القائمة الرئيسة

إدارة الألم..كيف يساعدنا الصبر في تجاوز الابتلاءات؟

إدارة الألم..كيف يساعدنا الصبر في تجاوز الابتلاءات؟

إن الألم هو جزء لا يتجزأ من تجارب الحياة، حيث يواجه الجميع تحديات وصعوبات قد تكون جسدية أو نفسية. تعد القدرة على إدارة هذا الألم ضرورية لتحقيق التوازن والهدوء الداخلي. هنا يأتي دور الصبر كأداة قوية تساعدنا في تجاوز الابتلاءات.

وبالحديث عن الابتلاء، فإنه من سنن الله التي لا تتبدل ولا تتخلف أنه لا بدّ أن يبتلي الناس ليعلم الصادق من الكاذب، والمؤمن من الكافر، والصابر من العاجز والجازع، وليميز كل فريق عن الآخر﴿لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ[1]. ويمكن توضيح الابتلاء على أنه امتحان أو اختبار يُفرض على الإنسان من قبل الله تعالى، يتطلب منه الصبر والثبات. قد يُظهر الابتلاء في شكل مشكلات، صعوبات، أو فقدان شيء عزيز. يهدف الابتلاء إلى اختبار إيمان الفرد ومدى صبره في مواجهة التحديات. والقرآن الكريم ينص في آياته المحكمات على أن الابتلاء سنة من سنن الله في الخلق ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً[2].

ومن يتأمل التاريخ والواقع وأحوال نفسه والناس من حوله لا يكاد يرى إنسانًا إلا وقد ابتلي بنوع من أنواع البلاء، إما في نفسه وعافيته وماله، وإما في أهله وأقاربه وعياله، لا يخلو أحد من ذلك على الإطلاق، ولكنهم بين معجل ومؤجل. فالابتلاء قصة طويلة، وتاريخ ممتد بدأ منذ أنزل آدم إلى الأرض.. لا بدّ من الابتلاء حتى لا يكون الإيمان مجرد ادعاء يناله كل من ادعاه دون أن يبتلى لتعرف حقيقة دعواه. وهو أيضًا تمحيص ليعلم أهل الصدق من أهل الكذب، وليعلم أهل الإيمان من أهل النفاق، وليعلم الله الصابرين. فليس الابتلاء دليل سخط من الله، ولا علامة على عدم الرضا، وإلا فالأنبياء أفضل الخلق وأكرمهم على الله ومع ذلك هم أكثرهم بلاءً، كما قال سيدنا رسول الله (ص): “أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل”[3].

وتصنف أنواع الابتلاءات كالآتي:

ابتلاءات مالية: تتعلق بالمعاناة من الفقر، أو فقدان المال.

ابتلاءات صحية: تشمل الأمراض أو المشكلات الصحية التي تؤثر على جودة الحياة.

ابتلاءات اجتماعية: مثل فقدان الأحبة، أو التوترات في العلاقات العائلية.

ابتلاءات نفسية: تتعلق بالضغوط النفسية والاكتئاب.

أهمية الابتلاء في الحياة

تكريس الإيمان: الابتلاءات تدفع الإنسان إلى العودة إلى الله والتفكير في قضاياه الروحية.

تطوير المهارات الشخصية: مواجهة التحديات تساعد في تنمية مهارات التحمل، الصبر، والتكيف.

تعزيز التعاطف: تصنع الابتلاءات شعورًا بالتعاطف مع الآخرين، مما يمكن أن يزيد من الروابط الاجتماعية.

الدروس المستفادة: يتيح الابتلاء للفرد تعلم دروس قيمة عن الحياة، كالمرونة والقدرة على التكيف.

كيفية التعامل مع الابتلاء

الصبر: هو العنصر الأساسي في التعامل مع الابتلاءات، حيث يساعد على مواجهة الصعوبات بأقل قدر من التأثر السلبي.

الدعاء: اللجوء إلى الله والدعاء يمكن أن يخفف المعاناة ويمنح الأمل.

البحث عن الدعم: التواصل مع الأصدقاء والعائلة للحصول على الدعم النفسي.

التفكير الإيجابي: محاولة رؤية الجانب الإيجابي من الابتلاء وتعلم الدروس منه.

ونحن سائرون في هذا الطريق وسالكون هذا الدرب وطالما أننا في الدنيا فلا بدّ أن يصيبنا الابتلاء، طالما أننا في هذه الحياة لا بدّ أن يصيبنا كدرها وبلاؤها ونكباتها ولأواؤها، فهذا حالها وحال أهلها فيها، ومن ظن أنه يعيش عمره سالمًا وحياته منعّمًا من غير تنغيص فلم يعرف حقيقة الدنيا، فللابتلاء دور مهم في تشكيل حياة الإنسان، فكل تحدٍّ يُعتبر فرصة للنمو والتطور. من خلال الصبر والإيمان، يمكن للفرد تحويل الابتلاءات إلى مصادر قوة وعزيمة.

فإذا أيقنا أن البلاء سنة كونية، وحقيقة دنيوية وجب علينا أن نعلم أن الواجب في الابتلاء الصبر. فالصبر هو القدرة على تحمل المصاعب والآلام دون الاستسلام، وهو فضيلة تعكس القوة الداخلية والعزيمة. يتطلب الصبر التحمل والثبات في مواجهة التحديات، ويتجلى في السلوكيات والتصرفات التي تتسم بالهدوء والرصانة. والعلماء متفقون على أن الصبر واجب، وأن الرضا مستحب زائد، وحق الواجب أن يعرف، فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فلا بدّ أن يتعلم الناس الصبر ويعرفوه ليقوموا بحق الله عليهم فيه.

أنواع الصبر:

 – صبر على الابتلاءات: التحمل أثناء مواجهة المشكلات أو الأوقات الصعبة، مثل فقدان المال أو الصحة.

صبر على الطاعة: الاستمرار في أداء الواجبات والعبادات رغم الصعوبات.

صبر على المعاصي: مقاومة الإغراءات والابتعاد عن الذنوب والمعاصي.

صبر على المواقف: التعامل بحكمة مع الضغوط اليومية والمواقف المحرجة.

أهمية الصبر.

تجاوز المحن: يساعد الصبر الأفراد على تجاوز الأوقات الصعبة والابتلاءات.

تحقيق الأهداف: يمكن من الاستمرار في العمل نحو الأهداف طويلة الأمد دون اليأس.

تنمية الشخصية: يعزز من القوة النفسية ويسهم في تطوير مهارات جديدة.

تحسين العلاقات: الصبر يؤثر إيجابيًّا على العلاقات الإنسانية من خلال تقليل النزاعات.

كيفية ممارسة الصبر.

التأمل والتفكر: قضاء وقت في التأمل يمكن أن يساعد في تعزيز الهدوء الداخلي.

التواصل مع الله: الدعاء والتضرع لله يمنحان الفرد القوة اللازمة للصبر.

البحث عن الدعم: الحديث مع الأصدقاء أو العائلة يمكن أن يساعد في تخفيف الضغوط.

التفكير الإيجابي: استبدال الأفكار السلبية بأخرى إيجابية يعزز من القدرة على التحمل.

إذًا، فالصبر هو صفة ضرورية لمواجهة تحديات الحياة، فهو يساعد الأفراد على تجاوز المحن وتحقيق النجاح. من خلال تعزيز هذه الفضيلة، يمكن للفرد أن يحقق التوازن النفسي والاجتماعي ويعيش حياة مليئة بالسلام الداخلي.

إن إدارة الألم من خلال الصبر ليست مجرد مهارة، بل هي رحلة مستمرة نحو النمو الشخصي والروحي. من خلال تقبل الابتلاءات والصبر عليها، يمكننا تحويل المعاناة إلى فرصة لتعلم دروس قيمة، مما يمكّننا من الاستمرار في الحياة بقوة وعزيمة أكبر. في النهاية، يصبح الصبر طريقنا نحو السلام الداخلي والتوازن في مواجهة ابتلاءات الحياة.

[1] سورة الأنفال، الآية 37.

[2] سورة الملك، الآية 2.

[3] العجلوني، كشف الخفاء، الجزء1، الصفحة 130.



المقالات المرتبطة

ابن سينا: ممثل النفسيات والفلسفة والمتخيل

إن “الذمة العالمية للفلسفة والعلم” مدينة بالكثير إلى ابن سينا الذي احتفل العالم، وتلك الذمة، بمرور ألف عام على ولادته، في السنة 1980م.

عاشوراء حياة الأمة

مقدمة  نقارب ظاهرة اجتماعية تتسم بشخوصها في الماضي بكل تاريخه، وتتجلّى في الحاضر بكل مواقفه ومستقبله، تمظهرت في ظاهرتي التاريخ

التعددية الدينية

التعددية الدينية[1] الشيخ مصباح اليزدي اكتسب مصطلح البلورالية مدلولًا معاصرًا في الميدان الثقافي، وهو يعني في المجال الفكري والديني ضرورة

لا يوجد تعليقات

أكتب تعليقًا
لا يوجد تعليقات! تستطيع أن تكون الأوّل في التعليق على هذا المقال!

أكتب تعليقًا

<