آيات من سورة البقرة

تقديم

نحاول في هذه الدراسة أن نستجلي آيات القرآن بالتدبر التربوي؛ كما كتبنا من قبل عن سورة الفاتحة؛ وذلك بشرح الآيات في صيغة تعليمية على هيئة سؤال وجواب.

والأهداف من الكتاب هي كما نرى:

أ. تقديم جهد متواضع من التدبر التربوي للقرآن الكريم، ينتفع به عامة المسلمين على اختلاف وتباين مستوياتهم التعليمية، ليكون لهم ذلك عونًا على الاقتراب من المقاصد التربوية المعرفية والسلوكية والوجدانية، تحقيقًا لتداولية القرآن الكريم بين أبناء الأمة، بدلًا من الاكتفاء بتلاوته فقط؛ إذ نزل كتاب الله على رسوله الكريم محمد (ص) لا ليتلوه المؤمنون فحسب، بل ليتخذوه منهجًا في سعيهم الدنيوي طلبًا للآخرة والفوز بجنات النعيم.

ب. نشـر الثقافة القرآنية بين المسلمين في عصـر تطغى فيه ثقافات علمانية مادية على عقول الكثير من أبناء الأمة، حتى بات الذكر الحكيم مهجورًا من هؤلاء، مما تسبب في ازدياد حدة تغريب الأمة تغريبًا مخيفًا يضعفها ويضع العراقيل في طريق استعادتها لدورها الحضاري.

وقد اخترنا عدة آيات من سورة البقرة؛ مع العزم أن نستكمل كل أجزاء القرآن العظيم.

آيات مختارة من سورة البقرة.

  1. ﴿سَيَقُولُ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَ ٱلنَّاسِ مَا وَلَّىٰهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ ٱلَّتِى كَانُوا۟ عَلَيْهَا ۚ قُل لِّلَّهِ ٱلْمَشْرِقُ وَٱلْمَغْرِبُ ۚ يَهْدِى مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَٰطٍۢ مُّسْتَقِيمٍۢ * وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَـٰكُمْ أُمَّةًۭ وَسَطًۭا لِّتَكُونُوا۟ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًۭا ۗ وَمَا جَعَلْنَا ٱلْقِبْلَةَ ٱلَّتِى كُنتَ عَلَيْهَآ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ ٱلرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ ۚ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ ۗ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَـٰنَكُمْ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٌۭ رَّحِيمٌۭ * قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِى ٱلسَّمَآءِ ۖ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةًۭ تَرْضَىٰهَا ۚ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ ۚ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا۟ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُۥ ۗ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ أُوتُوا۟ ٱلْكِتَـٰبَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ۗ وَمَا ٱللَّهُ بِغَـٰفِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ﴾.

س1: اذكر معاني الكلمات الآتية من الآيات (142-144).

السفهاء/ ولّاهم/ وسطًا/ عقبيه/ كبيرة/ شطر.

ج: (السفهاء)؛ جمع سفيه وهو الجاهل، ضعيف الرأي، قليل المعرفة بالمنافع والمضار، (وسطًا)؛ قال الطبري: الوسط في كلام العرب: الخيار، وقيل: العدل، (عقبيه)؛ تثنية عقب وهو مؤخر القدم، (كبيرة)؛ شاقة وثقيلة، (شطر)؛ الشطر في اللغة بمعنى الجهة.

س2: ما تفسير الآيات الكريمة من سورة البقرة (142-144)؟

جـ: 142- سيقول ضعفاء العقول من الناس ما صرفهم وحوّلهم عن القبلة التي كانوا يصلون إليها وهي بيت المقدس قبلة المرسلين من قبلهم؟ فقل لهم يا محمد الجهات كلها لله، له المشرق والمغرب، فأينما ولينا وجوهنا فهناك وجه الله يهدي عباده المؤمنين إلى الطريق القيم الموصل لسعادة الدارين.

143- كما هديناكم إلى الإسلام كذلك جعلناكم يا معشر المؤمنين أمة عدولًا خيارًا لتشهدوا على الأمم يوم القيامة أن رسلهم بلّغتهم، ويشهد عليكم الرسول أنه بلَّغكم، وما أمرناك بالتوجه إلى بيت المقدس ثم صرفناك عنها إلى الكعبة إلا لنختبر إيمان الناس فنعلم من يصدق الرسول، ممن يشكك في الدين ويرجع إلى الكفر لضعف يقينه، وإن كان هذا التحويل لشاقًّا وصعبًا إلا على الذين هداهم الله، وما صح وما استقام أن يُضيِّع الله صلاتكم إلى بيت المقدس، بل يثيبكم عليها، وذلك حين سألوا النبي محمد (ص) عمّن مات وهو يصلي إلى بيت المقدس قبل تحويل القبلة فنزلت تلك الآية. وإن الله تعالى عظيم الرحمة بعباده لا يضيع أعمالهم الصالحة التي فعلوها.

144- كثيرًا ما رأينا تردّد بصرك يا محمد جهة السماء تشوّقًا لتحويل القبلة فليوجهنَّك إلى قبلة تحبها – وهي الكعبة – قبلة أبيك إبراهيم فتوجه في صلاتك نحو الكعبة، وإن اليهود والنصارى ليعلمون أن هذا التحويل للقبلة حق من عند الله، ولكنهم يفتنون الناس بإلقاء الشبهات، والله عليم لا يخفى عليه شيء من أعمالهم وسيجازيهم عليها، (وفي ذلك وعيد وتهديد لهم).

س3: ما الأثر التربوي للآيات الكريمة من (142-144)؟

ج: أ. أن يعرف المؤمن سبب نزول الآية الكريمة: عن البراء قال: لما قدم رسول الله (ص) إلى المدينة صلى نحو بيت المقدس ستة عشر شهرًا أو سبعة عشر شهرًا، وكان رسول الله (ص) يحب أن يتوجه نحو الكعبة، فأنزل الله تعالى: ﴿قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِى ٱلسَّمَآءِ﴾، فقال السفهاء من الناس وهم اليهود: ما ولَّاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها؟ قال تعالى: ﴿قُل لِّلَّهِ ٱلْمَشْرِقُ وَٱلْمَغْرِبُ﴾، إلى آخر الآية (أخرجه البخاري).

ب. ألّا يخوض المؤمن مع الخائضين الذين يشككون في أوامر الله ونواهيه، فعلى المؤمن أن يثبت على إيمانه بما أنزل الله من آيات بينات.

ج. أن يشعر المؤمن بالفخر والعزّة، لانتمائه لأمة الإسلام، حيث وصفها الله تعالى بالأمة الوسط؛ أي أمة الخيار والعدل، وشرّفها بأن تكون شاهدة على سائر الأمم يوم القيامة، وأن رسولها محمد (ص) شهيد على أمته.

د. أن ينتبه المؤمن إلى أن الله تعالى يختبر الناس في إيمانهم؛ فالإيمان ليس مجرد كلمة تقال، وإنما هو أفعال تصدقه وتعبر عنه.

ه. أن يقف المؤمن بالتأمّل في تسمية الله تعالى الصلاة (إيمانًا) في قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾؛ أي صلاتكم لأن الإيمان لا يتم إلا بالصلاة، ولأن الصلاة تشتمل على نية وقول وعمل.

و. أن يتبين المؤمن الجمال البلاغي والدقة في التعبير عن (الكعبة) بالمسجد الحرام؛ لأن الواجب مراعاة (الجهة) دون (العين)، لأن في إصابة عين الكعبة من البعيد حرجًا عظيمًا على الناس. ولذلك فرض على المؤمن التوجه في صلاته جهة الكعبة، لا رؤية الكعبة نفسها أثناء الصلاة.

ز. ألا يبالي المؤمن بأقوال وتخرصات وأكاذيب اليهود والنصارى في أي أمر من أمور الإسلام، وليعلم أنه على هدى من ربه، وأن أولئك على ضلال بعيد.

ح. أن يعلم المؤمن ما أخرجه البخاري في صحيحه أن رسول الله (ص) قال: “يُدعى نوح (ع) يوم القيامة فيقول: لبيك وسعديك يا رب فيقول: هل بلَّغت؟ فيقول نعم، فيقال لأمته: هل بلَّغكم؟ فيقولن ما جاءنا من نذير، فيقول: من يشهد لك؟ فيقول محمد وأمته فيشهدون أنه قد بلَّغ فذلك قوله تعالى: ﴿لِتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً﴾.

  1. ﴿وَلَئِنْ أَتَيْتَ ٱلَّذِينَ أُوتُوا۟ ٱلْكِتَـٰبَ بِكُلِّ ءَايَةٍۢ مَّا تَبِعُوا۟ قِبْلَتَكَ ۚ وَمَآ أَنتَ بِتَابِعٍۢ قِبْلَتَهُمْ ۚ وَمَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍۢ قِبْلَةَ بَعْضٍۢ ۚ وَلَئِنِ ٱتَّبَعْتَ أَهْوَآءَهُم مِّنۢ بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلْعِلْمِ ۙ إِنَّكَ إِذًۭا لَّمِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ * ٱلَّذِينَ ءَاتَيْنَـٰهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ يَعْرِفُونَهُۥ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَآءَهُمْ ۖ وَإِنَّ فَرِيقًۭا مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ ٱلْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ ۖ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُمْتَرِينَ * وَلِكُلٍّۢ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا ۖ فَٱسْتَبِقُوا۟ ٱلْخَيْرَٰتِ ۚ أَيْنَ مَا تَكُونُوا۟ يَأْتِ بِكُمُ ٱللَّهُ جَمِيعًا ۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ قَدِيرٌۭ * وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ ۖ وَإِنَّهُۥ لَلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ ۗ وَمَا ٱللَّهُ بِغَـٰفِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ* وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ ۚ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا۟ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُۥ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا ٱلَّذِينَ ظَلَمُوا۟ مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَٱخْشَوْنِى وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِى عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾.

س1: اذكر معاني الكلمات الآتية في سياق الآيات من (145-150).

آية/ أهواءهم/ الممترين/ وجهة/ فاستبقوا/ الخيرات/ تخشوهم.

ج: (آية)؛ الآية: الحجة والعلامة، (أهواءهم)؛ جمع هوى، وهوى النفس: ما تحبه وتميل إليه، (الممترين)؛ الامتراء: الشك ومنه المراء والمريَّة، (وجهة)؛ قال الفرّاء وجهة، وجهة بمعنى واحد، والمراد بها القبلة التي هو موليها وجهه؛ أي مستقبلها، (فاستبقوا)؛ بادروا وسارعوا، (الخيرات)؛ الأعمال الصالحة جمع خيرة، (تخشوهم)؛ تخافوهم والخشية: الخوف.

س2: ما تفسير الآيات الكريمة من (145-150)؟

ج: 145- والله لئن جئت اليهود والنصارى بكل معجزة على صدقك في أمر القبلة ما اتبعوك يا محمد ولا صلوا إلى قبلتك، ولست أنت بمتبع قبلتهم بعد أن حوّلك الله عنها، وأن النصارى لا يتبعون قبلة اليهود، كما أن اليهود لا يتبعون قبلة النصارى لما بينهم من العداوة والخلاف الشديد، مع أن الكل من بني إسرائيل، ولئن فرض وقدر أنك سايرتهم على أهوائهم بعد وضوح البرهان الذي جاءك بطريقة الوحي تكون ممن ارتكب أفحش الظلم. (والكلام وارد على سبيل الفرض والتقدير، وإلا فحاشاه (ص) من اتباع الكفرة المجرمين).

146- وإن اليهود والنصارى يعرفون محمّدًا معرفة لا شك فيها، كما يعرف الواحد منهم ولده معرفة يقين، وإن جماعة منهم – وهم رؤساؤهم وأحبارهم – ليخفون الحق ولا يعلنونه، ويخفون صفة النبي مع أنه المنعوت لديهم بأظهر وأوضح النعوت، فهم يكتمون أوصافه عن علم وعرفان.

147- وما أوحاه الله إليك يا محمد من أمر القبلة والدين وهو الحق فلا تكونن من الشَّاكين، (والخطاب للرسول والمراد أمته).

148- ولكل أمة من الأمم قبلة هو موليها وجهه، ومائل إليها بوجهه، فبادروا وسارعوا أيها المؤمنون إلى فعل الخيرات، ففي أي موضع تكونوا من أعماق الأرض، وفي قمم الجبال، يجمعكم الله للحساب، فيفصل بين المحق والمبطل، والله قادر على جمعكم من الأرض، وإن تفرقت أجسامكم وأبدانكم.

149- ومن أي مكان خرجت إليه للسفر فتوجه بوجهك في صلاتك جهة الكعبة، وإن ذلك هو الحق من ربك يجمعكم للحساب والله عليم بأعمالكم المحاسبين عليها.

150- وللمرة الثالثة نجد أمر الله باستقبال الكعبة المشرفة، (وهذا تكرار للأمر وفائدته أن القبلة كان أول نسخ من الأحكام الشرعية، فدعت الحاجة إلى التكرار لأجل التأكيد والتقرير وإزالة الشبهة)، ولقد عرَّفكم الله أمر القبلة لئلا يحتج عليكم اليهود فيقولوا: يجحد ديننا ويتبع قبلتنا، فتكون لهم حجة عليكم أو كقول المشركين: يدعي محمد ملة إبراهيم ويخالف قبلته، إلا الظلمة المعاندين الذين لا يقبلون أي تعليل، فلا تخافوهم وخافوني، ولأتم فضلي عليكم بالهداية إلى قبلة أبيكم إبراهيم والتوفيق لسعادة الدارين.

س3: ما الأثر التربوي للآيات الكريمة من (145-150)؟

ج: أ. أن يفرق المؤمن بين من ارتكب ذنبًا عن جهل، وبين من يرتكبه عن علم، فإن توجيه الوعيد والتهديد على العلماء أشد من توجهه على غيرهم، ولهذا زاد الله تعالى في ذم أهل الكتاب بقوله تعالى: ﴿وهم يعملون﴾.

ب. أن يعرف المؤمن السر في تكرار الأمر باستقبال الكعبة ثلاث مرات، قال القرطبي: والحكمة في هذا التكرار أن الأول لمن هو بمكة، والثاني لمن هو ببقية الأمصار (البلدان)، والثالث لمن خرج في الأسفار.

ج. أن يعجب المؤمن من موقف (عبد الله بن سلام) حين سأله عمر بن الخطاب: أتعرف محمدًا كما تعرف ولدك؟ قال: وأكثر، نزل الأمين من السماء على الأمين في الأرض بنعمته فعرفته، ولست أشك فيه أنه نبي، وأما ولدي فلا أدري ما كان من أمه! فلعلها خانت! فقبَّل عمر رأسه.

د. أن يُدقِّق المؤمن في تحديد القبلة تدقيقًا لا تقصير فيه، فإن تحديد القبلة شرط أساسي وضروري لصحة الصلاة، أما إذا عجز عجزًا تامًّا عن ذلك فليجتهد غاية الاجتهاد في ذلك ثم يصلي، ونحن في عصر تتعدد فيه وسائل التعرف على جهة القبلة مثل تطبيقات الهواتف المحمولة وغير ذلك من إرشادات على المواقع الإسلامية الإلكترونية.

  1. ﴿كَمَآ أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًۭا مِّنكُمْ يَتْلُوا۟ عَلَيْكُمْ ءَايَـٰتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ ٱلْكِتَـٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا۟ تَعْلَمُونَ * فَٱذْكُرُونِىٓ أَذْكُرْكُمْ وَٱشْكُرُوا۟ لِى وَلَا تَكْفُرُونِ* يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ ٱسْتَعِينُوا۟ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلَوٰةِ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّـٰبِرِينَ* وَلَا تَقُولُوا۟ لِمَن يُقْتَلُ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمْوَٰتٌۢ ۚ بَلْ أَحْيَآءٌۭ وَلَـٰكِن لَّا تَشْعُرُونَ * وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَىْءٍۢ مِّنَ ٱلْخَوْفِ وَٱلْجُوعِ وَنَقْصٍۢ مِّنَ ٱلْأَمْوَٰلِ وَٱلْأَنفُسِ وَٱلثَّمَرَٰتِ ۗ وَبَشِّرِ ٱلصَّـٰبِرِينَ * ٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَـٰبَتْهُم مُّصِيبَةٌۭ قَالُوٓا۟ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيْهِ رَٰجِعُونَ * أُو۟لَـٰٓئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَٰتٌۭ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌۭ ۖ وَأُو۟لَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلْمُهْتَدُونَ﴾.

س1: اذكر معاني الكلمات الآتية في سياق الآيات الكريمة من (151-157).

الكتاب/ الحكمة/ فاذكروني/ ولنبلونكم/ مصيبة/ صلوات.

ج: (الكتاب)؛ القرآن الكريم، (الحكمة)؛ السنة النبوية، (فاذكروني)؛ أصل الذكر التنَبُّه بالقلب للمذكور، وسمى الذكر باللسان ذكرًا لأنه علامة على الذكر القلبي، (ولنبلونكم)؛ أصل البلاء: المحنة، ثم قد يكون بالخير أو الشر، (مصيبة)؛ المصيبة كل ما يؤذي المؤمن ويصيبه في نفسه أو ماله أو ولده، (صلوات)؛ الأصل في الصلاة الدعاء، وهي من الله بمعنى الرحمة، ومن الملائكة بمعنى الاستغفار.

س2: ما تفسير الآيات الكريمة من (151-157)؟

ج: 151- وكما أتممت عليكم نعمتي كذلك أرسلت فيكم رسولًا منكم يقرأ عليكم القرآن ويطهركم من الشرك وقبيح الفعال، ويعلمكم أحكام الكتاب المجيد، والسنة النبوية المطهرة، ويعلمكم من أمور الدين والدنيا الشيء الكثير الذي لم تكونوا تعلمونه.

152- فاذكروني بالعبادة والطاعة أذكركم بالثواب والمغفرة، واشكروا نعمتي عليكم ولا تكفروها بالجحود والعصيان.

153- واستعينوا أيها المؤمنون على أمور دنياكم وآخرتكم بالصبر والصلاة، فبالصبر تنالون كل فضيلة، وبالصلاة تنتهون عن كل رذيلة. وإن الله مع الصابرين بالنصر والمعونة والحفظ والتأييد.

154- ولا تقولوا للشهداء إنهم أموات، بل هم أحياء عند ربهم يرزقون، ولكن لا تشعرون بذلك لأنهم في حياة برزخيَّه أسمى من هذه الحياة.

155- ولنخبركم بشيء يسير من ألوان البلاء مثل الخوف والجوع وذهاب بعض الأموال، وموت بعض الأحباب، وضياع بعض الزروع والثمار، وبشر يا محمد الصابرين على المصائب والبلايا بجنات النعيم.

156- الصابرون هم الذين نزل بهم كرب أو بلاء أو مكروه، فإذا وقع بهم هذا البلاء استرجعوا وأقروا بأنهم عبيد الله، يفعل بهم ما يشاء.

 157- وهؤلاء الصابرون لهم ثناء وتمجيد ورحمة من الله، وهم المهتدون إلى طريق السعادة.

س3: ما الأثر التربوي للآيات الكريمة من (151-157)؟

ج: أ. أن يعلم المؤمن أن مصدري المعرفة الأساسية والتشريع في الإسلام هما القرآن الكريم، وسنة نبينا محمد (ص). من خلال التدبّر والاستنباط والقياس عن طريق أهل العلم بالفقه الإسلامي.

ب. أن يداوم المؤمن على ذكر الله بقلبه ذكرًا خالصًا لوجه الله، فينتظر بذلك ثواب الله ومغفرته.

ج. ألا يجحد المؤمن نعم الله تعالى عليه، بل عليه القيام بشكر الله، فالله تعالى وعد الشاكرين نعمه بالزيادة.

د. أن يتعلم المؤمن كيف يشكر الله، فقد رُوي أن موسى (ع) قال: يا رب كيف أشكرك؟ قال له ربه: تذكرني ولا تنساني فإذا ذكرتني فقد شكرتني، وإذا نسيتني فقد كفرتني.

هـ. أن يدرك المؤمن المغزى والهدف من نداء الله تبارك وتعالى عباده المؤمنين بلفظ الإيمان، وذلك ليستنهض هممهم إلى امتثال الأوامر الإلهية.

ز. أن يستعين المؤمن في سعيه الدنيوي بالصبر والصلاة لما لها من ثواب عظيم في نيل الفضيلة، والانتهاء عن كل رذيلة.

ح. ألا يجزع المؤمن إذا ابتلاه الله بمصيبة ما، فقد رُوي عن عمر بن الخطاب (رض) أنه قال: (ما أصابتني مصيبة إلا وجدت فيها ثلاث نعم، الأولى: أنها لم تكن في ديني، الثانية: أنها لم تكن أعظم مما كانت، والثالثة: أن الله يجازي عليها الجزاء الكبير، ثم تلا قوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾.

ط. أن يستبشر المؤمن الذي يحمد الله ويسترجعه إذا ما مات له ولد ببيت في الجنة هو بيت الحمد، فقد قال (ص): :إذا مات ولد العبد قال الله تعالى لملائكته قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم، فيقول قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون نعم، فيقول: فماذا قال عبدي؟ فيقولون حمدك واسترجع؛ (أي قال: إنا لله وإنا إليه راجعون)، فيقول الله تعالى: ابنوا لعبدي بيتًا في الجنة وسموه بيت الحمد”.

ي. أن يرغب المؤمن في الاستشهاد في سبيل الله لجزاء ربه الأوفى والأسمى للشهداء.

ك. أن ينتبه المؤمن إلى تقديم الله (للخوف) على أنواع البلاء الأخرى نظرًا لأنه أشد ألوان البلاء، وعن طريقه يضعف الإنسان أمام وساوس الشيطان، فإذا ثبت ولم يخف من عواقب الأمور كالفقر والجوع هزم الشيطان وأخزاه، ونال ثواب الله العظيم.

  1. ﴿وَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌۭ وَٰحِدٌۭ ۖ لَّآ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلرَّحْمَـٰنُ ٱلرَّحِيمُ * إِنَّ فِى خَلْقِ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَٱخْتِلَـٰفِ ٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ وَٱلْفُلْكِ ٱلَّتِى تَجْرِى فِى ٱلْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ وَمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن مَّآءٍۢ فَأَحْيَا بِهِ ٱلْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍۢ وَتَصْرِيفِ ٱلرِّيَـٰحِ وَٱلسَّحَابِ ٱلْمُسَخَّرِ بَيْنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلْأَرْضِ لَـَٔايَـٰتٍۢ لِّقَوْمٍۢ يَعْقِلُونَ * وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَندَادًۭا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ ٱللَّهِ ۖ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ أَشَدُّ حُبًّۭا لِّلَّهِ ۗ وَلَوْ يَرَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓا۟ إِذْ يَرَوْنَ ٱلْعَذَابَ أَنَّ ٱلْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًۭا وَأَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعَذَابِ * إِذْ تَبَرَّأَ ٱلَّذِينَ ٱتُّبِعُوا۟ مِنَ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوا۟ وَرَأَوُا۟ ٱلْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ ٱلْأَسْبَابُ * وَقَالَ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوا۟ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةًۭ فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا۟ مِنَّا ۗ كَذَٰلِكَ يُرِيهِمُ ٱللَّهُ أَعْمَـٰلَهُمْ حَسَرَٰتٍ عَلَيْهِمْ ۖ وَمَا هُم بِخَـٰرِجِينَ مِنَ ٱلنَّارِ﴾.

س1: اذكر الكلمات الآتية في سياق الآيات الكريمة من (163-167).

إلهكم/ الفلك/ وبث/ دابة/ تصريف الرياح/ المسخر/ أندادًا/ الأسباب/ كَرَّة/ حسن.

ج: (إلهكم)؛ الإله المعبود بحق أو باطل، والمراد به هنا المعبود بحق وهو الله رب العالمين، (الفُلك)؛ ما عظم من السفن، وهو اسم يطلق على المفرد والجمع، (وبث)؛ بث: فرق ونشر، (دابة)؛ الدابة في اللغة: كل ما يدب على الأرض من إنسان وحيوان مأخوذ من الدبيب وهو المشي رويدًا – وقد خصّه العُرف – بالحيوان، (تصريف الرياح)؛ الرياح جمع ريح وهو نسيم الهواء وتصريفها: تقليبها في الجهات ونقلها من حال إلى حال، فتهب حارّة وباردة، وعاصفة ولينة، وملقحة للنبات وعقيمًا، (المسخر)؛ من التسخير وهو التذليل والتيسير، (أندادًا)؛ جمع نِد وهو المماثل والمراد بها الأوثان والأصنام، (الأسباب)؛ جمع سبب وأصله: الحبل والمراد به ما يكون بين الناس من روابط كالنسب والصداقة، (كرّة)؛ الرجعة والعودة إلى الحالة التي كان فيها، (حسرات)؛ جمع حسرة وهي أشد الندم على شيء فائت.

س2: ما تفسير الآيات الكريمة من (163-167)؟

ج: 163- أن إلهكم المستحق للعبادة إله واحد، لا نظير له في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، ولا معبود بحق إلا هو جلَّ وعلا مليء النعم ومصدر الإحسان.

164- إن في إبداع السماوات والأرض بما فيها من عجائب الصنعة ودلائل القدرة، وتعاقب الليل والنهار بنظام محكم، يأتي الليل فيعقبه النهار، وينسلخ النهار فيعقبه الليل، ويطول النهار ويقصر الليل، ويقصر النهار ويطول الليل، والسفن الضخمة الكبيرة التي تسير في البحر على وجه الماء وهي موقّرةٌ بالأحمال والأثقال بما فيه مصالح الناس من أنواع المتاجر والبضائع، وما أنزل الله من السحاب من المطر الذي به حياة البلاد والعباد، فأحيا بهذا الماء الزروع والأشجار، بعد أن كانت يابسة مجدبة فيها، ليس فيها حبوب ولا ثمار، ونشر وفرق في الأرض من كل ما يدب عليها من أنواع الدواب المختلفة في أحجامها وأشكالها وألوانها وأصواتها، وتقليب الرياح في هبوبها جنوبًا وشمالًا، حارّة وباردة، ولينة وعاصفة، والسحاب المذلّل بقدرة الله، يسير حيث شاء الله وهو يحمل الماء الغزير، ثم يصبّه على الأرض قطرات قطرات، كل تلك النعم لدلائل وبراهين عظيمة دالّة على القدرة القاهرة والحكمة الباهرة، والرحمة الواسعة لقوم لهم عقول تعي، وأبصار تدرك وتتدبر بأن هذه الأمور من صنع إله قادر الحكم.

165- ومن الناس من تبلغ بهم الجهالة أن يتخذ من غير الله أندادًا وشركاء ورؤساء وأصنامًا يعظمونهم ويخضعون لهم كحب المؤمنين لله، وإن حب المؤمنين لله أشد من حب المشركين للأنداد، ولو رأى الظالمون حين يشاهدون العذاب المُعدّ لهم يوم القيامة لرأوا ما لا يوصف من الهول والفظاعة، وأن عذاب الله شديد أليم.

166- وحينئذٍ تبرأ الرؤساء من الأتباع حين عاينوا العذاب، وتقطعت بينهم الروابط وزالت المودّات.

167- وتمنى الأتباع حينئذٍ لو أن لهم رجعة إلى الدنيا ليتبرؤوا من هؤلاء الذين أضلوهم السبيل، كما تبرأ الرؤساء من الأتباع في ذلك اليوم العصيب، كما أراهم الله شدة عذابه، كذلك يريهم أعمالهم القبيحة ندامات شديدة وحسرات تتردد في صدورهم كأنها شرر الجحيم، وليس لهم سبيل إلى الخروج من النار، بل هم في عذاب سرمدي وشقاء أبدي.

س3: ما الأثر التربوي للآيات الكريمة من (163-167)؟

ج: أ. أن يعرف المؤمن سبب نزول الآية الكريمة: ﴿إِنَّ فِى خَلْقِ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَٱخْتِلَـٰفِ ٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ … إلى قوله تعالى: لَـَٔايَـٰتٍۢ لِّقَوْمٍۢ يَعْقِلُونَ﴾. فعن عطاء قال: أنزلت بالمدينة على النبي (ص) ﴿وإلهكم إله واحد﴾ فقالت قريش بمكة: كيف يَسعُ الناسَ إلهٌ واحدٌ؟ فأنزل الله تلك الآية الكريمة.

ب أن يشعر المؤمن بالإيمان العميق بالله تعالى حين يتأمل ذكر الله تعالى في الآية الكريمة: ﴿إِنَّ فِى خَلْقِ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَٱخْتِلَـٰفِ ٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ … إلى قوله تعالى: لَـَٔايَـٰتٍۢ لِّقَوْمٍۢ يَعْقِلُونَ﴾. من عجائب مخلوقاته ثمانية أنواع تنبيهًا على ما فيها من العبر، واستدلالًا على الوحدانية من الأثر، الأول: خلق السماوات وما فيها من الكواكب والشمس والقمر، والثاني: الأرض وما فيها من جبال وبحار وأشجار وأنهار ومعادن وجواهر، والثالث: اختلاف الليل والنهار بالطول والقصر والنور والظلمة والزيادة والنقصان، والرابع: السفن العظيمة كأنها الراسيات وهي موقرة بالأثقال والرجال تجري بها الريح مقبلة ومدبرة، والخامس: المطر الذي جعله الله سببًا لحياة الموجودات من حيوان ونبات وإنزاله بمقدار، والسادس: ما بث في الأرض من إنسان وحيوان مع اختلاف الصور والأشكال والألوان، والسابع: تعريف الرياح والهواء جسم لطيف وهو مع ذلك في غاية القوة، بحيث يقلع الصخر والشجر ويخرب البنيان العظيم، وهو مع ذلك حياة الوجود، فلو أُمسَك طرفة عين لمات كل ذي روح على وجه الأرض، والثامن: السحاب مع ما فيه من المياه العظيمة تسيل منها الأودية الكبيرة، يبقى معلّقًا بين السماء والأرض بلا علاقة تمسكه ولا دعامة تسنده، فسبحان الواحد القهار.

جـ. أن يتذوق المؤمن الجمال البلاغي والبياني في ورود لفظ (الرياح) في القرآن الكريم (مفردة) و (مجموعة)، فجاءت مجموعة مع (الرحمة)، وجاءت مفردة مع العذاب.

د. أن يقتدي المؤمن بالنبي محمد (ص) في الدعاء عند هبوب الهواء، فقد روي أن رسول الله (ص) كان يقول إذا هبت الريح: (اللهمّ اجعلها رياحًا، ولا تجعلها ريحًا).

هـ. ألّا يغتر المؤمن ولا يبالي بمشاهدته للكافرين وأتباعهم في الدنيا، وما رددوا من أقوال، وما قاموا به من أفعال، فما هي إلا تخرصات وأكاذيب وضلالات أضلوا بها أنفسهم وأضلوا أتباعهم بما يمتلكون من وسائل الدعاية والإعلام الرخيص؛ إذ إنهم سوف يتبرأ كل فريق من الآخر يوم القيامة ويتبادلون الاتهامات، ومع ذلك فهم خالدون في النار لأنهم ماتوا قبل أن يتوبوا ويندموا على ما فعلوا.

و. أن يسرع الإنسان العاصي والمذنب بالندم على ما اقترفت يداه فيبادر بالتوبة، قبل أن يدركه الموت، فلا رجعة لمخلوق إلى الدنيا ليصلح ما أفسده، وليعلم كل امرئ أن الموت يأتي بغتة.

ز. أن يكثر المؤمن من التأمل في خلق الله، ليزداد إيمانًا وقربًا من الله تعالى، فأولوا الألباب وحدهم هم الذين يرون في خلق السماوات والأرض آيات ودلائل على وحدانية الله.

  1. ﴿وَلَا تَأْكُلُوٓا۟ أَمْوَٰلَكُم بَيْنَكُم بِٱلْبَـٰطِلِ وَتُدْلُوا۟ بِهَآ إِلَى ٱلْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا۟ فَرِيقًۭا مِّنْ أَمْوَٰلِ ٱلنَّاسِ بِٱلْإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ * ۞ يَسْـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلْأَهِلَّةِ ۖ قُلْ هِىَ مَوَٰقِيتُ لِلنَّاسِ وَٱلْحَجِّ ۗ وَلَيْسَ ٱلْبِرُّ بِأَن تَأْتُوا۟ ٱلْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَـٰكِنَّ ٱلْبِرَّ مَنِ ٱتَّقَىٰ ۗ وَأْتُوا۟ ٱلْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَٰبِهَا ۚ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَقَـٰتِلُوا۟ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يُقَـٰتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوٓا۟ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ * وَٱقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ ۚ وَٱلْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ ٱلْقَتْلِ ۚ وَلَا تُقَـٰتِلُوهُمْ عِندَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ حَتَّىٰ يُقَـٰتِلُوكُمْ فِيهِ ۖ فَإِن قَـٰتَلُوكُمْ فَٱقْتُلُوهُمْ ۗ كَذَٰلِكَ جَزَآءُ ٱلْكَـٰفِرِينَ * فَإِنِ ٱنتَهَوْا۟ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌۭ رَّحِيمٌۭ * وَقَـٰتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌۭ وَيَكُونَ ٱلدِّينُ لِلَّهِ ۖ فَإِنِ ٱنتَهَوْا۟ فَلَا عُدْوَٰنَ إِلَّا عَلَى ٱلظَّـٰلِمِينَ * ٱلشَّهْرُ ٱلْحَرَامُ بِٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ وَٱلْحُرُمَـٰتُ قِصَاصٌۭ ۚ فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَٱعْتَدُوا۟ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ ۚ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُوٓا۟ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُتَّقِينَ *وَأَنفِقُوا۟ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلَا تُلْقُوا۟ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى ٱلتَّهْلُكَةِ ۛ وَأَحْسِنُوٓا۟ ۛ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ﴾.

س1: اذكر معاني الكلمات الآتية في سياق الآيات الكريمة من (188-195).

الباطل/وتدلوا/ الأهِلَّة/ مواقيت/ ثقفتموهم/ التهلكة.

ج: (الباطل)؛ الزائل الذاهب، وفي الشرع هو المال الحرام كالغضب والسرقة والقمار والربا، (وتدلوا)؛ الإدلاء في الأصل: إرسال الدلو في البئر، ثم جعل كل إلقاء أو دفع لقول أو فعل إدلاء، والمراد بالإدلاء هنا الدفع إلى الحاكم بطريق الرشوة، (الأهلّة)؛ جمع هلال؛ وهو أول حال القمر حين يراه الناس، ثم يصبح قمرًا، ثم بدرًا حين يتكامل نوره. (مواقيت)؛ جمع ميقات وهو الوقت كالميعاد بمعنى الوعد، وقيل الميقات: منتهى الوقت، (ثقفتموهم)؛ ثقف الشيء إذا ظفر به ووجده على جهة الأخذ والغلبة، (التهلكة)؛ الهلاك يقال: هلك يهلك هلاكًا وتهلكة.

س2: ما تفسير الآيات الكريمة من (188-195)؟

ج: 188- لا يأكل بعضكم أموال بعض بالوجه الذي لم يبحه الله، وتدفعوها إلى الحكام رشوة ليعينوكم على أخذ طائفة من أموال الناس بالباطل، وأنتم تعلمون أنكم مبطلون تأكلون الحرام.

189- ويسألونك يا محمد عن الهلال: لماذا يبدو دقيقًا مثل الخيط، ثم يعظم ويستدير، ثم ينقص ويدق حتى يعود كما كان؟ فقل لهم إنها أوقات لعبادتكم ومعالم تعرفون بها مواعيد الصوم والحج والزكاة، وليس البر بدخولكم المنازل من ظهورها كما كنتم تفعلون في الجاهلية، ولكن البر هو العمل الصالح الذي يقربكم من الله في اجتناب محارم الله. وادخلوا البيوت كعادة الناس من الأبواب، واتقوا الله لتسعدوا وتظفروا برضاه.

190- وقاتلوا لإعلاء دين الله من قاتلكم من الكفار، ولا تبدؤوا بقتالهم فإنه تعالى لا يحب من ظلم أو اعتدى [وكان هذا في بدء أمر الدعوة ثم نسخ بآية براءة (وقاتلوا المشركين كافة)]، وقيل نسخ بالآية التي بعدها وهي قوله تعالى: ﴿وَٱقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ﴾.

191- واقتلوهم حيث وجدتموهم في حل وحرم، وشردوهم من أوطانهم وأخرجوهم منها كما أخرجوكم من مكة، وفتنة المؤمن عن دينه أشد من قتله، أو كفر الكفار أشد وأبلغ من قتلكم لهم في الحرم، فإذا استعظموا القتال فيه فكفرهم أعظم، ولا تبدؤونهم بالقتال في الحرم حتى يبدؤوا هم بقتالكم فيه، فإن بدؤوكم بالقتال فلكم حينئذ قتالهم لأنهم انتهكوا حرمته والبادي بالشر أظلم، وهذا الحكم جزاء كل من كفر بالله.

192- فإن انتهوا عن الشرك وأسلموا، فكفّوا عنهم فإن الله يغفر لمن تاب وأناب.

193- وقاتلوا المحاربين حتى تكسروا شوكتهم ولا يبقى شرك على وجه الأرض ويصبح دين الله هو الظاهر العالي على سائر الأديان، فإن انتهوا عن قتالكم فكفوا عن قتلهم، فمن قاتلهم بعد ذلك فهو ظالم ولا عدوان إلا على الظالمين، أو فإن انتهوا عن الشرك فلا تعتدوا عليهم.

194- وإذا قاتلوكم في الشهر الحرام، فقاتلوهم في الشهر الحرام، فكما هتكوا حرمة الشهر واستحلوا دماءكم فافعلوا بهم مثله. فردوا عن أنفسكم العدوان فمن قاتلكم في الحرم أو في الشهر الحرام فقابلوه وجازوه بالمثل، وراقبوا الله في جميع أعمالكم وأفعالكم، واعلموا أن الله مع المتقين بالنصر والتأييد في الدنيا والآخرة.

195- وأنفقوا في الجهاد، وفي سائر وجوه القربات، ولا تبخلوا في الإنفاق فيصيبكم الهلاك، ويتقوى عليكم الأعداء، وقيل معناه: لا تتركوا الجهاد في سبيل الله وتشتغلوا بالأموال والأولاد فتهلكوا، وأحسنوا في جميع أعمالكم حتى يحبكم الله، وتكونوا من أوليائه المقربين.

س3: ما الأثر التربوي للآيات الكريمة من (188-195)؟

ج: أ. أن يتذوق المؤمن الجمال البلاغي في قوله تعالى: ﴿فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَٱعْتَدُوا۟ عَلَيْهِ﴾، فقد سمى (جزاء العدوان) (عدوانًا) مع أنه ليس عدوانًا، بل هو رد على المعتدي وهذا في البلاغة العربية يسمى (المشاكلة)؛ وهي: الاتفاق في اللفظ مع الاختلاف في المعني كقوله تعالى: ﴿وجزاء سيئة سيئة مثلها﴾، فقال الزجَّاج: العرب تقول: ظلمني فلان فظلمته، أي جازيته بظلمه.

ب. أن ينتبه المؤمن إلى أن الغاية من القتال في الإسلام غاية شريفة، فهي لإعلاء كلمة الله لا للسيطرة أو المغنم أو الاستعلاء في الأرض، أو غيرها من الغايات الدنيئة، فإنه لا يذكر في القرآن الكريم لفظ القتال أو الجهاد إلا ويُقرن بكلمة (سبيل الله)، كما أنه من المعلوم أن النبي (ص) لم يمتشق الحسام إلا للدفاع عن دين الله.

ج. أن يتأهب المؤمن وينتفض في أي وقت يُعتدى فيه على دين الله، ولا يخاف ولا يجبن، بل فرض عليه أن يدافع عن دين الله ما استطاع من جهد.

د. أن يتعلم المؤمن عدم الجدل في كيفية خلق الله للأشياء، بل عليه أن يهتم بالحكمة الربانية من خلق الأشياء، فالنبي (ص) أجاب عن سؤال بعضهم له عن: كيف أن الهلال يبدو صغيرًا ثم يزداد فيكتمل؟ بأن أجابهم بالحكمة الإلهية وراء (الأهلة)، فذلك هو الأهم للعقل المسلم المؤمن.

ه. أن يضيف المؤمن إلى معلوماته: أن كل ما ورد في القرآن الكرم بصيغة السؤال أجيب عنه بـ “قل” إلا في سورة طه ﴿فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً﴾، فقد وردت الفاء.. والحكمة في ذلك: أن الجواب في الجميع كان بعد وقوع السؤال على النبي (ص)، ولكن في سورة طه، فقد جاءت الإجابة من قبل أن يسأل أحد عن هذا السؤال، فالتقدير “إن سئلت عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفًا”.

و. أن يحذر المؤمن من وساوس الشيطان ليشغله بالأمور الدنيوية بحجة أن إصلاح حاله الدنيوي أولى من الجهاد في سبيل الله الذي فيه التهلكة، وأن الله قد أعز الإسلام والمسلمين فلم نعد في حاجة إلى القتال في سبيل الله الآن، فقد نزلت الآية الكريمة: ﴿وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾؛ والمقصود بالتهلكة في الآية الكريمة: الإقامة على الأموال وإصلاحها وترك الجهاد في سبيل الله. فقد روي أن رجلًا من المسلمين حمل على جيش الروم حتى دخل فيهم وصاح الناس: سبحان الله ألقى بيديه إلى التهلكة، فقال أبو أيوب الأنصاري: إنما نزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار، حين أعز الله الإسلام وكثر ناصروه فقلنا: لو أقمنا في أموالنا فأصلحنا ما ضاع منها، فنزلت تلك الآية الكريمة، فكانت التهلكة الإقامة على الأموال وإصلاحها، وترك الجهاد في سبيل الله، فما زال أبو أيوب شاخصًا في سبيل الله حتى استشهد ودفن.

  1. ﴿وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُۥ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَيُشْهِدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا فِى قَلْبِهِۦ وَهُوَ أَلَدُّ ٱلْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِى ٱلْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ ٱلْحَرْثَ وَٱلنَّسْلَ ۗ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلْفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ ٱتَّقِ ٱللَّهَ أَخَذَتْهُ ٱلْعِزَّةُ بِٱلْإِثْمِ ۚ فَحَسْبُهُۥ جَهَنَّمُ ۚ وَلَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ * وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْرِى نَفْسَهُ ٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِ ٱللَّهِ ۗ وَٱللَّهُ رَءُوفٌۢ بِٱلْعِبَادِ * يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ ٱدْخُلُوا۟ فِى ٱلسِّلْمِ كَآفَّةًۭ وَلَا تَتَّبِعُوا۟ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيْطَـٰنِ ۚ إِنَّهُۥ لَكُمْ عَدُوٌّۭ مُّبِينٌۭ * فَإِن زَلَلْتُم مِّنۢ بَعْدِ مَا جَآءَتْكُمُ ٱلْبَيِّنَـٰتُ فَٱعْلَمُوٓا۟ أَنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّآ أَن يَأْتِيَهُمُ ٱللَّهُ فِى ظُلَلٍۢ مِّنَ ٱلْغَمَامِ وَٱلْمَلَـٰٓئِكَةُ وَقُضِىَ ٱلْأَمْرُ ۚ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلْأُمُورُ * سَلْ بَنِىٓ إِسْرَٰٓءِيلَ كَمْ ءَاتَيْنَـٰهُم مِّنْ ءَايَةٍۭ بَيِّنَةٍۢ ۗ وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ مِنۢ بَعْدِ مَا جَآءَتْهُ فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ * زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا۟ ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ ۘ وَٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْا۟ فَوْقَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ ۗ وَٱللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍۢ﴾.

س1: اذكر المعاني الكلمات الآتية في سباق الآيات الكريمة من (204/-212).

ألدُّ/ الحرث/ النسل/ العزّة/ حسبه/ المهاد/ يشري/ ابتغاء/ السِّلم/ زللتم/ ظلل.

ج: (ألد)؛ اللدد: شدة الخصوم، قال الطبري: الألد: الشديد الخصومة، (الحرث)؛ الزرع لأنه يزرع ثم يحرث، (النسل)؛ الذرية والولد، وأصله الخروج بسرعة، (العزة)؛ الأنفة والحمية، (حسبه)؛ حسب: اسم فعل بمعني يكفيه، (المِهاد)؛ الفراش الممهد للنوم، (يشري)؛ يبيع، (ابتغاء)؛ طلب، (السلم)؛ بمعنى الإسلام، وبفتحها الصلح، (زللتم)؛ الزلل: الانحراف عن الطريق المستقيم، وأصله في القدم، ثم استعمل في الأمور المعنوية.

(ظلل): جمع ظلّة وهي ما يستر الشمس ويحجب أشعتها عن الرؤية.

س3: ما تفسير الآيات الكريمة من (204-212)؟

ج: 204- ومن الناس فريق يروقك كلامه يا محمد ويثير إعجابك بخلابة لسانه وقوة بيانه، ولكنه منافق كذاب في هذه الحياة الدنيا فقط، أما في الآخرة فالحاكم فيها علّام الغيوب الذي يطلع على القلوب والسرائر، ويظهر لك هذا الذي يروقك كلامه الإيمان، ويبارز الله بما في قلبه من الكفر والنفاق، وهو شديد الخصومة يجادل بالباطل ويتظاهر بالدين والصلاح بكلامه المعسول.

205- وإذا تولى هذا – الذي يروقك كلامه ويثير إعجابك- وانصرف عنك عاث في الأرض فسادًا، يهلك الزرع وما تناسل من الإنسان والحيوان؛ ومعناه أن فساده عام يشمل الحاضر والباد، والله يبغض الفساد ولا يحب المفسدين.

206- وإذا وُعِظ هذا الفاجر، وذُكِّر وقيل له: انزع عن قولك وفعلك القبيح، حملته الأنفة وحمية الجاهلية على الفعل بالإثم والتكبر عن قول الحق، فأغرق في الإفساد وأمعن في العناد، فكيفية أن تكون له جهنم فراشًا ومهادًا وبئس هذا الفراش والمهاد.

207- ومن الناس نوع آخر وهم الأخيار الأبرار، فمن الناس فريق من أهل الخير والصلاح باع نفسه طلبًا لمرضاته، ورغبة في ثوابه، لا يتحرى بعمله إلا وجه الله، والله عظيم الرحمة بالعباد، يضاعف الحسنات ويعفو عن السيئات، ولا يعجل بالعقوبة لمن عصاه.

208- يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في الإسلام بكليته في جميع أحكامه وشرائعه، فلا تأخذوا حكمًا وتتركوا حكمًا، لا تأخذوا بالصلاة وتمنعوا الزكاة مثلًا، فالإسلام كلٌ لا يتجزأ، ولا تتبعوا طرق الشيطان وإغواءه فإنه عدوكم ظاهر العداوة.

209- فإن انحرفتم عن الدخول في الإسلام من بعد مجيء الحجج الباهرة والبراهين القاطعة على أنه حق، فاعلموا أن الله غالب لا يعجزه الانتقام ممن عصاه حكيم في خلقة وصنعه.

210- ما ينتظرون شيئًا إلا أن يأتيهم أمر الله يوم القيامة لفصل القضاء بين الخلائق حيث تنشق السماء وينزل الجبار سبحانه في ظل من الغمام وحملة العرش والملائكة، وقد انتهى أمر الخلائق بالفصل بينهم فريق الجنة وفريق في السعير، وإلى الله وحده مرجع الناس جميعًا.

211- واسأل يا محمد بني إسرائيل توبيخًا وتقريعًا: كم شاهدوا مع موسى من معجزات باهرات وحجج قاطعات تدل على صدقه ومع ذلك كفروا، ومن يبدل نعم الله بالكفر والجحود بها فإن عقاب الله له أليم وشديد.

212- زُيِّنت للذين كفروا شهوات الدنيا ونعيمها حتى نسوا الآخرة وأشربت محبتها في قلوبهم حتى تهافتوا عليها، وأعرضوا عن دار الخلود، وهم مع ذلك يهزؤون ويسخرون بالمؤمنين يرمونهم بقلة العقل لتركهم الدنيا وإقبالهم على الآخرة، وإن المؤمنين المتقين لله فوق أولئك الكافرين منزلة ومكانة، فهم في أعلى عليين وأولئك الكافرين في أسفل سافلين، والمؤمنون في الآخرة في أوج العزة والكرامة، والكافرون في حضيض الذل والمهانة، والله يرزق أولياءه رزقًا واسعًا رغدًا، لا فناء له ولا انقطاع أو يرزق في الدنيا من شاء من خلقه، ويوسع على من شاء مؤمنًا كان أو كافرًا، برًّا أو فاجرًا على حسب الحكمة والمشيئة الإلهية.

س3: ما الأثر التربوي للآيات الكريمة من (204-212)؟

ج: أ. أن يعرف المؤمن سبب نزول الآية الكريمة: ﴿وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُۥ ..﴾. إلى قوله تعالى: ﴿وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِى ٱلْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ ٱلْحَرْثَ وَٱلنَّسْلَ﴾، فقد روي أن (الأخنس بن شريق) أتى النبي (ص) فأظهر له الإسلام وحلف أنه يحبه، وكان منافقًا حسن العلانية خبيث الباطن، ثم خرج من عند النبي (ص) فمر بزرع لقوم من المسلمين وحُمُر فأحرق الزرع وقتل الحُمُر فأنزل الله تعالى تلك الآية.

ب. أن يعرف المؤمن سبب نزول الآية الكريمة: ﴿وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْرِى نَفْسَهُ ٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِ ٱللَّهِ﴾، فقد روي أن صهيبًا الرومي لما أراد الهجرة إلى المدينة المنورة لحقه نفر من قريش من المشركين ليردوه، فنزل من راحلته، ونثر ما في كنانته وأخذ قوسه ثم قال: يا معشر قريش لقد علمتم أني من أرماكم رجلًا، وأيم الله لا تصلون إليَّ حتى أرمي بما في كنانتي، ثم أضرب بسيفي ما بقي في يدي منه شيء ثم افعلوا ما شئتم، قالوا: جئتنا صعلوكًا لا تملك شيئًا وأنت الآن ذو مال كثير!! فقال: أرأيتم إن دللتكم على مالي تخلون سبيلي؟ قالوا: نعم، فدلهم على ماله بمكة، فلما قدم المدينة، دخل على رسول الله (ص)، فقال له (ص): (ربح البيع صهيب، ربح البيع صهيب)، وأنزل الله تعالى فيه تلك الآية الكريمة.

ج. أن يكون المؤمن لينًا، شريفًا، نبيلًا، متسامحًا في خصومته، عادلًا مع خصمه، فإن من علامات المنافق إذا خاصم فجر، وفي الحديث الشريف (إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصيم).

د. أن يكثر المؤمن من تسبيح الله تعالى، وأن يقتدي بتسبيح الملائكة، فيقول مثلما يقولون مسبحين: سبحان ذي الملك والملكوت، سبحان ذي العزة والجبروت، سبحان الحي الذي لا يموت، سبوح قدوس رب الملائكة والروح.

ه. أن يتقي المؤمن ربه بعدم السعي في الأرض بالفساد والإفساد.

فيهلك الحرث والنسل وينتبه إلى الرجوع إلى الله إذا مال وانحرف ونصحه الناس بتقوى الله.

و. أن يزهد المؤمن فيما لديه من مال أو جاه أو سلطان ابتغاء لرضا الله تعالى، فلا تدفعه زينة الدنيا من مال وبنين وغير ذلك من النعم إلى عدم تلبية دعوة الله له بالإيمان الحق وحفظ الإسلام والدفاع عن عقيدة التوحيد.

ز. ألا يأخذ المؤمن ببعض ما جاء في القرآن، ويعرض عن البعض، فالمؤمن الحق هو الذي يؤمن بكل ما جاء في الكتاب العزيز، ويسعى إلى تطبيق كل ما جاء في الكتاب من شرع الله تعالى. فهناك من العلمانيين في عصرنا من يؤمن بالله ورسوله، ولكنه يجحد بعضًا من آيات الله وشريعته في القرآن الكريم، فيرى مثلًا أن النظام الاقتصادي الماركسي أفضل من النظام الاقتصادي الإسلامي، كما ينكر أصل الإنسان من طين، ويزعم أن أصله قرد وفق ما يسمى بالنظرية الداروينية. وغير ذلك من أوهام العلمانيين.

ح. أن يقارن المؤمن بين الذين كفروا، والذين آمنوا، فالفريق الأول زينت له الحياة الدنيا فهو يتكالب على مطالب الدنيا ويسخر من المؤمنين، بينما الفريق الثاني فقد وصفهم المولى عز وجل في قرآنه بأنهم فوق الذين كفروا فهم في أعلى عليين يوم القيامة وفي أوج العزة والكرامة.

  1. ﴿كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةًۭ وَٰحِدَةًۭ فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِيِّـۧنَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ بِٱلْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ فِيمَا ٱخْتَلَفُوا۟ فِيهِ ۚ وَمَا ٱخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا ٱلَّذِينَ أُوتُوهُ مِنۢ بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيِّنَـٰتُ بَغْيًۢا بَيْنَهُمْ ۖ فَهَدَى ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ لِمَا ٱخْتَلَفُوا۟ فِيهِ مِنَ ٱلْحَقِّ بِإِذْنِهِۦ ۗ وَٱللَّهُ يَهْدِى مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَٰطٍۢ مُّسْتَقِيمٍ * أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا۟ ٱلْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ ٱلَّذِينَ خَلَوْا۟ مِن قَبْلِكُم ۖ مَّسَّتْهُمُ ٱلْبَأْسَآءُ وَٱلضَّرَّآءُ وَزُلْزِلُوا۟ حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ مَعَهُۥ مَتَىٰ نَصْرُ ٱللَّهِ ۗ أَلَآ إِنَّ نَصْرَ ٱللَّهِ قَرِيبٌۭ * يَسْـَٔلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ ۖ قُلْ مَآ أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍۢ فَلِلْوَٰلِدَيْنِ وَٱلْأَقْرَبِينَ وَٱلْيَتَـٰمَىٰ وَٱلْمَسَـٰكِينِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ ۗ وَمَا تَفْعَلُوا۟ مِنْ خَيْرٍۢ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِۦ عَلِيمٌۭ * كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌۭ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰٓ أَن تَكْرَهُوا۟ شَيْـًۭٔا وَهُوَ خَيْرٌۭ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰٓ أَن تُحِبُّوا۟ شَيْـًۭٔا وَهُوَ شَرٌّۭ لَّكُمْ ۗ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ *يَسْـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ قِتَالٍۢ فِيهِ ۖ قُلْ قِتَالٌۭ فِيهِ كَبِيرٌۭ ۖ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَكُفْرٌۢ بِهِۦ وَٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِۦ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ ٱللَّهِ ۚ وَٱلْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ ٱلْقَتْلِ ۗ وَلَا يَزَالُونَ يُقَـٰتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ ٱسْتَطَـٰعُوا۟ ۚ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِۦ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌۭ فَأُو۟لَـٰٓئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَـٰلُهُمْ فِى ٱلدُّنْيَا وَٱلْـَٔاخِرَةِ ۖ وَأُو۟لَـٰٓئِكَ أَصْحَـٰبُ ٱلنَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَـٰلِدُونَ * إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَٱلَّذِينَ هَاجَرُوا۟ وَجَـٰهَدُوا۟ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ أُو۟لَـٰٓئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ ٱللَّهِ ۚ وَٱللَّهُ غَفُورٌۭ رَّحِيمٌۭ﴾.

س1: اذكر معاني الكلمات الآتية في سياق الآيات الكريمة من (213 – 218).

بغيًا/ زلزلوا/ كُرهٌ/ صد/ يرتدد/ حبطت/ يرجون.

ج: (بغيًا)؛ البغي: العدوان والطغيان، (زلزلوا)؛ مأخوذ من زلزلة الأرض وهو اضطرابها والزلزلة: التحريك الشديد، (كُرهٌ)؛ مكروه تكرهه نفوسكم، قال ابن قتيبة: الكُره بضم الكاف المشقة، وبفتح الكاف الإكراه والقهر، (صد)؛ الصد: المنع: يقال صده عن الشيء: منعه، (يرتدد)؛ يرجع والردة الرجوع من الإيمان إلى الكفر – قال الراغب: الارتداد والردة الرجوع في الطرق الذي جاء منه لكن الردة تختص بالكفر، وارتداد يستعمل فيه وفي غيره، (حبطت)؛ بطلت وذهبت، (يرجون)؛ الرجاء: الأمل والطمع في حصول ما فيه نفع ومصلحة.

س2: ما تفسير الآيات الكريمة من (213 – 218)؟

213- كان الناس على الإيمان والفطرة المستقيمة فاختلفوا وتنازعوا، فبعث الله تعالى الأنبياء والرسل لهداية الناس مبشرين للمؤمنين بجنات النعيم، ومنذرين للكافرين بعذاب الجحيم، وأنزل معهم الكتب السماوية لهداية البشر حال كونها منزلةً بين الناس في أمر الدين الذي اختلفوا فيه، وما اختلف في الكتاب الهادي المنير المنزل لإزالة الاختلاف إلا الذين أعطوا الكتاب، أي إنهم عكسوا الأمر، حيث جعلوا ما أنزل لإزالة الاختلاف سببًا لاستحكامه ورسوخه، من بعد ظهور الحجج الواضحة والدلائل القاطعة على صدق الكتاب، فقد كان خلافهم عن بينة وعلم لا عن غفلة وجهل، حسدًا من الكافرين للمؤمنين، فهدى الله المؤمنين للحق الذي اختلف فيه أهل الضلالة بتيسيره ولطفه، والله يهدي من يشاء هدايته إلى طريق الحق الموصل إلى جنات النعيم.

214- بل ظننتم يا معشر المؤمنين أن تدخلوا الجنة بدون ابتلاء، وامتحان، واختبار، والحال لم ينلكم مثلما نال من سبقكم من المؤمنين من المحن والشدائد، ولم يبتلوا بمثل ما ابتلوا به من النكبات، فقد أصابتهم الشدائد والمصائب والنوائب، وأزعجوا إزعاجًا شديدًا شبيهًا بالزلزلة، حتى وصل بهم الحال أن يقول الرسول والمؤمنون معه: متى نصر الله؟ أي متى يأتي نصر الله، وذلك استبطاءً منهم للنصر لتناهي الشدة عليهم، وهذا غاية الغايات في تصوير شدة المحنة- فإذا كان الرسل -مع علو كعبهم في الصبر والثبات – عِيل ونفد صبرهم، وبلغوا هذا المبلغ من الضجر والضيق، كان ذلك دليلًا على أن الشدة بلغت منتهاها، فقال تعالى جوابًا لهم: ألا فأبشروا بالنصر فإنه قد حان أوانه.

215- يسألونك يا محمد ماذا ينفقون؟ وعلى من ينفقون؟ فقل لهم يا محمد اصرفوها في هذه الوجوه: للوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل، فكل معروف تفعلونه يعلمه الله وسيجزيكم عليه أوفر الجزاء.

216- وفد فرض عليكم -أيها المؤمنون- قتال الكفار وهو شاق ومكروه على نفوسكم لما فيه من بذل المال، وخطر هلاك النفس، ولكن قد تكره نفوسكم شيئًا وفيه كل النفع والخير، وقد تحب نفوسكم شيئًا وفيه كل الخطر والضرر عليكم، فلعل لكم في القتال – وإن كرهتموه – خيرًا لأن فيه إما الظفر والغنيمة، أو الشهادة والأجر، ولعل لكم في تركه -وإن أحببتموه – شرًّا لأن فيه الذل والفقر وحرمان الأجر، والله أعلم بعواقب الأمور منكم، وأدرى بما فيه صلاحكم في دنياكم وآخرتكم، فبادروا إلى ما يأمركم به.

217- ويسألك أصحابك يا محمد عن القتال في الشهر الحرام: أيحل لهم القتال فيه؟

قل لهم: القتال فيه أمره كبير، ووزره عظيم، ولكن هناك ما هو أعظم وأخطر وهو منع المؤمنين عن دين الله، وكفرهم بالله، وصدهم عن المسجد الحرام -يعني مكة- وإخراجكم من البلد الحرام وأنتم أهله وحماته، كل ذلك أعظم وزرًا وذنبًا عند الله من قتل من قتلتم من المشركين، فإذا استعظموا قتالكم لهم في الشهر الحرام فليعلموا أن ما ارتكبوه في حق النبي والمؤمنين أعظم وأشنع، وأن فتنة المسلم عن دينه حتى يردوه إلى الكفر بعد إيمانه أكبر عند الله من القتل، ولا يزالون جاهدين في قتالكم حتى يعيدوكم إلى الكفر والضلال إن قدروا فهم غير نازعين عن كفرهم وعدوانهم، ومن يستجب لهم منكم فيرجع عن دينه ويرتد عن الإسلام، ثم يموت على الكفر فقد بطل عمله الصالح في الدارين، وذهب ثوابه. وهم مخلّدون في جهنم لا يخرجون منها أبدًا.

218- إن المؤمنين الذين فارقوا الأهل والأوطان وجاهدوا الأعداء لإعلاء دين الله هم الجديرون بأن ينالوا رحمة الله، والله عظيم المغفرة، واسع الرحمة.

س3: ما الأثر التربوي للآيات الكريمة من (213-218)؟

ج: أ. أن يعرف المؤمن سبب نزول الآية الكريمة: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ﴾ أن النبي (ص) بعث عبد الله بن جحش على سرية ليترصدوا عير لقريش فيها “عمرو بن الحضرمي” وثلاثة معه، فقتلوه وأسروا اثنين واستاقوا العير بما فيه من تجارة، وكان ذلك أول يوم من رجب، وهم يظنونه من جمادى الآخرة، فقالت قريش: قد استحل محمد الشهر الحرام، شهرًا يأمن فيه الخائف، ويتفرق فيه الناس إلى معايشهم وعظم ذلك على المسلمين فنزلت الآية الكريمة.

ب. أن يتقبل المؤمن ما يبتليه به الله عز وجل، فذلك برهان صادق علة إيمانه فإن الله يمتحن المؤمنين ويختبر صدق إيمانهم بالابتلاء.

جـ. ألا يستبطئ المؤمن نصر الله له وللإسلام، فالله تعالى هو الأعلم بخير الإنسان وشره، فقد يكون في طمع الإنسان في شيء ما يراه خيرًا، فإذا هو بالشر المستطير له، وقد يكره الإنسان شيئًا ما يراه شرًّا فإذا هو الخير العميم.

د. أن ينفق المؤمن في الوجوه التي أمره الله تعالى وبيّنها له، فالإنفاق في الخير: للوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل وفي الرقاب والغارمين والمؤلفة قلوبهم والعاملين على الصدقات.

هـ. أن يعلم المؤمن أن ما يقوم به البعض في عصرنا من تشكيك في الإسلام قرآنًا وسنة من أجل فتنة المسلمين ليردوهم عن دينهم الإسلام إلى الكفر لهو أمر أكبر عند الله من القتل.

و. أن يطمئن قلب المؤمن إلى تحقيق نصر الله للمؤمنين، وذلك بتأمله لأدوات التوكيد على نصر الله في الآية الكريمة: ﴿أَلاَ إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ﴾، ففي هذه الجملة عدة مؤكّدات تدل على تحقق النصر. أولًا: بدء الجملة بأداة الاستفتاح “ألا” التي تفيد التوكيد، ثانيًا: “إنّ” الدالة على التوكيد أيضًا، ثالثًا: إيثار الجملة الاسمية على الفعلية، فالتعبير بالجملة الاسمية يفيد التأكيد، ثم رابعًا: إضافة النصر إلى رب العالمين القادر على كل شيء.

ز. أن يتذكر المؤمن بعض الأمور والمطالب في حياته السابقة والتي رغب فيها وتمناها ورأى أنها الخير، فإذا بها هي الشر بعينه، وبعض الأمور التي رغب عنها وكرهها حينما وقعت له وظنها الشر فإذا به يجني من ورائها الخير الكثير.

ح. أن يتأمل المؤمن تعبير الله تعالى بصيغة الواحد عن كتب النبيين (أنزل معهم الكتاب) للإشارة إلى أن كتب النبيين وإن تعدّدت فهي في جوهرها كتاب واحد لاشتمالها على شرع واحد في أصله وهو الإسلام.

ط. أن يستصغر المؤمن ما يقدمه من تضحيات في سبيل الله، وما قد يلاقيه أحيانًا من صنوف العذاب والتعذيب، فقد روى البخاري عن الصحابي خبَّاب بن الأرت قال: شكونا إلى رسول الله وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة فقلنا: ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو لنا؟ (فقال: قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها، ثم يأتون بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه ما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون). فمهما مر على المسلمين من محن وشدائد، ومرت بهم عصور من الضعف والذل، فإن الله ناصر دينه، ومحقق وعده.

س1 / ثم طلقها قبل أن يمسها، فنزلت الآية الكريمة فقال له النبي: (متعها ولو بقلنسوتك). القلنسوة: في القاموس:

 أ. لباس للرأس مختلف الأنواع والأشكال، وغطاء للرأس ذو قَبَّة أي أهداب يغطي الكفتين.

ب. أن يتأدب الرجل الراغب في الزواج من المرأة التي توفي عنها زوجها في العدة بأدب القرآن الكريم، كما علّمنا ربنا سبحانه، وذلك بطريق التلميح لا التصريح، وفي ذلك قال ابن عباس كأن يقول الرجل أمام المرأة: وددت أن الله يسر لي امرأة صالحة وإن النساء لمن حاجتي.

جـ. أن يتبين المؤمن الحكمة الربانية في إيجاب المتعة للمطلّقة فهي جبر إيحاش الطلاق، وقال في ذلك ابن عباس: إن كان معسرًا متعها بثلاثة أثواب، وإن كان موسرًا متعها بخادم.

د. أن يتقي الرجل المطلّق والمرأة المطلقة ربهما في عدم العناد وإيجاد العداوة فيضران بذلك المولود، فمن واجبهما أن يشفقا عليه، ولا تكون العداوة بينهما سببًا في الإضرار به.

هـ. أن يفقه الرجل والمرأة المقبلان على الزواج، أو قد تزوجا بالفعل أن كل حكم شرعي في كتاب الله وراءه حكمة ربانية للمصلحة والمنفعة وإزالة الضرر، وفقه الزواج والطلاق من أهم ألوان الفقه لما له من اتصال وثيق ببناء الأسرة في الإسلام وبناء المجتمع، وهي قضية أوجد لها الإسلام الحلول الناجزة العادلة والنافعة، وراعى فيها الإسلام الإبقاء على علاقات المودة والرحمة والتسامح على عكس ما نراه في المجتمعات المادية، وحسبما نهي الله تعالى للمؤمنين والمؤمنات الذين وقع بينهم الطلاق بألا ينسوا الفضل بينهم، فقال تعالى في كتابه الكريم: ﴿وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلاَ تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾.

د. أن يعلم المؤمن أن استحالة الطلاق، أو وضع عوائق لا تطاق لتحقيقه في التشريعات والمواهب اليهودية والنصرانية دفعت برجال ونساء هذه المجتمعات إلى أحط أنواع التحلل الأخلاقي من فسق وفجور، وضياع الأسرة، فباتت أسرًا ورقية فقط.

  1. 8. ﴿۞ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ خَرَجُوا۟ مِن دِيَـٰرِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ ٱلْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ ٱللَّهُ مُوتُوا۟ ثُمَّ أَحْيَـٰهُمْ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ *وَقَـٰتِلُوا۟ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱعْلَمُوٓا۟ أَنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌۭ * مَّن ذَا ٱلَّذِى يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضًا حَسَنًۭا فَيُضَـٰعِفَهُۥ لَهُۥٓ أَضْعَافًۭا كَثِيرَةًۭ ۚ وَٱللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُۜطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلْمَلَإِ مِنۢ بَنِىٓ إِسْرَٰٓءِيلَ مِنۢ بَعْدِ مُوسَىٰٓ إِذْ قَالُوا۟ لِنَبِىٍّۢ لَّهُمُ ٱبْعَثْ لَنَا مَلِكًۭا نُّقَـٰتِلْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ ۖ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِتَالُ أَلَّا تُقَـٰتِلُوا۟ ۖ قَالُوا۟ وَمَا لَنَآ أَلَّا نُقَـٰتِلَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَـٰرِنَا وَأَبْنَآئِنَا ۖ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ ٱلْقِتَالُ تَوَلَّوْا۟ إِلَّا قَلِيلًۭا مِّنْهُمْ ۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌۢ بِٱلظَّـٰلِمِينَ * وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًۭا ۚ قَالُوٓا۟ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ ٱلْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِٱلْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةًۭ مِّنَ ٱلْمَالِ ۚ قَالَ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَىٰهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُۥ بَسْطَةًۭ فِى ٱلْعِلْمِ وَٱلْجِسْمِ ۖ وَٱللَّهُ يُؤْتِى مُلْكَهُۥ مَن يَشَآءُ ۚ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٌۭ * وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ ءَايَةَ مُلْكِهِۦٓ أَن يَأْتِيَكُمُ ٱلتَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌۭ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌۭ مِّمَّا تَرَكَ ءَالُ مُوسَىٰ وَءَالُ هَـٰرُونَ تَحْمِلُهُ ٱلْمَلَـٰٓئِكَةُ ۚ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَـَٔايَةًۭ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِٱلْجُنُودِ قَالَ إِنَّ ٱللَّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍۢ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّى وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُۥ مِنِّىٓ إِلَّا مَنِ ٱغْتَرَفَ غُرْفَةًۢ بِيَدِهِۦ ۚ فَشَرِبُوا۟ مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًۭا مِّنْهُمْ ۚ فَلَمَّا جَاوَزَهُۥ هُوَ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ مَعَهُۥ قَالُوا۟ لَا طَاقَةَ لَنَا ٱلْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِۦ ۚ قَالَ ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَـٰقُوا۟ ٱللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍۢ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةًۭ كَثِيرَةًۢ بِإِذْنِ ٱللَّهِ ۗ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّـٰبِرِينَ * وَلَمَّا بَرَزُوا۟ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِۦ قَالُوا۟ رَبَّنَآ أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًۭا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَٱنصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَـٰفِرِينَ * فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُۥدُ جَالُوتَ وَءَاتَىٰهُ ٱللَّهُ ٱلْمُلْكَ وَٱلْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُۥ مِمَّا يَشَآءُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍۢ لَّفَسَدَتِ ٱلْأَرْضُ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلْعَـٰلَمِينَ * تِلْكَ ءَايَـٰتُ ٱللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِٱلْحَقِّ ۚ وَإِنَّكَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ﴾.

س1: اذكر معاني الكلمات الآتية في سياق الآيات الكريمة من (243-252) وهي آخر عشر آيات في الجزء الثاني من القرآن الكريم.

ألوف/حذر/ يقبض ويبسط/ الملأ/ فصل/ مبتليكم/ يظنون/ فئة/ أفرغ.

ج: (ألوف) جمع ألف، جمع كثرة، وفي القلة آلاف، ومعناه كثرة كاثرة وألوف مؤلفة.

(حذر)؛ خشية وخوف، (يقبص ويبسط)؛ القبض: ضم الشيء والجمع عليه والمراد به التقتير، والبسط ضد القبض فالمراد بالبسط: التوسيع، (الملأ)؛ الأشراف من الناس سموا بذلك لأنهم يملأون العين مهابة وجلالًا، (فصل)؛ انفصل من مكانه يقال: فصل عن الموضع انفصل عنه وجاوزه، (مبتليكم)؛ مختبركم، (يظنون)؛ يستيقنون ويعلمون، (فئة)؛ الفئة: الجماعة من الناس، لا واحد كالرهط والنفر، (أفرغ)؛ أفرغ الشيء صبه وأنزله.

س2: ما تفسير الآيات الكريمة من (243-252)؟

ج: 243- ألم يصل سمعك يا محمد، أو أيها المخاطب حال أولئك القوم الذين خرجوا من وطنهم وهم ألوف مؤلفة خوفًا من الموت وفرارًا منه، فأماتهم الله ثم أحياهم- وهم قوم من بني إسرائيل دعاهم ملكهم إلى الجهاد فهربوا خوفًا من الموت فأماتهم الله ثمانية أيام ثم أحياهم ( وكانوا سبعين ألفًا)، وقد أحياهم الله بدعوة نبيهم (حزقيل) فعاشوا بعد ذلك دهرًا، وقيل: إنهم هربوا من الطاعون فأماتهم الله، وإن الله ذو إنعام وإحسان على الناس حيث يريهم من الآيات الباهرة والحجج القاطعة ما يبصرهم بما فيه سعادتهم في الدنيا والآخرة، ولكن أكثر الناس لا يشكرون الله على نعمه، بل ينكرون ويجحدون.

244- وقاتلوا الكفار لإعلاء دين الله لا لحظوظ النفس وأهوائها، واعلموا أن الله سميع لأقوالكم، عليم بنياتكم وأحوالكم فيجازيكم عليها، كما أن الحذر لا يغني من القدر، فكذلك الفرار من الجهاد لا يقرب أجلًا، ولا يبعده.

245- ومن الذي يبذل ماله وينفقه في سبيل الخير ابتغاء وجه الله، ولإعلاء كلمة الله في الجهاد وسائر طرق الخير، فيكون جزاؤه أن يضاعف الله تعالى له ذلك القرض أضعافًا كثيرة؟ لأنه قرض لأغنى الأغنياء رب العالمين جل جلاله، وفي الحديث القدسي: (من يقرض غير عديم ولا ظلوم)، والله يقتر على من يشاء، ويوسع على من يشاء ابتلاءً وامتحانًا، وإلى الله ترجعون يوم القيامة فيجازيكم على أعمالكم.

246- ألم يصل خبر القوم إليك؟ (المراد بالقوم: كانوا من بني إسرائيل وبعد وفاة موسى (ع)) حين قالوا لنبيهم “شمعون” وهو من نسل هارون: أقم لنا أميرًا واجعله قائدًا لنا لنقاتل معه الأعداء في سبيل الله، فقال لهم نبيهم: أخشى أن يفرض عليكم القتال ثم لا تقاتلوا عدوكم وتجبنوا عن لقائه، فقالوا له: أي سبب لنا في ألا نقاتل عدونا وقد أخذت منا البلاد وسبيت الأولاد؟ فلما فرض عليهم القتال نكل أكثرهم عن الجهاد هلعًا وجبنًا، إلا فئة قليلة منهم صبروا وثبتوا، وهم الذين عبروا النهر مع طالوت، والله عليم بهؤلاء الظالمين وقد توعدهم الله على ظلمهم بترك الجهاد عصيانًا لأمره تعالى.

247- وقد أخبرهم نبيهم بأن الله تعالى قد ملَّك عليهم طالوت ليكونوا تحت إمرته في تدبير أمر الحرب، واختاره ليكون أميرًا عليهم، فقالوا معترضين على نبيهم كيف يكون ملكًا علينا والحال أننا أحق بالملك منه لأن فينا من هم أولاد الملوك، وهو مع هذا فقير لا مال له فكيف يكون ملكًا علينا؟ فأجابهم نبيهم على ذلك الاعتراض: بأن الله اختاره عليكم وهو أعلم بالمصالح منكم، والعمدة في الاختيار أمران: العلم ليتمكن به من معرفة أمور السياسة، والأمر الثاني قوة البدن ليعظم خطره في القلوب ويقدر على مقاومة الأعداء ومكابدة الشدائد، وقد خصَّه الله منهما بحظ وافر، والله يعطي الملك لمن شاء من عباده من غير إرث أو مال، والله واسع الفضل عليهم بمن هو أهل له فيعطيه إياه.

248- إذ طلبوا من نبيهم آية تدل على اصطفاء الله لطالوت – أجابهم إلى ذلك: إن الله وعلامة ملكه واصطفائه عليكم أن يرد الله إليكم التابوت الذي أخذ منكم، (وهو كما قال الزمخشري: صندوق التوراة الذي كان موسى (ع) إذا قاتل قدمه، فكانت تسكن نفوس بني إسرائيل ولا يفرون)، وفي ذلك التابوت السكينة والطمأنينة والوقار، وفيه أيضًا بقية من آثار موسى وآل هارون وهي عصا موسى وثيابه وبعض الألواح التي كتبت فيها التوراة تحمله الملائكة، وإن في نزول التابوت لعلامة واضحة أن الله اختاره ليكون ملكًا عليكم إن كنتم مؤمنين بالله واليوم الآخر.

249- فلما خرج طالوت بالجيش وانفصل عن بيت المقدس وجاوزه وكانوا ثمانين ألفًا أخذ بهم في أرض قفرة، فأصابهم حر وعطش شديد، فقال لهم طالوت: إن الله مختبركم بنهر؛ وهو نهر الشريعة المشهور بين الأردن وفلسطين، فمن شرب منه فلا يصحبني – وأراد بذلك أن يختبر إرادتهم وطاعتهم قبل أن يخوض بهم غمار الحرب، ومن لم يشرب منه ولم يذقه فإنه من جندي الذين يقاتلون معي، لكن من اغترف قليلًا من الماء ليبل عطشه وينقع غلته (عطشه) فلا بأس بذلك، فأذن لهم برشفة من الماء تذهب بالعطش، فشرب الجيش منه إلا فئة قليلة صبرت على العطش، فلما اجتاز النهر مع الذين صبروا على العطش والتعب ورأوا كثرة عدوهم اعتراهم الخوف، فقال فريق منهم: لا قدرة لنا على قتال الأعداء مع قائد جيشهم جالوت، فنحن قلة وهم كثرة كاثرة، وقال الذين يعتقدون بلقاء الله وهم الصفوة والأخيار والعلماء والأبرار من أتباع طالوت: كثيرًا ما غلبت الجماعة القليلة الجماعة الكثيرة بإرادة الله ومشيئته، فليس النصر عن كثرة العدد، وإنما النصر من عند الله، والله مع الصابرين يحفظهم ويرعاهم ويؤيدهم، ومن كان الله معه فهو منصور بحول الله.

250- ولما ظهروا في الفضاء المتسع وجهًا لوجه أمام ذلك الجيش الجرّار جيش جالوت المدرب على الحروب، دعوا الله ضارعين إليه بثلاث دعوات، تفيد إدراك أسباب النصر، فقالوا أولًا: ربنا أفض علينا صبرًا يعمنا في جمعنا، وفي خاصة نفوسنا لنقوى على قتال أعدائك، وثانيًا: ثبتنا في ميدان الحرب ولا تجعل للفرار سبيلًا في قلوبنا، ثم الدعوة الثالثة: وانصرنا على من كفر بك، وكذّب رسلك وهم جالوت وجنوده.

251- فهزمت الفئة القليلة المؤمنة جيش جالوت كثير العدد، قوي التدريب، كثير العدد بنصر الله وتأييده، إجابة لدعائهم، وانكسر عدوهم انكسارًا رغم كثرته، وقتل داود جالوت، وكان في جيش المؤمنين مع طالوت، وقتل جالوت واندحر جيشه، وأعطى الله تعالى داود الملك والنبوة، وعلّمه ما يشاء من العلم النافع الذي أفاض عليه، ولولا أن يدفع الله شر الأشرار بجهاد الأخيار لفسدت الحياة؛ لأن الشر إن غلب كان الخراب والدمار، ولكن الله ذو تفضل وإنعام على البشر حيث لا يمكن للشر من الاستعلاء.

252- ما قصصناه عليك يا محمد من الأمور الغريبة، والقصص العجيبة التي وقعت في بني إسرائيل، وهي من آيات الله، والأخبار المغيبة التي أوحاها إليك بالحق بواسطة جبريل الأمين، وإنك يا محمد لمن جملة الرسل الذين أرسلهم الله لتبليغ دعوة الله عز وجل.

س3: ما الأثر التربوي للآيات الكريمة من (243-252)؟

أ. أن يكثر المؤمن من الصدقات لما لها من ثواب عظيم، فقد أسند الاستقراض إلى الله تعالى في قوله: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً﴾، وهو المنزّه عن الحاجات ترغيبًا في الصدقة كما أضاف الإحسان إلى المريض والجائع والعطشان إلى نفسه تعالى في قوله تعالى في الحديث القدسي: (ابن آدم مرضت فلم تعدني، واستطعمتك فلم تطعمني، واستسقيتك فلم تسقني)، الحديث الذي رواه الشيخان، والمقصود منه ذلك حث الله تعالى المؤمنين على زيارة المريض وإطعام الجائع وسقي الظمآن.

ب. أن يعجب المؤمن ويقتدي بأهل البذل والعطاء والصدقات، فلا ينتقص مال من صدقة كما ورد في الحديث الشريف، ورُوي أنه لما نزلت الآية الكريمة ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً﴾ جاء أبو الدحداح الأنصاري إلى رسول الله (ص) فقال: يا رسول الله: وإن الله ليريد منا القرض؟ قال: نعم يا أبا الدحداح! قال أرني يدك يا رسول الله، فناوله يده قال: فإني قد أقرضت ربي حائطي -أي بستاني – وكان فيه ستمائة نخلة وأم الدحداح فيه وعيالها- فجاء أبو الدحداح فناداها: يا أم الدحداح قالت: لبيك، قال: أخرجي فقد أقرضته ربي عز وجل، وفي رواية قالت: ربح بيعك يا أبا الدحداح وخرجت منه مع عيالها.

ج. ألا يهاب المؤمن ولا يخاف ولا يجبن في مواجهة الكثرة الظالمة، فالله يؤيد المؤمنين ولو كانوا قليلين بنصره المبين، كما حدث مع طالوت في مواجهة جالوت، وكما انتصر المسلمون وهم قلة في غزوة بدر على المشركين وهم كثرة.

د. أن يلجأ المؤمن بالدعاء إلى الله عند مواجهة أعداء الله، والرغبة في هزيمتهم وهي الدعوات الثلاثة التي وردت في الآية الكريمة: 1- ربنا أفض علينا صبرًا يعمنا في جمعنا. 2- ربنا ثبت أقدامنا في ميدان الحرب ولا تجعل للفرار سبيلًا إلى قلوبنا. 3- ربنا انصرنا على القوم الظالمين.

هـ. أن يضيف المؤمن إلى معلوماته أن بني إسرائيل لما طلبت من نبيهم أن يأتي لهم بآية ودليل يدل على اصطفاء الله لطالوت بالملك، جاءت الملائكة كما يقول ابن عباس: تحمل التابوت بين السماء والأرض حتى وضعته بين يدي طالوت والناس ينظرون.

و. أن يعلم المؤمن أن من بقي مع طالوت بعد عبور النهر الذي ابتلاهم به الله تعالى، أربعة آلاف، وكانوا قبل ذلك ستة وسبعين ألفًا كما قال السدي.

ز. أن يقوم المؤمن بزيادة ثقافة التاريخية والقرآنية؛ فيستوعب عقله القرآن؛ ويكون إيمانه عقلي وروحي معًا.

ح. أن يقاوم المؤمنون الظلم والظالمين ويتصدون لهم في كل وقت وفي كل مكان، فلولا أن يدفع الله شر الأشرار بجهاد الأخيار لفسدت الأرض.

هذا، وبالله التوفيق والأمل في النجاح.


اكتشاف المزيد من معهد المعارف الحكمية للدراسات الدينية والفلسفية

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليقًا

قد يعجبك أيضاً


اكتشاف المزيد من معهد المعارف الحكمية للدراسات الدينية والفلسفية

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.