الفن والولاية على المجال العام في القرآن الكريم

الفن والولاية على المجال العام في القرآن الكريم

مقدمة

بدأت الكتابة عن الفن في الإسلام عمومًا بالتزامن مع حركة الاستشراق[1]، سواء ما تناول منها جانب العمارة[2]، وتنظيم الحدائق[3]، والإنارة والزخرفة بالتذهيب[4] في الإسلام، أو ما توسّع فتناول الفنون البصرية عمومًا[5]، أو ما جرّد المفاهيم الكلّية فتناول النظرية الجمالية في الإسلام[6]، ولكن اتسم تناول المستشرقين للفن في الإسلام بالتركيز على الجانب التاريخي والوصفي، والنظر للظواهر الفنية باعتبارها “فنون الشعوب الإسلامية” دونًا عن تناول الفن كأحد أدوات المجتمع والدولة في التعبير عن هويتها والاتجاه نحو أهداف رسالة الإسلام؛ وعُزي ذلك إلى اعتبارهم أن قدرة الإنسان على إبداع الفن مقيّدة في حدود الإنتاج الفني المادي[7]، إلا أنه برزت دراسات في القرن الأخير تؤكد أن الكثير من مقاصد الشريعة الإسلامية مثل التوحيد وجدت طريقًا إلى الظواهر الفنية في عصور ازدهار الحضارة الإسلامية[8].

ماهية الفن والجمال

البحث عن الفن في ميزان القرآن الكريم يحتاج في البداية إلى تعريف الجمال بما هو منتج من منتجات الفن، ومن ثم تعريف الفن، ثم البحث في علاقته بالدين عمومًا وفي القرآن الكريم خصوصًا.

الجمال -لغةً- مصدر (الجميل)، والفعل (جمل)، وورد في القرآن الكريم كقوله تعالى: ﴿وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ﴾[9]، قال المفسرون: أي بهاء وحُسن، وقال ابن سيده: أي الزينة.

الفن -لغةً- واحد الفنون، وهي الأنواع، والفن: الحال، والفن: الضرب من الشيء، والجمع أفنان وفنون[10]، والأفانين الأساليب، وهي أجناس الكلام وطرقه، ورجل متفنن، أي ذو فنون، وأفتن الرجل في حديثه، وفي خطبته، بوزن اشتق، جاء بالأفانين[11].

أما عن الفن في الاصطلاح والاستعمال، فتعريفه مثار خلاف المفكرين والفلاسفة على امتداد التاريخ، وذلك لتشابه المنتج الفني مع أشكال تعبيرية أخرى كالفكر والسحر من ناحية، ولكن لأن “تعريف الفن” ليس هو موضوع البحث فيمكن الاقتصار على تعريف عام بأن الفن هو: “تجسيد المشاعر الإنسانية، والبراعة في استنطاق الذات، بحيث تتيح للإنسان التعبير عن نفسه أو محيطه بشكل بصري أو صوتي أو حركي”.

قيمة الفن والجمال في الإسلام والقرآن الكريم

الجمال فطرة مجبولة في نفس الإنسان يميل إليه بطبعه، وقد خاطب المولى عزّ وجلّ هذه الفطرة في موارد كثيرة في القرآن الكريم منها ما كان بلسان المنّة والتنبيه على شكر المفيض المنعم، ومنها ما كان بلسان التدليل بهذا الجمال المادي الحسّي على وجود صانع حكيم لهذه المخلوقات، يقول تعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ﴾[12]، ﴿وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ﴾[13].

﴿يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً ..﴾، يقول المفسرون: إن “الريش” المذكور في الآية كان شيئًا ذو قيمة جمالية زائدة عن حاجة الإنسان المادية للستر بالملبس[14].

﴿وَٱلۡأَنۡعَـٰمَ خَلَقَهَاۖ لَكُمۡ فِیهَا دِفۡءٌ وَمَنَـٰفِعُ وَمِنۡهَا تَأۡكُلُونَ * وَلَكُمۡ فِیهَا جَمَالٌ حِینَ تُرِیحُونَ وَحِینَ تَسۡرَحُونَ * وَتَحۡمِلُ أَثۡقَالَكُمۡ إِلَىٰ بَلَدٍ لَّمۡ تَكُونُوا۟ بَـٰلِغِیهِ إِلَّا بِشِقِّ ٱلۡأَنفُسِۚ إِنَّ رَبَّكُمۡ لَرَءُوفٌ رَّحِیمٌ * وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً ۚ وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾[15]، فقرن تعالى بين المنفعة والوظيفة لهذه المخلوقات مع ما تحمله من قيمة جمالية.

ومثله ما ورد في ذکر جمال منظر السماء، والحث على التأمل فيها بقوله سبحانه وتعالى: ﴿وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ﴾[16].

ويشبه ذلك أيضًا ما ذكره الله سبحانه تعالى في معرض الاستدلال بالجمال، الذي يبعث البهجة في نفس الإنسان على وجود إله قادر ومصوّر حكيم، كقوله تعالى: ﴿أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ ۚ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ﴾[17].

وتحدّثت المصادر الإسلامية عن بلاغة تأثير نبي الله داوود (ع) من خلال الأداء الفني (التأويب)، قال ابن أبي الحديد: إن داوود (ع) أعطي من طيب النغم ولذة ترجيع القراءة ما كانت الطيور لأجله تقع عليه وهو في محرابه، والوحش تسمعه، فتدخل بين الناس ولا تنفر منهم لما قد استغرقها من طيب صوته[18].

وفي الأحكام العملية أن الله سبحانه وتعالى أمر عباده المؤمنين بالتزيُّن والتجمّل كنافلة مؤكدة في بعض العبادات مثل صلاة الجماعة في المسجد: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ ..﴾[19]. أو استحباب التطيُّب قبل الصلاة[20]، والتجمُّل عمومًا[21] … إلخ.

موقف القرآن الكريم من الفن

بالحصر العقلي يمكن تقسيم السلوك البشري بلحاظ الدافع والنتيجة إلى ثلاث أنواع: سلوك ذو قيمة بنّاءة، وسلوك ضد القيم، سلوك عديم القيمة. وقد تناول القرآن الكريم الفنون بمختلف أنواعها (القصصي، التشكيلي، التصويري، الحرفي، والمهني …) في معرض المدح أو القدح بلحاظي الدافع والنتيجة، وأمثلة ذلك:

الحكم على العمل الفني من حيث النتيجة

في مجال الفن القصصي وبخ القرآن الكريم بعض القصاصين بناءً على النتائج السلبية لقصصهم[22] في قوله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا﴾[23]، في الوقت نفسه الذي عبّر عن سورة يوسف باعتبارها تحفة فنيّة “أحسن القصص”[24]. إذًا فالتحريم ليس على القصص في نفسه ولكنه في هذه الحالة على النتيجة أو الهدف النهائي المرجو من وراء ممارسة هذا الفن.

وقد يعبّر تعالى عن بعض الحرف والصناعات والفنون أنها موجبة للهلاك وإدخال أصحابها إلى نار جهنم لأنها استخدمت في إبعاد الإنسان عن الله، مثل فنون الخداع البصري التي مارسها سحرة فرعون ﴿إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى﴾[25]، أو فنون النحت التي مارسها المشركين في بابل ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ﴾[26]، في الوقت الذي يذكر فنون النحت والتمثيل التي أمر بإقامتها نبي الله سليمان (ع) في دولته باعتبارها من شعائر الله الدالة عليه تعالى، والداعية لتقوية إيمان عوام الناس بهذه الدولة ﴿يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ ..﴾[27].

الحكم على العمل الفني من حيث الدافع

على سبيل المثال، فإن القرآن الكريم لم يُدِن أو يؤيد فن العمارة في حد ذاته، بل إنه تناول عملية الإبداع الفني في عمارة سليمان (ع) لقصر بكيفية فنية خاصة كأن يكون سطحه مفروش بزجاج كأنه بركة ماء، وذكر ذلك في معرض التدليل على قدرته تعالى وقدرة أوليائه ﴿… وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ …﴾[28]، وفي الوقت نفسه ندد القرآن الكريم ببناء هامان أبراجًا لفرعون بتفاصيل تقنية ﴿… فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَىٰ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ﴾[29]، وبالرغم من أن القرآن أشار إلى إبداع هندسي في تقنية تشييد كانت متقدمة بمعايير ذلك الوقت لإنشاء أبراج بهذا الارتفاع، ولكن كان هذا الذكر في معرض ذم فرعون وجنوده بسبب أن دافع هذا العمران والإبداع كان محاربة الله وتكذيب رسوله.

أو في فن النحت أن یقوم فنان بصناعة تمثال فجعله ربًّا أو إلهًا ویدعو الناس لعبادته، فذمّ المولى سبحانه وتعالى هذه الشعوب التي ـ بسبب جهلها ـ تنخدع بهذه التشابيه فقال تعالى: ﴿قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ﴾[30]، أو أن يسخّر حرفيّ ـ مثل السامري ـ مهاراته في التجسيم لحرف أذهان عامة الناس[31].

ويظهر مناط التحريم فيما يتعلق بالأعمال الفنية بشكل أوضح في سياق الروايات التي نهى فیها رسول الله (ص) عن التصوير فقال: “من صوّر صورة کلّفه الله تعالى یوم القیامة أن ینفخ فیها”[32]، بذلك يمكن أن نستشفّ أنه عندما یروى عنه (ص): “أن من ینحت تمثالًا فقد ضاد الله”[33]، أنه (ص) یخاطب بذلك الأشخاص الذین کانوا یعتبرون أنفسهم منافسین لله ویحاولون أن یحجبوا قدرة الله على الخلق من خلال هذا “الفن”.

ويظهر مناط التحريم الغائي مرة أخرى فيما يروى أن النبي (ص) بعد فتح مكة، شاهد تمثالین لنبیي الله إبراهیم وإسماعیل (ع) حاملین کأسًا وکان ینسب عرب الجاهلیة آنذاك إلى التمثالین عقیدة خرافیة! حیث کانت هذه الكؤوس تسمّى الأزلام[34]. وبعد أن شاهد (ص) هذا المشهد، تألم وقال: “قاتلهم الله، والله لقد علموا أنهما لم یستقسما بها قط”[35]، فوجّه النبي (ص) اعتراضه على العقیدة المنحرفة التی کان یدعو ویروج له صانعي التمثال. وهذا نظير ما يحدث في عصرنا الحالي من صناعة التماثیل التی یراد بها تکریس حادثة تاریخیة مجهولة وغیر مثبتة کهولوکوست، أو الترويج لسرديات استعمارية، أو ترسيخ وجود تعظيم قيمة شخصيات تتبنى أفكار منحرفة، أو تخليد وتعظيم شعائر وممارسات ضد مقاصد الدين الإسلامي الكبرى.

الحكم على العمل من حيث تأثيره الاجتماعي

ومثل جميع الطاقات والنعم الإلهية والموارد يوصي القرآن الكريم باستخدام الفنون ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِىٓ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ …﴾[36]، ولكن دون حد الدخول في حالة اللهو وإضاعة الوقت والعبثية كأعمال العمارة والتشييد فقط لأجل المتعة والتسلية كسلوك بشري عديم القيمة ﴿أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ﴾[37]. والملاك في استخدامها هو الاعتدال حتى لا يصل إلى حد الانشغال بها عن ذكر الله تعالى والاقتصار على الاهتمام بالمظاهر الدنيوية ﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ﴾[38].

وقد يكون تحريم بعض الأعمال الفنية ناتجًا عن بُعد نظر المشرّع عن الضرر الناتج من هذا الترميز، الذي يتحوّل مع الأجيال من قيمة مجرّدة إلى قيمة مادية؛ فمن خلال استقراء التاریخ سنجد أن بعض الأعمال الفنيّة والتماثیل کانت في أول الأمر تصنع لأغراض سلیمة، لکن استخدامها فیما بعد ينحرف عن الغایات الأولى، ویشیر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي إلى هذا الانحراف قائلًا: “إنّ الاحترام الفائق، الذي یكنونه في بعض الأحیان للأنبیاء والصالحین یتسبب في احترام حتى التمثال، الذي ینحت أو یصنع لهم بعد وفاتهم، ومع مرور الزمن تأخذ هذه التماثیل طابعًا استقلالیًّا، ویتبدل الاحترام إلى عبادة …”[39].

الفن والدين والمجتمع

هناك شبه إجماع لدى مفكري ومؤرخي المسلمين على أن النظرية الإسلامية في إدارة المجتمع والدولة تقول بمقاصد كبرى مثل: وجوب صيانة أفكار الجماعة المسلمة من الشبهات والأفكار المنحرفة، وحفظ الهوية الجماعية -بما تتضمنه من رموز وثوابت-[40]، وأن هذه الأخيرة مكوّن أساسي في أمن المجتمع الإسلامي (وأمن المستضعفين[41]، بمفهومه الشامل)، خاصة الحضارات أو المجتمعات التي تعدّ معتقداتها ومنظومتها الأخلاقية بمثابة العمود الفقري لوجودها وأساس تماسكها وفعاليتها[42]. في تناوله لجدلية الفن والرقابة على الفن يقول السيد علي خامنئي: “إن الهوية الأخلاقية هي الهوية الحقيقية للمجتمع .. هذه هي فضائلنا الأخلاقية، وعلى الإذاعة والتلفاز أن تتكفل بنشرها. ويجب ألا يقتصر دور الرقابة على الإرشاد للحدود الشرعية [الفقه الظاهري] في العمل الإعلامي، بل أن تكون الرقابة شاملة للأفكار التي يمكن أن تمرر في الأعمال الإعلامية والتي تدخل عقول الناس بطرق غير مباشرة[43]؛ فمهمة الصحافة الأولى هي تسييس الشعب، ولكن يجب الرقابة على الصحافة التي تمارس التضليل[44]، ولا تتوقف الرقابة على البرامج السياسية والمحتوى الخبري، ولكن تمتد إلى ما يعتبر فنًّا محضًا أو مواد للتسلية؛ فالثقافة الأجنبية المهاجِمة تستطيع التأثير على الأذهان عن طريق العروض الفنّية والبرامج المسلّية أكثر من التأثير عن طريق الحوار”[45].

وإذا كان الجمال -نظريًّا- في تعريف الدين واحد من الصفات الإلهية، وأحد وسائل تهذيب النفس واكتساب الكمالات المعنوية، لكن طالما كان الأكثر التباسًا في مفهوم الفن والجمال، هل إنه وسيلة حاملة لقيم أخرى أم أن للفن والجمال قيمة في حدّ ذاته؟ بمعنى آخر هل ينبغي أن ترفع القيود عن الفن والجمال على إطلاقها؟ أم تقدّر بحسب هدفه وتأثيره النهائي على الفرد والمجتمع؟

في كتابه “الفن والأدب في التصوّر الإسلامي”، يقول السيد علي خامنئي: “لا حَظَّ لأية رسالة ودعوة وثورة وحضارة وثقافة من التأثير والانتشار والبقاء إذا لم تُطرح في شكلٍ فني، ولا فرق في ذلك بين الدعوات المحقة والباطلة”[46]. ولا يتردد السيد الخامنئي في توسيع هذا المفهوم حتى على الحقائق القرآنية باعتبارها ليست كافية في نفسها لأداء وظيفتها الأساسية -وهي الهداية- فعندما يتناول القرآن من زاوية فنيّة يقول: “القرآن هو ذروة الفن[47] .. والفنّ وسيلةٌ ذات قيمة عالية، وهو أفضل وسيلة للرسالة الرحمانية أو التوجه الشيطاني .. الذين لديهم رسالة يريدون تبليغها للناس، سواء أكانت هذه الرسالة رحمانية أو شيطانية، فإنَّ أفضل وسيلة يستخدمونها هي وسيلة الفن. الشيء المهم جدًّا هو أنَّ استخدام الفن يجب أن يكون كباقي الأدوات والوسائل الحاملة للفكر، ذات اتجاه دقيق وواضح وصحيح جدًّا، ولا يكون اتجاهه خاطئًا. لذلك يُستخدم الفن في العالم اليوم لتصوير أكثر الآراء باطلًا على أنَّها حقٌّ في أذهان جماعة كبيرة من الناس، وهذا غير ممكن من دون الفن، لكنَّهم يجعلونه ممكنًا بالفن وبالأدوات الفنية. خذوا مثلًا فن السينما والتلفزيون حيث يستخدمون أنواع الأساليب الفنية ليستطيعوا إيصال رسالة باطلة إلى أذهان الناس على أنَّها حق”[48].

في الجهة المقابلة ما يطلق عليه “الفن لذاته”، أو الفن المستقل عن الأخلاق، والذي يتم التنظير له على أساس أنه “يتطابق في ذاته مع الخير”[49] بلا حاجة إلى تقييمه بالنسبة إلى الهدف أو الرسالة، فغالبًا ما كان هذا النوع من الفن تأثيره على مستوى الفرد هو تقوية ما يسمى في علم الأخلاق الإسلامي “قوى النفس المظلمة”، أي كل ما يستهدف إشباع اللذات الحسية وإثارة الشهوات النفسية، ما أدى -ضمن سياقات تاريخية واجتماعية أخرى- إلى وجود تصور للعلاقة بين الفقيه والفنان في إطار من التنافس وأحيانًا التخاصم، فالفقيه أدواته: (العقل والفلسفة والاتصال بالوحي) وغايته: “التكامل الفردي والاجتماعي من خلال تقييد السلوك البشري والسيطرة على الغرائز الأنانية وتقييم سلوك الإنسان بمعايير الأخلاق”، في حين أن “الفنان” أدواته الأساسية هي: “إثارة الخيال وتحريك الحواس”، وغايته النهائية “التحرر من القيود وإمتاع الحواس وإشباع غريزة البقاء”. (سقراط) على سبيل المثال، كان يرى أن الفن لا بدّ أن يحث على الفضيلة؛ أي لا بدّ أن ينطوي على قيمة أخلاقية، وإلا أصبح الفن ذاته لا قيمة له. (أفلاطون) أيضًا تحدث عن وجوب حذف مقامات موسيقية معينة، بحجة أنّ فيها من الليونة ما يمكن أن يُفسد أخلاق الشباب الذين ينبغي أن يتحلوا بالشجاعة، التي إن غابت فيمكن أن تضع (أثينا) تحت رحمة أعدائها.

أما تأثير “الفن لذاته” على المجتمعات، فكان بأشكال أكثر تعقيدًا وعمقًا أدّت في كثير من الأحيان لترسيخ الاستبداد؛ ربما بسبب اقتران هذا النوع من الفن بالسلطة الفرعونية، التي استخدمته لخلق الأسطورة وزخرفة الأيديولوجيا وحشد الناس؛ صاغ تركيب هذه العلاقة أستاذ الاجتماع السوري في جامعة دمشق إسعاف حمد عندما قال: “بشكل تقليدي غالبًا ما كان يعيش الفنان في علاقته مع السلطة صراعًا داخليًّا، فهو من جهة يرغب في تبيين الحقيقة وقولها، لكنه إذا اختار هذا الطريق عاش منبوذًا ومهانًا، أما إذا جعل مواهبه في خدمة السلطة فإنه سيحقق المكانة والرفاهية”[50]. وكنتيجة طبيعية لهشاشة الفن وحاجته إلى الدعم والحماية نشأ تحالف بين الفن، وبين السلطة (الفرعون/ الملك/ رأس المال).

النتيجة كانت توظيف “الفن” كأفضل أداة لدى السلطة للتحكم بالجماهير، لإثارة العواطف عند الحاجة، والتخدير والإلهاء عند الحاجة، والإجابة عن أسئلة ما بعد الموت وطمأنة خوف الإنسان من العدم واللامعنى، والأهم: هو السيطرة على المخيال الجمعي وتشكيل هوية مجتمعات بديلة تنافس دعوات الأنبياء والأولياء والفقهاء، فكان الفن المتحالف مع السلطة تحديًا حاضرًا في التاريخ الديني ابتداءً من قصة موسى مقابل سحرة فرعون، مرورًا بقصّاصي جيش معاوية مقابل معسكر الإمام علي[51]، وهي الظاهرة التي عبّر عنها إدوارد سعيد في كتابه “المثقّف والسلطة” بأنهم عبيد لـ “آلهة دائبة الخذلان”، طالما كانت توظّفهم لاكتساب شرعيتها مثيرةً لطمعهم في أبوّتها وحمايتها ثم كانت – ولا زالت – تلقي بهم في بئر الخذلان، وكانوا بالنسبة لها كأفراد أشياء قابلة للاستبدال، إلا أنهم كانوا -وسيظلون- كجماعة وظيفية في نفس أهمية أجهزة الجيش والشرطة باعتبارهم الوسيلة الأسهل لتأكيد شرعية هذه السلطة في خيال عوام الناس، يقول المتنبي: (إذا كان بعض الناس سيفًا لدولةٍ * ففي الناس أبواقٌ لها وطبولُ).

الفن والاستبداد والغواية في القرآن الكريم

أولى الإشارات لخطورة “الفن لذاته” كأداة غواية وتضليل ورَدَت في القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ * إِلاَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللهَ كَثِيراً[52]. تبعت ذلك حوادث مشهورة في التاريخ الإسلامي مثل أحكام قتل بعض الشعراء والمغنّين في فتح مكة – وإن تعلقوا بأستار الكعبة -، ومثل تحريم بعض التصاوير والمنحوتات، ما فسره بعض المؤرخين أنه لم يكن تحريمًا في نفسه، وإنما حكمٌ مؤقت مرتبط بترويج رموز وثنية أو مسيحية كانت رائجة في هذه الأعمال الفنية، ثم لاحقًا وبالتدريج أمكن في فنون النحت والرسم والتصوير – وبعد اكتساب المسلمين الثروة والخبرة – أمكن استبدال فن الأشكال الهندسية وفنون الخط العربي بالمحاكاة الوثنية والإغريقية، وأمكن تحويل “التجسيد الحسّي”، أو التشخيص في الهيئة المادية -كإحدى أهم خصائص الفن المسيحي- إلى تجريد الصورة وترميزها، ما منح الفن الإسلامي آنذاك القوة على حمل فكرة التوحيد. الحدث، الذي يعتبر، حسب المسيري[53]، أحد أهم آثار إسلامية المعرفة على الفن.

بعد قيام الثورة الإسلامية وإعلان هدفها النهائي بتأسيس “دولة حديثة”، وحاجة منظّريها إلى إثبات قدرة اجتهاداتهم الفقهية على تقديم نموذج لدولة ناجحة، فرض الواقع الاجتماعي على رجال الثورة من علماء الدين الاشتباك مع المجال العام الفني، وكان الشعور بخطورة الفن حاضرًا بصراحة في كلام رجال الثورة، يقول السيد علي خامنئي: “للأسف يستغل أعداء الإسلام وإيران وأعداء شرفنا وعزَّتنا الفن ولا زالوا يستغلّونه. يستغلّون الشعر والرسم والقصة والأفلام والمسرحيات وباقي الفروع الفنية كأدواتٍ لسحق الفضيلة، ومحق الحقائق والفضائل المعنوية والإسلامية، ودفع الناس نحو المادية واللهو واللعب المادي.. السينما فنّ جد متقدّم ومتطور، وتوجد اليوم أبرز وأقدر منظومة سينمائية في العالم في هوليوود. لاحظوا لخدمة أي شيء تعمل هوليوود اليوم، ومن الذي تخدمه، وما هي الأفكار والاتجاهات التي تخدمها هوليوود؟ إنها تخدم إشاعة الفحشاء والعبث وانعدام الهوية لدى الإنسان، وتخدم العنف، وإلهاء عامة الشعوب ببعضهم لكي تستطيع الطبقات الراقية الحياة بدون منغصات وهموم. هذه المؤسسة السينمائية العملاقة التي تجتمع فيها عشرات الشركات الكبرى لإنتاج الأفلام بما فيها من فنانين ومخرجين وممثلين وكتّاب مسرحيات وسيناريوهات ومستثمرين، تعمل لخدمة هدف معين. والهدف هو في الحقيقة أهداف السياسة الاستكبارية للحكومة الأمريكية. هذا ليس بالشيء القليل”[54]. ومن اليوم الأول لانتصار الثورة الإسلامية اشتعل ميدان المواجهة بين المعسكرين.

الفن كأداة من أدوات الاستكبار

في وقت أصبحت الليبرالية الثقافية دوجما مسلّم بها، يتم تناول الأفكار -أيّة أفكار- باعتبارها قيمة لذاتها لا تحتاج إلى أي رقابة من أي سلطة، سواء كانت سلطة إلهية فطرية أو تعاقدية منفعية، ومعها ترسّخ مبدأ ما يمكن أن نسميه “الداروينية الثقافية”، أي أن سنن التدافع كفيلة بإسقاط الأفكار الرديئة، وأن عوامل الجمال والأخلاق في الأفكار البنّاءة كفيلة بانتشارها؛ كونها تحمل عوامل نجاحها بشكل ذاتي[55]، ولأسباب سياسية تتعلق بمشروع الهيمنة الغربي خفتت أصوات فلاسفة أوروبيين طرحوا نظريات أخرى تثبت أن هذه الحرية المطلقة في المجال الثقافي والفني ستؤدي -حتمًا- إلى التسافل الاجتماعي الأخلاقي وفساد الذوق العام، وبالتالي استنتجوا ضرورة حضور سلطة أخلاقية عليا ذات قوّة قاهرة على المجال العام، عن ذلك يقول ماثيو أرنولد في كتابه “الثقافة والفوضى”: إن الرقابة على المجال العام خطوة أساسية لتطوير المجتمعات نحو ثقافة مدنية متعالية؛ من أجل ترسيخ معالي الأخلاق ولكي يتجه الذوق العام -حسب تعبير برنارد روسنبرك- من “الثقافة الشعبوية” الجماهيرية إلى “ثقافة النُّخب”. وبغض النظر عن أن هذه السلطة على المجال العام (الرقابة) استخدمتها الدكتاتوريات في السيطرة على الناس والقضاء على المعارضة. لكن طبقًا لهذه المدرسة سيكون مفهومًا أن اجتهاد مرجعيات الإسلام السياسي وتنظيرهم لما أسموه “ولاية الفقيه على المجال العام”، أو “الولاية الثقافية” ليس بالضرورة رجعية دينية أو محض ضعف وخوف مقابل الفن.

ويحاول الإعلام الليبرالي ترسيخ “الفن لذاته” كلازمة مسلّم بها للحداثة، ما يفضي بشكل تلقائي إلى تحصينه من أي محاسبة طبقًا لاعتبارات الذوق العام أو النقد العلمي؛ تارةً من خلال المغالطات المفاهيمية مثل تصوير العفة والحياء باعتبارها قيم رجعية، وتارة أُخرى من خلال تسييل المفاهيم مثل ترويج البذاءة والإباحية تحت ستار “الواقعية الفنيّة”، وتارةً أُخرى من خلال تهريب أي عمل “إبداعي” من المواجهة النقدية بذريعة أن الفانتازيا والعوالم والشخصيات الخيالية -حتى وإن كانت تقتبس أو تحاكي وقائع تاريخية وشخصيات مقدسة- لا يمكن وضعها تحت طائلة التدقيق العلمي، لأنها في النهاية “خيال”! عند ذلك تكون مهمة الفقيه أو الرقيب على المجال العام مهمة انتحارية في طريق مزروع بالألغام، فهو لو حاكم النص الأدبي محاكمة علمية، ومن ثم قرّر منع نشره لاعترضت عليه النخب المحلية بزعم أن فعله هو “ادعاء لامتلاك الحق والحقيقة” -اللذان هما نسبيان- وبالتالي فإن امتلاك الحقيقة والتصرف على أساس ذلك يعتبر رجعية و “جريمة بحق الفن والحرية”.

الفقيه والولاية على المجال العام

استغرق الأمر مئات السنوات حتى أمكن الحكم بوضوح على شخصيات مثل: (كعب الأحبار)، و(تميم الداري)، و(وهب بن منبّه). واستغرق الأمر جهد مئات الباحثين حتى أمكن معرفة أثر ما عُرف بـ “القصاصين” وحكاياتهم المحمّلة بالإسرائيليات واختراقها التراث الإسلامي[56]. على الجانب الآخر وبحسب الاجتهاد الفقهي الشيعي ومنها -على سبيل المثال- أقدم التفاسير الشيعية للقرآن (تفسير العلّامة الطبرسي) للآية[57]، فإن “الجهاد الثقافي” والردّ على شبهات الكفّار وأعداء الدين كان أحد التكليفات الشرعية في الخطاب المتوجه إلى النبيّ الأكرم (ص) في قوله تعالى: ﴿فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا﴾[58]، فلولا تحمل نخبة ثقافية متخصصة للمسؤولية فقد يستغرق الأمر عقودًا أخرى لمعرفة تأثير إنتاجات: (سلمان رشدي)، و(أدونيس)، و(أحمد سعد زايد) وغيرهم.

وعلى عكس الثورات التي يتسابق رجالها على مواقع النفوذ داخل الدولة العميقة وفي مفاصل المؤسسات الأمنية ومسارات تدفق الثروة، فإن البعد الفني والثقافي كان هو الهاجس الأكبر لمسؤولي الثورة الإسلامية في إيران، كان هذا الهاجس الثقافي والفني حاضرًا منذ الأيام الأولى للثورة وحتى إبان المواجهة العسكرية بين إيران والعراق، يقول السيد علي خامنئي في ذكرياته عن الحرب المفروضة: “كان القلق والاضطراب والهواجس تعتريني منذ أوائل الثورة وحتّى الآن من جرّاء قضيّة الثقافة، وذلك بسبب الأهمّيّة الخاصّة التي أؤمن بوجودها في هذا المضمار، وفي النفوذ الثقافيّ والشخصيّة الثقافيّة والعمل، الذي يمكن لكلّ من الأعداء والأصدقاء أن يقوموا به”[59].

كانت أولوية السيد الإمام الخميني هي بناء الهوية والثقافة الإسلامية حتى قبل التحديات الاقتصادية والعسكرية، عن ذلك يقول السيد علي خامنئي في كتابه “النفوذ” الصادر أخيرًا في مايو/أيار 2022: “بعبارة مختصرة أقول: يا أعزائي! إن الثقافة أهم من الاقتصاد. لماذا؟ لأن الثقافة هي بمثابة الهواء الذي نتنفسه؛ أنتم مضطرون للتنفس شئتم أم أبيتم؛ إن كان هذا الهواء نظيفًا، فإن له آثار على أجسادكم؛ وإن كان ملوثًا، فله آثار مختلفة .. لا يمكننا التغافل عن حضور الأعداء في المسائل الثقافية، هكذا كان الوضع حاليًّا، وهكذا كان منذ الأيام الأولى للثورة؛ ألقت الأجهزة الإعلامية [المعادية للثورة] بكل ثقلها، وعملت بكل ما تملك من قوة؛ كي يتراجع الناس عن اعتقادهم بأسس هذه الثورة، هذا عمل ثقافي؟! لقد تم استهداف إيمان الناس والهجوم عليه، إنهم يهاجمون الاعتقادات القلبية للناس، لا يمكن للإنسان تجاهل هذا الأمر .. إن وجد في البلاد أشخاص يجهدون لاقتلاع إيمان الشباب من جذوره؛ لا يصحّ التفرج على هذا الأمر باعتباره حريّة”[60].

عن ذلك يقول الإمام الخميني في “الوصايا السياسية الإلهية”: “من جملة المخطّطات التي تركت -وللأسف- أثرها الكبير في مختلف البلدان وفي بلدنا العزيز – والتي ما زالت بعض آثارها باقية بنسب كبيرة- هي جعل الدول المستعمرَة تعيش حالة فقدان الهوية والانبهار بالغرب والشرق، إلى درجة تجعل هذه البلدان تحتقر ماضيها وثقافاتها وقدراتها، وتعتبر الغرب والشرق القطبين المقتدرين والعنصرين المتفوّقين أولي الثقافة الأسمى، وأنّهما قبلة العالم، وتجعل من الارتباط بأحدهما أمرًا مفروضًا لا يمكن الفرار منه… بل إن الأمر بلغ حدًّا جعل الكتّاب والخطباء الجهلة المأسورين للغرب أو الشرق يتناولون بالانتقاد والسخرية ويدمّرون كلّ ما لدينا من الثقافة والأدب والصناعة والإبداع للقضاء على فكرنا وإمكاناتنا الذاتية وزرع اليأس والقنوط لدينا، مروّجين -بدلًا من ذلك- للعادات والتقاليد الأجنبية -رغم انحطاطها وابتذالها- وذلك بالقول والكتابة والسلوك العملي”.

ويصرّح محمود شاكر في كتابه أباطيل وأسمار: “ويزيد الأمر بشاعةً: أن الذين هم هدفٌ للتدمير والتمزيق والنسف، لا يكادون يتوهمون أن ميدان الثقافة والأدب والفكر هو أخطر ميادين هذه الحرب؛ فلو أن نصرانيًّا يعتقد المسلم بطلان عقائده، فأنشأ انفعاله بما تهتز به نفسه اتجاه عقائده على شكل نص رفيع من الشعر، ستنجذب لكلامه نفس المسلم ويتأثر بها”[61].

النتيجة

حيث إن القرآن الكريم حلّل دوافع ونتائج والتأثير الاجتماعي لأنواع الفنون، واعتبرها تارة وسيلة بنّاءة، وأخرى هدّامة، فطبقًا لقاعدة “نفي السبيل” كان لزامًا على الأنبياء والأولياء ونوّابهم العامّين (الفقهاء) امتلاك الولاية لضبط المجال العام، لعدة أسباب:

  • أن ميدان الثقافة والفن هما ساحة صراع بين الحق والباطل على مر التاريخ.
  • أن الفقيه هو الأقدر على تشخيص التأثيرات الاجتماعية للأنواع المختلفة من الفنون وإسقاط الآيات القرآنية على الواقع.
  • أن المجال العام، الذي تبث فيه هذه الفنون لتصل إلى عوام الناس وتؤثر عليهم بشكل جمعي لا إرادي.
  • أنه يجب دعم الفنون التي تخدم الأهداف الإلهية وتنشر القيم الدينية السامية.

[1] فتحي حسن ملكاوي، جوهر الحضارة الإسلامية وتجلياتها: قراءة في كتاب أطلس الحضارة الإسلامية، تأليف إسماعيل الفاروقي، ولمياء الفاروقي، إسماعيل الفاروقي وإسهاماته في الإصلاح الفكري الإسلامي المعاصر، تحرير فتحي ملكاوي، ورائد عكاشة، وعبد الرحمن أبو صعيليك، عمان: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 2014م، الصفحات 519- 541.

[2] Ettinghausen, Richard, Grabar, Oleg, And  Jenkins-Madina, Marilyn. Islamic Art And Architecture 650-1250, The Yale University Press (Pelican History Of Art Series), 2nd Edition, 2003.

[3] Clark, Emma. The Art Of The Islamic Garden, Crowood Press, 2011.

[4] Onat, Sema. Islamic Art Of Illumination: Classical Tazhib From Ottoman To Contemporary Times, Blue Dome Press, 2015.

[5] Ruggles, D. Fairchild (Ed.) Islamic Art And Visual Culture: An Anthology Of Sources. Wiley-Blackwell; 1st Edition (April 25, 2011).

[6] Gonzalez, Varlerie. Beauty And Islam: Aesthetics In Islamic Arts And Architecture. London: I. B. Tauurs And The Institute Of Ismaili Studies, 2001.

[7] هذا ما عبّر عنه علي عزت بيجوفيتش نقلًا عن نقّاد الفن الغربيين، انظر في ذلك:

– علي عزت بيجوفيتش، الإسلام بين الشرق والغرب، ترجمة: محمد يوسف عدس، بيروت: مؤسسة العلم الحديث، الطبعة 1، 1994م، الصفحة 144.

[8] Al Faruqi Ismail And Al Faruqi Lois Lamya. The Cultural Atlas Of Islam,Op Cit. P. 73.

[9] سورة النحل، الآية 6.

[10] مختار الصحاح، الجزء 1، الصفحة 215.

[11] لسان العرب، الجزء 13، الصفحة 326.

[12] سورة الانفطار، الآية 7.

[13] سورة غافر، الآية 64.

[14] ناصر مكارم الشيرازي، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، بيروت: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، الطبعة1، 2003 م، الجزء5، الصفحة 6.

[15] سورة النحل، الآيات 5 – 8.

[16] سورة الحجر، الآية 16.

[17] سورة النمل، الآية 60.

[18] ابن أبي حديد، عز الدين‌ أبو حامد، شرح نهج البلاغة، بيروت: دار الكتاب العربي، الطبعة 1، 2007م، الجزء2، الصفحة 471.

[19] سورة الأعراف، الآية 31.

[20] عن الحسن بن علي عن أبي الحسن (ع) قال: “كان يعرف موضع سجود أبي عبد الله (ع) بطيب ريحه”. وعن علي بن إبراهيم رفعه عن أبي عبد الله (ع) قال: “صلاة متطيب أفضل من سبعين صلاة بغير طيب”، راجع في ذلك:

يوسف بن أحمد آل عصفور البحراني، الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، قم: مؤسسة النشر الإسلامي، جماعة المدرسين، الطبعة 7، 1999، الجزء 7، الصفحة 115.

[21] عن أبي عبد الله (ع) قال: أبصر رسول الله صلى الله عليه وآله رجلًا شعثًا شعر رأسه وسخة ثيابه سيئة حاله، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: من الدين المتعة. وعن يوسف بن إبراهيم، عن أبي عبد الله (ع) (في حديث) قال: البس وتجمل فإن الله جميل يحب الجمال وليكن من حلال، راجع في ذلك:

الحر العاملي، أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي، وسائل الشيعة، قم: مؤسسة آل البيت (ع) لإحياء التراث، الطبعة 2، 1992م، الجزء 3، الصفحة 340.

[22] فی عصر النبي (ص) عندما کان عامة الناس منشغلین بالقرآن ومفاهیمه القیمة، أخذ بعض رواة القصص یروون قصة رستم واسفندیار من أجل أن تنحرف أذهان الناس عن تعالیم القرآن فنزلت ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ﴾. [سورة لقمان، الآية 6].

[23] سورة لقمان، الآية 6.

[24] ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ﴾ [سورة يوسف، الآية3].

[25] سورة طه، الآية 69.

[26] سورة الأنبیاء، الآية 98.

[27] سورة سبأ، الآية 13.

[28] سورة النمل، الآية 44.

[29] سورة القصص، الآية 38.

[30] سورة الصافات، الآية 95.

[31] سورة الأعراف، الآية 148؛ سورة طه، الآية 88؛ سورة البقرة، الآية 95.

[32] الحر العاملی، محمد بن الحسن، وسائل الشیعة، قم: مؤسسة آل البیت (ع)، 1409، هـ. ق، الجزء 17، الحديث 22574، الصفحة 297.

[33] میرزا حسین النوري، مستدرك الوسائل، قم: مؤسسة آل البیت (ع)، 1408، هـ. ق، الجزء 3، الحديث 3976، الصفحة 454.

[34] سورة المائدة، الآية 3.

[35] ابن منظور، لسان العرب، الجزء 12، الصفحة 479.

[36] سورة الأعراف، الآية 32.

[37] سورة الشعراء، الآية 128.

[38] سورة الروم، الآية 7.

[39] ناصر مكارم الشیرازي، الأمثل في تفسیر کتاب الله المنزل، قم: مدرسة الإمام علي بن أبي طالب، 1421 ق‏، الجزء ‏15، الصفحة 12.

[40]Https://Www.Almaaref.Org/Maarefdetails.Php?Id=604&Subcatid=134&Cid=6&Supcat=0  [ACCESED ON 16/09/2022]

[41] مصطلح “أمن المستضعفين” ورد في دراسة حديثة بنفس العنوان للكاتب أ. هادي قبيسي.

[42] محمد عطوان، دور المتعين الرمزي في الثقافات، مراجعة نقدية في استعمال رمزية النبي من خلال رسوم الكاريكاتير، العلوم السياسية، 2007، مج 18، ع 34، الصفحتان 104 و 127.

[43] في خطاب بمناسبة لقاء سماحة الإمام الخامنئي (حفظه الله) مع رئيس ومدراء منظمة الإذاعة والتلفزيون.

[44] خطاب السيد علي الخامنئي إلى أصحاب الجرائد والعاملين في الحقل الإعلامي. الزمان: 3 ـ 12 ـ 1414هـ.

[45] في خطاب بمناسبة تعيين (علي لاريجاني) رئيسًا لمؤسسة الإذاعة والتلفزيون.

[46] علي الخامنئي، الفن والأدب في التصوّر الإسلامي، مؤسسة البلاغ المبين، الفصل الأول، الصفحة 2.

[47] موقع دار الولاية للثقافة والإعلام 25/4/2010.

[48] موقع دار الولاية للثقافة والإعلام 25/4/2010.

[49] ينظر: أنطون حبيب رحمة، التربية العامة، جامعة دمشق، مديرية الكتب الجامعية، 1983-1984، الصفحة 13.

[50] إسعاف حمد، المثقف العربي: إشكالية الدور الفاعل، دمشق، مجلة جامعة دمشق، 2014، مج3، الصفحة 347.

[51] ينظر: الشيخ كاظم آل ياسين، تاريخ سيد الأوصياء، دار المحجة البيضاء، الطبعة 1، 2016، الصفحة 15.

[52] سورة الشعراء، الآيات 224- 227.

[53] ينظر: عبد الوهاب المسيري، إشكالية التحيز: في الفن والعمارة، دار السلام، الطبعة 1، 2008، الصفحة 8.

[54] موقع دار الولاية للثقافة والإعلام 25/4/2010.

[55] ينظر: ثلاث كتب لـ (جون ستيوارت ميل): “عن الحرية”، و “مذهب المنفعة”، و “أسس الليبرالية السياسية”.

[56] ينظر: الشيخ كاظم آل ياسين، تاريخ سيد الأوصياء، دار المحجة البيضاء، الطبعة 1، 2016، الصفحة 15.

[57] مجمع البيان، للشيخ الطبرسي، الجزء7، الصفحة 175.

[58] سورة الفرقان، الآية 52.

[59] ينظر: علي الخامنئي، الهواجس الثقافية في المشروع الحضاري المعاصر، إعداد وتدوين مركز صهبا، ترجمة: علي الحاج حسن، دار المعارف الحكمية، الصفحتان 97 و98.

[60] علي الخامنئي، النفوذ، دار الوفاء للثقافة والإعلام، الصفحات 78- 81.

[61] محمود محمد شاكر، أباطيل وأسمار، القاهرة: مكتبة الخانجي، الطبعة 3، 2005م، الصفحة 13.



المقالات المرتبطة

تاريخ علم الكلام | الدرس الخامس عشر

بانَ في الدرس السابق أنّ مدينة الحلّة باتت، مع نهاية القرن السادس للهجرة، وعبر استقبالها لسديد الدين الحمِّصي الرازي – متكلّم عصره -، مركزًا للأفكار الكلاميّة

الإمام موسى الصدر وقضايا الوحدة والتعددية

فمشروع الإمام السيد الصدر يناقض الطائفية، ويعمل من خلال دوائره المتعدّدة لرفع الحيف والظلم والحرمان عن فئات المجتمع اللبناني بصرف النظر عن انتماءاتها الدينية والمذهبية.

إرجاع العلم الحصولي إلى العلم الحضوري من وجهة نظر العلامة الطباطبائي

جرت عادة الفلسفة الإسلامية بشكل واضح وبارز على تقسيم العلم إلى حضوري وحصولي، وتقسيم العلم الحصولي إلى تصوّر وتصديق، وتقسيم التصوّر الكلّي إلى: ماهوي، وفلسفي، ومنطقي، على المنوال نفسه.

لا يوجد تعليقات

أكتب تعليقًا
لا يوجد تعليقات! تستطيع أن تكون الأوّل في التعليق على هذا المقال!

أكتب تعليقًا

<