تراعي المجال الشعوري العام والخاص، وتوفر له مساحة آمنة في كل مجالات الحركة والتفاعل الاجتماعي.

الخاتمة

يعكس هذا البحث الوجيز التقاطع الدينامي العميق بين الإعلام والمعرفة والتواصل والبنية الاجتماعية، وازدادت درجة هذا التقاطع بفعل تحديث أشكال الحروب الإدراكية وزيادة وتيرتها وزخمها بالتوازي مع التطور الهائل في وسائل الاتصال ونظم تحليل المعلومات الضخمة، التي تتيح تقييم وتصنيف نقاط الخلل المعرفي الاجتماعي واستهدافها بشكل منتظم بعيد عن العشوائية، بما يؤدي إلى اختراق البنية الاجتماعية وتفكيكها، وعزل فئات فيها وتحويلها إلى أداة للهدم والتخريب المعرفي والتواصلي، الأمر الذي يبرز مدى أهمية تحويل التبيين إلى عمل جهادي، أي مهمة شاملة للأمة مقابل حركة التفكيك الجارية عبر التضليل.

[1]  مدير مركز الاتحاد للأبحاث والتطوير.

[2]  كلمة الإمام الخامنئي في لقاء ممثّلي الهيئات الطالبيّة الجامعيّة، 27/9/2021.

[3]  كلمة الإمام الخامنئي في لقاء مع جمع من قادة وضبّاط القوّات الجويّة، 8/2/2023.



المقالات المرتبطة

الصلة بين العلوم الشرعية ونظرية المعرفة/الإبستمولوجيا

تبدو حاجة الأمة الإسلامية ماسة وضرورية لبناء منهاج جامع لعلوم الوحي/القرآني، وعلوم الإنسان/البشري…

الأسباط أنبياء … وليسوا أبناء يعقوب ولا إخوة يوسف

قديمًا عندما قرأنا حديثًا للنبي محمد (ص)، نراه صحيحًا لأنه متواتر، ولا يخالف النصوص القرآنية

الفكر العربي الحديث والمعاصر | علي زيعور رائد المدرسة النفسانية العربية – المؤلفات والتسويغ للمشروع

يعتبر الدكتور علي زيعور الرائد في مجال النفسانيات، فهو من الأوائل الّذين أدخلوا هذا العلم إلى العالم العربيّ، ويمكن اعتباره

لا يوجد تعليقات

أكتب تعليقًا
لا يوجد تعليقات! تستطيع أن تكون الأوّل في التعليق على هذا المقال!

أكتب تعليقًا

<